صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح61سورة النساء
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم 
 
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً{105}
يروى في سبب نزول الاية الكريمة ان طعمة بن ابيرق ( بشير بن الابيرق في رأي اخر ) سرق درعا , ووضعها امانة عند رجلا يهوديا , فعثر على الدرع المسروق عند ذلك اليهودي , الذي دافع عن نفسه , واخبر الجميع ان طعمة قد استأمنه عليها , فأنكر طعمة ذلك , وحلف عليه , بينما قوم طعمه طلبوا من النبي (ص واله) ان يقف بجانب طعمة , ويبرئه من تلك التهمة . 
خاطبت الاية الكريمة النبي (ص واله) : 
1- (  إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) . 
2- (  لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ) : بما الهمك الله تعالى من معرفة . 
3- (  وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ) : ينهى النص المبارك النبي (ص واله) ان يكون في جانب الخائن طعمة بن ابيرق .       
هناك امران مهمان جديران بالتوقف عندهما : 
1- هل من الممكن والمعقول ان تنطلي حيلة كهذه على النبي محمد (ص واله) ؟ , كان النبي (ص واله) بمنزلة لقاضي , والقاضي يحكم بالادلة والشهادة وما شابه , ولا يحكم برأيه الشخصي , فيحكم بما لديه من قرائن , حتى وان كان على ثقة تامة من براءة المتهم , فكانت كل المعطيات ضد ذلك الرجل اليهودي البريء . 
2- يزعم اعداء الاسلام , ان الاسلام ينتقص حقوق الاقليات التي تسكن في المدن المسلمة , فتكون الاية الكريمة مثالا لعدالة الاسلام , حيث تكشف وتعتبر ان المسلم طعمة بن ابيرق خائن , وتبرئ ساحة اليهودي المظلوم .  
 
وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً{106}
تأمر الاية الكريمة النبي (ص واله) بالاستغفار , وتبين (  إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) , من المعروف ان النبي (ص واله) معصوم عن الخطأ والزلل , فكيف يمكن ان نفهم الاية الكريمة , لذلك عدة وجوه : 
1- باب ترك الاولى . 
2- مشابه لما حدث مع يوسف الصديق (ع) , {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }يوسف24 .
3- طلب المغفرة في جميع الاحوال , من المعصوم وغير المعصوم . 
4- المعصوم قدوة , فيكون استغفاره هنا للاقتداء .    
 
وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً{107}
تنهى الاية الكريمة النبي (ص واله) عن الدفاع عن كل خائن , وان كان مسلما في الظاهر , ثم تبين ان الله جل وعلا لا يحب الخائن . 
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة عبرت عن الخائن انه يخون نفسه (   يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ) , لذلك عدة اراء , اهمها , عائدية اثار الخيانة لصاحبها . 
     
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً{108}
نستقرأ الاية الكريمة بعدة وجوه : 
1- (  يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ ) : فضح حال طعمة بن ابيرق وقومه , وتبين انهم يولون للناس اهمية اكثر مما يولونه لله تعالى . 
2- (  وَهُوَ مَعَهُمْ ) : بيان ان الله تعالى احق بأن يخاف ويخشى , لانه جل وعلا اقرب لنا من حبل الوريد .     
3- (  إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) : حين يخفون ويضمرون امورا غير مرضية , ويعزمون على الحلف ضد ذلك الرجل اليهودي البريء  . 
4- (  وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) : بيان ان الله تعالى عليما محيطا بكل الافعال والاقوال , ما ظهر منها وما بطن .         
 
هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً{109}
المخاطب في الاية الكريمة ثلاثة جهات محتملة : 
1- المسلمون  فقد دخلوا الخصام من اجل طعمة . 
2- قوم طعمة بن ابيرق : فقد جادلوا وخاصموا من اجله , ضمن مفهوم العصبية القبلية . 
3- عامة الناس : ويشمل كل زمان ومكان فيه ما ينطبق عليه مفهوم الاية الكريمة . 
بعد الخطاب , تطرح الاية الكريمة تسائلين على نحو خاص ( السخرية - الاستهزاء .. الخ) : 
1- (  فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ؟ . 
2- (  أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) ؟ . 
 
وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً{110}
تصرح الاية الكريمة ان من يعمل عملا سيئا قبيحا , او يظلم نفسه بأرتكاب ما يخالف حدود الله تعالى , فأن باب المغفرة مفتوح , ورحمته عز وجل وسعت كل شيء . 
يذكر اصحاب الشأن , ان للاستغفار ادابا  , ينبغي مراعاتها .  
 
وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً{111}
تبين الاية الكريمة , ان من يكتسب اثما , فأنه يعود على صاحبه بما له من الاثار السلبية , ثم تختتم البيان , بأن الله تعالى عليم بعباده , حكيما فيما يقضي ويصنع بين (في) خلقه .  
 
وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً{112}
تبين الاية الكريمة , ان من يكتسب خطيئة او اثم , صغيرا كان ام كبيرا , ثم يرمي به شخص اخر , بريء منه , يكون بذلك قد اكتسب امران : 
1- (  بُهْتَاناً ) : برمي شخص بريء .
2- (  وَإِثْماً مُّبِيناً ) : ما اكتسب من الخطيئة مضافا اليها البهتان .       
بعد ان بينت الاية الكريمة السابقة عائدية ركوب الاثم على صاحبه , عرجت الاية الكريمة الحالية على رمي شخص اخر به , ووصفت ذلك بـ ( البهتان ) .   
 
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً{113}
تخاطب الاية الكريمة النبي محمد (ص واله) وتبين : 
1- (  وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ ) : بالعصمة والتأييد . 
2- (  لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ ) : قوم طعمه ( بشير ) بن ابيرق عن القضاء بالحق . 
3- (  وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ) : يؤكد النص المبارك للنبي (ص واله) ان هؤلاء القوم لا يستطيعون من امرين : 
أ‌) (  وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ ) : نواياهم المضمرة لا تضل سواهم , ولن يؤثر ضلالهم على النبي (ص واله) , ولا على المؤمنين . 
ب‌) (  وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ) : عاقبة ضلالهم ووبال امرهم يعود عليهم بكافة سلبياته , ولن يؤثر ذلك في غيرهم مطلقا .     
4- (  وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) : يصرح النص المبارك على ثلاثة نقاط : 
أ‌) نزول القران الكريم عليه (ص واله) من قبله جل وعلا , (  وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) .
ب‌) (  وَالْحِكْمَةَ ) : الحكمة تأتي بعد نزول القرآن الكريم . 
ت‌) ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) : ومن ثم العلم .       
5- (  وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) : يصف النص المبارك ان النبي محمد (ص واله) نال فضلا عظيما , بما اوتي من القران والحكمة والعلم .         
 
لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً{114}
تضمنت الاية الكريمة عدة محاور , نذكر منها : 
1- (   لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ ) : كثيرا من كلام واحاديث الناس لا نفع فيها , اذا خرج من ثلاثة حدود : 
أ) (  إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ) . 
ب) (  أَوْ مَعْرُوفٍ ) . 
ج) (  أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) . 
2-  (  وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) : في النص المبارك اقرارا صريحا , (  إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) سوف ينال اجرا عظيما منه جل وعلا , شريطة ابتغاء مرضاته جلّ وعلا في القول او الفعل . 
    
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً{115}
نستقرأ الاية الكريمة من جانبين : 
1- عام : سياقها موجه لكافة الناس , في كل زمان ومكان . 
2- خاص : سبب نزولها في طعمة ( او بشير ) بن الابيرق , فتكون موجه ضده بالخصوص .  
السياق العام يشير الى نقطتين لبيان حال , ونقطتان لبيان العقوبة , اما نقطتي بيان الحال فهما : 
1- (  وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ) . 
2- (  وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) .       
اما نقطتي العقوبة فهما : 
1- (  نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ) . 
2- (  وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ) .    
 
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً{116}
تضمنت الاية الكريمة ثلاثة تصريحات : 
1- (  إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ) : باب المغفرة مفتوح على مصراعيه , وفي نفس الوقت مغلق بأحكام شديد بوجه المشرك بالله تعالى .  
2- (  وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) : كافة الذنوب والمعاصي , عدا الشرك , قابلة للمغفرة , شريطة (  لِمَن يَشَاءُ ) .   
3- (  وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) : الشرك هو اول الطريق للابتعاد عن الله تعالى وطريق الحق .        
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/14



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح61سورة النساء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net