صفحة الكاتب : السيد جعفر العلوي

الولايات المتحدة وخيارات ثلاث أمام ثورة شعب البحرين
السيد جعفر العلوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء آل خليفة  الأعراب العتوب من وسط نجد، وبعد تنقل وقرصنة مستمرة سنحت لهم الفرصة لبسط نفوذهم في البحرين بالقوة العسكرية في 1783 وإعتبروا ذلك فتحاً وكأن شعب البحرين لم يكن مسلماً، وهو تعبير واضح يكشف مدى فرحهم بالتمكن على أعدائهم من السكان الأصليين للبحرين، وهو تعبير واضح يكشف عن حقيقة إحتلالهم لهذا البلد العريق، إلا أن آل خليفة لم يحصلوا على استقرار سياسي طوال هذا الإحتلال. فقد كانت القوتان الإقليمتان الكبريتان في المنطقة الدولة الإيرانية والدولة العثمانية في صراع نفوذ عليها، الأمر الذي جعل آل خليفة يرفعون مرة العلم الإيراني ومرة العلم العثماني، وسلطان مسقط بعد إمتداده من جهة إفريقيا طمع في البحرين وحاول السيطرة عليها مراراً الى أن تحقق له ذلك في بداية القرن التاسع العاشر، فما كان من آل خليفة إلا أن طلبوا من آل سعود أن يعينوهم في التخلص من العمانيين، وحين تمكن  الوهابيون  بالفعل من إخراج العمانيين من البحرين طمعوا هم فيها، ورفضوا الخروج منها، مما أضطر آل خليفة  للإستنجاد بسلطان عمان لإخراج الوهابيين، الى أن رأى آل خليفة أن الأنجليز هم الضمانة المثلى لوجودهم في الحكم أمام أطماع القوى الإقليمية، وبالفعل خضعوا لهم كاملاً في عدة إتفاقيات، واستقوا بهم مقابل أعدائهم الأقليميين، ظانيين أن ذلك هو منتهى مشاكلهم في البقاء، إلا أن الخضوع للغرب الكافر جعل الشعب البحراني ينتفض عليهم في 1919 لسببين، الأول، هو شعور الجماهير أن آل خليفة خذلوا المسلمين في بداية القرن الماضي، حين مكّنوا الأنجليز في البحرين بتحويلها الى قاعدة للهجوم على العراق وإحتلاله في 1916 وهو أمر مخالف للتعاليم الدينية التي جعلت ولاء الكفار  مسبباً للكفر والخروج من ولاية الله كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } المائدة/51 ،  وهو أمر مخالف أيضاً للعلاقات الطيبة بين المسلمين وبالأخص مع شعب العراق الذي تربطه بشعب البحرين روابط واسعة وعميقة، والسبب الثاني هو تململ شعب البحرين من الظلم الواسع لآل خليفة ورفضهم لأي إصلاحات سياسية وتنظيمية للبلد. وفي مواجهة إنتفاضة الشعب إزداد خضوع ال خليفة للإنجليز أكثر فأكثر، الذين أرسلوا الميجر ديلي الضابط الأنجليزي الذي شارك في قمع ثورة العشرين في الديوانية بالعراق، ليحكم البحرين بشكل كامل بعد ثورة العشرين في العراق، ويصبح آل خليفة هم الواجهة الخارجية لحكمهم. هذا التدخل الإنجليزي أجهض إنتفاضات الشعب المطلبية الواحدة تلو الأخرى والتي تفجرت مراراً في 1936 و1956 و1965. وحين غادر الإنجليز من البحرين ساحبين قواتهم في 1971 جاءت الولايات المتحدة لتحتل نفس الموقع الإستعماري السيادي، وتحولت قاعدة الجفير البحرية من الأنجليز الى الأمريكان.

      وفي عام 1999 تمكن النظام الخليفي بدعم وتخطيط إمريكي من إجهاض إنتفاضة الشعب المطلبية التي تفجرت طوال خمس سنوات، واليوم أصبح الأمريكون يديرون كل خيوط المواجهة مع الشعب بعد تفجر ثورته الكبرى في 11 فبراير 2012. فنزول قوات الإحتلال السعودي في 14 مارس 2011 جاء مباشرة بعد خروج وزير الدفاع روبيرت غيتس مباشرة من  البحرين ومجيء جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكي في يوم الإحتلال السعودي ليشرف على ترتيب حلول مذلة، واستمرت الحياطة الأمريكية للدفاع عن آل خليفة بمجيء مسئولين إمريكيين يتحدثون بلغة التهديد والوعيد لقوى المعارضة طوال مفاصل الثورة، ولتغطية ذلك الدعم يتخذ الأمريكان موقف شكلي ولفظي في تأييد مطالب الشعب، إلا أن رصاصهم ينخر في أجساد الشباب البحريني، ومستشاريهم ومسئوليهم السياسيين والعسكريين والأمنيين ينزلون البحرين بين فترة وأخرى لترتيب مواجهة الثورة العصيّة على الإدارة الإمريكية.  وآخر مفاصل الدعم الأمريكي لنظام آل خليفة مجيء مايكل بوزنر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون حقوق الإنسان في مؤتمر جنيف 2 خصيصاً حين تم تناول قضية البحرين في 19 سبتمبر 2012، فقد  ترشح من كواليس هذا  المؤتمر الخاص بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن قام بوزنر بتوجيه اللوم للدول الأوربية التي ارادت الضغط على النظام الخليفي لإيقاف الإنتهاكات الواسعة  لحقوق الإنسان. أما الرئيس الإمريكي أوباما ووزيرة الخارجية الإمريكية فقد عبروا مراراً عن دعمهم للخطوات (الإصلاحية) التي يقودها (الملك) حمد وتأكيدهم على العلاقة الإستراتيجية بين النظام الخليفي معهم.

    إن الله تعالى مالك الملك الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء بشّر أن الذين يهرولون نحو موالاة الكفار معرضين دائماً لنقمات تذهب بحكمهم للزوال وهذه سنة الله في الأرض، حيث قال تعالى في ذات الموقع الذي حذر فيه من موالاة الكفار بعد الآية التي ذكرتها أنفاً:  {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} المائدة/52. إن أمريكا بدّلت العديد من رؤساء دول عربية بعد أن شعرت خطورة ثورات الشعوب، وشعر أولئك الحكام بالندم لخذلان إمريكا لهم.

      واليوم أمام بسالة وقوة وشكيمة ثوار البحرين الذين أصبح صمودهم وتصاعد قوتهم مضرباً للمثل والمصرين على إسقاط النظام الخليفي دون أي تنازل، هناك خيارات ثلاث أمام الولايات المتحدة، وهي أما  الإنسحاب المسبق من البحرين كما انسحب الإنجليز من قبل، وهو إحتمال مستبعد، أو تقوم  باستبدال آل خليفة  كلياً أو بعض وجهوهم النكدة  بآخرين لامتصاص الغضب الشعبي العارم وهو إحتمال وارد، أم  تبقيهم وتستمر في مؤازرة ظلمهم معاندة كل حقائق ووقائع الأرض والسماء وهو إحتمال وارد  فينكسروا وتنكسر هي أيضاٍ أمام قوة ثورة الشعب المنتصرة بإذن الله، فالحكمة الواضحة تقول أن من لا يلين ينكسر.

      إن في البحرين قوة كامنة وعظيمة لا يعرفها الأمريكيون وهي أقوى بكثير من قوة ثوار فيتنام هي العمل بالأسباب والتوكل على الله العظيم في تحقق الإنتصار فمن يتوكل على الله فهو حسبه، ومن ينصر الله ينصره، وهذه القوة لن يفهمها الأمريكيون الذين يتعاملون بالحسابات المادية  إلا حين يتحقق التغيير الذي سيهز المنطقة كلها بإذن الله وحينها ولات حين مناص.

http://sayed-jaffer.blogspot.com/2012/10/blog-post_15.html


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد جعفر العلوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/16



كتابة تعليق لموضوع : الولايات المتحدة وخيارات ثلاث أمام ثورة شعب البحرين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net