صفحة الكاتب : صالح الطائي

الفكرة بين التناص والاقتناص
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يوم كانت الفكرة تتنقل على ظهر سلحفاة ولا تلج إلا في الدرب المضمون الذي يؤدي إلى من تعنيهم دون سواهم، ولا يتلقفها إلا الباحث عنها ولاسيما وان مبدعيها يعدون على عدد أصابع اليد، كان انتقالها من روح إلى روح محفوفا بعشرات القيود الحدية والتشريعات الفقهية، كان صاحب الفكرة يحرص عليها كما يحرص على نفسه وولده، وكان المعني بها يتلقفها كما الدرة البهية ويحرص على التصريح علنا أمام الناس بأنها درة فلان يفخر بها ويفتخر بصانعها. فكانت ملكيتها بالرغم من تقادم الدهور وتعاقب العصور ممهورة ومقيدة في سجلات (طابو) الفكر الإنساني وصفحات التاريخ البشري باسم مبدعها؛ ومتى ما قرب شخص ما من حدودها ولو طيفا وتشبها ترتفع الأصوات المنادية بأنه اعتدى على حق فلان وأخذ فكرته، وكان هذا الأمر فاشيا في الشعر دون غيره لأنه كان الفاشي بين الناس؛ فلطالما أعاب النقاد والشعراء على شاعر ما صغيرا كان أم كبيرا بأنه استقى معلومته أو قوله من قصيدة علان أو بيت فلان تقليدا.

أما اليوم في عالم الإذاعة والفضائية والانترنيت والصحافة فإن الفكرة تحولت إلى (بغي) تنتقل من حضن إلى آخر أيسر من انتقال النسمة في الأجواء وانتهكت الخصوصية وتلاشت حدودها فأصبحت الفكرة والنص والنتاج الفكري ملكا مشاعا يصعب تحديد عائديته وأبوته أكثر من صعوبة معرفة أب (زياد بن أبيه) وأصبح كل من هب ودب يدعي وصلا بليلى ويشهر أبوتها باسمه غير خائف ولا وجل من فحص الـ(دي أن أي) لأن الأخير يعجز عن متابعة هذا الكم الهائل من الإنتاج. وبالتالي اختلطت الألوان وتساوت المسافات بين الحرام والحلال فأختلط الإبداع مع التقليد مع التناص مع الاقتباس مع الاستعارة مع  اللصوصية مع الاقتراض غير المشروع الذي يشابه اقتراض القبر المهدم لميت من قبر ميت آخر بضعة أحجار تحت شعار ( خذ له من أخيه بعض الطابوق) الذي يستخدمه (الدفانين) أو الحانوتية في مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف! لتنتج جميعها نوعا من المشاعية المعاصرة التي أغرقنا بما لم نعهده بسيل من النتاج الهجين لم نألفه من قبل، ولم يبق من رادع يعترض على اختلاط الأنساب والتخريب سوى الضمير؛ وما أرخص الضمائر في سوق أخلاق الحاضر بعد أن تداخلت الخصوصيات والعموميات وتآخى الحلال والحرام وأكلا في إناء واحد ليس فيه سوى بقايا من فكر الإنسانية السائرة إلى عالم التيه بسبب نزق من لا يخاف الفضيحة!

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/09/29



كتابة تعليق لموضوع : الفكرة بين التناص والاقتناص
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net