صفحة الكاتب : محمد الحمّار

سيدي بوزيد والنظرية الثالثة من المحيط والخليج
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لست إسلامويا ولا علمانيا حداثويا. بل أعتبر الإسلاموية مرضا والعلمانية الحداثوية مرضا. كما لست سياسيا ولا متشيعا لأيّ حزب سياسي. بل أعتبر أنّ العمل الحزبي ينبغي أن يُراجَع بحسب نظرية شاملة. 
لستُ لا هذا و لا ذاك لكني معلم. وأعتقد أنّ الوقت حان للمعلم أن يتكلم. وإذا تكلم المعلم فلا يُعنى كلامه بالمظاهر وإنما بما في الأعماق؛ وهي سياسة الأنفاق. 
وفي هذا الظرف العصيب الذي تعيش فيه بلادي ما بعد  التحركات الشعبية بمنطقة سيدي بوزيد أخشى أن تتوقف الدولة في بلادي عند ذلك الحد من المناولة والذي تمثل في تخصيص ميزانية محترمة يقع صرفها لتمكين أصحاب الشهادات العليا من فرص عمل.
كما أخشى أن يستغل الظرف العصيب أناس، قد يكونوا مُحقين وقد يكونوا مخلين بأبسط القواعد الوجودية مثل التفكير، ناهيك افتقارهم لمنهاج متماسك، الأمر الذي سيشتت الجهود الرامية إلى ضبط الحاجيات الحقيقية للفرد وللمجتمع في هذه الظروف العسيرة.
لذا فالذي يهمني كمعلّم هو تمكين كل الأطراف الفاعلة، دون استعلاء أو اعتداد، من منهاج للتفكير لكي يحولوه هُم بأنفسهم، فرادى وجماعات، إلى نظريات و برامج عمل في السياسة المباشرة.
  ومنهاج التفكير الذي أقترحه هو في الحقيقة منهاج لإعادة التفكير في واقع البلاد، كجزء لا يتجزأ من العالم العربي الإسلامي. واقتراح إعادة التفكير أمرٌ فرغتُ من إنجازه، لا إعلانٌ عن البدء فيه. فالمنهاج جاهز.
(1) لماذا منهاج لإعادة التفكير؟
لقد استوجب المنهاج إعادة تدوير الديمقراطية و حقوق الإنسان و قضية المرأة واستعمال اللغات وسائر المكاسب المعاصرة من منظور المسلم الحرّ. وهو مراجعة للأسس الفكرية لتلك المفاهيم والمقولات من الزاوية الوجودية للمسلم الحر في مسلك متحرر من الضغوط الخارجة على نطاق الفكر الحر؛ مسلك ثالث، لا إسلاموي ولا علماني حداثوي.
 وليست إعادة التفكير نقلا للشيء نفسه أو تكرارا للأثر المستورد من الغرب. كما أنّ إعادة التفكير ليست تقليدا لأساليب التفكير عند الجماعات الإسلامية المنظمة.
ومن أغراض منهاج التعليم الإيديولوجي الذاتي التخلص من الإيديولوجيات العالمية المهيمنة والمُبطلة للتفكير الحرّ، وبالتالي تجسيد النظرية الثالثة باتجاه تفكيك مقومات الأولى (الإسلاموية) والثانية (العلمانية) والانتهاء إلى ما انتهيتُ إليه نظريا من توليد نواة مستقلة تسند التماسك والتوحد والالتفاف حول أرضية مشتركة للتفكير وللبرمجة وللتصميم وللإنجاز. 
ثم إني أعتقد أنّ المنهاج الذي نتج عن إعادة التدوير ومعاودة التفكير يدخل في إطار مطلب عربي إسلامي قديم لم يعرف سبيل التحقيق: النظرية الثالثة أو الطريق الثالث. والملاحظ أنّي لمّا سميتُ منهاجي "الاجتهاد الثالث"، وكان ذلك منذ ثلاثة أعوام تقريبا (مع أنّ الفكرة عمرها عشرون سنة تقريبا)، لم يخطر ببالي أنّ اليوم سيأتي الذي سأحس فيه أنّ اجتهادي الثالث هو لا شيء غير النظرية الثالثة/الطريق الثالث.
لذا لا أعتقد أن هذا التزامن بين طرح مشكلة الإيديولوجية العربية (بالمعنى العام، "العربية" عندي معناها "الإسلامية أيضا) وحدث سيدي بوزيد من قبيل الصدفة، إنما هو تزامن الحقيقة. وهل هنالك خيرٌ من مثل هذا التزامن للتأكيد على أحقية الفكر العربي المعاصر بأن يكون مكمّلا للواقع إن لم نقل مؤسسا له في النسبية والأهلية كما في العالمية؟ 
في هذا الإطار أؤكد أنّ أحداث سيدي بوزيد الأليمة تزامنت مع اكتمال فكرتي (المنهاج) في الاجتهاد الثالث في بُعدها التأسيسي ( وآخر ما نشرت هو "نظرية التناظر والتطابق" و"المعلم رسول الديمقراطية في الإسلام"). وهذا ما حفزني على نشر هذه الكلمة الآن بالذات.
(2) ما هو حال العقل العربي التونسي (وغير التونسي) حسب معايير المنهاج الثالث؟
في بسطة موجزة أبدأ بالدين وأقول إنّ الوضعية الاجتماعية التي سجلنا فيها صداما بين بعض أجهزة الدولة وشريحة من الشعب التونسي مختلة إلى حدّ جعل صورة الإنسان فيها أشبه ما تكون بآية مُحرّفة، لا سمح الله. فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وصَوره في أحسن تقويم، إذن لا يجوز لا دينيا ولا وُجوديا أن يذعن هذا الإنسان اليوم، عاملا كان أو عاطلا عن العمل، مسئولا سياسيا كان أو إعلاميا أو معلما، لتحريف آية الخلق هذه، ناهيك أنّ صحة الفرد لازمة لاستدامة صحة الجماعة. وكما جاء في الحديث "مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (صحيح مسلم).
وإذا اكتفينا بهذا القدر من المناولة الدينية وتطرقنا إلى المسألة من الزاوية الوجودية، ومن باب أحرى اللغوية، نرى أنّ صورة الإنسان في الوضعية المختلة الموصوفة أشبه ما تكون بـ"جُملة" لا تضطلع بدورها كما ينبغي لكي يكون "نص" المجتمع سليما. ومن دلالات الاختلال في هذه الجملة أنها مبتورة من "الفاعل" تارة ومن "الفعل" طورا، أومن "المبتدأ" تارة ومن "الخبر" طورا. وهي جملة لا معنى لها في جُل الحالات.
إنّ المواطن في المجتمع العربي الإسلامي اليوم جملة مبتورة الفاعل لأنه، رغم وجوده المادي، لا يمسك بناصية القرار بل يحبّذ النقل على العقل في ما لا نقل فيه. وهو جملة منقوصة من الفعل لأنّ عندما يغيب المسك بالقرار لا يكون للفعل فعالية ولو وُجد هذا الفعل. وهو جملة مصابة بالشح في الخبر لأنّ المبتدأ يعبر عن رغبة في تطبيق الدين مثلا بينما لا يملك منهاجا ذاتيا يُرسيه على المسلك المجتمعي الدنيوي؛ ولأنه مسكون بشاغل مثل حرية التعبير بينما لا يُربي نفسه على ماذا عساه يقول، جاهلا أن محتوى القول ينشأ من الحرمان من القول قبل أن يتحوّل إلى مفتاح لحرية تبليغ القول؛ ولأنه ينادي بالديمقراطية بينما هو ليس ديمقراطيا، وإن كان ديمقراطيا فلأنه يريد الظهور بمظهر المستنكر للدين أو المنسلخ عنه أو فاصل الدين عن المجتمع، ولم يتوصل بعدُ إلى التصريح الوفي بأنه ديمقراطي لأنه مسلم. أمّا عن غير المسلم الذي ينتمي إلى المجتمع المسلم فأتساءل إن لَم يحن بعدُ وقت تبليغه معنى آخر للديمقراطية غير المعنى الموغل في الشكل والمقلد للمجتمع الغربي.
إذن، لئن كنّا اليوم جملة غير مفيدة بالمعنى المجازي، فجُملتنا بالمعنى الحَرفيّ أيضا ليست مفيدة هي الأخرى. بل الأحرى القول إنّ جانبًا من السبب في أنّ كلامنا وكتابتنا وقراءتنا غير سليمة اليوم أننا مواطنون غير مفيدين بَعدُ، لا في البوتقة الأهلية ولا في البوتقة الكونية. وما من شك في أنّ استمرارنا على هاته الحالة اللغوية الرديئة ينعكس سلبا على حالتنا الوجودية فتزيدها ضلالا. وما من شك في أنّ العكس صحيح أيضا.
في ضوء ذلك ليس اللوم على الدولة العربية في تونس وفي غير تونس، التي تفتقر إلى منهاج إيديولوجي، ولا على الشعب الذي لا يؤمن بالايدولوجيا. بل المسألة تتجاوز اللوم لتصبح مطلبا لإثبات الوعي بالمسؤولية المشتركة والوعي بضرورة التعلم كيف تُصنع الايدولوجيا. فالذي ينبغي على المعلم أن يقوم به إزاء الشعب مثلا تحسيسه لأهمية الاضطلاع بوظيفة التفكير، لكن بآليات الحياة والوجود المستدامة لا بآليات السياسة الظرفية تارة و المتحولة دائما.
محمد الحمّار
من الأدبيات التأسيسية لمنهاج "الاجتهاد الثالث": (منشورة على عديد المواقع)
- المُعلم رسول الديمقراطية في الإسلام
(المُعلِّم واسطة الخير بين المجتمع والدولة)
- السياسة الكبرى من أجل ميلاد أمة من رحِم الأمة
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/02



كتابة تعليق لموضوع : سيدي بوزيد والنظرية الثالثة من المحيط والخليج
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net