صفحة الكاتب : ماجد الكعبي

صلاة في دمعة ... كتاب تحت الطبع
ماجد الكعبي

 أصدر الكاتب والصحفي والاديب العراقي ماجد الكعبي كتاباً تحت عنوان (صلاة في دمعة)وأهداه للاخوة المسيحيين (شهداء كنيسة سيدة النجاة ) ويحوي الكتاب مجموعة مقالات قيمة وأشعار تترجم بعض من الآلم الذي أصاب العراقيين في إعتداء مجموعة  إرهابية على كنيسة النجاة الشهر الماضي في بغداد .. 

  اسم الكتاب : صلاة في دمعة

الكاتب  ماجد الكعبي 

المحتويات

الإهداء

نعي بدموع ناطقة

عيد الميلاد الجديد موشح بالأحزان

المسيحيون ليسوا أقلية في العراق

تراتيل أحزان للأب ثائر الإنسان 

إنها يد الغدر يا أبونا وسيم

لمصلحة من هذا التكالب على مسيحيي العراق ..!؟

رحل الأبرياء في كنيسة سيدة النجاة

الأب بطرس حداد خسارة فادحة لا تعوض بثمن

لماذا لا نعتبر .. !!؟؟

المسيحيون العراقيون أغصان زيتون

المزايدات على مسيحيي العراق..!!؟؟

سخونة الدم .. تباشير الثوار

الملحمة الحسينية.. سينمائيا

رؤية معاصرة للثورة الحسينية : ثورة المنهج وخلود الفكر

مواقدُ الأسئلةِ

العذراء اليتيمة !

كنيسة الفواجع

لأجلي ... روبيلا عزيز ..!! ؟؟

صلاة في دمعة

سيرة ذاتية

اقتحمت مجموعة إرهابية مسلحة كنيسة " سيدة النجاة " للسريان الكاثوليك الواقعة في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد واحتجزت كل من فيها كرهائن لديها. وقد تمكنت قوات الأمن العراقية من تحرير الكنيسة مساء يوم 31 اكتوبر/تشرين الأول 2010 

الإهداء

إلى الأرواح البريئة التي زهقت ظلما وعدوانا في كنيسة سيدة النجاة , إلى حمامات السلام التي مزقت أشلاءها بأيدي القتلة المجرمين المتمرغين في مستنقع الحقد والحسد والبغضاء, إلى كل روح استلبت تحت وطأة الهمجية والرعونة والشحناء , إلى أحفاد رسول المحبة والتآخي والصفاء والجمال السيد المسيح الذي ساح في الأرض ناشرا رايات السلام والإخاء والوئام , إلى أشقائنا الذين امتازوا وما زالوا يمتازون بالصفح والعدل والنقاء , إلى من قاسمونا نحن ( المسلمين ) أفراحنا وأتراحنا في عراقنا المنكوب بفقدانهم المر, الذي هو خسارة فادحة لن تعوض بثمن , إلى كل ضمير ينبض بالتآخي والصفاء والمودة والحنان والتحنان والحب والرجاء , إلى المكلومين والمفجوعين بفقدان هذه النخبة النقية الصافية الأبية من إخوتنا المسيحيين المخلصين للوطن المفدى, إلى كل العوائل التي فجعت وذرفت دموعا حرى وكاوية على جثامين الشهداء الذين تظل أرواحهم في عليين تنادي بالثائر الثار من أولئك القتلة الذين لا يمتلكون ذرة من شرف وإنسانية ونظافة ونقاء .

أقدم هذه الباقة من مشاعر التعازي والتوجع على أرواح شهداء كنيسة سيدة النجاة , وكل مسيحي استشهد ظلما وغيلة بأيدي الحاقدين والمسعورين ,   وسنظل أوفياء لهؤلاء الشهداء ,  وتظل أسماؤهم ناصعة مشرقة خالدة مخلدة في دنيا   البقاء والخلود .

تنويه : 

ماجد الكعبي كاتب وإعلامي وشاعر عراقي مسلم من الجنوب

majidalkabi@yahoo.co.uk

نعي بدموع ناطقة

 بكل تواضع ....

 وبطوفان هائل من الدموع والحب والوفاء , ارفع لمقامكم المتسامي في سماوات ربي وربكم ,  ولأرواحكم التي توضأت بالسحاب تحيات أخوية صادقة تضخ شذى الوفاء وأريج الاخاء وأخصكم يا شهداء سيدة النجاة بسلامٍ نابع ٍ من سويداء قلبي المتعب والذي يضمرُ لكم آيات المحبة والإخلاص والوداد ,  وثقوا أن أسمائكم ترقدوا بين حنايا ضلوعي ,  وان ذكرياتي معكم ذكريات مغروسة في أعماق نفسي التي تجدو بأرواحكم وتلهج بمآثركم الأخوية ,  فقد برهنتم لي بأنكم نعم الأخوة الذين جسدوا أسمى وأعلى مضامين التضحية بالنفس . إن دمائكم يا شهداء الوطن تنمو كما تنمو الأشجار المثمرة بالحديقة الغناء , يا من أنتم أغنياء عن التعريف ,  واكبر من كل توصيف وان تعلقي بكم شرف كبير لأنكم مجسدون لمعاني التسامح والتصالح والشرف الأصيل والمجد الاثيل ,  فما أسعدني بكم وما أتعس حياتي وأنت بعيدون عني ,  ولكن تعيشون في قلبي وروحي ووجداني ,  فلا أنساكم لحظة ما دمت حيا فأنتم معي في حلي وترحالي  وإيفاء مني للجميل, والتزاما مني بتقديم أفكاري وقلمي هدية لأرواحكم الطيبة المظلومة ,  وتقديري واعتزازي  وتثميني ,  للمواقف الوطنية المعاضدة والمساندة لي ,  في أوجاعي وحرماني ,  وآلامي وآمالي , أقدم جهدي هذا ,  (هدية متواضعة ) لأرواحكم التي شتلت شتلات الأمل والثقة ,  في رحاب قلبي المتعب ,  المثقل بالهموم والغيوم , وسأظل مدينا لها ولتضحيتها وإخلاصها وحبها الصافي النقي  مادمت حيا .

عيد الميلاد الجديد موشح بالأحزان

إن كل عيد يزهو بالأفراح والمسرات ,  وينغمس بالأحلام والآمال , ويترقبه الجميع بالسرور والحبور والمباهج ,  بيد أن هذا العيد قد أطفئت  فيه شموع التفتح والبهجة والسعادة والاطمئنان ,  إذ أن مأساة كنيسة سيدة النجاة ,  قد حفرت في القلوب أخاديد عميقة الغور من الآهات والحسرات والدموع الناطقة ,  فالمجزرة المؤلمة قد سلبت منا النشوة والابتهاج في هذا العيد الذي كان ينتظره الجميع كي يعيشوا في أجواء من الأماني والارتياحِ والاطمئنان,  غير أن الكلاب المسعورة والذئاب الجائعة للفتك والدمار قد أثارت في قلوبنا المؤمنة أوجاع يسوع عليه السلام , وكثفت دموع العذراء اليتيمة عليها السلام , وزرعت في النفوس المطمئنة الآمنة الخوف والرعب والهلع واليأس والتدمير . فإننا نستقبل هذا العيد والأفئدة ملاى بالحسرات والتنهدات التي تظل تنزف ألما وحرقة على شهداء كنيسة سيدة النجاة ... فأي عيد نحتضن..؟ وأي عيد نستطيع أن نسرح فيه ونمرح في بلد قد ابتلي بالمنغصات والمزعجات والقلق والحرمان ..؟؟ فهذا العيد موشح بالأحزان وفاقد للامان ,  وغاطس في بحر الامتهان , فالإنسان العراقي وخاصة  ( المسيحي ) ما يزال وسيظل مرعوبا وخائفا مما يخبئ له الغادرون المجرمون الذين يمتهنون القتل والمضايقة والتشريد ,  ويستبيحون المحرمات ,  ويهتكون الكرامات ,  ويسحقون المقدسات بوقاحة وسفالة وانحطاط  .

اجل إننا نستقبل هذه العيد الكئيب بعيون تذرف الدموع ,  وبصدورٍ تنفث التوجعات ,  وبنفوس تتمرغ على الجمر لفقد الأحبة والإخوان والجيران والأصدقاء من إخوتنا المسيحيين ,  الذين يمتازون بالطيبة والبراءة والمحبة والسلام والجمال ,  وما عندنا وما لدينا إلا أن نردد مع المتنبي العظيم : 

عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ 

                بما  مضى أم لأمرٍ فيكَ تجديدُ 

 أما الأحبةُ فالبيداءُ دونهُمُ 

                      فليتَ دونكَ بيداً دونها بِيدُ

فيا أحبتنا إننا نقاسمكم الحزن والأسى على هذا المصاب الجلل ,  ولا ادري هل نقول لكم البقاء في حياتكم ,  أم نهنئكم في هذا العيد الذي اطل علينا وهو مكتسي كساء الفواجع والأحزان , وان مشاطرتنا لكم فيما يحزنكم ويفرحكم متأتي من قناعتنا بأنكم إخوتنا التاريخين الذين عبرتم بصدق عن ولاءكم للوطن ولكل العراقيين على مر العصور والدهور , فكيف ننسى مواقفكم المشرقة ,  وكيف ننأى عنكم في مصابكم الأليم الذي هو مصابنا فعلا وبالتأكيد .

 وأخيرا نسال الله تعالى أن يعيد عليكم كل عيد وانتم في أمان واطمئنان ووئام والله معكم .

ونسال خالقنا الكريم أن يرحم شهداء كنيسة سيدة النجاة وهم : 

 

1.   الأب ثائر سعد الله أبلحد عبدال 32  سنة

2.   الأب وسيم صبيح يوسف القس بطرس 27 سنة

3.   جورج أيوب طوبيا سقط 51 سنة

4.   نبيل الياس سمعان سقط 46 سنة

5.   سهم عدنان سعدو سقط 

6.   ثامر كامل اوسي (مع زوجته نداء وابنه عمر)

7.   نداء حميد اسطيفان

8.   عمر ثامر كامل أوسي

9.   عزيز الميزي

10.   يونان كوركيس الساعور (مع ابنه وزوجة ابنه وحفيدته)

11.   جان يونان كوركيس الساعور

12.   ريتا متي كوركيس زورا

13.   الطفلة ساندرو جان يونان الساعور (أربعة أشهر)

14.   مها ناصيف بنو (مع نجليها وسام وسلام)

15.   سلام أديب

16.   وسام اديب 

17.   فائز وعد الله قزازي

18.   عدي زهير مارزينا عرب

19.   أدم عدي زهير عرب (3) سنوات.

20.   بهنام منصور بولص موميكا (60) سنة.

21.   أيوب عدنان أيوب برجو

22.   صباح متى حمامي

23.   سعد ادور الساعاتي

24.  فارس نجيب فيليب حناوي

25.  فيفين ناصر مارو

26.  نذير عبد الاحد عنائي 67 سنة

27.  فادي بحودة

28.  مازن فضيل سليم الياس محروك 

29.  عبدالله حداد 

30.  وامق حداد

31.  رغدة وفي بشارة

32.  نزار جميل مطلوب

33.  ميلاد نزار جميل مطلوب

34.  بسام عدنان جميل الخوري

35.  عدنان جميل الخوري

36.  بهنام ميخائيل كافي الموت 52 سنة

37.  صلاح جرجيس عبد الاحد قاقو

38.  كرستين نبيل طوبيا كتناوي

39.  رائد سعدالله أبلحد عبدال

40.  فادي سمير حبيب عمسو

41.  اثيل نجيب عبودي

42.  نزار حازم عبد الرحيم الصائغ

43.  سهيلة روفائيل جاني

44. سهام صليوا ججيكا   من مواليد 1962

45. حكمت عزيز دقاق

المسيحيون ليسوا أقلية في العراق

حينما بدأ النبي محمد ( ص ) دعوته إلى الإسلام في مكة المكرمة ,  آذاه أهلها من قريش ومن تحالف معهم من القبائل في أحلافٍ جاهلية , وتصدوا لرسالته الإسلامية السمحاء , ووقفوا للدعوة بالمرصاد , فخرج الرسول إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الحق والعدل والجمال والدين الحنيف , وفيها وقف أهلها من ثقيف ومن تحالف معهم من القبائل وأولياؤهم الذين كانوا يعتنقون الشرك دينا يؤذون النبي وضربوه بالحجارة وغيرها , وحرضوا عليه صبيانهم , وشتموه وقذفوه بالشوك وغيره , واسمعوه الكلام البذيء , في حين كان يسمعهم الكلام الحسن ويدعو إلى سبيل ربه ( بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) , فلجأ إلى بستان هناك ليدعو دعوته الشهيرة (( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا ارحم الراحمين )) لكنه لم يدع عليهم , بل دعا لهم بالهداية , وفي تلك الساعة جاءه البستاني بقطيف من العنب , فسأله الرسول الأعظم :- 

ما اسمك ومن أي بلد أنت ..؟ فأجابه البستاني : اسمي عّداس ومن أهل نينوى , فقال له الرسول الكريم " ص " أنت من بلد أخي الصالح يُونس , وقد كان نبياً وانأ نبي , والحمد لله تعالى فقد أصبح قطيف العنب جزاءا عزيزا  من النسيج الاجتماعي المنسجم والمتآخي بأديانه وطوائفه ومذاهبه وقومياته , وصارت أور مسقط رأس أبينا مركزا دينيا مشعا , لان من عباءتها خرج النبي إبراهيم أبو الأنبياء عليهم الصلوات والسلام , وفي العراق أضرحة الأئمة الأطهار وعتباتهم المقدسة ومراقد الصالحين والأولياء  , تباركت هذه الأرض التي تستحق القداسة والتضحية والفداء لأنها ارض الأنبياء والمؤمنين , ولم يكن إبراهيم الخليل فردا صالحا بل كان كما وصفه القران الكريم ( إن إبراهيم كان امة ) ومن هنا يتجلى لنا  بوضوح أن مفهوم الأمة  لا يكون بالمفهوم الكمي أو العددي , بل بالمفهوم النوعي  وقد تكون الأولية العددية نسبيا بنوعيتها وصفاتها المثمرة أكثرية بعطائها وكفاءتها وحسن أدائها وولائها الوطني والإنساني  وتجذر أصولها للوطن , وكان لها أياد بيض – الأمة -  في وضع حجر الأساس لحضارته, ومن هنا نستطيع أن نقول : 

إن المسيحيين في العراق لم يكونوا أقلية , بل هم من اعرق أهل وادي الرافدين والحضارات العراقية الأصيلة في العراق ,  وأنهم يشكلون مع المسلمين وبقية الأديان والقوميات والطوائف والمذاهب مجتمعا عراقيا متآخيا في السراء والضراء كما أورد أبو الفتح الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل ) في القرن السادس الهجري , وتاريخا فان أول كنيسة بنيت في الشرق هي ( كنيسة كوخا )والتي تقع في محافظة بغداد , وتحديدا في مدينة المدائن ومكانها مقابل لطاق كسرى القريب من المشروع حاليا , وكذلك كنيسة ( اليعاقبة في تكريت  وتحديدا في معقل اليعاقبة ,  في القرن الأول الميلادي قبل أن تنتشر الديانة المسيحية على أيدي المبشرين في الغرب ولم تصل إلى روما ويعتنقها قياصرة الدولة الرومانية ورعيتهم ولم ينعقد بعد مَجمعا نيقية المسكونيان في أسيا الصغرى في العام 325 ميلادي الذي أعلن فيه قانون الإيمان والثاني في عام 787 ميلادي التي أصبحت عاصمته الإمبراطورية البيزنطية  وهو ما يعرف اليوم ب (أزنيق ) أما الكلدوأشوريون وبقية القوميات التي اعتنقت الديانة المسيحية في بداية انتشار المسيحية  بعد بعثة المسيح عليه الصلاة والسلام وهي من أقدم  من وَطئت أرجلهم  بلاد الرافدين , وانتشرت المسيحية في قبائل عربية ومستعربة كقبيلة ( إياد ولَخم ) والمناذرة  الذين كانت عاصمتهم الحيرة قرب الكوفة التي كانت عاصمة السياسة والشعر والثقافة والتجارة في العالم , في حين كانت إمبراطوريتان تحكمان هما الإمبراطورية الرومانية في الغرب والإمبراطورية الساسانية في الشرق , ولم يكن الا إمارة كندة في الجزيرة العربية وأميرها الملك الضّليل امرؤ ألقيس أمير الشعراء الذي استنجد بقيصر ملك الروم بعد أن نازعه بنو جلدته إمارته في القرن السابع الميلادي , في زمن ذهبت إمارات عربية أدراج الرياح وزالت كسبأ وحِمير ومَعين وتدمر وغيرها , فقال في ذلك امرؤ ألقيس : من قصيدته المشهورة ..

بكى صاحبي لما رأى الدرب دوننا 

                   وأيقن أّنا لاحقانِ بقيصرا 

فقلت له لا تبكِ عينك إنما 

             نحاول ملكا أو نموت فنعذرا 

لقد شهد القران الكريم للمسيحيين بشهادة حسنة , و شهدت الآيةُ للذين قالوا: إنا نصارى، بأنهم أقرب الناس مودة للمسلمين ، ونبيِّن السبب مباشرة، فنقول: ذلك لأن بينهم ومنهم رجال دين - من قسيسين ورهبان - أصحاب مواقفَ إيجابيةٍ تجاه الإسلام وأهله ((وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82} وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة / 83 )) . ولهذا جعلهم الإسلام أهل عهد وذمة من آذاهم فقد آذى الله ورسوله والذين امنوا وأولي الأمر .

 ولكي لا تمر جريمة العدوان الإرهابي الآثم على كنيسة سيدة النجاة , ومن خلال هذا الاستعراض , ومن خلال الدروس والعبر يتضح بان دهاقين الإرهاب العالمي يتبعهم أما الغافلون أو السيئون الذين يكيدون للعراق الجديد كيد الماكرين , لهم نوايا شريرة ابعد من خطف رهائن مسيحيين والهجوم على كنيسة في وقت إقامة قداس أو اغتيال أفراد منهم ,  والتلويح بالورقة المسيحية العراقية ما هي إلا جزء صغير من نوايا سيئة ذات أهداف إستراتيجية خبيثة بعيدة علينا الانتباه إليها , ومن هذه النوايا الخبيثة العمل على إفراغ العراق من جذر من جذوره ,  وشل عضو من أعضاء جسده المتواد المتراحم الذي إذا اشتكى منه عضو تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .. ويذكرنا هذا العمل الإرهابي الدنيء بما قام به قادة في الحركة الصهيونية في أربعينيات القرن الماضي حينما قاموا بافتعال أحداث شغب وإثارة المشاعر الدينية مع المواطنين العراقيين من اليهود وكان من ابرز من اعترف بهذه الأعمال الخبيثة هو " بيغن " الذي اعترف في مذكراته التي نشرها في ثمانينيات القرن العشرين , والتي يؤكد فيها انه لما كان في الهاغانا في الأربعينيات عمل هو وبعض أعضاء المحفل الصهيوني على افتعال الضرر بيهود العراق وافتعال ما يسمى  حينذاك بظاهرة ( الفرهود ) لكي يشيع الرعب في قلوبهم وينسلخوا من جلد العراق ودمه ويغادروا العراق تحت باب أنهم ( أقلية يهودية ) غير مرغوب فيهم عند أغلبية المسلمين في العراق ,كل ذالك قام به الصهاينة الذين انتزعوا اليهود العراقيين انتزاعا من الجسد العراقي والنسيج المنسجم الجميل الموحد لا فرق فيه بين المواطنين , بل توحدهم الهوية الوطنية لا الدينية ولا الطائفية ولا القومية ولا الاثنية ولا العرقية ولا المذهبية ولا الحزبية , وهناك أصبح اليهود العراقيون والشرقيين في دولة إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة , ليست لهم الحقوق التي يتمتع بها يهود الغرب ولا اليهود سكان فلسطين الأصليون , وإنما أصبحوا هناك شبه بالجالية , كما ينظر إليهم حاخامات الدولة العبرية وساستها وقادتها ومستوطنوها بازدراء , وكأني بهم يحنون إلى شاعرنا اليهودي العربي الذي ضرب العرب والمسلمون به مثلا في الوفاء فقالوا : أوفى من السمؤال ابن عادياء الذي قال :

تعَّيرنا أنّا قليل عديدنا 

                فقلت لها إن الكرامَ قليلُ 

وما ضَّرنا أنّا قليلُ وجارنا عزيز 

                    وجار الأكثرين ذليل 

سلي إن جهلتِ الناسَ عنا وعنُهمُ 

                    فليسَ سواء عالمٌ وجهولُ 

إذا المرءُ لم يدنس من اللئوم عرضه 

                    فكل رداء يرتديه جميل 

إذا المرء لم يحمل على المرء ضيمها 

                     فليس إلى حسن الثناء سبيل 

نعم يا إخوتنا مسيحيي العراق , إن قلبي زاخر بالتهاني لكم والأمنيات إليكم والتضرع لله بهذه المناسبة السعيدة , عيدنا وعيدكم  المبارك الذي تتجرد فيه النفوس من كل الرواسب السلبية والأنانيات الضيقة وتعانق ضمائرنا الحية اشراقة أمل جديد , وتعانق حياة حالمة بالآمال السرمدية والأحلام الوردية , فقد مللنا الكآبة والقهر والتوجس والحرمان , ولنتطلع إلى غد مشرق يزهو بخمائل السعادة والهناء , ويستحم تحت شلالات اليمن والانشراح والارتياح , ونتضرع لربنا القادر المقتدر أن يجعل حياتكم رافلة بحلل العافية والاطمئنان والهناء , ولننطلق سوية نشدوا بأناشيد المحبة والأمان والوئام ونغني أغنيات المجد والنهوض والازدهار , ونشمر عن سواعدنا كي نصنع قناديل التقدم والرخاء ونركل كل تراكمات الماضي البغيض , ونقف بشموخ وإرادة لندرأ عن عراقنا  الجديد الناهض كل رياح الغدر والإرهاب والتفخيخ والإجرام , ونصوغ قلائد الشموخ والزهو لعراقنا المتطلع إلى حياة آمنة هادئة سعيدة ترفرف في أفاقها ألوية العدل والمساواة والقوة والمنعة والصمود .

إخوتي الكرام .......

إن عيد الاضحى المبارك يجب أن يجدد في نفوسنا الأمل والاندفاع والانطلاق صوب الأهداف الوطنية والإنسانية الكبيرة المتبلورة بالوحدة والتلاحم والوفاق والاتفاق والألفة والائتلاف , ونسير كرجل واحد والى الأمام وبكل همة وإقدام , لصناعة مسلسل الوئام والسلام والاخاء والرخاء والولاء , فعراقنا أحوج ما يكون إلى صفاء النوايا وتوحيد الرؤى والأهداف والمنطلقات كي نستحم في بحيرة العز والكرامة والاستقرار , فقد مللنا الدمار وما يصنعه الأشرار ,  ولنحمل أنفسنا على الصبر ونقف بثبات أمام زعانف الشر والوقيعة وإنها لمنحة سوف نتحداها ونتجاوزها ,  لأننا أهل لذلك وبصبرنا وتحملنا وانشدادنا لأرضنا وبحبنا لوطننا العراق سنجعل من المعاناة والمنغصات والآلام تمر علينا بسلام , فقد عشنا ألاف السنيين نأكل من ماعون واحد ,  ونشرب من كاس واحد ,  ونتقاسم الهم والفرح الواحد ,  ويشهد على ذلك الله الواحد ,  , أدامكم الله كل عيد ,  وجعل كل أيامكم أعيادا , وعيدا متجددا على مر السنين والأعوام والسلام . 

تراتيل أحزان للأب ثائر الإنسان

من كنيسة سيدة النجاة تتصاعد الآهات والحسرات .. وتتساقط الدموع الكاوية ,  على الأب الفقيد المخلد والقس الأديب المؤدب الشهيد ثائر سعد الله,  هذا الإنسان المثالي المتسامي في ذرى الشرف والأصالة والنقاء , فهذا الأب الشهيد النموذجي العريق بالطيبة ,  والغارق بالعفة ودماثة الأخلاق ,  كان بحق خسارة فادحة لا تعوض بثمن  لأبناء العراق للمسيحيين خاصة , الذين وجدوا فيه أبا رؤوما ,  وأخا حنونا ,  وإنسانا زاخرا بالعفوية والبراءة وكرم النفس وسمو المثل ,  لذا فأرى الجميع واجمين مفجوعين متأسفين على رحيله المفجع , وثقوا بأنني رجل حزنت عليه حزنا لن أحزنه على أخي واقرب الناس لي , وهذه حقيقية اصدح بها لأنني أتذكر منه مواقفا أخوية جمة تظل مزروعة على حنايا قلبي المصدوع بفقدانه المؤلم  , والذي حفر أخاديد عميقة الغور في قلوب كل الذين عرفوه وسمعوا عنه ,  لأنه كان وبحق ملحمة للتسامح و للصدق والتربية العالية وللعلاقة الاجتماعية النقية والوفية ,  فكان ابا بجدارة زرع في نفوسنا دروسا خالدة في الخلق والتربية والنزاهة والشرف وكل الصفات التي ينشدها الله جلت قدرته ,  فقد كان عنوانا للمسامحة الحقيقية وللعفاف الأصيل ,  وللعطاء والعطف والتعاطف مع أبناء وبنات كنيسة سيدة النجاة , هذه الكنيسة الواحة   الحالمة البريئة التي تفتح ذراعيها بحنان لتطوق الوافدين عليها وتشملهم بالرعاية والعناية والكرم والتكريم .

إن خسارتك يا أبونا ثائر سعد الله  كبيرة وقاسية على أفئدة كل الذين عرفوك إنسانا تفوح شذى وعبيقا وريحانا ودماثة وسموا وتساميا وإخلاصا  ,  فانك يا أبوالطيبة قد كرمك الله بزوجتك وبأبنائك البررة الذين يمتازون بأخلاق لطيفة ,  وبلطف جذاب ,  فأنهم نعم الذخيرة التي قد خلدتها في هذه الدنيا , وان كل النفوس التي حبتك لا ولم ولن تنساك أبدا ,  لأنك قد تركت بصمات واضحة وسمات متميزة وارثا أخلاقيا عاليا ,  فأي ثروة تفوق هذه الثروة وأي ذكر أسمى وأروع من الذكر الذي تتداوله الألسن على مر السنين والأعوام .

فخلودا أبديا لك يا ثائر , وأغصان الأحزان لن تجف يا أبونا , وان كل آلامنا ومصيبتنا يا شهيدنا نزر قليل أمام الفجيعة التي فجعت بها , متضرعين إلى الله الكريم الرحيم أن يتغمد فقيدنا الشهيد ثائر  بشآبيب رحمته ,  ويرفده بطوفان رضوانه ,  وينهال عليه بفيض رعايته وغفرانه .

 

إنها يد الغدر يا أبونا وسيم 

  وتنا المسيحيين امتزجت مع دماء جميع الطوائف والمذاهب والأديان لتصب في نهر العراق الخالد .

فلتقر عينك يا أبونا وسيم ,  يا شهيد كنيسة سيدة النجاة وسيتحقق حلمك الكبير رغم ضراوة الصراع ومرارة الأيام وشدة المعاناة وقساوة معركتنا مع الإرهاب والإرهابيين.

أقول : تمر الأيام سراعا يطوي ليلها النهار ,  وننطوي نحن بينها فما يبقى لسعينا بين جناحيها إلا ما يبقى للطيب بعد فنائه أو للخبث بعد تلاشيه .. الأثر الصالح يبقى طيبا يعطر الألسنة والخبث يبقى خبثا تشمئز منه النفوس . وتقول لنا روح المرحوم الشهيد الأب وسيم صبيح يوسف  .. أنا وأنت أيها الإنسان نتحول إلى ذكرى , كما تراني ألان عبر اللافتة السوداء التي أمامك (  ذكرى ) قد تكون طيبة بأفعالنا وقد تكون لعينة بها أيضا . وتقول  روحة الطيبة :  عليك أيها الإنسان أن تغتنم الفرص قبل فواتها فالباقيات الصالحات والعمل الطيب كالكلمة الطيبة تبقى ما عاش الإنسان بل وتعقبه بعد مماته .   ويقول الأب وسيم : هذه أجسادنا تسير إلى المقابر, وترابا نعود كما صرنا بدءا من تراب , فما كان الخلود نصيبا لنفس إنسانية . لقد خلقنا الله لنشكره ونعبده , ولم يخلقنا لكي نعصيه . ويقول : يا نفس بيعي دنياك باخرتك تربحيهما معا ولا تبيعي أخرتك بدنياك تخسريهما معا ويقول :كل ما في الدنيا إلى زوال .. وخير ما في المرء لجم شهواته واقتناعه بما لديه , فالملك لله وحده  ولتكن على يقين أيها الإنسان أن خيار الناس من لزم القناعة , وكذلك يقول لروح قاتله :    انظري أولا في ذنوبك الظاهرة ,  ثم انظري في الموت وسكرته ,  والقبر وضيقته ثم انظري إلى عذاب الأجداث ,  وأهوال النداء يوم النشور ,  يا نفس قاتلي تصوري جهنم وأهوالها وسلاسلها وأغلالها ثم ضجي بعد ذلك إلى الله ضجيج الآملين وناديه يا ولي المؤمنين .. ياغياث المستغيثين .. يا حبيب قلوب الصادقين يا اله الأولين والآخرين يا ارحم الراحمين .. ثم توبي إلى الله لعله يغفر لك جرائمك الظاهرة والباطنة . 

(( وهذه رسالة إلى من فقدوا أحبتهم ) 

خلق الإنسان وعلى عاتقه ألقى الله مسؤولية التبصر بالحياة ومعرفتها وتسخيرها فيما يخدم الإنسان نفسه . فالإنسان مسبقا يجب أن يعلم انه ممتحن مبتلى . والإنسان أمام هذا الامتحان الإلهي واحد من اثنين اما  صابر محتسب واما  متهافت هش تكسره الريح لأول هزة . والأول هو الفائز مهما بلغت به الآلام ومهما لوته الأيام , ولأنه يعمل بما يقوله الله تعالى (( احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون )) فالابتلاء مقدر على الإنسان ولكن الصبر يقرره الإنسان نفسه . فكن أخي المؤمن صابرا واثقا بالله مؤمنا  به  إيمان القوي الذي تذوب أمامه المصاعب مهما كبرت وتذكر قول احد الصالحين : 

    فإذا بليت بعثرة فاصبر لها 

    صبر الكريم فان ذلك احزم 

     لا تشكون إلى الخلائق إنما 

   تشكو  الرحيم إلى الذي لا يرحم 

تكالب على مسيحيي العراق ..!؟

 حقيقة ناطقة ساطعة ناصعة لا يتجادل فيها اثنان ,  إن المسيحيين العراقيين وعبر التمرحل التاريخي ,  كانوا ومازالوا وسيظلون رغم انف المغرضين والحاقدين ,  هم إخوة بل أشقاء اصلاء للديانات كافة وخاصة المسلمين , فطيلة تواجدهم على ارض العراق الأصيل العريق لم ولا ولن يتركبوا أية مخالفة أو سوءة أو تآمر أو تخندق ضد هذا الوطن الحبيب , بل ساهموا مساهمات حضارية فعالة ,  وقدموا أنشطة ثقافية واجتماعية خلاقة ومثابرة في بناء الوطن على أسسٍ متينة ورصينة من المحبة والسلام والتآخي والتصافي والبناء , فكانوا واستمروا في نهجهم المخلص والنقي في رفد العراق الشامخ بكل طاقاتهم المنتجة والمبدعة والنظيفة فبقيت بصماتهم المشرقة تتلالىء في رحاب التاريخ , كما أنهم على مر العهود المنصرمة عاشوا في وئام وأفضل مقام بين إخوانهم العراقيين تحت خيمة الوطن الواحد الذي احتضنهم بإخلاص ومدهم بأسباب البقاء والنقاء والمعاضدة والمساندة ,  فلم تبدر من أي عراقي بوادر سيئة ومشينة ضد هذه الشريحة المتميزة بالخلق والأخلاق وبالفضائل والمكارم والصفاء ,  فأنهم وأقولها للحق والحقيقية والتاريخ إن المسيحيين العراقيين نماذج مشعة عكست جوهر الإسلام مع الاحتفاظ بمسيحيتهم العريقة التي جسدت بكل الصدق والمصداقية تعاليم النبي المخلد عيسى ابن مريم الذي أشاع في الإنجيل كل ما أراده الله من فضائل وقيم وإنسانية وحب ووفاء وحنان وتحنان وعشق وكل إشعاعات الجمال والكمال الروحي والمادي ,  ومازالوا يجسدون الوداعة والانسجام والألفة والتالف ,  فقد شكلوا منظومة متكاملة من الأعراف الإنسانية الجذابة وطرحوا أفكارا متسامية ومارسوا ممارسات وطنية ودينية يفوح منها عطر المودة وأريج التكاتف ومسك التضحية .

فبربكم العظيم هل من المعقول أن يتصدى أي كائن من كان إلى هؤلاء الإنسانين الوديعين المشبعين بالفضائل والمكارم حتى ولو بكلمة عابرة أو بهمسة فيها ظلال من السوء والإساءة ..!؟؟  بشرفكم المعزز من يرتضي أن ترمي الورود المتفتحة بالأشواك الكريهة ..؟؟ بالحق عليكم لمصلحة من يتوجع المحبون ويلحق الأذى بالمخلصين , ولمَ وعلامَ يقتل وتستباح دماء من يؤدون طقوسهم الدينية في مكان يحمل القداسة والقدسية من الله ..؟؟ فهل من الشرف والإنصاف أن  يحارب ويقتل حملة دينٍ مقدس ..؟  ويرعب ويرهب ظلما وعدوانا أحفاد السيد المسيح عليه إلف سلام ..؟ إن كل إنسان منصف وشريف يتعاطف ويتضامن مع الأشقاء المسيحيين ويدعمهم بقوة وينصرهم باندفاع شديد ويستنكر ويشجب ويدين أي اعتداء عليهم من أي مصدر كان أو سيكون ,  لأنهم اثبتوا بأنهم صناع السلام في عراقنا الكبير , وإنهم  ورسل المحبة وينبوع التآخي , فكيف يحق لمعتدي أن يمارس اعتدائه على ملائكة في الأرض ,  فلم تصدر منهم أي سلبية ضد صديقٍ أو جارٍ أو ابنَ وطن أو ابن دين مهما كان نوعه وهويته ومستواه , إنها لجناية وجريمة أن يتطاول المتطرفون الحاقدون على أشقاء الدرب الطويل , إننا نقولها بصراحة إن أي اعتداء على أي مسيحي هو اعتداء ظالم على كل مسلم في العراق , فطوبى ومرحى لكل إنسان يعانق أخاه المسيحي ويقدم له باقة خلابة من أغصان الزيتون ,  وطبقا جذابا من الحب والمحبة والسلام والامتنان ,  فهذه هي رسالة كل عراقي يختلج في قلبه الصفاء والنقاء والإخاء ,  فإننا أحوج ما نكون إلى الوحدة الوطنية والإخلاص المتين والالتزام الثابت حتى نفوت الفرصة على كل الافاكين والمغرضين والمسعورين والإرهابيين الذين هم عتلة معاكسة في طريقنا ,  فعلينا مقارعة ومنازلة كل الخصوم الذين ينفثون سمومهم كالأفاعي الرقطاء في الليلة الظلماء ,  فإننا حملة القران الكريم والإنجيل والتوراة والزبور والكتاب المقدس سنظل يدا واحدة ,  وقلبا واحدا ,  كي نحطم ونهشم رؤوس المجرمين والعملاء والمعتدين ,  فرسالتنا الدائمة ونشيدنا الأبدي كلنا في مركب واحد ,  ولا ولن نسمح لأحد أن يثقب هذا المركب الذي يمخر عباب المستحيل ,  فالقافلة الإنسانية السمحاء دائما تسير إلى مرا فيء الاستقرار والأماني والطمأنينة والسلام .

وإننا نؤكد للعالم كله , بأننا نشكر كل الدول المتعاطفة مع إخواننا المسيحيين ,  والتي فتحت أبوابها لهم بحسن نية  , ولا نشك بدعوتها واستضافتها لأشقائنا ,  لأننا نعتقد أن نواياها صادقة ومخلصة وإنسانية ,  لكننا لم ولا نشجع على الاستجابة لهذه الدعوات , كذلك أننا لم ولن نسمح لأي منظمة أو مؤسسة في العالم مهما طرحت من طروحات ظاهرها سلام وباطنها انتقام مشحون بالخبث والمكر والادعاء ,  بأنها تفتح صدرها وحدودها لإيواء المسيحيين على أراضيها . 

 إن هذه الدعوة الشريرة تبتغي خلق فتنة وطنية وإثارة الرأي العام على العراق الذي ينظر للمسيحيين كشركاء اصلاء لهذا الوطن , إن قلوبنا وعيوننا هي مساكن أشقائنا المسيحيين ,  وان ما حدث في كنيسة سيدة النجاة وغيرها هي محاولات الأشرار والإجراء الذين يبتغون أثارة الفتن والاضطرابات والتمزقات في النسيج العراقي الذي سيظل متماسكا وقويا وعصيا على كل الأعداء المجرمين ,.

 إننا جميعا يدا بيد مع الأشقاء المسيحيين ,  لأنهم متجذرون في تربة الوطن ومن بناته الأصلين ,  وان كل ما يحدث من اعتداء على أي مسيحي هو مسمار مسموم يدق في قلوبنا التي تمطر حبا ووفاء وتضحية من اجل أن يظل المسيحيون ملء العيون والقلوب ,  وعهدا موثوقا بان كل عراقي شريف وأصيل ووطني حقيقي وملتزم بأصالة وأمانة بوحدة الوطن  سيظل قلبا وقالبا مع شقيقه المسيحي رغم انف كل المتصيدين في الماء العكر ,  وإخوتنا مستمرة ودائمة وباقية كبقاء العراق الأصيل .

وإننا نقف بإجلال وإكبار وبانحناء أمام أرواح الشهداء الإبرار الأبرياء من أتباع الديانة المسيحية , والذين قدموا مهجهم من اجل الإيمان الصادق والذي رفع أرواحهم الطاهرة إلى عليين ,  وستظل ذكراهم خالدة مخلدة في قلوب كل العراقيين لأنهم عبروا بأصالة وثبات على التزامهم التام بالقيم والمبادئ وجسدوا بأمانة تعاليم النبي محمد " ص " وأخيه روح الله النبي عيسى ابن مريم عليه السلام .

وقسما غليظا وعهدا متينا بان التاريخ والمستقبل سيثبت للعالم كله أن العراقيين كلهم يعيشون في واحة التوحد والثقة المتبادلة والإيمان المطلق والسلام الدائم .

 رحل الأبرياء في كنيسة سيدة النجاة

يا شهداء سيدة النجاة , ما أجمل قيثارتكم لأنها قيثارة الموحدين , بأي كلمات أرثيكم .. وبأي أسلوب أنعيكم ياكواكبا تساقطت من سماوات السمو و الفضائل وهشمتها معاول الدخلاء والإجراء والحقراء والإرهابيين , فيا زنابق التضحية , ويا عناوين الفداء , ويا أبجدية الاستشهاد , انتم أركان تهدمت , وانتم مشاعل نور أطفئت , وانتم تيجان على رؤوس الكبرياء , أنكم منارات في دنيا العطاء , وهل تكفي الكلمات والدموع والآهات والحسرات بالتعبير عما يختلج في صدورنا من لوعة وألم وحسرة على أعماركم التي تلاشت تحت دخان الفواجع التي صاغها العملاء والأدعياء وكل حثالة الأقدار والمقادير . 

إن أحذيتكم التي بقيت مرمية في باب الكنيسة هي أسمى وأعلى واغلى من كل الرؤوس المنخورة المحشوة بالغباء والقذارة والنتن .. إن كل قطرة نزفت من أجسادكم الطاهرة المطهرة هي قارة من الأنوار التي تظل تتوهج في عوالم الشموخ والنقاء , فيا رصيدنا ويا عزتنا وشموخنا لا لم يحصدكم الغادرون والمتآمرون والإرهابيون , إنكم باقون في عالم الذكرى , إنكم تعيشون في ضمائر الأخيار والأبرار , إن أطيافكم ودماءكم ستظل مساميرا مزروعة في نفوس الحاقدين والمسعورين , فيا كوكبة النقاء ويا اغرودة الأجيال ويا ترنيمة الطيور ويا أكمام الزهور, برقبة من دمائكم المسفوحة .. ؟؟ برقبة من أعماركم المذبوحة .. ؟؟ برقبة من أبائكم وأمهاتكم وأخوتكم وأخونكم ..؟؟ برقبة من أطفالكم ونسائكم .. ؟؟ , أن ما يحز القلب ويدمي الفؤاد أن نكتفي بالنعي والتأسي واجترار أنباء فواجعكم .. من المسؤول عن فقدان حياتكم.. ؟؟ ومن وراء من نفذ عمليات قتلكم .. ؟؟ وأي إجراء يشفي قلوب المكلومين قد حقق لكم .. ؟؟ وأي حملة شنت على الإرهابيين والمجرمين كي تستقروا وانتم في قبوركم .. ؟؟ ماذا نقول عنكم وبأي لهجة نغني أسمائكم , وبأي موسيقى نعزف أساطير استشهادكم وتضحيتكم , فعراقنا المفجوع تتزايد فواجعه , وتتعاظم ماسيه وكوارثه , فأي شيء يشفي قلوبنا , ويريح أعصابنا , ويحقق اطمئنانا ويعوضنا عما فقدناه من أحبة وأعزة , فالتراب الذي كان يتطاير من أحذيتكم هو كحل للعيون , وهو أثمن وأغلى وأعلى من هامات الحاقدين المأجورين الغادرين عشاق الجرائم والآثام والدماء . إن عزائنا بكم لا ينتهي إلا بانتهاء شراذم الشر وزبانية اللؤم والحقد والغدر والعفن , وإننا على العهد باقون , وسنظل بذكراكم نسبح , وبأسمائكم نرتل , فأنكم في مركز الأعصاب ومع نبضات القلوب , وأنكم قد أصبحتم في جنات الخلد تنعمون وأسمائكم وعناوينكم شامخة ساطعة في دنيا البقاء والمجد والخلود . وليعلم الجميع بان كل قطرة من دمائكم تعادل كل دعي ومنتفع قد تربع على مقاعد الدولة وهو لا يمتلك ذرة من الوطنية والغيرة والأهلية , فان استشهادكم قد فضح وعرى جميع الذين يتصدرون الدفاع عن الإنسان والإنسانية و لم يصدر منهم أي موقف ينم عن مصداقية تعاطفهم مع هذه الكوكبة المغدورة , إنما اكتفت القلة القليلة جدا منهم بإصدار تصريحات وتلميحات ولم تميط اللثام عن جوهر هذا الإجرام ومن صنعه ومن خطط له ومن نفذه , فهذا أمر كأنه لا يعنيهم ولا يهمهم بشيء , والذي يعنيهم هو تمتع بعضهم بالامتيازات المفتوحة في عواصم العالم يتبطرون ويتنعمون ويتمطرحون ويقتنون ويعودون محملين بالعطايا والهدايا وما يرضي طموحاتهم ونزواتهم وشهواتهم التي لا تخفى على احد , ولكم الله يا أيها الشهداء الأبرار, ولكم العزاء يا أيتها العوائل المنكوبة والمفجوعة , وتضرعي لله بان يديم شهوة وشهية كل عضو في البرلمان لم ينفعل ولم يتفاعل مع دماء الشهداء , الذين وهبوا حياتهم من اجل الوطن , الذي أراده المنتفعين والدخلاء والمأجورين والإرهابيين ان يكون فريسة بأيدهم  , لكن هيهات وألف هيهات طالما في العراق حكومة وطنية منتخبة فانها ستضرب بيد من حديد كل القتلة والأشرار ومن وراء الحكومة شعب واع لا يقهر .

 وختاما .. ان دموعنا لن تجف على كل من ضحى من اجل هذا الوطن المنكوب , والذي لا يحمل جراحه إلا الاصلاء والنجباء وكل من يمتلك الغيرة والشهامة .

الأب بطرس حداد خسارة فادحة لا تعوض بثمن 

إنها فاجعة كبرى , وكارثة عظمى , أن نفقد أبا عملاقا , وأخا حنونا  , وصديقا وفيا . وعالما متفقها بأحكام الإنجيل والكتاب المقدس  , ودكتورا حاذقا , ومفكرا عملاقا ,  وكاتبا موسوعيا ,  وإنسانا يمتلك قيما عليا , ومواقفا شامخة على انف الزمن ,  ألا وهو الفقيد الراحل الأب بطرس حداد.. هذا الرجل الإنسان الذي ترك بصمات مشرقة على جبين التاريخ , وخلف تراثا ممسقا من الاشراقات والعطاءات العلمية والثقافية والاجتماعية والروحية .. فقد كان عنوانا عريضا للإنسانية , ونبعا متدفقا للخلق المتسامي والشرف العالي , وكان أنسانا متصالحا مع نفسه ومسالما , وكان أبا ومعلما ومربيا  ملتزما بالوطنية الحقة ,  والإخلاص المؤكد ,  والنقاء الرفيع , ومتجذرا بحب الوطن والشعب الذي وجد فيه , الأصالة والعراقة والعلم والأخلاق والديانة الحقيقية البعيدة كل البعد عن مغريات الدنيا والمنافع الذاتية . إن الراحل حداد بطرس باب مفتوح  للمعوزين والمقهورين , وكان ملجأ للمذعورين والخائفين .. وكان إسعافا للمستجيرين والمنكوبين , كان عنوانا للشمائل والفضائل ,  لذا كان وسيظل يعيش في ضمائرنا التي تكن له كل الاعتزاز والحب والتقييم , لقد فقدناك يا أيها الأب العطوف في هذه الظروف المتشابكة ونحن أحوج ما نكون محتاجين إلى مشورتك الصائبة  , وحكمتك الموضوعية النافعة , والى قيادتك المقتدرة على البناء والعطاء وفض المشاكل والصراعات ,  فقدناك قلبا يحتضن كل أبناء العراق .. فقدناك يدا تعطي وتواسي وتمسح على رؤوس الأيتام والمعوزين , فقدناك ينبوعا متدفقا للمواساة والإنقاذ , فقدناك ابنا بارا لشعبك الكبير,  وأخا وشقيقا وساعدا ومساعدا ,  بل فقدناك قائدا متميزا ,  وكاتبا مشهودا ,  ومفكرا نبيلا , وعالما متبحرا . إن اللسان لا يكل ولا يمل عن ذكر محاسنك الكريمة ومكارمك العظيمة ,  وعظمة نفسيتك المتعاظمة أمام كل الأهوال والمحن والكوارث ,  فأنت الرجل القوي القوي ,  الأمين الأمين ,  فانك أكثر واكبر من كلماتي مهما تسامت وتعالت , فان أفكارك ورؤاك ستبقى دليل عمل لشعبك الذي وجد فيك كل ما ينشده من حرص وتفان وانجاز .  فسلام عليك يوم ولدت ,  ويوم مت , ويوم تبعث حيا , وان قلوبنا حرى يعتصرها الألم  , وعيوننا تتساقط منها دموع كاوية ,  وألسنتنا اتخذت من اسمك وتاريخك نشيدا لم يأفل ولن يزول .  يذكر أن الفقيد ولد سنة 1938 في الموصل. التحق بالمعهد البطريركي في الموصل سنة 1954 أرسل إلى روما لإكمال دراسته فحصل على الدكتوراه في اللاهوت في 20 كانون الاول1961. عاد إلى مسقط رأسه سنة 1964 فعين في كنيسة أم المعونة. انتقل إلى بغداد سنة 1966 فخدم في المعهد البطريركي إلى سنة 1968 ثم انتقل للخدمة في كنيسة مار يوسف وكنيسة مار بيثون ولغاية  2001 ثم عين في كنيسة مريم العذراء سلطانة الوردية. شغل لفترة منصب مدير الديوان البطريركي.

المسيحيون العراقيون أغصان زيتون 

يؤكد التاريخ البشري أن الشعوب تصنع أقدارها بنفسها , وتنسج ملاحم الانتصارات والمتغيرات بذاتها , وتحقق هويتها وشخصيتها بإرادتها , ولا يوجد شعب في العالم كله وعلى امتداد الوجود يحقق مصير ومستقبل غيره , فالشعب كفيل بتحقيق ذاته , وسحق أعدائه , وتحقيق منجزاته , لان إرادته من إرادة الله تسامت قدرته . 

وان شعبنا العراقي العريق , الذي يقف على تراث شامخ من البطولات والكبرياء , قادر وبكل تأكيد على تحقيق مستقبله المشرق , وغده الأمثل , لأنه متوج بوعي ثاقب , وبإرادة متوقدة , وبإقدام واقتحام لا يعرف الكلل والملل , ولا يتقاعس عن أداء دوره التاريخي بكل شموخ وعنفوان وصدق وآباء .

اجل إن المسيحيين العراقيين المتجذرين في الأصالة , والعراقة يمرون الآن في امتحان عسير , وفي ظرف عصيب وملتهب , يفرض علينا أول ما يفرض أن نعانق الجرأة والصراحة , ونلتزم بشرف الكلمة وصدق المبادئ الإنسانية والوجدانية , فلا نهادن ولا نساوم على مصالحهم وأهدافهم الكبرى , و نركل وبعنف كل من يريد أن يمزقهم أو يهجرهم , وعلينا أن نفتح نوافذ التطلع والإشراق , ونتمسك بعروة القيم والمكاشفة , ونسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية , ولا تأخذنا في الحق لومة لائم . كما أتمنى منهم – المسيحيون العراقيون - أن لا ينخدعوا كما خدع غيرهم بشعارات خداعة ومضللة تشجعهم على ترك الوطن ومغادرة بيوتهم وأملاكهم ,  والحمد لله  كثير منهم قرأوا وبوضوح أوراق الألاعيب الإرهابية و السياسية , والممارسات النفعية , ولم ولا ولن تنطلي عليهم أساليب الخداع والنفاق , فقد امتلكوا رصيدا هائلا من التجارب والحقائق التي أنارت وما تزال تنير كل الدروب والمنعطفات , ومن منا لا يعلم إن إخواننا المسيحيين الآن في مخاض كبير كما نحن , ومن منا لا يدرك أن الواجب الوطني الحقيقي يفرض ويلزم كل مواطن أصيل وشريف أن يجاهر بالحقيقية , ويستفد من كل ( تجارب الهجرة والتهجير ) المرة المريرة التي عاشها في المرحلة السابقة التي أفرزت الفواجع والمهالك والأزمات والمعضلات , حيث كان الأمن يتأرجح بين مد وجزر تحت ضغط الإرهاب والترهيب والفساد والمفسدين , وتفشت الصراعات والتشاحن والتطاحن من اجل المصالح الذاتية والمأرب الشخصية , وهيمنت العنصرية والحزبية الضيقة , وتضخمت الأورام السرطانية كالرشوة والمحسوبية والمنسوبية والبطالة والصعود على أكتاف الآخرين والمزايدات ألا وطنية والتبجحات الكاذبة , والانصراف عن مصالح الشعب والانغماس في مستنقع النفعية الذاتية والتي مزقت الشعب وتركته فريسة سائغة للأنانيات والتزويرات ونهب المال العام والاختلاسات المفضوحة التي مارسها بعض الكبار من المسؤولين والنفعين الذين تركوا الشعب المقهور يتضور جوعا ويفترش بساط الفقر الموجع , والفاقة القاتلة , والأمراض المهلكة , واليأس المطبق , فأضحى العراق بين متخوم بالمنافع والمكاسب , ومحروم من كل الامتيازات التي تنعم بها البعض من يحملون صولجانات الوزارات ويتبؤون كراسي الحكم وتركوا هذا الشعب المنكود يتمرغ على أرضية الدمار والقهر والقتل والتخريب . والآن قد آن الأوان لدولة رئيس الوزراء المنتخب ( نوري المالكي ) لان يصدح ويصرخ بالحقائق الدامغة , لان الرجل يريد إنقاذ هذا الشعب المظلوم المهضوم الممزق اليائس , ويبدو أن الحكومة متمسكة بعروة كشف كل ماهو مخبأ ومستور, وهي تعلم ( الحكومة ) إننا في هذا الظرف العصيب وفي هذه المرحلة الحرجة علينا أن نصدع بالحق والحقيقية فلا خلاص لهذا الشعب إلا أن ينطلق ( رئيس الوزراء ) بشجاعة وإقدام ويمارس دوره الرئاسي بنزعة وطنية أصيلة وبعراقية متجذرة وبإرادة حرة توجب عليه الالتزام التام بالعراق أولا ,  وتوفير الحماية المطلوبة للمسيحيين العراقيين خاصة  .فيا حكومتنا المنتخبة .. إن المسيحيين تحملوا الويلات والمحن وينتظرون المنقذ المشبع بالأصالة والقيم والوطنية المشرقة , وان حسن ظنهم بحكومتهم لكبير, وإننا بهذه الصيغة الوطنية نخلق عراقا نموذجا يصنع قلائد الانجازات بل المعجزات ,  ويكفينا ما ذقنا من هموم وغموم نريد لها أن لا تعود ولا تلبد سماء عراقنا الجديد من جديد . ويجب على البرلمان الحالي أن يكون زورق إنقاذ للمواطن المسيحي المترقب لغد وضاء ترفرف في أفاقه رايات الأمن والأمان والسمو والتالف والتآخي والتصافي والعدالة والإنسانية , فقد مللنا الشعارات المتهالكة , وجزعنا من الوعود الخائبة , ويأسنا من التصريحات الجوفاء , والممارسات الرعناء , فحان لليل أن ينجلي , واَن للقيود أن تنكسر , وان للتخبط والضياع أن ينتهي .  فيا  إخوتنا المسيحيين لا الإرهاب ولا الترهيب ولا المكرة ولا الغدرة ولا الافاكين ولا الغادرين بقادرين على أن يلغوا وطنيتكم و إرادتكم ووجودكم بيننا فأنكم تخلقون وتصنعون مستقبلكم بوحدة رأيكم وتلاحم أبناءكم واندفاعكم الجارف نحو إثبات الوجود المنشود .. لا تغادروا العراق وتتركونا لوحدنا , فبوجدكم يتم المعنى الكبير للحياة في العراق رغم المنغصات والمعاناة ,   ومهما كان الثمن فلا ننقاد وفق ما يمليه علينا الآخرون بأساليب الخداع والمخادعة والوعود التي في ظاهرها تفوح مسكا وعنبرا , ولكن في جوهرها تفرز العفن والنتن والذاتية والنفعية الشخصية .

إن المسيحيين العملاقة قد امتهنوا الكشف والفضح لكل المندسين والمخادعين والوصوليين والافاكين , وأنهم قد عرفوا جيدا من هو الحقيقي ومن هو الدعي , ومن هو الأصيل ومن هو الدخيل , فلا خوف عليكم وعلينا إذا التزمنا التآخي , لأننا نمتلك بصرا حديدا وبصيرة باصرة متبصرة تقرا مابين السطور وما خلفها , وإننا جديرين بان نظل سادة الموقف , فكل القتلة زائلون ,  وانتم ونحن باقون ما بقي الدهر والتاريخ , وهذه حقيقية شاخصة لا يتجادل بها اثنان , ونحن ننتظر بلهفة وشوق قراركم بالبقاء وعدم مغادرة العراق وبقراركم هذا سوف تهتز كل الهياكل المنخورة والنفوس الصدئة .إخوتي الكرام .. إننا أحوج ما نكون إلى وجودكم بيننا من اجل أن نتقاسم الأوجاع والأفراح والأعياد والأحزان, وينبغي علينا أن لا نتأثر في كتابات بعض الذين يكتبون ويسودون الصفحات وهم خارج البلاد فهم أدعياء , فلا يفيدنا اللغو , ولا تنفعنا الثرثرة الكلامية , ولا الأسماء المستعارة المتخفية وراء الحدود وهم مع ضمان وأمان الخارج ترتعد فرائصهم خوفا وهلعا مما سيحدث عليهم , فكيف حالنا ونحن صامدون صابرون معرضون لرصاص كاتم الصوت , والى التفجيرات والسيارات المفخخة , وما نزال نكتب بالمبضع والسكين ونفضح المجرمين والإرهابيين أعداء الوطن , ونؤشر بكل جرأة على كل السلبيات والاحباطات وبدون تحفظ . إننا نريد المسيحيين والمسلمين والصابئين وغيرهم والكتاب والمفكرين والفانين الذين يقاسمون الشعب همومه وغيومه وأوجاعه وأفراحه وأتراحه ويتحملون كل ما يتحمله المواطنون من ماسي وأوجاع والآلام .وليعلم الجميع بأن الكلمات الرخيصة من وراء الحدود وبأسماء وألقاب منتحلة لا تضيف لنا شيئا ولا تحرك هدبة من أهداب الجفون , إنما هي زعيق مجاني , وادعاء تافه , فمن يريد الوطن يجب أن يمتحن بمصاعب ومصائب الوطن , فللوطن ضريبة على كل مواطن وقد تكلفه حياته , لان الوطن هو الشرف الأسمى وهو الهوية العليا وهو الكرامة المثلى وهو الأغلى والأسمى , وكلنا يجب أن نكون مشروعا للشهادة من اجل ترابه ووحدته ومستقبله , هذا ما نقوله, وإذا كان خطا أو خطل فليرد من يشاء والحرية مضمونة ومكفولة في عراقنا الجديد كما أظن واعتقد .وان الذي يحز بالنفس , ويدمي القلب أن بعض الأدعياء المتمشدقين المتبجحين بالأديان والوطن يتاجرون بالدماء وبالشعارات الوطنية والمبدئية , ولكن يتقاضون أمولا معروفة ومكشوفة من دول الجوار , ومن الدول التي لا تريد لعراقنا الناهض أن ينهض من كبوته , فتراهم يغازلون الشعب وخاصة المسيحيين بادعاءات ظاهرها نافع ومفيد , وباطنها محشو بالخبث والمكر والخداع , وإن الشعب يعرف وبالأسماء تلك العناصر الدعية الخبيثة الماكرة . وان شاء الله وبإرادة شعبنا اليقظ ستتهاوى كياناتهم وشخوصهم في مزبلة التاريخ , وفي وحل الاحتقار والازدراء 

لماذا لا نعتبر .. !!؟؟

من السمات المتميزة لدى الإنسان الحصيف الواعي المثابر ,  والذي يمتلك خزينا من التجارب والدلالات ,  فانه يرتكز على قناعات ضمنية وذات فاعلية فاعلة في معترك الحياة ,  فتراه يلتزم التزاما أكيدا بالعظة والاعتبار ,  الذي يضمن له صواب الرأي والسير إلى مرافأ الحقيقية بثقة واطمئنان ... فالإنسان الرائع والواقعي هو الذي يعتبر ويأخذ العبرة من كل حدث تاريخي  وحديث طاريء  ويوظف تلك العبرة من اجل العطاء الثر والنفع المتواصل والصياغة والحصانة بسلوكه اليومي . 

الإنسان في تواصل متصل مع مجريات الأمور في خضم متلاطم من الحقائق والتوقعات والنبوءات والإشراق , فانه يتسلح بسلاح لا يخون هو سلاح الإرادة المبدعة والتجربة الخلاقة والاتعاظ الواعي لما كان وسيكون عبر ممارساته المستمرة في محيط الواقع المعاش والذي يطفح بالكثرة الكاثرة من الوقائع المتنوعة والمتناقضات المتزايدة والمنافع التي لا تقف عند حد ,  فالإنسان مصاب بنهم لمعرفة المجهول وتحقيق الممكن الذي يضمن له تحقيق طموحاته المتزايدة .إن أغبى الأغبياء وأتفه التافهين هو الذي يتجاهل حقائق التاريخ ,  ويدير ظهره إلى مايفرزه الواقع من مفاجئات مذهلة وغير متوقعة ,  فمن يقرأ التاريخ بدقة وإمعان يقف مدهوشا حائرا أمام تلال من الوقائع غير المتوقعة ,  وأمام أرقام مذهلة من الإحداث الصاعقة ,  وأمام شخصيات عملاقة ومتعملقة قد طواها كفن التاريخ .. فأين هتلر وجبروته , وأين موسليني وعنترياته , وأين نيرون ونزواته , وأين نوري سعيد وتبعيته , وأين صدام حسين وتطاوسه , وأين ناظم كزار وأجرمه , وأين أين فلان وفلان وأين أصبحت طموحاتهم اللامشروعة وإجرامهم الفظيع وممارساتهم الخسيسة فالكل أضحوا في مزبلة التاريخ مصحوبين بلعنات واحتقار الشعوب والتي هي الباقية والى الأبد , وكل الملوك والرؤساء والأباطرة زائلون لا محال وكل منهم رهين بما صنع وفعل وقدم .. فأين العبرة والاتعاظ من هؤلاء ..!!؟؟ ولماذا لا يتعظ الحكام بما شاهدوا وسمعوا وقرءوا عن السالفين الغاطسين في وحل الخيانة والخسة والإجرام ..!!؟؟ فما أكثر العبر التي تتزايد على مر الأيام ولكن قليل تعدادهم أولئك الذين يستفيدون من قراءة التاريخ ويأخذون منه الدرس والعبرة التي تحصنهم من منزلقات السلطة ,  وهوس الادعاء الأجوف ,  والطمع الرديء ,  فالمرء اليقظ هو الذي يستغل كل شاردة وواردة ويوظفها من اجل النفع العام والصالح المنشود في هذا الخضم المتلاطم من الأطماع والأنانيات والنفعيات التي لا تعرف حدا تقف عنده .

 إن واقعنا المتلاطم يجاهر بحقيقة دامغة هي أن أكثرنا (  لا يعتبر ) وان مرد ذلك ليس هو الغباء الذي يهمن على عقول الكثير منا  ..!! بل يتأتى هذا من النفوس الموغلة بالطمع والمطامع اللامشروعة ,  والتي تتقاطع مع جوهر الدين والإنسانية , وتأتى أيضا من الطموحات المهولة والغير مشروعة والتي تدفع إلى الانزلاق في مهاوي الخساسة والابتذال , كما أن للتربية العائلية والاجتماعية الأثر الكبير في إعداد النفوس وتهيئتها لأداء الأدوار المطلوبة كل حسب مرجعيته وأصالته وعلى مر الأيام , كما نجد أن انعدام الوازع الديني والوطني والأخلاقي يؤدي حتما إلى التردي في كثير من الحالات والظواهر الفردية والاجتماعية فان الأغلبية الغالبة من الذين لا يتمسكون بجوهر الدين والأديان والوطن لا يعتبرون بشيء ولا يتعظون بعظة بالرغم من صراحة كتاب الله الكريم ( القران ) الذي أغنى البشرية وما يزال يغنيها إلى ابد الآبدين بالعلم والمعرفة والنور وتبيان ما يضمه الزمن في دفتيه من أحداث لا يعرف سرها إلا الله العظيم وحده . وكذلك البعض لا يعرفون شيئا عن تعاليم الإنجيل أو الكتاب المقدس , وإننا كلما نغوص في مسامات الواقع تتكشف لنا أمورا نجهلها وتستبان لنا حقائق لا نهضمها عن جوهر النفوس ومعدن الرجال ,  فنحن أمام تجارب هائلة وغنية بالعبر والدروس ,  التي قد لا يستفيد الكثير منا من معطياتها ويجهل ماهيتها ولا يستفيد من معطياتها الايجابية والتي تغني النفوس والعقول بفوائد جمة وبمعطيات متنوعة ,  فمرحى وطوبى لمن يتخذ العبر والعظات شموسا ساطعة وأقمارا مضيئة تهدي إلى سواء السبيل ,  فكل تجربة في الدنيا ,  وكل عبرة في الوجود تعطي عطاءات ايجابية مشرقة تدعم مسيرة الآخرين إلى أمام بكل ثقة وقناعة واطمئنان  , وبؤساء أولئك الذين لا يكتنزون العبر للاستفادة منها في مسارهم الطويل .إن الذين لا يعتبرون هم مكابرون ومعاندون ويجافون الحق والحقيقية ,  ويسبحون في ظلمات الجهل والتسيب والضياع , إن الذين يتمسكون بعروة العبرة فهم يظلون في مأمن ومنجاة من التخبط والضياع .إن ما أريد قوله أن الذين لا يعتبرون هم القامات الطويلة من الرؤساء والملوك والأمراء والوزراء وأصحاب المواقع العليا فأنهم يسبحون في بحور الغرور والتعملق ,  ولا يأبهون بما حدث ويحدث فهم في غربة عن الواقع المتفجر والمتطور في عراقنا المقهور والمثقل بالجراح ,  وان سحر الكراسي التي يعتلون عليها أنستهم وتنسيهم العبر الكبيرة والدروس الكثيرة التي حدثت لمن هم أعلى وأسمى وأكثر شهرة منهم ,  ولكن كفن النسيان قد لفهم بلا غير رجعة هم وموبقاتهم ونزواتهم وأجرامهم فأصبحوا في وادي النسيان ,  فأين تلك القصور المتشامخة ..!!؟؟  وأين تلك المواقع المتعالية..!!؟؟  وأين تلك العناوين الشهيرة..!!؟؟  وأين تلك الفخفة والنفخة والانتفاخ..!!؟؟  أين هم الآن..!!؟؟   فقد أصبحوا رمادا تحت أطباق الثرى , فلماذا لا يتعظ الحاضرون ..!!؟؟  ولماذا لا يلتزم المتحكمون بعروة الشعب والوطن والعطاء للجماهير التي علقت عليهم الآمال والأحلام ..!!؟؟  إن الوقاحة والصفاقة جعلتهم بعضهم لا يعتبرون بأي اعتبار ,  فالويل لكل من لا يعتبر ,  والويل الويل للذين يشربون من منابع الغرور والتطاول والازدراء بالآخرين وهم في نهاية الأمر مجرد جيف مدفونة , وأسماء شاحبة في ضريح التاريخ الذي لا يرحم كل أعداء الشعب والوطن والحق والحقيقية .. وان كل من يتجبر ويتكبر ولا يعتبر سيظل في معرض اللعن والطعن ,  ولا يكون في لحظة ما في قلب كل مواطن حر وشهم وغيور فالكل ينشدون ويبتغون ويريدون الإنسان الشريف النظيف المشبع بالأصالة والقيم والوطنية ,  ومهما يكن موقعه الوظيفي أو الديني أو العشائري أو الحزبي ,  فخير الناس من ينفع الناس ,  والمرء رهين بما جنى وكل شيء يفنى ويتلاشى إلا العمل الصالح ,  والإنسان المصلح سيظل علامة بارزة في طريق الإنسانية التي تمجد كل من يلتصق بخافق الجماهير وطموحاتها المشروعة .

مهازل المزايدات على مسيحيي العراق..!!؟؟

إن كل وطني حقيقي يهمه مصير ومستقبل إخوته المسيحيين ,  يبتعد كل البعد عن الادعاءات الفارغة ,  والتبجحات الكاذبة ,  وينغمس في هموم ومعاناة المسيحيين ,  ويفتش عن الوسائل الخلاقة والتي تحقق النجاحات المطلوبة التي تضمن إرادة ورغبات أتباع الديانة المسيحية المتطلعون إلى رجال أمناء وأقوياء  يمثلوهم في الحكومة العراقية والبرلمان والمؤسسات ,  وهم – المسيحيون - ليس بحاجة للمزايدات ,  هم يريدون ممثلين عنهم ملتحمون بإرادتهم ويجسدون تطلعاتهم المشروعة . 

إننا عندما ننظر بدقة وإمعان وإتقان إلى القضية المسيحية في العراق نجدها طافحة بالمتناقضات والإشكاليات والتطاحنات والتمزقات التي لم تفرز إلا الضياع والانهيار, ومما يحز في القلب ويثير حشودا من التساؤلات هو أننا نجد أن بعض العناصر التي تبوأت مواقعا ما في السلطة ببركة أصوات المسيحيين لن تحقق لهم الحد الأدنى ولن تثبت وجودها بعد  . 

   إن هذا الأداء النفعي  يجب الابتعاد عنه ,  وينبغي بل يجب التمسك بالوطنية الحقة والانجاز الملموس ,  حيث نجد مشاهدا مستغربة ودخيلة على العمل الإنساني و السياسي الشريف الذي يجعل مصلحة ومستقبل الوطن أعلى وأغلى وأسمى من كل اعتبار شخصي وحزبي ,  حيث نرى بوضوح أن بعض  المدافعين عن المسيحيين الآن يحيطون أنفسهم بهالات براقة من التفاني والتضحية والإخلاص والعمل الدءوب من اجلهم واجل الوطن ,  لكن في الواقع هم جنود مجندة لأداء الخدمة المطلوبة , وسلاحهم الدائم هو التزلف ,  والتملق الرخيص مقابل الثمن الرخيص المدفوع , فأي نفاق هذا ..!!؟؟ وأي خساسة وانحطاط..!!؟؟  وأي سقوط يتمرغ في مستنقعه الانتهازيون والنفعيون..!!؟؟ والذين هم أجراء وأذلاء تحت الطلب .

   من العار تغرقون المواطنين المسيحيين بطوفان هائل من المواعيد والعهود والوعود المعسولة ,  ويا ليتكهم توفون وتنفذون هذه العهود والمواعيد , إن استمرار المواعيد الوردية ,  كترك العراق وترتيب أوضاع السفر والهجرة يؤدي إلى المزيد من التطاحن والتشاحن الذي يضر المسيرة التي دفعنا من اجل ديمومتها واستمرارها  مواكب من الشهداء ,  والتضحية والعطاء الكبير  ,  وعلى هذه الرنة يظل إخوتنا أتباع السيد المسيح عليه السلام بين فكي الرحى ولم يحصدوا إلا العراء والبهذلة التي لن يجنوا منها شيئا يغير واقعهم ويحقق طموحاتهم المشروعة ... فأي مضيعة وضياع يعيشه المواطن المسيحي في هذه الحالة  ..!!؟؟ من هذه المزايدات المجانية ,  وعوائلهم وأقاربهم  تتحرق شوقا لوجود قيادة مسيحية حكيمة وواعية تتسابق من اجل خلق وصناعة الحلول والانجازات التي يتوق لها المسيحيون الذين يعانون الآمرين ويقاسون العذاب والشقاء والاحباطات من الجر والعر ومن الاندفاع والتراجع , فإلى متى يظلون ألعوبة وسط هذه الصراعات التي أحالتهم إلى أناس يكابدون القهر والمنغصات , فإننا نتساءل لماذا لن يكمل احدنا الآخر بنوايا نظيفة وصادقة وبعزم وبحزم وتصميم يتصاعد مع الأيام  بأكثر عطاء ,  وأعمق مسؤولية ,  واصدق التزام  , وأثرى منجزات وعطاءات ..؟؟ لماذا لا نلتزم بالوطنية العالية والتضحية الحقيقية ونضع يدا بيد لمواصلة المسيرة والى الأمام بكل ثقة وإقدام والتزام ..؟؟ لماذا لا نكون فريق عمل واحد من اجل الأمن والأمان ..؟؟ .

إن الواجب الوطني والديني والأخلاقي يفرض علينا وبإلحاح أن نرفع رايات الصدق والمكاشفة والصراحة التي تبني ولا تهدم ,  تصون ولا تبدد ,  توحد ولا تفرق ,  تقاتل ولا تجامل ,  وتعانق الحق والحقيقة , بؤساء أولئك الذين يتبرقعون ببراقع الوطنية الكاذبة ,  ويتمشدقون بالدين الذي هو براء من كل ممارسة مريبة وخبيثة وبعيدة عما يريده الله والشعب , لقد شبعنا من التصريحات التي ذهبت مع الريح ,  وغرقنا في لجج الدعايات والإشاعات والتقولات التي تفيض لؤما وغدرا وكذبا وخسة , فالشعب واع ولا ولم ولن يخدع لأنه يكتنز تجارب جمة وحقائق دامغة  وكشوفات واضحة , وانه خاض من الجهاد والكفاح ما لم يخضه شعب آخر مثله، قدم ملايين الضحايا , وانهار من الدماء الشريفة , وجبال من العذابات والآهات والآلام عبر التمرحل الزمني ,  فالشعب هو الباقي وكل الأدعياء زائلون , إننا نروم قيادة مسيحية موحدة ملتزمة بكل صدق وأمانة بالمبادئ السامية وبالثوابت الوطنية ,  فالمسيحيون يريد قيادة تقول لهم حققنا لكم ,  وأنجزنا إليكم هذه المنجزات والمعجزات ,  وإنهم ليس بحاجة إلى تمشدقات وتقولات ومواثيق هوائية وتصريحات مفرغة من محتواها الخلاق ,  لا سيما وإنهم يمرون بأدق وأحرج مرحلة تاريخية حاسمة سوف تقلب الموازين وتفرز معطيات مذهلة ومدهشة ,  فالكل يتوجسون ويرتقبون وينتظرون مفاجئات قد تكون اغرب من الخيال ,  فالشد الدولي يتصاعد  باتجاههم فيجب الحذر واليقظة,  فكل الأعصاب الوطنية إليهم مشدودة ومتوترة ,  وكل النفوس والقلوب تواقة لان يكونون معنا نتقاسم الرغيف والموت ,  وكل العواطف والمشاعر والأحاسيس متوقدة وملتهبة بانتظار القرار الوطني الذي سيطل كما يطل الفجر بعد ليل ,  ويجيء كما يجيء الماء لضاميء الصحراء ,  وكما يجيء الدواء لذي الداء , والقرار هو(  إننا عراقيون فمن المستحيل أن نتركه )   إن وجودكم معنا يا إخوتنا هو أغلى من العملة الصعبة , وأسمى من الألماس والجوهر , إننا نمنح أرواحنا حتى إلى العناصر التي لا تربطنا بهم أية رابطة أو صلة ,  فكيف انتم يا أبناء الوطن المفدى فانتم أولى بها وان التضحية من أجلكم لشرف كبير لأنكم تتسمون بالنظافة والنزاهة والحب والإخلاص الأكيد لهذا الوطن , فهذا هو شعارنا (( نحن أخوة هم واحد ومصير واحد ))  وعلينا جميعا أن نتبارى في ميدان التآخي والتآزر والحماية بشرف وصدق وأمانة ومسؤولية تاريخية .

وان التاريخ لا يرحم  القتلة والإرهابيين والخائرين والمنهارين والخبثاء والإجراء وأعداء الوطن المفدى ,  فان الأوان أن نقول وبصوت عال ومدوي نحن ها هنا في الساحة,  الوطن الوطن الوطن ,  فهو شرفنا ,  وجودنا ,  مستقبلنا ,  مصيرنا ,  ولتسقط كل الهياكل المنخورة ولتتهاوى كل الكيانات الضالة والمضللة فالشعب لن يتراجع إلى الوراء وعيون الشعب دائما إلى الأمام ونأمل أن ترفف رايات الآمان والطمأنينة والضمان والعدالة في فيافي عراقنا الحبيب .        

سخونة الدم .. تباشير الثوار

في العادة ، تقدم الأمم والشعوب رموزها بطرق مختلفة لتخليدها عبر الأزمان .. ولان الثورة الحسينية هي ثورة الحق لإزاحة الباطل المتسلط . ولان الحسين (ع) هو الذي خلد ثورته بما أعطى من دماء وظلت باقية في كل الأزمان إذ زرع بذرة تصحيح الأمة. ولأنه جاء مع فئة قليلة مؤمنة قابلت فئة كبيرة وكثيرة لجيوش معسكرة على طرف الفرات تنتظر الانقضاض على الفئة القليلة . والذي حدث أن الحسين وأصحابه قتلوا أبشع قتلة ومُثلت بأجسادهم الطاهرة ، خلدوا وتخلدت ثورتهم ..الفئة القليلة المقتولة جميعا صارت شاهدا وأمثولة لأي عصر ولأي زمان .. انه انتصار الدم على السيف ..السيف الجائر والطاغي على أنفاس الناس والقاتل للحريات والكرامات ..انتصر الدم إذن وتحول الدم الحسيني الطاهر إلى منبر مُنير مدى الدهر يضيء الظلام إن حل ويعطي الحرية للذين يبحثون عنها ..

 هل تركت الثورة الحسينية إرثا مهما كبيرا ؟في ظروف كظروف الثورة الحسينية لابد من وقفة لتمثيل الأجواء والظروف المصاحبة لها .. أنها نموذج لعمق الانتماء الروحي للدين وللأخلاق وللإيمان .. ظروف الثورة الحسينية لا تشبه أية ثورة .. إنها صارت للحرية بابا وللكرامات فضاء .. طغمة حاكمة أرادت قتل الحسين(ع) لفسح المجال أمام أطماعها وأمام جورها وأمام عنجهيتها .. الثورة قامت وانتهت في ساحة المعركة لساعات ..وظن الجيش القاتل بأنه انتصر .. لكن ظروف الثورة ليست كما اعتقد الخصم المعسكر على أطراف الفرات .. لقد أينعت ثمارا ومصابيح لكل الناس ولكل البشر على حد سواء .. الدم المراق على تربة كربلاء تحول إلى رياض ورياحين وكرامات .. إنهم توهموا بأنهم قضوا على الثورة الحسينية .. لكنهم فوجئوا بان الإرث الحسيني يتصاعد والفكر الحسيني يتخلد والشعائر لاتنتهي ..إنهم لم يحسبوا حساب الزمن ولم يعوا ماالذي ستؤول إليه الأيام .. الحسين انبت في الأرض سارية شامخة من لواء الإنسانية ظل يرفرف على مدى الدهور والأعوام .. إنهم يسحقون الفئة القليلة بعددهم المخيف وبسلاحهم الشديد وبعصف هجومهم العنيف .. لكنهم رجعوا خائبين بعدما خسروا كل شيء ..خسروا الحياة والموت والدين .. خسروا أمتهم وأخلاقهم ومات كل ذكر لهم .. أما الحسين فقد عاد كطود واقف بشموخ وطود هائل له كل التأثير في الأمة وتحول من شخص إلى شاخص يتوجه إليه كل إنسان في  هذا الكون .. أنا قتيل العَبْرة ، قُتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروبٌ قط ، إلا ردّه الله أو أقلَبَه إلى أهله مسرورا. هذا ماقاله الحسين (ع ) ..

ويقول احد رموز الغرب موريس دوكابري ”يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد، إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة“ وهذا يدل على أن الحسين لم يكن شخصا يبحث عن خلافة أو يبحث عن جبال الذهب كما يبحث غيره .. انه دليل السائلين نحو العيش بكرامة الحياة ونبذ الهوان والذل .. لقد تعلمت الأمم من الحسين كيف تكون مظلومة فتنتصر وكيف تكون قليلة فتهزم عدوها .. إنها حكمة أن يتعلمها الإنسان في أي مكان يحتاج فيه إلى شاخص لينير له صوب الحياة ودرب الحق .. قرأت مرة إحدى الروايات الغربية مكتوبة في الستينيات ، فوجدت أن موضوعة الرواية تتحدث عن انتصار المجموعة القليلة المضطهدة رغم وجود الأطفال والنساء والشيوخ بينها في مواجهة جيوش الملك الجرارة .. إنهم يموتون عن بكرتهم لم يبق منهم أي طفل أو شيخ أو امرأة . لكن ماحدث بعدها أن الجيوش تسحقها سنابك الخيل ويهيج حصان الملك وينطلق في البراري ومن ثم لا احد يعثر على الملك فيما تبعثرت الجيوش وهام الأفراد على وجوههم . لقد كان المؤلف مستفيدا من فكرة الثورة الحسينية فائدة قصوى وهذا يؤكد مدى تأثير الثورة وأبعادها الإنسانية على الأفكار والعقول الغربية لأنها تعتبر الحسين محررا وشهيدا من اجل الكرامة والحرية والشرف وان دم الأبرياء انتصر على دماء المتجبرين . اعتقد أن الروائي الغربي ذاك ، استفاد من الدرس الحسيني مما جعله يقتبس الفكرة ويجسدها تجسيدا حيا في روايته . ناهيك عن الأفعال والأقوال التي تصدر من منظمات غربية أو شخصيات أو اتحادات تنادي بالاستفادة من الدرس والفكر الحسيني لما فيه من تقدير للدور الإنساني في مقارعة الظلم والظالمين .. إنها منهاج عمل وفكر مقدس وتنظيم نادر للانطلاق نحو وعي وخطاب ثقافي مختلف تماما يكون فيه الإنسان المظلوم هو المنتصر دائما وصاحب السيف الباغي هو المندحر دائما ..

الملحمة الحسينية.. سينمائيا

في كل عصر ، يظهر بطلا أو رمزا أو قائدا مخلصا لعذابات الناس ومضحيا من اجلهم لكنه في الغالب يمثل مرحلته ويكون رمزا معروفا يضاف إلى التراث الحكائي في الأمة أو الشعب الذي ظهر فيه  .. إلا أن الإمام الحسين ( عليه السلام )  ظل علما ورمزا وقائدا للحق وثائرا على الباطل على مر الزمان .. لم يكن مرحليا أو مثل عصره وحسب ، إنما كان ومازال يمثل الدهور والأزمان والعصور وسيظل مهما طال الزمان خالدا مخلدا ..وهذا سبب اختلافه عن الآخرين بأنه ظل في الذاكرة المنتعشة على طول الزمان ولم تنل منه العاديات والمصائب والأحداث ، بل ظل متجسدا بدمه وبدماء أهل بيته وأصحابه ممن قدموا أرواحهم فداء ونيابة عن كل الإنسانية الباحثة عن كريم العيش والرافضة للهوان والذل ورعب الحكام .. من هنا نقول أما آن للجهات ذات العلاقة أن تخلد الملحمة الحسينية سينمائيا ؟

نعم فلما سينمائيا يخلد ملحمة ألطف بإياد عراقية عرفت وخبرت المحنة والألم والمصيبة .. كوادر عرفت الملحمة من كل جوانبها ومن كل زوايا الحدث وعاشت وتعيش الغصة والاستفادة من الدرس . إن إنتاج فيلما سينمائيا عن الملحمة الحسينية يحتاج إلى وقفة جادة سيما أن القصة موجودة والكادر العراقي موجود والإمكانية المادية موجودة .. السينما تستطيع بما تملك من وسائل تأثير وتأثر ، أن تؤدي غرضا فنيا ومقاصد غاية في الأهمية ليتعرف العالم على الثورة التي انتصرت بالدم والروح رغم القتل  وهزيمة صاحب السيف هزيمته المذلة المروعة المعروفة .. الفلم سيكون مؤثرا وذا مضامين كبيرة سيما أن أمما لم تعرف القصة كاملة وهي معذورة لان الإعلام ربما لم يغط كل مساحات التأثير فيها .. وان السينما تستطيع إيصال الرسالة كاملة والهدف بصورته المنسجمة مع الملحمة التاريخية .. القصة الحسينية قصة نزاع بين باطل يريد سحق الحق والانتصار عليه .. الحق الممثل بقلة قليلة والباطل الممثل بالكثرة المسلحة .. يقتل أصحاب الحق ولم يقتل الحق ، بل ظل شاهقا في الأفاق وانتصر كل الثوار الذين سقطوا صرعى في ارض ألطف  من اجل بقاء الأمة وبقاء الدين وصلاح المجتمع ، إنها معان كبيرة وذات دلائل إنسانية لم تستطع أية حركة ثورية أن تأتي بها أو تحصل عليها ..والسينما عنصر محرك للأحداث ومسجل لها تاريخيا ووثائقيا ناهيك عن تواصلها الدائم مع الآخر من خلال المهرجانات أو الملتقيات أو المناسبات ، الآخر الذي يريد أن يتعرف عن قرب على الدماء التي سالت على ارض ألطف وغيرت من وجه الأمة .. كما حدث للرسالة المحمدية حين خلدها المخرج مصطفى العقاد في فيلمه ( الرسالة ) فصار الفلم عنوانا للرسالة الإسلامية ومراحلها إضافة إلى العقبات التي اعترضتها وما لاقاه أصحاب النبي الكريم من عذاب وتعذيب لأجل إبقاء الدين الجديد والحفاظ عليه . الفلم عرّف المشاهد الأجنبي بالإسلام أينما عرض .. الثورة الحسينية تحتاج إلى توثيق سينمائي وبكادر مقتدر متدرب جيدا لإظهار الملحمة الكبيرة التي أثرت على مسار الدين وحافظت على روح الدين القويم وأثرت على إرادة البشرية في اختيار حريتها .. انها ملحمة الحق المبين الذي يجب أن يخلد سينمائيا كما خلد في تراثنا الشفاهي والمكتوب .. وظلت موجودة وحاضرة في كل خطاب ثوري وإنساني . الثورة التي أريقت لها الدماء الزكية الطاهرة ، تحتاج إلى توثيق سينمائي وهي حالة درجت عليها الأمم في توثيق رموزها التي أثرت في حياتها فما بالك بالحسين (عليه السلام ) الذي صحح  وضعا كاد أن يُذهب بالدين إلى مآرب ونوايا الطغمة التي خسرت كل شيء ولعنها التاريخ أينما ذكرت الملحمة .

رؤية معاصرة للثورة الحسينية : ثورة المنهج وخلود الفكر

في ثورته ، جسّد الإمام الحسين " عليه السلام "  كل القيم الإلهية والإنسانية تجسيداً متماثلاً وبطريقة قلبت  فداحة الحدث ، وليس غريبا ذاك عنه ، إذ تربى في أحضان النبوّة ونهل من نقاء سريرتها وبهاء معارفها وطيبة القلوب المترعة بالصفاء، فأصبح قلبه يشعّ رحمة ونقاء وصدقاً .. وان كنا نتذكر ثورة أطاحت بفكر ونهج الطواغيت ، فإننا نتوقف في مضامين تلك الثورة التي لم يسمها المؤرخون بالثورة الانقلابية على الطاغوت ، إنما أسموها بالثورة الفكرية والجهادية والإنسانية لأنها اتخذت من المعاناة الإنسانية والموت قتلا بأجساد مضرجة بالدم ، فكرا وطريقا للآخرين الذين لم يعوا حقيقة الجور من حاكم ظالم أو من آخر لا يعي حقيقة الإنسان وما يريده وما يستوجب عليه عمله . إنها خليط من الدفاع عن الذات الإنسانية النبيلة وانتفاضة ضد الأفكار الهزائمية وركلة ضد المحاولين إضعاف قوة الإيمان في المجتمع النبوي الممتد من أقصى الأرض إلى أقصاها . إن حركة الإمام الحسين في حقيقتها الظاهرية والجوهرية ، هي استباقة مؤكدة  نحو إزالة القبح ومحاولات الاعوجاج التي ظل البعض من محبي الدنيا ومباهجها ، يصرون عليها . إضافة إلى بيان قوة البصيرة على مستوى الرؤية الإسلامية التي أراد أن يطلقها باتجاه قضايا الحرية والعدالة في المنهج الإسلامي القويم ، لهذا أراد الإمام الحسين أن يقول بان كل ظالم يحاول الإطاحة بالقيم والمحددات المعروفة ، ليس له إلا أن يتوقف عن غيه وليعرف الناس حقيقته ولو بعد زمن . في حين أراد الأمام الحسين جاهدا أن ينبه أهل الطاغوت  إلى أنهم من أمة محمد" ص "  ، الأمة التي صارت بمثابة أمثولة ونموذجا لحياة الكرامة والحرية دون باقي الأمم ، وأن هناك فساداً عاتياً قاده حكام الدنيا  ، فساد الرأي وفساد الضلالة والكفر وأهل الاستباحات في الأمة ، وأنه حضر مع أهل بيته مطلقا العنان للقيم السمحاء بأن تسبقه على ظهور الحق  ليصلح من شأنها ويعيد إليها كرامتها ومكانتها بين الأمم بعد أن كانت تتسيد الدنيا ، وأنّ عليهم أن يتبعوه لتحقيق هذا الهدف، هكذا طرح الإمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإفهام نحو إرساء روح المسامحة والإيمان والإخوة على أساس أنه يمثل الرقابة الاجتماعية التي يتحول فيها كل مسلم إلى حارس للقيم وللنهج الشرعي في حياة الناس مؤكداً فيه على مرجعية المسلمين إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وإلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقوله: أنّي لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي أريدُ أن آمر بالمعروف ، وانه عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردَّ عليَّ هذا، اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين وهو خير الحاكمين .

وهكذا حرص الأمام في ثورته على إرساء دولة الإسلام الحنيف وبمرجعية نبوية خالصة لإدامة النهج الذي ظلت بنوده مثار جدل بين المنددين والرافضين من جهة وبين الموالين والمؤيدين من جهة أخرى ذلك أن أية ثورة لابد لها من رافضين ومن مؤيدين فما بالك بالثورة الحسينية التي غيرت وجه التاريخ بعد أن تلونت الأرض بالدم وبالأذرع المقطعة وبقراب الماء الممزقة وبأجساد الطهر المبعثرة ؟ 

 فأصبح منار الثورة الحسينية هداية إلى كل من يحتاج إليها بل إلى كل إنسان في هذا العالم.. فالثورة صارت إنسانية القيم والمنهج وإنسانية البقاء ، إذ مثلت بقوة اندفاعها سلوكا محررا لقيود الذل وانتباهة ذكية إلى كسر الأطواق الملتفة حول الرقاب .. وظلت محاولات الأمام لنزع فتيل المقاتلة مستمرة حتى انطلاق أسهم الطغاة ورماحهم . فأعلن بنود منهجه على الذين يريدون قتله وكان يعظهم في ساحات القتال ومن قوله (عليه السلام):

( أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا بي حتى أعظكم بما يجب لكم عليّ، وحتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فأن قبلتم عذري، وصدقتم قولي، وأنصفتموني، كنتم بذلك اسعد، ولم يكن لكـم عليّ سبيل ). بهذه الكلمات المختزلة والكبيرة ، كان الأمام يحاول أن لايجعلهم يتورطون في قتله فيؤجج ذلك الدنيا وتنقلب الموازين ويصير القاتل مهزوما والمقتول منتصرا خالدا أبدا ويتحول الدم المراق إلى رياض من الاطياب .. فهي ليست ثورة عابرة في حياة الأمم والشعوب ، بل هي شاخصا كبيرا لاسترجاع الخسارات وقيم الإنسان وإظهار كل حقوق الإنسان المهدورة على كل ارض وعلى كل تراب في هذا العالم .. ولننهل من الثورة الحسينية  ، فكرها وجوهرها لنصوغ منها عطايا أدبية وثقافية في زمن ظلت ثقافتنا حبيسة لأربعة عقود في زنزانات الحكم الأسود ، حكم الثقافة الجائرة والخطاب التعبوي المسخ .. إنها ثورة الانقلاب على الفكر المتشدد والتكفيري والباطل في كل شيء وهي ثورة الإنسان المظلوم في كل ارض وزمان..

مواقدُ الأسئلةِ

هناك في غبشِ الفضاءِ الراكدِ حولَ رقبتي .. 

يتساءلُ الغريبُ عن عناءٍ آخر .. عناءِ البيوتِ الآفلةِ ,  والرؤوسِ المدفونةِ في الرملِ .. 

انهُ سكونُ الأحياءِ في ظلِ معاقلِ الصراخ ِ.. 

 نحنُ نمتحنُ أنفسنَا في رواجِ العطرِ ,  وغيرُنا تفوحُ منهُ رائحةُ الأوراقِ الملونةِ المبتلةِ بدموعِ العاجزين .. 

إيهٌ ، أيا صُبحُنا القادمَ من سرائرِ الغبشِ الموصودِ بالرحمةِ .. 

 احملُ معكَ تلاوةَ الإفطارِ ريثما نلملمُ أنفاسُنا اللاهثةُ بهمومِ الويلِ اللافحِ .. 

إنكم تديرونَ عرباتِ الليلِ كي تلعبوا بعقولِ اللومِ .. 

أيا غبشَ الفضاءِ الراكدِ حولَ رقبتي .. 

 يضحكُ الغريبُ ببلاهتهِ المعهودةِ .. 

ويديرُ بصرَهُ نحوَ الرؤوسِ المحشوةِ بانينِ الحسابِ .. 

انهُ يفقدُهم متعةَ الليلِ فينامونَ بعقولٍ ذاهبةٍ نحوَ الخزائنِ ,  ونحنُ ننامُ برؤوسِ خاليةٍ من كلِ شيءٍ إلا الألمَ .. 

  

**** 

  

يلوحُ لي عن قربٍ 

وألوذُ بصمتِ القبورِ 

ويمسكُ بصرخةٍ كادت 

تتطابقُ مع سري 

انه ليلُ العيونِ 

الملتويةِ حولَ مواقدِ الجمرِ 

في شتاءِ المساءاتِ 

المتعرجةِ 

  

****    

  

في أوانِ الصبرِ نكونُ قد أدمَنا لعبةَ الموتِ .. 

طابورٌ من أجسادٍ بريئة لَوحَتها شمسُ العراق تنزف أمامَ بواباتِ سيدة النجاة .. 

فأستمرُ بنوباتِ السؤالِ .. هل السماءُ بعيدةٌ إلى هذا الحدِ ؟ 

 

العذراء اليتيمة !

 

أفكرُ بريحِ اليأسِ

واسألُ الطيرَ :

هل هو مثلُ الحياةِ ؟

في الأربعين حينَ يرحلون

نكونُ قد اجبنا الصبرَ

عن سؤالهِ !

السنونُ تفكر

 بانهزامِ العتمةِ 

أو قهرِ حكاياتِ الحنين 

كلُ ما في الأمرِ

 وكلُ ما في النفسِ :

أن الأربعينَ تكتوي 

ألماً كلما هزها الزمانُ 

مثل قارورةِ عطرٍ ندي 

أتعلمُ منها كيف يضوي برائحتهِ الزكيةِ 

فأتعلمُ موتي ببطيءِ النارِ بالحديدِ 

ابحثُ عن ملائكةِ الرحمةِ حينَ يحطون

على جفونِ الحزنِ الذي يتحولُ 

إلى لمسةٍ من بقايا سرورٍ

في ليلٍ طويلٍ مفاجئ ..

فيتحولُ بعدَ حينٍ إلى جوابٍ حزينٍ 

جوابٌ لا يَسعُدني مداهُ 

أظلُ اطوي التوردَ في لُجةِ البحرِ 

عَليَ أجدُ من يحمي لوعتي 

أنها البلادُ التي دارت معي 

في فلواتي 

ودارَ معها عنفوانُ الكلامِ 

هي مداري الراكضُ 

بخفةِ الريحِ 

نحوَ مجاهلٍ بعيدةٍ 

أيتُها البلادُ 

 

هبي لنركضَ

معاً حولَ مجانين الخرابِ 

أنها لوعةُ اليبابِ الذابلِ 

في جفونِ الكلامِ 

هي تشبهُ عرائشَ كرمٍ اسودٍ

لكن مذاقَها كانَ ابيضاً

هي الريحُ تلفني 

هي الشوقُ في إنحاءِ البصرِ 

بلادٌ , هجعت في ليلٍ طويلٍ 

وكانت مثلَ بذرةٍ تنتظرُ المطرَ

قالت غيرَ آسفةٍ : 

إني أتلوى من دخانٍ يُعمي لهفتي !

قالت : 

لا أبصرُ ما تبصرون !

قالت :

لا أبحرُ في مراكبَ معطوبةٍ !

قالت :

لا اركضُ في دهاليزِ العتمةِ !

هي البلادُ التي لا تُحبُ غيرنا

فاطوي مسلاتي

وأعودُ لأساُلَ الطائرَ وحيداً :

هل من ضحكاتٍ على جذوعِ الشجرِ؟

فيسمعني الرعاةُ في برٍ موحشٍ :

يا هذا , لملم حطامَك وابحثْ عن مثواك !

اركضُ وحيداً في غابةِ النهارِ 

حينها لا أجدُ من يكلمني 

عن البحرِ والساترِ الزجاجي 

فاخرُ صريعاً 

ويحملَني طائري 

إلى البلادِ 

التي غنيتُ لأجلهِا 

ومتُ ..

 

 

كنيسة الفواجع

 

ابكي على حظوظي !!

تميل حيثُ يميلُ الألمُ ..

ألمي مكتوبٌ على خاصرةِ الزمنِ

أي زمنٍ ؟

أي وجعٍ ؟

سنونٍ وأنا على مبعدةٍ

متشوقٌ لأرى وجوهاً

منهم ...

كانت في ذاكرتي

كانت تملأُ ليلي

وتؤنسُ وجعي

ووحدتي ...

كانت كلَ أنفاسي

ودخانَ سجائري ....

إنها كماءِ البحرِ

يلفظُ أحشاءَه

يوماً ..

ليرينا كنوزاً باطنةً

كنتُ انتظرها  وتجفو

عني ....

أنا الملومُ المفتونُ بوطني

رمزي

مريم

ثائر

أولئكَ مَن رحلوا عني

وجوهاً كنتُ احسبها

تنتظرني ...

لكن أرواح القتلة

بركنت نارا

وخمد أوارُها

بعد أن صلت العذراء

كنتُ سعيداً بلوعتي

وأنا أقاتلُ وحدتي

متصوراً بهجةً ستأتي

بهجةً ستدوم بإخوتي

صدوا عني بهجتي

وضاعتْ ضحكاتٌ

كنتُ ادخرُها

قالوا ...

هي لحظةٌ ونحنُ بعيدون

من ضحكتِك ...

انكَ المفتونُ بأرض !!

شدَ رحيُلك وامشي

كانت لي أختاً !

نظرتْ إلي

وأنا أدورُ!!

في جدران كنيسة النجاة!!

كانت تصدُّ وجهها

كأنها ترى

شاةٌ  تذبحُ باكيةً

فارتمي

بأحضانِ وحدتي ثانيةً ...

أنا الراغبُ بالتوددِ والبكاء ِ

على أرواح توضأت بالغيوم

وصلت جماعة مع النجوم

ابكي على حظوظي

تميلُ حيثُ يميل الألمُ

ألمي مكتوبٌ على خاصرةِ الزمنِ

أحصي كبواتي  ....

واتكأُ على عجزي

ابكي ....

فاسمعُ صريراً .. كانت ضحكةً

لكني لم امسكها ....

كانت هاربةً مني ...

الفضاءُ حولي

ساكن ٌ والنشيجُ

يتواصلُ ..

إخوتي كلُّ مساءٍ أتذكرُ

وحدتي !!

فأنامُ ...

سعيداً بألمي ..

لكن انفاسي يفترسها الحزن ألدهري

أحصي لحظاتي

قبلَ أنْ اتركَ العالمَ ..

لأجلي ... روبيلا عزيز ..!! ؟؟

 

مرآتي

تخبرُ الآتين

هل لي

أن أمسدَ عاطفتي

على رأسِ الأفعى ؟

أم هل اسمحُ لشرودي

أن يتقصى أشيائي

وسطَ اللهيبِ ؟

اعجزُ أن أرسلَ

أبصاري ...

خلفَ المودةِ..

لانَ الصوتَ الآتي

يخُبرُني ..

إنها الطفلةُ اللامعةُ

في أدوارها

لا تبكي يا روبيلا ..

لان العذراء ( عليها السلام )

قالَ لك مرةً

أيتها المبجلةُ ..

لا تحزني ,

إنها قيامتهم

لأنهم وحوش بأثواب بشر

نهضت روبيلا !!

وبكت!

وَ أخبَرت ..

عمرها ..

باني كنتُ ...

استعدُ لنيلِ

نبلي من أتونِ

الطفولةِ !

وامتحنُ شعاعي

وسطَ ظلمةِ

الحجرِ !

أيتها الوردةُ

اللامعةُ!!

امضغي مأساتَكَ

لأنكِ ستموتينَ

وترحلينَ شهيدة ..

على ألواحِ الطينِ

قريباً..

وسطَ ذهولِ

العالم الذي صار

تراباً

وَاخبِري عيسى المسيح  ( عليه السلام )

الذي حمل صليبه على ظهره

إني ذالك الماجدُ

الذي

ظلَّ نبيلاً

أثناءَ بكاءِ

الطفولةِ ووسط َ

زحمةِ الهتافاتِ

التي تتصاعدُ

لأجلك ..

والتي صارتْ خراباً

فسلام عليك يا روبيلا

 

صلاة في دمعة

 سلامٌ على سيدة النجاة ..

سلام على روح الله ..

أيتها الوردةُ :

النارُ ..

تلتهمُ الشوارعَ

والماءُ يغطُ

في نومٍ

بهيٍ ..

أيتها الوردةُ :

البارعةُ في كلِ

شيءٍ ..

المساءاتُ

تنامُ على

دويِ الأغاني

والنارُ تصعدُ

ثمةَ غيمةٍ

تقتربُ ..

في وضحِ المساءِ

إنها تمرُ فوقَ

المساجد ...

والكنائس ...

والشوارعِ ...

والوردةُ

البارعةُ .

إنها غيمةٌ

في زي رصاصةٍ

تمرُ

من فوقَ

الوردةِ

والنارِ ..

والشوارعِ  ...

والكنيسة

تسقطُ الغيمةُ !

ويختفي المساءُ

تحتَ الدخانِ ..

الوردةُ

تنحني خائفةً ..

في مساءاتِ

النارِ ..

والدخانِ ..

وتمرُ رصاصةٌ

من فوقِ . .

المساءِ

النائمِ ... !!

 

 

 

 

 

سيرة ذاتية

 

ماجد الكعبي

وكاتب وإعلامي وشاعر عراقي

ولدت في بغداد  26 - 12 – 1959

يعمل مستشارا  في نقابة الصحفيين العراقيين المقر العام

التحصيل الدراسي - الإعدادية 

          عضو الاتحاد الدولي للصحفيين بروكسل 

           عضو نقابة الصحفيين العراقيين رئيس تحرير 

           عضو اتحاد الصحفيين العرب القاهرة 

•        مدير البيت الثقافي   لمحافظة  ذي قار (وزارة الثقافة).

•        رئيس تحرير ملحق جريدة الثقافي الأسبوعي

•        نائب رئيس اللجنة الثقافية لنقابة الصحفيين العراقيين المقر العام 

•        مدير دار ثقافة الأطفال في محافظة ذي قار (وزارة الثقافة).

•        مدير جائزة الإبداع الأدبي في ذي قار 

•        المشرف على جائزة الإبداع الأدبي في حقول القصة والمسرح والشعر

•        رئيس  وأحد مؤسسي الديوان الثقافي قلعة سكر 

•        رئيس ومؤسس المركز الثقافي في قلعة سكر 

•        مدير مركز الإعلام الحر.

•        مدير إعلام محافظة ذي قار 

 •     الأمين العام والمؤسس لتجمع الفقراء في العراق

  •    اكتب في الصحف العراقية , البيان , المدى , الصباح . البينة الجديدة

•   حصلت على الكثير من الجوائز الأدبية والصحفية  والشهادات التقديرية في جميع مجالات الأدب والصحافة 

•   كتبت رواية ( يقظة  ) مخطوطة ومجموعة شعرية بعنوان شهقات قلب

    ماجد الكعبي  

majidalkabi@yahoo.co.uk 

07903781321// 07801782244

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/03



كتابة تعليق لموضوع : صلاة في دمعة ... كتاب تحت الطبع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net