صفحة الكاتب : محمود محمد حسن عبدي

كل عام وأنت بخير "أوغستين"!
محمود محمد حسن عبدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لن يطول الوقت بالصوماليين ليحتفلوا بإنتهاء العهد الإنتقالي، ذلك العهد الذي انتقل بالبلاد من ثورة على الدكتاتورية، إلى غياهب الفوضى والمجاعة والاحتلال تلو الاحتلال، محوّلة العقيدة السياسية لبلادنا من التوجهات المبدئية ـ مهما كانت صورية ـ، إلى حالة مثيرة للأسى من الوصولية، شوّهت وجه كل قيم المجتمع الصومالي، بتسليع القبلية تارة، وتحويل الدين لعبوة ناسفة، أو مطية للأطماع والمصالح الضيقة.

نعم تم التوقيع على النسخة "المعدّلة"، من مسودة الدستور[1] العليل، لتخرج علينا وثيقة لا تخلو من علامات الاستفهام، والأخطاء منذ أولى صفحاتها، هذا إن أنستنا ما فيها من الطوام، نكبات صياغة مسودته، التي أصبح عرضها على منطق "الشرعية"، أمرًا مرهقًا للعقل، ثقيلًا على القلوب والأنفاس، وما تم به استكمال عملية "الختان الفرعوني" للمسألة، بحملها برمتها إلى سيد هضبة الحبشة، ليكون الفصل فيما تنازع حوله أتباعه الصوماليين الأوفياء.

لقد انتهت الفترة الانتقالية فعلًا، وأصبح رئيس الحكومة الفيدرالية الانتقالية، يواجه حملة إعلامية شرسة، ويكاد بإعلانه الأخير أن العالم بالفعل قد خذل الصومال، يريد أن ينطق بجانب مما كان يكتمه، خلف ابتسامات المجاملة، ومحاولة تغليب دبلوماسية النفس الطويل، والتي فرضت على القيادة السياسية المعترف بها دوليًا، القبول بممارسات موجهة لمصداقيتها، وكل ذلك لأجل الوصول إلى ما تم الوعد به للحكومات الصومالية الانتقالية، الفيدرالية وغير الفيدرالية المتتالية، من دعم ومساندة لإعادة تكوين نواة "فعلية" لمؤسسات الدولة، خاصة في ظل وضع أمني وميداني، أكّد ويؤكد أن النجاح لم يكن حليف الصوماليين، سوى في تجميع ثم توسيع البرلمانات المترحلة، والتوزيع المتناوب للحقائب الوزارية الخالية من كل شيء، سوى الجوازات الدبلوماسية والرحلات المكوكية.

وقد كان من الملفت أننا بدأنا نشهد تراجع متلازمة القرود الخمسة، والتي بدأت بأبشع تجلياتها منذ واحد وعشرين عامًا، والتي أبقت الشأن الصومالي خارج يد الصوماليين، ليعلو صوت كل غريب في دعوته لحل الأزمة الصومالية، على صوت ملايين المسحوقين، الذين أعماهم الخوف والجهل، أو أخرستهم الحيرة وانسداد الأفق، نعم لقد حالف الحظ  النظام الإثيوبي في تكتيكه، للمرة الثالثة من بعد تغيير سياسة الرموت كنترول، وبعد دخولهم العسكري المباشر الذي تعرّض للهزيمة والإذلال، فأصبح التدخل العسكري المحدود، المعتمد على خطوط الإمداد القصيرة من ناحية، والاستعانة بالمنظمة الوحدة الأفريقية الغارقة في سباتها من ناحية أخرى، وأصبح كذلك للكينيين الذين حماهم الإنجليز من القبائل الصومالية[2]، في سالف الأزمان بنهر، من الجرأة ما يكفي ليتوغلوا في الأراضي الصومالية، بل وأن يصبح أحد مجرمي البلد، ممن باعهم قطاعًا من المياه الإقليمية الوطنية، مرشحًا مهمًا من مرشحي الرئاسية القادمة.

ولا يأخذنا الكلام بعيدًا، حين ننظر إلى أوغستين مهيغا، مبعوث الأمم المتحدة السياسي الخاص للصومال، والذي ظلّ يتحرك بكل ثقة وتمكّن في الساحة الصومالية دون منازع، في حزم كان يثير بين الفينة والأخرى أعصاب بعض المتنفذين في الأقاليم الصومالية، لكن ما يلبث يهدأ الوضع وتطمئن النفوس بعد أن يتبين من السيد هنا!

وعلى الرغم من أن الدخول التركي المفاجئ، والقوي والمميز، والقبول الشعبي العارم الذين لقيته التحركات التركية ومشاريعها، قد جعل المتابعين يشعرون أن أوراق السيد (أوغستين ماهيغا) قد تناثرت، بعد أن هبت النسمة التركية في الفضاء الصومالي الراكد، مهددًا ذلك في إضعاف الترتيبات التي اجتهد عليها ماهيغا لدى تنسيقه الوثيق مع كل من كينيا وأوغندا وإثيوبيا ممثلة للاتحاد الإفريقي، وما قد ينتج عن تلك الخلخلة للترتيبات، من بروز عناصر قوية جديدة على الساحة الصومالية، لا تحمل طابعي الخنوع السياسي للأطراف المتعاملة معه، او التمرد غير العقلاني ممثلًا بحركة الشباب، كيف لا وقد يقود النَّفَسُ التركي في المسألة الصومالية، إلى عودة الكوادر الوطنية، و ضخ دماء جديدة تحمل روح الاعتدال، والتمسك بالسيادة والعمل الوطني والتعاون، على نطاق أوسع ما هو موجود حاليًا في طرفي الصراع الصومالي.

فلم يكن مستغربًا تبرّم ماهيغا من التدخل التركي، تبرمًا أخرجه من حيز اللياقة الدبلوماسية، حين بدأت أطراف من جهته تنشر إشاعات، حول سعي الأتراك لفتح قناة تفاوض (صومالي – صومالي)، بين الانتقالية وحركة الشباب كما هو مطلوب شعبيًا، لكن تلك الرغبة - بالذات -، كانت على عكس الرغبة الدولية كالعادة، واستغل مهيغا بعض التصريحات التركية الفضفاضة، ليكوّن سحابة من الافتراضات، التي تقول بأن الأتراك مستعدون لأخذ قادة حركة الشباب، للمشاركة في مؤتمر اسطنبول الذي عقد من مدة وجيزة، وكل ذلك

لقد كان التقرير الذي صدر عن الأمم المتحدة، بخصوص الساسة الصوماليين في كامل الجنوب الصومالي - الإيطالي سابقًا -، ضربة معلّم، جعلت فرق العمل التي جمعها الشيخ شريف، من متعلمين وساسة صوماليين أقل ارتباطًا بجرائم المراحل الماضية، ومتفقين معه على القيام بكل ما يلزم، لاستعادة درجة ما من القدرة على المناورة السياسية، في سبيل استعادة جانب من السيادة السياسية، للحكومة المستندة - ويا للمفارقة - في شرعيتها على أطراف خارجية، ليمكن للشيخ شريف والساسة الوطنيين من جمع أوراق يمكن اللعب بها، في وجه مجتمع دولي مبرمج على التعامل مع الشأن الصومالي بأقل قدر ممكن من الإنسانية، ومنظامت إقليمية مرتهنة، لأطراف معادية لاستقرار البلاد، وجامعة عربية أصبحت منشغلة أكثر في حلحلة نظم عربية قائمة، بعد عصر الانكماش المصري إبان عهد مبارك.

إذ كان رد الفعل الإقليمي والعربي والدولي المتوقع، الفرار من الشيخ شريف وفريقه، فرار الصحيح من المجذوم، فمن ذا الذي يريد أن يتعامل من وصمتهم المنظمة الدولية ـ بعصمتها وجلال قدرها ـ بالفساد؟ ليدخل العمل السياسي برمّته في جنوب الصومال، في حظيرة الراعي الطيب "أوغستين"، وتكون مكافأة العيد للصوماليين، شكوكًا مفتوحة في كامل العملية الدستورية والسياسية، التي يُفترض أن تأخذ البلاد، من مرحلة الإنتقال إلى مرحلة الاستقرار، والسلاح محظورعلى الجيش النواة، والمساعدات الغذائية يتم توزيعها بالتزامن مع مواسم الحصاد المحلية، واستفزاز الكرامة الوطنية يختلط بمحاربة حركة الشباب المتمردة على كل عقل وشرع.

فليأجل الصوماليون في كل مكان، يوم عيد فطرهم، ليتزامن مع عيد ميلاد السيد اوغستين ماهيغا، حارس البلاد وضابط إيقاع دخولها لمرحلة جديدة من الفوضى، كما حدث للمرة العاشرة منذ اقتحام العامة لـ(فيلا صوماليا)، فهل نتوقع بصيص أمل وعدد من قادة العمل الاجتماعي والسياسي الصوماليون يتهافتون على الترشح لإنتخابات رئاسية لا شرعية لها؟ أم سيرقص الساسة والمسؤولون ووجهاء القبائل الصوماليون، بين يدي الملك المتوج للبلاد أوغستين، في حفل ميلاده السعيد[3]، على إيقاع أنغام أغنية "على رسلك"[4]؟ وقد ضاعت البلاد بين ضعفهم واستتباعهم.

 

محمود محمد حسن عبدي

باحث وشاعر من الصومال

-------------------------------------------

[1] راجع تقريريرنا:

·          (مسودة الدستور الصومالي الجديد؛ حل أم تجل لمعضلة) الصادر بتاريخ مايو-2012 من مركز الشاهد للدراسات بلندن

·         (مسودة فريق خارطةالطريق؛ الظرف والمحتوى) الصادر من مجلة الشؤون الإفريقية.

[2]  نهر تانا.

[3] حسب موسوعة ويكبيديا ولد مهيغا في 28/08/1945.

[4]  أغنية "Hold on " للمطرب التنزاني جوزيف امبيلنيي Joseph Mbilinyi .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود محمد حسن عبدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/19



كتابة تعليق لموضوع : كل عام وأنت بخير "أوغستين"!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net