صفحة الكاتب : عدنان عباس سلطان

التكهن نشاط عقلاني
عدنان عباس سلطان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 قد يبدو المستقبل غامضا في بعض الاحيان لطائفة كبيرة من البشر لكنه في بعض الحالات يكون مقروءا بدرجة واضحة لدى اصحاب الحدس الفكري من الاشخاص الذين يملكون الحرية العفوية والذين لايمكن وضعهم في صناديق مفاهيمية تكبل ذلك الخيال والحرية التي يتمتعون بها.
وهذه الخاصية في استقراء المستقبل حالة رياضية تنشا من العلاقة الحميمة بين الفكر الفعال والحرية الذاتية.
فعندما نفقد حريتنا العميقة فلا يمنعنا من ان نكون عبيدا لصناديق الافكار المتوارثة، فلا تستطيع الافكارالجديدة مهما كانت عقلانية ان تولد لدينا القناعة الكافية ابدا لان الافكار تحتاج الى حاضن مرن ينظر الى الاشياء دون ان يكون لديه غربيل مسبق او حكم مسبق على الاشياء وهذا الحاضن المرن انما هو الحرية العميقة بكون الحرية العميقة الباب الاول والاخير للعقل المتفكر المتفاعل بحميمية، والقرآن كان قد اولى العقل المرتبة الرئيسية حيث تتولد القناعة في داخل النفس السليمة التي لم تسجن نفسها في صناديق وعادات واطر محددة وجامدة، فكان القرآن يزدري تلك الجمل المعتذرة عن عدم القناعة بالرسالة الربانية وفحوى الدين الجديد والمتمثلة بـ هكذا وجدنا آبائنا..
فالعيش في واقع حياتي لابد وان تسبغ نمطيته عقول وسلوكيات الناس والغالب من الناس يسعون الى النمطية ويتآلفون مع النبض الرتيب ويرضخون لهيمنة الصناديق الجاهزة لكي تقولبهم مقابل حريتهم العميقة جيلا بعد جيل حتى يصل تعلقهم وتآلفهم مع الصناديق المقفلة عليهم نتيجة التقادم الى انهم ينتقدون كل ماهو جديد ومبتدع بكونهم ينظرون اليه كشئ غير اخلاقي رغم انه من اخلاق الحياة نفسها.. الحياة التي تتسارع باتجاه المستقبل والتطوير .
وربما تحدث مواجهات قاسية بين الحديث والقديم حيث يقوم جنود الماضي مقفلي العقول الى التصدي بعنف الى الوليد النامي من جذع الماضي المنخور.
ونبوءات المستقبل كانت ولا تزال في الذهن البشري كنافذة فكرية وخيالية وجدانية تقرا صفحات المستقبل وذلك لان المستقبل يمثل لدى الانسان التعويض النهائي عن كل مأساة البشر في صراعها المرير وتكالبها على اسباب الحياة، كذلك يلعب طموح الانسان في جعل هذه الحياة وافرة ومكتنزة ياخذ كل انسان فيها حقه وسعادته ومناه.
والاديان كلها تعد الانسان في هذا المستقبل شريطة ان يتمتع بفهم حر للرسالة الربانية وان ينظر الى نفسه مبدعا في الحياة وليس متلقي سلبي ساكن الذهن كمسنن ماكنة تحركه المسننات الاخرى وقد وعد الله الانسان بالجزاء الاكبر إضافة الى جزاءه الدنيوي الذي هو فاعل فيه من خلال تطويره للحياة نفسها.
اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا، واعمل لآخرتك كانك تموت غدا..جملة رائعة فيها كل منافذ الابداع والعمل للمستقبل البشري على الارض لإنجاز العمل الصالح الذي يليق بالانسان كخليفة اخلفه الله على الارض.
والفلكيون يستطيعون التنبؤ بالوقت الدقيق لسنوات الكسوف المقبل وعلماء الطقس والاحوال الجوية يستطيعون بنجاح كبير قلما يخطئ التنبؤ بالاحوال الجوية.
النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عرضة جدا للخطأ فعلماء الاقتصاد والسياسة والاجتماع لم يسبرو غور الاعمال المعقدة للمجتمع ولذا فكثيرا ما يقومون بتنبؤات يثبت خطأها فيما بعد ورغم ذلك فهي افضل من لا تنبؤات قط.
يحتج بعض الناس ان من الممكن معرفة الماضي لا المستقبل وفي هذا القول نصف الحقيقة وهو مساندة للراي القائل بعدم وجود أي معنى للتفكير في المستقبل.
والحقيقة ان معرفتنا بالعالم وبانفسنا تستخلص من تجربتنا، أي من مفاهيمنا ومشاعرنا التي شكلناها من الماضي ولا يمنعنا هذا من تكوين صياغات وبيانات دقيقة عما سيحدث في المستقبل.
وقد تقع اخطاء كما هو الحال في اخطاء ذاكرتنا عن الماضي ولكن كليهما الماضي والتنبؤ جزء كبير من معرفتنا، فانا اعرف ان الشمس ستشرق غدا بدرجة تشكل هذه المعرفة باكثر من تذكر يوم ميلادي بكون الاشراق نابع من تجربتي وليس حالها استنباطا من الماضي لكنه رامز الى المستقبل في نفس الوقت.
فمع ان معرفتنا مستقاة ومستخلصة من تجربتنا إلا ان معظم معرفتنا عن الماضي لا تاتي من تجربتنا الخاصة بل من بيانات وروايات الآخرين التي ربما تكون دقيقة او لاتكون .. فالمستقبل غامض بالنسبة لنا كما هو حال الماضي، ومعظمنا يستطيع على الارجح ان يكتب وصفا لما سيكونه عام 2012 فيما لايكون دقيقا ابدا وصف العام نفسه كيف كان بحسب التحليلات الماضوية.
فنحن ببساطة نجعل تنبؤاتنا لسنة 2012 لوصف العالم الذي نعيش فيه الآن مع تعديلات طفيفة من اجل افساح المجال امام الاتجاهات الراهنة، وعلى الارجح التطورات، اما وصف العام 2009 فيتطلب معرفة بالتاريخ لا يملكها بعضنا.
ان التكهن بالمستقبل فعل اساسي للكائنات البشرية فطيلة اعمالنا نتكهن باستمرار ومثال ذلك اذ لم انجز هذه المقالة الآن فلن تنشر في الاسبوع القادم.. او اني ان لم التفت الى طول المقال والمساحة المفترضة في النشر لن يكون لمقالتي حظ الاضاءة في الجريدة. 
فالتكهن اذن ليس بحالة غريبة بل هو كالتنفس وهو نشاط عادي وعقلاني ومن ثم اكثر نجاحا ويمكننا ان نقوم بتكهنات اكثر اهمية ونستطيع ان نطور وننمي آراء افضل عما يمكن فعله وهكذا نحسن العالم الذي نعيش فيه.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان عباس سلطان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/06



كتابة تعليق لموضوع : التكهن نشاط عقلاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : عدنان عباس سلطان ، في 2012/10/07 .

شكرا لنشر هذا الموضوع وكل موضوع يعني بتحسين حياتنا لكم بالغ التقدير




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net