صفحة الكاتب : جواد كاظم الخالصي

ثقافة الحوار في ثورة الامام الحسين (ع)
جواد كاظم الخالصي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 لم تكن ثورة الامام الحسين (ع) ثورة عادية تمر علينا كصفحة من صفحات التأريخ لنقرأها وننتقل الى غيرها من الثورات وانما كانت ولا زالت حية في نفوس الاحرار والثوار الباحثين عن الحرية والشموخ والكرامة الانسانية لأنها اشتملت على كل المعاني التي يبحث عنها الانسان ليجد انسانيته فيها حيث اشتملت معانيها على الصمود والإباء والتحدي والإيثار والشجاعة والإصرار على الحق والوقوف الحقيقي امام الطغاة كما انها اشتملت على ثقافة الحوار الذي تعلم منه الكثير من قادة الثورات الحرة في العالم وأعطت هذه الثورة مفاهيم كثيرة لبعض قادة الدول وتعلموا منها اسلوب القيادة الصالحة وكيف ينتصرون لقضيتهم.
اذا عدنا الى منهج ثورة ابي عبد الله الحسين ع نجد ان الكثير من الخصال التي جمعتها هذه الثورة منذ ان تحرك الامام ومن معه باتجاه العراق ابتداء من عائلته ومرورا بأصحابه وانتهاء بمن قابله في طريق الثورة او من ردعه الحق لينتصر في النهاية لمبادئ الثورة التي جاء بها سبط رسول الله نبينا محمد (ص) ومن المفردات البارزة في تلك الثورة ثقافة الحوار التي اعتمدها الامام الحسين (ع) وكل من كان معه من اجل الوصول الى القاعدة الرئيسية التي يستند عليها القرآن الكريم [ وجادلهم بالتي هي أحسن ] وان كان الحوار عبر هذه الآية يشمل على حوار غير المسلمين ولكن الذين تلبسوا بالإسلام واعتمّوا عمامته لإمامة الأمة فلا بد من حوارهم وإيصال لغة الحوار هذه الى عامة الناس حتى لا يوهمهم هؤلاء الذين ينافقون ويكون الاخر على علم ووعي لما يجري حوله ونحن نعلم جيدا كيف ان الامويين تمكنوا بالمكر والدهاء من اقناع اهل بلاد الشام بأن الامام علي ابن ابي طالب وابناءه ضالين ويسفكون دماء المسلمين حتى وصل بهم الامر الى ان يتساءلوا ( وهل ان علي بن ابي طالب كان يصلي لله حقا))!!!!! ونفس الشيء حصل مع ابنه يزيد الذي اوهم الناس ان الذين يقاتلوهم ليسوا ابناء رسول الله (ص) اونما هم من الديلم ولذا وجب قتلهم وسبيهم حتى ظهرت الحقيقة بوصول سبايا اهل البيت ع الى قصر يزيد فانقلبت عليه الامور من اقرب الناس اليه وهي زوجته.
هذا التعتيم الذي مارسه الجانب الاموي كان بحاجة الى حوار وهذا الحوار له اهداف مهمة تبعث برسالة ان الامام الحسين ع لم يكن يريد الوصول الى استخدام الدم لغةً للتفاهم من اجل تصحيح مسار الدعوة الاسلامية وانما اراد ان يعتمد ما عمل به جده رسول الله ص وابيه واخيه عليهما السلام فكانوا يحاورون الاعداء والمبغضين والكارهين بأعلى درجات الحوار في الانسانية وكما رأينا تعامل الرسول مع يهود المدينة المنورة ، فمنذ أن كان الحسين (ع) في المدينة وولاة يزيد الفاسق يحاولون اخماد صوته من اجل نزوات المُلك التي تنخر برؤوسهم والتسلط على رقاب الناس ولا فرق عندهم حتى وإن انحرف الدين الذي رفضوه فدخلوه مرغمين بقوة السيف، وكيف لا وهؤلاء هم من يُطلق عليهم ابناء الطلقاء!!!!.
في ظل اجواء هذه الثورة وعلى ارض كربلاء برزت على الساحة جهتان متقابلتان من حيث المنهج او من حيث أسلوب الحوار والفكر الموجود آنذاك ولكن في كلا الحالين ينطلقان في تفكيرهما من خلال العقل باعتباره حالة معرفية واحدة اودعها الله تعالى في  رأس الانسان فمنهم من يستخدمها في طاعة الله تعالى ومنهم من يستخدمها في طاعة الشيطان لأهواءه الدنيوية وهنا برز الفارق الكبير بين المنهجية التي يتبناها الامام الحسين ع والمنهجية التي يتبناها الفاسق يزيد لأن المنهج الاول كان يريد لهذه الثورة الحياة وليس الموت أي ان الامام لم يكن يريد الثورة وكأنها رحلة موت الى الاخرة ويثبت من خلالها موقفه الشرعي ليقدم ما عليه وانتهى الامر،،،، كلا ليس الامر كذلك وانما هي الحياة لتلك الثورة كي تكون مشعلا ينير الظلمة والجهل وتسخيف الدين التي اعدها يزيد ليندثر الاسلام وتذهب ثقافاته أدراج الرياح ، لذلك كان الحوار هو الاساس الذي سبق الدم كونه هو الوحيد التي يعمل على تثبيت الثورة وركائزها الصحيحة ، حيث الخطابات والحوارات الفردية والجماعية مع الاعداء أعطت بعدا ومفهوما حقيقيا لموقف الامام الحسين الصحيح وليس كما يتناوله البعض في مفهوم خروجه على امام زمانه فالامام الحسين (ع) اتبع المنهج الثقافي الاسلامي من خلال الاستنباط القرآني الذي يعطينا أطروحة تكاملية قرآنية من اجل أن نتفاعل ونتعايش مع الاخر وعبر الحوار لا غير ولا يعني أننا نتحاور من اجل التهدئة فقط وانما من اجل تصحيح المسارات الخاطئة التي تصيب الامة وما يعتريها من هموم وهذه المفردة أرادها الامام ابي عبد الله لكي يردع يزيد وامثاله ولا تكون أفعاله سنّة تاريخية يعمل عليها الكثير من المارقين من امثاله، ورغم هذا التصحيح الكبير الذي قام به سبط الرسول إلا أن بعض الفاسقين من سلالة هؤلاء لا زالوا في غيهم وطغيانهم وجبروتهم يتسلطون على رقاب الامة الاسلامية فيقطعون الرقاب بدلا عن الحوار الذي يعتبر لغة الاسلام الناطقة وهم ما شهدناه ونشاهده في العراق ومناطق عربية اخرى تعيش هذه المأساة .
ما أراده الامام الحسين (ع) حصل عليه حيث ندمت الامة شرد ندم على ما فعلت لأن استشهاده كان الشعلة التي أنارت الطريق الى معرفة ما أراده حفيد رسول الله وخامس اصحاب الكساء ، فالثورات التي تلته لتثأر له كانت الامتداد الحقيقي لمفاهيم نصرة الدين الاسلامي والتي بقيت خالدة الى يومنا هذا وهي تتجدد مع المفكرين والباحثين في اعتمادها المادة الحقيقية الغنية بالفكر المحاور لبناء الاجيال الواعدة.       
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جواد كاظم الخالصي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/25



كتابة تعليق لموضوع : ثقافة الحوار في ثورة الامام الحسين (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net