الداعية محمد باري من غينيا: (يوجد هنالك الكثير من المسلمين الذين يستقبلون مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؛ لأنه يطابق المنطق السليم)

حاوره : سرمد سالم 

لو تتبعنا حياة الأئمة الأطهار(عليهم السلام) لوجدناها قد أرست قواعد ومناهج عظيمة لا تحصيها كتبٌ وأسفار؛ عنواناً بارزاً كان على صفحاتها، تجلى بموقف بطولي وخط رسالي ملتزم ساروا عليه في حملتهم المباركة لتبليغ الرسالة المحمدية الأصيلة؛ فكانوا بذلك أوائل الدعاة لدين الله تعالى من بعد النبي الكريم(ص)، ليطرّزوا أروعَ البطولات التي يشهد لها التأريخ الإسلامي، ليرسموا من خلالها طريقاً واضحاً عبّدوه بدمائهم الطاهرة، لتكون سراجاً ينيرُ العقول.

الأستاذ محمد باري من الموالين لأهل بيت النبي(صلوات الله عليهم أجمعين) سار على منهجهم، واتبع خطاهم بعد أن تنوّر قلبه بمحبتهم، واعتنق المذهبَ الجعفري منذ فترة طويلة؛ ليصبح من الدعاة الذين أخذوا على عاتقهم تبليغ الناس، وتعريفهم بالدين، ليكونوا خدّاماً للمذهب في (غينيا).

 هو طالب وباحث يقومُ بالعديد من النشاطات الإسلامية التي ترتبط بولاية أهل البيت(عليهم السلام)، حلّ ضيفاً على العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، متشرفاً بزيارة الإمام الحسين وأخيه قمر بني هاشم(عليهما السلام)، التقته صدى الروضتين للتعرف على طبيعة نشاطاته التي يقومُ بها في تبليغ الدعوة، فقال:

 نشاطاتي ترتكز على عدة أمور، منها: نشاطات علمية، حيث كنت طالباً أدرُس وأُحضر رسالة الدكتوراه في الفكر السياسي، ولديّ العديد من المقالات العلمية في هذا الجانب. وكذلك ترجمت عدة كتب إسلامية إلى اللغة الفرنسية والفولاتية (وهي لغة تتمركز في غرب إفريقيا، وإن أغلب الذين يتكلمون بهذه اللغة هم مسلمون، وهم الذين نصروا الإسلام في تلك البقاع)، لذلك فإن اللغة الفولاتية لها دور مهم لنشر معارف أهل البيت(علهم السلام) هناك.

وهل يتعرّض الشيعة في (غينيا) لبعض الأذى جراء أنهم يعتنقون مذهباً آخر؟

الشيعة في غينيا كبقية المسلمين يمتازون بكلّ ما يمتاز به أصحاب البلد، ولا يوجد أي مزاحمة من ناحية تبليغهم مذاهبهم، وكذلك يتمتعون بكل الحقوق التي يمتلكها المواطنون، ولديهم نشاطاتهم التبليغية التي يعملون عليها من خلال مراكز ومدارس موجودة في تلك الدولة لتعليم الدين الإسلامي الحنيف.

نظرة الشارع الغيني إلى الذين يعتنقون المذهب الجعفري؟

يوجد هنالك نظرة إيجابية وأخرى سلبية، أما الإيجابية فهي استقبال الناس لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فمثلاً: يوجد هنالك الكثير من المسلمين الذين يستقبلون مذهب أهل البيت(ع)؛ لأنه يطابق المنطق السليم، بينما يوجد هنالك عناصر متشددة لا يحبون الشيعة، وهم الفرقة الوهابية التي هي بدورها تنسب الكفر للشيعة، وتحاول كل ما بوسعها لكي تقف أمام هذا المذهب..! لكن الحمد لله ربّ العالمين، منذ أن دخل التشيع في هذه البلد لم نواجه مشكلة من ناحية المجتمع الغيني، أو من ناحية الدولة او المؤسسات الحقوقية الأُخَر.

هل ازداد التشيّع في (غينيا) في السنوات الأخيرة؟

التشيع في غينيا في حالة ازدياد دائم؛ لأن أغلب المسلمين في (غينيا) مالكيو المذهب، وهؤلاء يشتركون مع الشيعة في حبّ أهل البيت(عليهم السلام)، فهم يرون الحب لأهل البيت(عليهم السلام) أمراً واجباً، والفرق الوحيد الموجود بيننا هو أنهم لا يصلون لدرجة الولاية لأهل البيت(عليهم السلام). 

ما الطرق التي تتبعونها لتبليغ الفكر الشيعي لعامة الناس من المذاهب الأخر؟

 هنالك طرق مختلفة لإيصال مفاهيم ومعالم أهل البيت(عليهم السلام) على حسب ما تقتضيه الحاجة والظروف والأحوال.. تارة نقوم بالتبليغ عن طريق المناظرة مثلاً، من خلال طرح الرأي، ونستدلّ كما ذكر في كتاب الله الحكيم: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، فكل واحد منا يطرح فكرته وعقيدته للآخر، ويقوم بالاستدلال بدلائل عقلية. وفي بعض الأحيان نقوم بالتبليغ بواسطة طريقة نسمّيها (التبليغ الحواري)؛ لأننا كمبلغين لا يُسمح لنا أن نذكر بعض الأمور، لكن نجلس بأنفسنا ونتناقش فيما بيننا حول مسائل دينية وعقائدية أمام الناس، حتى يستمعوا لحديثنا، وهذا النوع الثاني من طرق تبليغنا في (غينيا).

وهل تترجمون الكتب الدينية العربية إلى لغتكم المحلية؟

 الداعية محمد باري: إن ترجمة الكتب الدينية إلى اللغة المحلية، قد أنتج كثيراً من الأمور؛ لأن أغلب المسلمين هنالك لا يفهمون اللغة العربية، ولا يفهمون لغات أخرى، فبطبيعة الحال لابد أن يجدوا لغة يستطيعون من خلالها أن يستوعبوا المعلومات الإسلامية بسرعة، لذلك قمنا بترجمة عدد كبير من الكتب، مثلاً: (كتاب المراجعات للإمام شرف الدين) الذي وجد اقبالاً كبيراً، وهنالك من الشيعة الذين تعلموا الكثير من المفاهيم الإسلامية بواسطة هذا الكتاب؛ الغرض من هذه الترجمة هو أن العديد من الذين يعتقون المذهب الجعفري لا يتحدثون اللغة العربية، فتكون معلوماتهم قليلة عن مذهبهم، وعندما يجدون كتباً بلغتهم وهي اللغة الفولاتية أو اللغة الفرنسية أو لغات أخرى يتحدثون بها، فهم بالتأكيد سيستفيدون من هذه الكتب.

 ونحن بدورنا عندما نترجم هذه الكتب، نحاول أن تكون هنالك حلقة لتدريس هذه الكتب، فبدلاً من توزيعها هكذا ندرسها حتى يفهم الناس ما قصدنا من هذه الأمور، فمثلاً: هنالك الكثير من الاصطلاحات لدينا، لكنها ليست موجودة عند بقية المذاهب، فهذه الأمور تحتاج إلى بيان وليس ترجمة فقط، فمثلاً: مسألة البداء والتقية وغيرها من الأمور.. لابد أن ندرسها ونفهمها للناس حتى يستفيدوا منها. ومن الأساليب الأُخَر التي نتخذها هناك هو أن نقدم برنامجاً عن طريق التلفزيون أو الراديو، نبيّن فيه تعاليم أهل البيت(عليهم السلام) وأخلاقهم ومنهجهم حسب ما تقتضيه الحاجة والظروف هنالك.

ما الصعوبات التي تواجهونها، وبالأخص من قبل الأطراف المعادية لأهل البيت(عليهم السلام)؟

الداعية محمد باري: نواجه مشاكل عدة، ولكن بحمد الله إلى هذا الوقت لم يستطع الطرف المقابل سدّ الطريق عنا، ولكن توجد هنالك عناصر تأتي بالأموال، وتعمل على بناء المدارس المساجد وكل شيء، وكذلك بناء مراكز لتعليم القرآن وحفظه، فعن هذا الطريق يستقدمون الكثير من الناس، فمن هذه الناحية تتعدد الصعوبات لدينا؛ والأسباب هي أننا قليلون، فالمشكلة التي نواجهها هي قلة المبلّغين، وضعف القدرة المادية لإنجاز الأعمال الجبارة التي نستطيع من خلالها أن نوصل فكر أهل البيت(عليهم السلام) في جميع أرجاء هذه الدولة.

هل هنالك تعتيم على المذهب الشيعي في (غينيا) أو إن الأمور متاحة؟

 الداعية محمد باري: لا، بالنسبة للدولة فهي علمانية، وتنظر لكل المذاهب والأديان من منظار واحد، ولا يحقّ لأحد من دين معين أن يعترض على دين آخر.. وإني أراها فرصة ثمينة لنا، وإن كان هنالك بعض التحديات والتحديدات داخل الدولة، تمثل مؤسسات حكومية تقمع تحت العديد من التسميات، فمنها ما تُسمى (رابطة الإسلام الوطني)، وهذه الرابطة متشكلة من الفرقة الوهابية أو من المسلمين غير الشيعة، وهي تشكل تحدّياً كبيراً لنا؛ لأنهم يحاولون أن يقفوا أمام عملنا، ولكنَّ اللهَ سبحانه وتعالى لم يتح لهم الفرصة لمنعنا من تبليغ فكر أهل البيت (عليهم السلام).

الأعمالُ التي تقومُ بها الفرق الوهابية لردعكم عن نشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)؟

 هذه الفرق تعمل بداية على عامة الناس، ويأتي ذلك من خلال طرح أفكارها الوهابية لتبعدهم عن مذهبنا، وتسعى بيننا وبين الحكومة حتى لا يكون هنالك تبليغ لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) في غينيا، لكن الحمد لله تعالى إلى هذا الوقت الحكومة لم تقُم بردة فعل سلبية اتجاهنا؛ لأنها تعتبر كل الأديان متساوية.. وبالنسبة لنا فلا يوجد أي علاقة تربطنا معهم، هنالك فقط نزاعات شديدة وقوية، فهم لا يعتبروننا مسلمين، ويرون اليهودي أفضل من الشيعي..! وغيرها من الأفكار المشينة التي يحملونها، ويبلغونها، ويسجلونها في أقراص مدمجة تُوزع على الناس.. 

وبالنسبة لنا لا نردّ بالمثل على هذه الأعمال، فالأئمة (سلام الله عليهم) يقولون لنا: (كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا)، فأخلاق الإنسان يجب أن يستمدها من أهل البيت (عليهم السلام)، وكذلك أسلوبهم في التبليغ، والأمور التي يعدونها لمقاومة العدو، فإذا لاحظنا حياتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية نجد هنالك كنزاً وافراً يتجلى بمنهج عظيم في مقاومة العدو؛ فتارة يكون الحلّ بالنقد المباشر، وتارة أخرى نقدم الحل من خلال طرائق أُخَر؛ لأننا فئة قليلة تعيش الحالة التي عاشها الرسول (ص) في مكة المكرمة.. أعداؤنا كثيرون لا نستطيع أن نقاومَ ونرد بالمثل، لذلك لابدّ أن نتحلى بالصبر والخبرة اللازمة حتى نوصلَ هذه المعلومات لكل الناس. 

هل كان لظهور العديد من القنوات الفضائية مردود إيجابي على واقع التشيّع في (غينيا) ساعدكم في تبليغ ثقافة وفكر وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام)؟

 بالنسبة للفضائيات، ففي بعض الأحيان يعمل الغرب على خلط القنوات الإسلامية وتشويشها، إضافة إلى عامل اللغة، وإن القناة الأكثر انتشاراً هنالك هي قناة الكوثر وقناة المنار والعالم وكربلاء غيرها.. هذه القنوات تعد كمنبع ديني لمنح المعلومات لمن يريد، وأهم البرامج في نظري تقدمها قناة الكوثر الفضائية هو برنامج للسيد (كمال الحيدري)؛ لأنه يفتحُ آفاقاً مختلفة في تأريخ الإسلام والعقائد وفي الكلام والتفسير.. فنجد الكثير من الناس يستفيد من هذه البرنامج، وخصوصاً من الذين يفهمون اللغة العربية.

 

الموضوع السابق قصيدة / گوم عزي فاطمه

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat