صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

لماذا التساهل مع المخدرات في افغانستان ؟
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 افغانستان بلد اسلامي محتل من قبل الامريكان ، وامريكا تدعي انها متواجدة في افغانستان لمقاتلة طالبان المنظمة الارهابية ، وطالبان التي حكمت افغانستان بعد نهاية الغزو السوفيتي لها ، تدعي انها تحارب الامريكان المحتلين ، وكانت فترة حكم طالبان  لأفغانسان وصمة عار في جبين المسلمين ، وتشويه صارخ للاسلام النقي الاصيل ، وكلاهما يكذبان لا احد يحارب الاخر بشكل جدي وحقيقي ، بل كلاهما يحاربان الشعب الافغاني ، الامريكان يريدون لطالبان البقاء بين الحياة والموت ، وطالبان تريد المساومة مع امريكا لاستلام الحكم من جديد ، لأن مهمة الحركات السلفية المتطرفة التي تعمل باسم الاسلام زورا ، هو قتل المسلم الاخر وليس قتل الامريكان ، وقد ظهر ذلك جليا ليس في افغانستان فحسب ، بل في كافة انحاء العالم الاسلامي ، ومتى يرى الامريكان الوقت المناسب للتفاوض والتفاهم مع طالبان فسيتفاوضون ، لأن امريكا لا مشكلة لها مع الحركات السلفية ، بل على العكس هذه الحركات موظفة لخدمة الاهداف الامريكية والصهيونية ، بالتعاون مع السعودية وقطر راعيتا الفكر السلفي المتطرف .
من خلال استعراض تأريخ السلوك السياسي الامريكي في التعامل مع قضايا العالم ، لا يصعب على المراقب والمتابع السياسي كي يصل الى نتيجة حتمية مفادها ،( انّ امريكا بلا ضمير )، وبلا التزامات اخلاقية ، طبعا لا يمكن في هذه المقالة القصيرة ، استعراض المواقف السياسية الامريكية تأريخيا بالتفصيل لأثبات ذلك ، لكن سنتطرق الى نموذج واحد من المواقف الامريكية في التعامل مع القضايا العالمية ، وهذا النموذج سنأخذه من افغانستان ، وليس هذا النموذج الوحيد في هذا البلد ، لكن سنأخذه كمثال على انعدام الضمير الامريكي ، هذا المثال هو موقف امريكا من زراعة وتجارة المخدرات في افغانستان ، كل انسان يعرف مقدار الخطر الذي تسببه المخدرات على الانسان ، وعلى الشعوب ، لكن امريكا رغم وجود هذا الخطر تغض النظر عن زراعة المخدرات والمتاجرة بها في افغانستان ، وكأن الامر لايعنيها ، ما دام هذا الخطر لا يهددها ، ولا يترك تأثيره عليها ، بل على العكس تخدم قضية المخدرات المصالح الامريكية في كثير من المناطق ومنها افغانستان .
بتأريخ 16 اب 2012 قدمت فضائية روسيا اليوم برنامجا بعنوان :
لماذا التساهل مع المخدرات في افغانستان ؟
 وهذا العنوان اخترناه عنوانا لمقالتنا ، وقد ضيّف مقدم البرنامج اثنين من الخبراء الروس للحديث عن هذا العنوان ، من خلال الاسئلة التي يطرحها مقدم البرنامج على الخبيرين ، واجوبة الخبيرين ، توصلتُ الى الفكرة التي يريد البرنامج والخبيران الروسيان توصيلها الى المشاهدين ، هذه الفكرة تشير الى حقيقة ، وتشير ايضا الى   اغراض سياسية ، الحقيقة هي ان هناك زراعة ومتاجرة بالمخدرات في افغانستان، وامريكا تغض النظر عنها ، في حين تعرف امريكا جيدا هذه المزارع وتستطيع بكل سهولة الوصول اليها وحرقها ، لكنها لا تفعل ذلك ، يقول الخبيران ان استفادة منظمة طالبان من المخدرات تبلغ حوالي مائتي مليون دولارا سنويا ، وهذه الفائدة قليلة بالقياس الى فائدة الحكومة الافغانية التي يدعمها الامريكان ، لهذا السبب يتساهل الامريكان مع المخدرات في افغانستان لغرض دعم حكومة افغانستان ، أرى أنّ هذا الادعاء على الحكومة الافغانية وراءه اغراض سياسية .
 المراقب عندما يسمع هذا الكلام يستنتج امورا منها ، على فرض أنّ طرح الخبيرين صحيح ، امريكا تتساهل مع المخدرات ، لأن الحكومة الافغانية حليفة امريكا تستفيد من ارباحها ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا،  هل انّ الاموال التي تحصل عليها الحكومة الافغانية يعادل الضرر الذي تتركه المخدرات على الناس ؟ سواء كانوا داخل افغانستان او خارجها ، اذا سلمنا بحقيقة هذا الطرح ، هذا يؤكد ان امريكا بلا اخلاق ولا ضمير ، ومثلها كذلك الحكومة الافغانية المستفيدة من هذه الاموال ، أنْ صح قول الخبيرين ، في رأيي ان امريكا تتساهل في زراعة المخدرات ليس لهذا السبب ، بل هناك اسباب اخرى سنذكرها ، حينئذ يمكن ابقاء التوصيف الذي يقول ان امريكا بلا ضمير ، على حاله اذا عرفنا هذه الاسباب التي هي ليست خافية على احد .
هناك مؤشر ظهر في نفس البرنامج يدلّ على ان الحكومة الافغانية لا علاقة لها بزراعة المخدرات ، اذ شاهدنا جنودا افغانيين يقومون بحرق مزارع المخدرات واتلافها، وفي هذا دليل على ان الحكومة الافغانية لا توافق على زراعة المخدرات ،  حتى وانْ وجد منتسبون فاسدون داخل الحكومة الافغانية يتغاضون عن المخدرات لمصالح شخصية ، انّ مقولة امريكا تتساهل مع المخدرات لاجل منفعة الحكومة الافغانية ، ادعاء غير صحيح ، تبطله الحقائق على الارض ، ارى  ادعاء الخبيرين على الحكومة الافغانية انها تستفيد من تجارة المخدرات ، تكمن وراءه دوافع سياسية .
في رأيي ان سبب التساهل مع المخدرات في افغانستان ، ليس من اجل الحكومة الافغانية ، بل من اجل ان تستفيد المنظمات الارهابية منها ، وذلك يعود لحسابات امريكية سياسية وستراتيجية محسوبة سلفا ،لأنّ دول المحور الامريكي ، هاجسهم الرئيس اليوم هو اسرائيل ، كيفية المحافظة عليها ، والخطط لتطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية ، والتخطيط لأشغال العرب والمسلمين بمشاكل داخلية ، ودعم الفكر المتطرف الذي يزرع الفتن بين المسلمين ، وخير من يمثل هذا الفكر اليوم هو الفكر السلفي برعاية السعودية وقطر ، الذي انتج الحركات الاسلامية المتطرفة التي تكّفر المسلم الاخر المختلف ، وتبيح قتله ، كل هذا يجري بشكل عملي في المجتمع الاسلامي في الوقت الحاضر ، ومن الناحية الواقعية امريكا لا تتعامل بعدائية مع المنظمات الارهابية المتطرفة ، لان هذه المنظمات موجهة بشكل دقيق لخدمة الاهداف الامريكية الصهيونية  ، منظمة طالبان والقاعدة التي تدعي امريكا محاربتهما ، انما هو كذب وافتراء ، اذ المصلحة الامريكية الصهيونية تقتضي ابقاء طالبان او القاعدة بين الحياة او الموت في المناطق التي تتواجد فيها القوات الامريكية،  أنّ موت هذه المنظمات الارهابية لا يخدم المصالح الامريكية الصهيونية ، موتها يعني زوال المبرر لتدخل او تواجد القوات الامريكية في المناطق الاسلامية ، نعم قد تقتضي المصلحة الامريكية ان يموت بعض القادة لهذه المنظمات الارهابية مثل ماحصل لاسامة بن لادن ، لكن ان تموت المنظمة الارهابية ، هذا امر لا يمكن توقعه ، لأنه لا يخدم المصالح الامريكية الصهيونية  ، من هذا يتبين أنّ التساهل مع المخدرات في افغانستان ، لم يكن اعتباطيا بل بناء على رغبة امريكية مسبقة لغرض تحقيق الاهداف السياسية المطلوبة ، منها تقديم الدعم المالي لهذه المنظمات الارهابية التي تخدم المصالح الامريكية ، كذلك التساهل يأتي من باب أنّ المخدرات وسيلة من وسائل الهاء الشعوب وتدمير نفسية المدمنين عليها ، وتخريب النسيج الاجتماعي في هذه البلدان ، وهذا ما تريده امريكا ويسعى اليه الصهاينة ، اذن التساهل مع المخدرات هو احد الوسائل التي تستخدمها امريكا لتدمير المجتمعات الاسلامية،  اضافة الى وسائل اخرى منها نشر الفكر التكفيري المتطرف الذي يزرع الفتن الطائفية ويمزق وحدة المسلمين ، واشاعة الجنس بطرق غير شريفة وغير مشروعة لتهديم القيم الاخلاقية خاصة عند الشباب المسلم ، وتقسيم البلدان الاسلامية على اساس طائفي او قومي عنصري ، الى غير ذلك من الوسائل التي تدمر المجتمعات الاسلامية ، وتصرفها عن اهدافها الحقيقية ، ومنها القضية الفلسطينية ، كل هذه الاعمال التخريبية العدوانية ، انما هي جزء من الستراتيجية الامريكية في التعامل مع العالم الاسلامي.
 التساهل مع المخدرات في افغانستان ، لم يكن عفويا بل هو جزء من السياسة الستراتيجية الامريكية الصهيونية لتدمير شعوب المنطقة ، اضافة للوسائل الاخرى ، منها ترك المنظمات الارهابية التي تدعي الاسلام ، وتعلن عداءها للمسلمين الاخرين تركها تعيش لا هي الى الحياة ولا هي الى الموت ، تستخدمها كورقة حسب الحاجة،  فهي ان ارادتها ضعيفة في منطقة ما فستكون ضعيفة ، وان ارادتها قوية في اخرى فستكون قوية وعنفية دموية ، مثل ما يجري اليوم في سوريا ، من هذه المعطيات نستنتج أنّ العالم الاسلامي  يتعرض الى هجمة امريكية صهيونية ليس بالطائرات والصواريخ والدبابات ، بل بوسائل تدميرية اخرى ، منها المخدرات ، والحركات الارهابية المدعومة من المحور الامريكي الصهيوني ، والفكر السلفي الذي يثير الفتنة الطائفية والمذهبية ،الى غير ذلك من وسائل منظورة ، واخرى غير منظورة .
بناء على هذه المؤشرات يجب على المسلمين التسلح بالوعي والانتباه وأخذ الحيطة والحذر لتفويت الفرصة على امريكا والصهاينة والمحور المتحالف معهما ، من ان ينالوا من المسلمين ، ويحقق بالتالي اعداء الاسلام اغراضهم الشيطانية ، لا سامح الله تعالى .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/29



كتابة تعليق لموضوع : لماذا التساهل مع المخدرات في افغانستان ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net