صفحة الكاتب : سيد صباح بهباني

جوانب التربية الإسلامية الحلقة الأولى
سيد صباح بهباني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 جوانب التربية الإسلامية

الحلقة الأولى
 
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام /153
. (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لقمان /12 .
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان /13 .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6 .
فإن الحاجة إلى التربية الإسلامية شديدة؛ لأن العقول البشرية لا تستطيع وحدها إدراك مصالحها الحقيقة التي تكفل لها سعادة الدارين الدنيا والآخرة، كما أنها لا تهدي وحدها إلى التمييز بين الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، فالإنسان ليس كامل الحواس والعقل، ومن ثمَّ، فإن مداركه ومعارفه مهما وصلت إلى درجة عالية، فإنها تبقى قاصرة ومحدودة.
لذا ينبغي أن يكون الإسلام هو المصدر الأساسي الذي يستمد منه المجتمع فكره التربوي، وأهدافه التربوية، وأسس مناهجه، وأساليب تدريسه، وسائر عناصر العملية التعليمية، قال تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام /153 . 
يتضح من الآية الكريمة أنه لا سبيل إلى تلافي هذا النقص وذلك القصور إلا بتفهم أصول التربية الإسلامية من مصادرها الأصلية، والرجوع إلى سير السلف الصالح للإقتداء بهم.
وفي هذه الدراسة نستخلص أصول التربية الإسلامية للإنسان المسلم من خلال وصايا لقمان كما وردت في سورة لقمان.
أولاً : وصايا لقمان لأبنه : 
وقد بينها لنا القرآن الكريم بأسلوبه ومعانيه المعجزة الخالدة، فكانت وصاياه أنموذجا يتوافر فيه الإخلاص والصواب، وعلى الآباء أن يسلكوا مسلكه في تنشئة أبنائهم تنشئة إسلامية صحيحة، وفق ما تعرضه الآيات الكريمة من كتاب الله والتي ذكرت بها وصايا لقمان:
قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ *يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ *وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ *وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان / 12 ـ 19 . 
من خلال العرض السابق للآيات يمكن توضيح الوصايا في النقاط التالية أدناه :
أ ـ وصيته له : توحيد الله وإفراده بالعبادة لله وحده لا شريك له في ذلك ، فهو المستحق للعبادة وحده سبحانه : ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ...) لقمان.
ب ـ وصيته له : بر الأبناء لآبائهم : (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ...) لقمان .
ت ـ وصيته له : أن يراقب العبد الله سبحانه في حركاته وسكونه وجميع أعماله ، فالله عز وجل لا تخفى عليه خافية لا في الأرض ، ولا في السماء : (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ...) لقمان.
ت ــ وصيته له : الأمر بإقامة الصلاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على تحمل المشاق في سبيل ذلك : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ...) لقمان .
ث ـ وصيته الأخيرة له : التواضع لعباد الله ، والإقبال عليهم بوجه طليق ، والابتعاد عن مظاهر الكبر والغرور ، وخفض الصوت أثناء الحديث معهم ، وعدم رفعه : (تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ...) لقمان (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ...) لقمان . وأن هذه النقاط الخمسة من الوصايا لأبنه ذكرها لنا القرآن الكريم للتفكر والاعتبار .
ثانيا : جوانب التربية الإسلامية المتضمنة لوصايا لقمان لأبنه : 
أولًا : الدعوة إلى غرس عقيدة التوحيد : والأسرة المسلمة هي المدرسة الأولى التي تقوم بتوجيه وتربية الأبناء تربية صالحة، فالأبناء أمانة في أعناقهم يسألون عنهم أمام الله، قال عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6 .
فأول واجب يجب على الأبوين القيام به، والاهتمام بأمره دون كلل : هو غرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل، وتوجيه عواطفه نحو حب الله ورسوله، وإخباره بأن الله يجب أن يكون أحب إليه من أمه وأبيه ونفسه، والإِيمان بالله الذي لا إله غيره، وبملائكته ورسله، وتوحيد الله في الألوهية، والربوبية، والقوامة، والسلطان، والحاكمية ؛ لأن الإيمان بالله هو الموجه لسلوك الإنسان، والدافع له إلى اتجاه الخير، والنصير له، كما أنه الذي يصرفه عن طريق الشر، ويجعله متحلياً بالفضائل، وحسن الخلق.
والمقصود بالإيمان أي الإِيمان بما أوجب الله تعالى في قوله : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ..) البقرة /285 .
وأما السنة: فقد ذكرت أركان الإيمان مجتمعة في حديث جبريل عليه السلام- وهو مشهور-.
إن الإيمان بالله هو الموجه للسلوك والضابط له، والمتصل اتصالًا وثيقاً بالأعمال الصادرة من الإِنسان، فإن التربية الإِسلامية تربط دائمًا بين العمل والسلوك، ثم بين العمل الصادر من هذا الإيمان وبين الجزاء، قال تعالى : (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر/1 ـ 3 .
وهناك آيات كثيرة تقرن الإيمان بالعمل، فالإيمان الحق هو الإيمان الذي يصدر عنه السلوك، وينبع منه العمل الصالح، ويخرج منه الخلق الكريم، فحسن الخلق، والإخاء والمودة، واجتناب الكبائر، والتمسك بالفضائل يجب أن تصدر عن هذه العقيدة.
والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : (( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له )) رواه أحمد.
ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سلوك المؤمن نحو جاره ، ونحو نفسه : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره)) رواه البخاري ومسلم . وكان الإمام علي عليه السلام يوصي أبنه الحسن عليهم السلام بحق الجار قال : سمعت من جدك رسول عليه الصلاة والسلام ويوصني بالجار :" مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه ". 
وأورد هنا هذا الحديث الشامل عن حقوق الجار حيث يقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ::"أتدرون ما حقوق الجار؟ إن استعان بك أعنته وان استنصرك نصرته وان استقرضك أقرضته وان افتقر عدت عليه وان مرض عدته وان مات اتبعت جنازته وان أصابه خير هنأته وان أصابته مصيبة عزيته ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه وإذا اشتريت فاكهة فأهد له فان لم تفعل فادخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ولا تؤذه بقتار قدرك ( أي بدخان اللحم عند الطبخ) إلا أن تغرف له منها , ثم قال : أتدرون ما حق الجار؟ والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من رحم الله " . (رواه الطبراني).
فالوصايا السابقة هي منهج الآداب السامية التي يؤدب الله عباده ذلك؛ لأن في امتثالها فلاحهم دنيا وآخرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم يرون آثارها التربوية في توجيه وتهذيب سلوكهم، وتعمل على زيادة الألفة و المحبة بينهم كما يؤدي هذا إلى تماسك مجتمعهم وبعد ما عرفنا ما هي ثمن هذه الوصايا وما هي قيم هذا الإنسان الذي فضله الله سبحانه على جميع مخلوقاته ، وبهذه القيم الروحية وجبت علينا المحبة والتفاني والتوادد والتآخي إذن يداً بيد للتعاون والتآخي للعمل والبناء وزرع الأرض التي هي من السنة الواجبة المستحبة لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " الأرض لمن أحياها" لأهمية الزراعة في الإسلام والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سيد صباح بهباني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/08



كتابة تعليق لموضوع : جوانب التربية الإسلامية الحلقة الأولى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net