تأملات في النهضة الحسينية ح 5
حيدر الحد راوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 11- لا يوم كيوم الحسين ..... لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ! 

وردت هذه الجملة على لسان الإمام السجاد عليه السلام حين وقع بصره يوما على عمه العباس عليه السلام فبكى ، وذكر يوم أُحُد يوم قتل حمزة، وذكر معركة مؤتة يوم قتل جعفر بن أبى طالب ثم قال: "لا يوم كيوم الحسين إذ لف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كلّ يتقرب إلى الله عزّ وجلّ بدمه وهو بالله يذكّرهم فلا يتّعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً …" (ناسخ التواريخ 73:4، بحار الانوار274:22). 

 

و كان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب والإمام الحسن عليهما السلام قد خاطبا الحسين بالقول: "لا يوم كيومك يا أبا عبدالله " (نفس المصدر السابق) ) .

 

ليست كلمة يرددها عشاق الحسين (ع) , وليست جملة أتت من فراغ , وليست شعارا يرفع هنا وهناك , بل هي كلمات نطق بها حكيم , لا ينطق عن الهوى , ولا تغزوه اثار القرابة والشجى . 

لو تأملنا قليلا فيها , لانكشفت لنا بعض اسرارها , وبان لنا بعضا من معانيها , ولوقفنا عندئذ على مبانيها .

منذ ان خلق الله تعالى الخليقة , صرف فيها الايام { وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}آل عمران140 , فكان لكل شيء يوما , ولكل حدث يوما , ستة ايام لخلق السموات والارض , يوم الدين  {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }الفاتحة4 , اليوم الاخر  {إ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62 , يوم القيامة   {ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة85 , يوم الولادة , ويوم الموت , ويوم البعث  {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }مريم33 , وهكذا , الايام المميزة كثيرة , هناك حوالي 124 الف نبي , لكل منهم يوم ولادة , ويوم وفاة , واياما كسائر الايام , يوما فيه فرح وسرور , ويوما فيه حزن وهم وغم , ويوم يبعث حيا , { لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ }آل عمران9 . 

الان , فلنقابل كل يوما مميزا مع هذه الجملة (  لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ) , ونعرض مضمون ذلك اليوم , مع مضمون يوم الحسين (ع) , يوم العاشر من محرم ( عاشوراء ) : 

يوم القيامة = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) .  

يوم البعث = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) . 

اليوم الاخر = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) . 

يوم لا ريب فيه = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) .

يوم ولادة النبي الكريم محمد (ص واله) = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) .

يوم بعثته (ص واله) = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) .

يوم واقعة احد = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) .  

يوم وفاته (ص واله) = لا يوم كيومك يا ابا عبدالله ( عاشوراء ) .

لو القينا نظرة فاحصة على ما جرى ذلك اليوم , يوم عاشوراء الدامي , لوجدنا انه اعظم مصيبة جرت على اهل بيت النبوة (ع) , هانت دونها كل المصائب , ولو تعمقنا اكثر , لوجدنا انها اعظم واشد مصيبة حدثت في الاسلام , حيث انتهكت فيه جميع محارمه , ولو سبرنا الغور اكثر واكثر , لاكتشفنا انها اعظم مصيبة حدثت في تاريخ البشرية , تمسك فيها طرف بكل قيم ومعاني الانسانية , حتى مات دونها , وتجرد الاخر من كل قيمها , ولم يكتف بذلك , بل ارتدى جميع اسلحة الوحوش من مخالب وانياب وغيرها , ليقتلها بقتل الحسين (ع) ! .   

 

 

 

                                           12- المائدة الحسينية 

للمائدة الحسينية غرائب وعجائب كثيرة , لا تحصيها الاوراق والكتب , فحوتها الضمائر والقلوب , سجلتها ودونتها بل حفرتها في دهاليز الذاكرة . 

التأمل في المائدة الحسينية يكون على وجهين : 

1- القائمين عليها : هؤلاء الناس اعتادوا على اقامة موائد حسينية في ايام خاصة من السنة , ولكل واحد منهم لديه قصص غريبة وعجيبة , فاقت الخيال عن عادته السنوية , تروي في مجملها كرامات هذا الرجل , الحسين بن علي (ع) , وتتمحور في محورين , نذكرهما على سبيل المثال , لا على سبيل الحصر : 

أ‌) الاستمرار في اقامة المائدة سنويا : جميع القائمين بتلك الموائد يقيمونها في كل عام وبدون انقطاع , مع العلم انهم تعرضوا لانواع كثيرة من العسرة والضيق المالي , الا ان عسرتهم وضيقهم ينفك , وتنزل عليهم البركات , وتفتح لهم ابواب الرزق , عند اقتراب اليوم المطلوب , يوم اقامة تلك المائدة المباركة , ولديهم حكايات غريبة في هذا المجال , لا تخفى على كل متتبع , حكيما كان او غير حكيم ! .

ب‌) كل انسان يعتريه الملل والكلل , التعب والنصب والانهاك , عندما يقوم بأعمال ثقيلة , اعمالا تفوق طاقته , لكن اشياءا مثل هذا النوع لا يعرفها اصحاب الموائد الحسينية , فيدب في اجسامهم النشاط , ويتمالكهم الحماس عند اقتراب يوم المائدة المبارك ! .  

2- الجهات المستفيدة : المستفيد من الموائد كل الناس , كافة الطبقات والشرائح , ولا تقتصر على غني اوفقير , الكل يسارع ويتدافع من اجل ان يصيب شيئا منها , ولو بالمقدار القليل , ليس للاكل فقط , بل للبركة , وهنا نلاحظ غرائب تتمحور في عدة محاور , لعل ابرزها : 

أ‌) لا يبقى جائع ذلك اليوم ولا فقيرا الا وقد نال منها المزيد , وهذا امر ملحوظ بشكل واف وكاف . 

ب‌) لا تقتصر المائدة الحسينية المباركة على اطعام الناس فقط , بل سجلت آلافا من الحالات الاخرى , كشفاء مرضى وقضاء حوائج لمحتاجين وغير ذلك , بمجرد ان تناولوا منها .

ت‌) الاكثار من الاكل حتى التخمة عادة غير صحية , ذات مردود سلبي بالتأكيد , لكن ذلك لا ينطبق على الموائد الحسينية , فمهما اكثر الشخص من الاكل , لا يرى للتخمة من اثر , لاحظت ذلك شخصيا كما لاحظه غيري ! .     

 

الاغرب من كل ذلك , ان المائدة الحسينية المباركة لا تزال بركاتها غضة طرية مهما تقدم الزمان واختلف المكان ! . 

 

 

 

 

حيدر الحدراوي   

 

الموضوع السابق السكن هو الوطن

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat