صفحة الكاتب : السيد وليد البعاج

بولس الفغالي مفسراً
السيد وليد البعاج

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن الباحث في الأديان أو في تفسير الكتاب المقدس ، يقر بالفضل ولا ينكر إستفادته من بحوث و كتب ونتاجات العلامة الخوري بولس الفغالي ، وخاصة فيما يتعلق بتفسير النصوص في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد .

ورغم كوني باحث إسلامي ولكني مهتم بمقارنة الأديان  فقد شدني إسلوب العلامة الفغالي في معالجة النص وآلية شرحه وتوضيحه ، وأهم ما في ذلك مما لفت نظري هو نهجه المتميز في التفسير ، باتخاذه طريقة أو منهج (التفسير الموضوعي للكتاب المقدس) الذي يعد من أنجح وأفضل أنواع التفاسير ، التي توصل الفكرة السماوية من خلال تجميع النصوص المبعثرة في طيات الكتاب أو الأسفار، والتي هي متفرقة مكاناً ولكنها متحدة موضوعاً.

وأتصور أن هناك من علماء المسلمين ممن سبق العلامة الفغالي في هذا المضمار ودعا إلى هذا النهج في التفسير وهو المفكر الإسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي وضع للمسلمين أسس (التفسير الموضوعي للقرآن الكريم) ، وتعتمد فكرة هذا التفسير على جمع النصوص المتحدة في الموضوع من بين ثنايا السور المتفرقة وجعلها مترابطة ، فيكون النص المقدس يفسر بعضه بعضاً ، وتكتمل الفكرة والصورة عند القارئ من خلال تجميع هذه النصوص المتفرقة وجعلها في سياق واحد مترابط ومتسلسل وشرحها وتفسيرها ، ولا يخفى أن هذا يحتاج إلى فهم دقيق في ترتيب النصوص في قالب نصي موحد.

وإذا كان الشهيد الصدر قد أبدع في وضعه لأسس التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ، فأن العلامة الفغالي قد أجاد في تطبيق هذا التفسير على الكتاب المقدس . ووضح ذلك جلياً في موسوعته الرائعة (المجموعة الكتابية) فكانت بحق موسوعة تفسيرية كشفت الغموض والإبهام عن عدد كبير من المفردات والنصوص والمواقف ذات الطابع والتاريخ الديني في الكتاب المقدس التي كان يعسر على الكثير فهمها دينياً وتاريخياً ، فنجده قد كشف غوامض النصوص المقدسة وفك طلاسمها وحل ألغازها ، وبوبها تبويباً يسهل على المتلقي أستيعابه .

فكان أسلوب التجزأة الذي أتبعه في تفسيره الموضوعي للكتاب المقدس ، رائعاً ، وجيداً في مناقشة النصوص ضمن موضوع واحد وجعلها نصاً واحداً ، وإعادة قرائتها بأسلوب علمي جديد ومن عدة إتجاهات (أدبي ، جغرافي ، تاريخي ، روحي ) وجعلها على شكل فصول وأبواب .

ونحى بتفسير النص مقطع مقطع ليستوفي مراده ومعناه وفهمه ، مستخلصاً ومستنبطاً عدة معان أستنطق النص بها ،إضافة لما يقوم به من إلفات النظر لما فيه من حكمة أو فلسفة أو تأمل . وهو لا يغفل التمهيد بمقدمة موجزة ووافية حول ما يريد طرحه ، حتى يهيأ ذهنية المتلقي لما سيرد في ثنايا الشروحات من تفسير .

وحسب تتبعي وقراءتي لنتاجات الفغالي هناك أمور مهمة قد ميزت كتاباته ، منها النضج المعرفي في فهم النص مع سعة الإطلاع عنده ، لذا تجد الكثير من الإلتفاتات والنكات العلمية مطروحة فيما بين السطور من أبحاثه كلها ، وهي تعد بحق إشارات مضيئة لبحوث مستقلة لمن أراد البحث والكتابة بها ، لما فيها من دقة وعمق في الفكرة  . ولعل هذا يعود إلى الجرأة العلمية التي يمتلكها والشجاعة في الخوض في مناقشة النصوص الغامضة في الكتاب المقدس ، وعدم تهيبه من مناقشة سفر أو مقطع تردد في مناقشته الكثير ، وخاف منه المعلمون فلم يبحثوه.

شغفتني مطالعة مجموعته الثانية (على هامش الكتاب) لكونها طرحت نصوص قديمة كادت أن تهمل أو أهملت فعلاً وطواها النسيان ، فصاغها بعبارة أدبية جميلة ، من وصايا وكتابات مقدسة ، فأعاد لها الحياة وفتح أمام الباحثين آفاق للمعرفة في البحث والتحقيق فيها ومناقشتها .

ويبقى الفغالي سباقاً في (القراءة الربية) و (التراث السرياني) و (التراث الروحي) ، فهو غواص ماهر في بحار الكتاب المقدس ، أتقن صنعته ، وتفوق على أقرانه في دقته وتتبعه فأجاد إنتقاء اللؤلؤ من بين الأصداف والرمال والحصى ، فخدم عقيدته المسيحية في ذلك ، وخدم المهتمين في تاريخ الاديان ومقارناتها.

وكل مهتم بتاريخ الاديان يتمنى أن يتوفر في كل دين أو عقيدة باحث مختص يولي نصوصهم المقدسة إهتمامه ، فيدرسها شرحاً وتفسيراً علمياً رصيناً ويكشف غوامض هذه النصوص ، كما دأب على ذلك الكثير من علماء المسلمين في وضع أمهات التفاسير والمجاميع الحديثية التي نفعت الباحثين في توضيح معاني الآيات القرآنية الكريمه أو نصوص الأحاديث الشريفة .

بولس الفغالي من أبرز علماء ومفسري الكتاب المقدس فهو : ثر العطاء وغزيره ، جيد السبك ورصين الأسلوب ، ومتمكن من البيان ، ورائع في كل ما يكتب أتمنى له كل الخير وأن يواصل جهوده ليوفر للقارئ والباحث العربي الكثير من الكنوز السريانية وغيرها من نصوص مقدسة وتاريخية تعذر على الكثير ترجمتها او الحصول عليها وفهمها.

 العراق \ النجف الأشرف


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد وليد البعاج
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/19



كتابة تعليق لموضوع : بولس الفغالي مفسراً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net