تحقيق سيمور هيرش: الصفقة بين المخابرات الأمريكية والأخوان المسلمون!

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تحقيق سيمور هيرش: الصفقة بين المخابرات الأمريكية والأخوان المسلمون!
 
السبت, 04 آب/أغسطس 2012 14:23 | |
 
باريس، الحقيقة(خاص): قبل أكثر من خمس سنوات، وفي مجلة التحقيقات الأكثر شهرة وعراقة في العالم ،" ذي نيويوركر"، نشر صحفي التحقيقات الشهير سيمور هيرش تحقيقا سيقدر له أن يصبح أيقونة التحقيقات لعقود طويلة، ليس فقط لأنه هو من قام به، ولا لأن مجلة مثل "نيويوركر" هي التي نشرته وحسب، بل لأنه سبق عصره بخمش سنوات، وكشف عن أشياء لم يكن بالإمكان فهمها أو هضمها آنذاك، ناهيك عن تصديقها.
 
لكن ما يشهده العالم العربي منذ عام ونصف، وخصوصا سوريا، من تحالف سافر بين الأخوان المسلمين، وبقية التنظيمات السلفية، ووواشنطن، والدور الذي تلعبه وكالة المخابرات المركزية الأميركية في إدارتهم وتوجيههم، يعطي تحقيق سيمور هيرش مصداقية لم يحظ بها تحقيق آخر إلا نادرا.
هنا الترجمة الحرفية للتحقيق الذي ترجمته الزميلة "أوغاريت دمشقية" خصيصا لـ"الحقيقة" التي نشرته بتاريخ 1 آذار / مارس 2007، نقلا عن موقع "نيويوركر" الذي نشره قبل صدوره في الطبعة الورقية بتاريخ  بتاريخ 5 آذار / مارس 2007 .
سيمور هيرش : إعادة التوجيه
ترجمة وتقديم : أوغاريت دمشقية ـ الحقيقة
يعتبر  الصحفي الأميركي سيمور هيرش، المولود في العام 1937، أحد ألمع وأشهر صحفيي التحقيقات في النصف الثاني من القرن العشرين . نشر كتابه ـ التحقيقي الأول في العام 1969 حول مجزرة Mee-lye  التي ارتكبها الجنود الأميركيون في فيتنام بتاريخ 16 آذار / مارس من العام 1968 . ونال على كتابه هذا جائزة " بوليتزر " التي تمنحها جامعة كولومبيا، والتي تسمى أحيانا ـ إلى جانب جائزة اليونسكو لحرية الصحافة ـ بـ " نوبل الصحافة " . وتبلغ نصف مليون دولار . ونال في العام 2004 جائزة " جورج لوك " من جامعة Long Island University في نيويورك، وكانت المرة الخامسة التي يحصل فيها على هذه الجائزة، تقديرا لتحقيقاته .
  كان سيمور هيرش أول من كشف عن فضائح سجن أبو غريب وفتح لها الطريق إلى ما أصبحت عليه لاحقا من شهرة . كما أنه أول من كشف عن نشاط الاستخبارات الاسرائيلية في شمالي العراق . وتعتبر مجلة " ذي نيويوركر "  الأسبوعية المجلة الأغلى ثمنا في الولايات المتحدة . وهي متخصصة بالتحقيقات الصحفية النوعية، فضلا عن الأدب والقضايا السياسية .
أطرف تعليق حظي به هذا الصحفي في تاريخه المهني، الذي ترتجف لتحقيقاته جهات لها من الجبروت ما ليس لغيرها، وتسنفر لها دوائر القضاء المعنية في دول كبرى، كان الوصف الذي أطلقه عليه معارض سوري ـ كردي، حيث وصفه بأنه " صحفي الصحافة الصفراء " !!؟
 وفيما يلي الترجمة الكاملة لتقريره الذي شينشر في عدد 5 آذار / مارس القادم من طبعة " نيويوركر " التي تصدر على شكل مجلة أسبوعية .
تحول إستراتيجي
شهدت إدارة بوش خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث الوضع المتدهور في العراق، تحولاً كبيراً في استراتيجيتها في الشرق الأوسط على مستوى الدبلوماسية العامة والعمليات السرية. وقربت "إعادة التوجيه"، كما أطلق بعض العاملين داخل البيت الأبيض على الإستراتيجية الجديدة،  الولايات المتحدة من المواجهة المفتوحه مع ايران. كما وسعت، في اجزاء من المنطقة النزاع الطائفي بين المسلمين الشيعة والسنة.
لتقويض إيران، التي يهين عليها الشيعة ، قررت إدارة بوش في الواقع إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان تعاونت مع حكومة المملكة العربية السعودية السنية لتنفيذ عمليات سرية تهدف إلى إضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية المدعومة من قبل إيران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات سرية ضد إيران وحليفتها سوريا. وكان نتاج هذه الانشطه تدعيم الحركات السنيه المتطرفة التي تتبنى رؤية الاسلام المسلح والمعاديه لأميركا والمتعاطفة مع القاعدة.
  أحد الجوانب المتناقضة في الاستراتيجيه الجديدة هو أن معظم موجات العنف ضد الجيش الأميركي، في العراق، تأتي من المسلحين السنة وليس الشيعة.  إلا أنه، من منظور الإدارة، عمق استراتيجيتها أن التدخل الإيراني في العراق هو سبب إشعال الحرب في هذا البلد. وقد أكد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في تصريحاته  على سعي بلاده لتدمير إسرائيل وحق طهران في مواصلة برنامجها النووي.
فيما قال المرشد الروحي الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي في تصريح لتلفزيون الدولة الرسمي: "ان الحقائق في المنطقة تبين ان الجبهة المتغطرسة التي ترأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها، ستكون الخاسر الرئيسي فى المنطقة".
بعد الثورة عام 1979 والتي أوصلت حكومة دينية الى السلطة، قطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع إيران ووثقتها مع قادة الدول العربية السنيه مثل الاردن مصر والسعودية. إلا أن حساباتها أصبحت أكثر تعقيداً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر، وخاصة بالنسبة للسعوديين. فالقاعدة سنيه، والكثير من ناشطيها يأتون من داخل الاوساط الدينية المتطرفة في المملكه العربية السعودية. قبل غزو العراق فى عام 2003، إفترض مسؤولو الادارة، متأثرين بنظريات المحافظين الجدد، أنه لا يمكن للشيعة تقديم حكومة مؤيدة للأميركيين بموازاة المتطرفين السنة، بسبب الدمار الذي لحق بغالبية الشيعة في ظل نظام صدام حسين. كما تجاهل المسؤولون تحذيرات المؤسسات الإستخباراتية حول الروابط بين قادة الشيعه العراقيين وايران، التي تعتبر بلد المنفى لعدد منهم لسنوات. الآن، ونتيجة محنة البيت الابيض، أقامت ايران علاقات وثيقة مع الحكومة العراقية الشيعية التي يرأسها نوري المالكي.
ولقد تم علناً مناقشة الخطوط العريضة لسياسة الأمريكية الجديدة. وقالت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في شهادة لها امام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ في شهر كانون الثاني / يناير الماضي، ان هناك "تنسيقا استراتيجيا جديدا في الشرق الاوسط" يفصل "الاصلاحيين" عن "المتشددين". واشارت الى الدول السنية كمراكز الاعتدال وأضافت أن ايران وسوريا وحزب الله هم "على الجانب الآخر من التقسيم". (تقاد الغالبية السنية السورية من قبل الطائفة العلويه). وقالت رايس إن أيران وسوريا "قررتا خيارهما، وهو زعزعة الإستقرار".
بعض الأساليب الاساسية لاعادة التوجيه هي غير معلنة. وعلى كل حال بقيت العمليات السرية في بعض الحالات تجرى بالخفاء، وذلك من خلال ترك التنفيذ او التمويل للسعوديين او إيجاد سبل اخرى لتفادي عرضها أمام الكونغرس لأخذ الموافقة عليها، وفقاً لما صرح به مسؤولون حاليون وسابقون مقربون من الإدارة الأميركية.
  أخبرني أحد كبار أعضاء لجنة المخصصات في المجلس أنه سمع عن الاستراتيجيه الجديدة، لكنه يشعر أنه وزملاءه لم يطلعوا عليها بصورة كافية. "لم نحصل على أي من هذا". "نحن نسأل عن أي شيء يحدث وهم يقولون إنه ليس هناك شيء. وعندما نطرح أسئلة محددة يجيبون: سوف نعود إليكم. إن ذلك محبط جداً".
  الأشخاص الرئيسيون وراء إعادة التوجيه هم  نائب الرئيس ديك تشيني، ونائب مستشار الأمن القومي والسفير المقبل لدى العراق إليوت ابرامز، والسفير الحالي لدى العراق والمرشح لمنصب مندوب الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد، ومستشار الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان. وعلى الرغم من مشاركة رايس الفاعلة في تشكيل السياسة العامة، إلا أن مسؤولين سابقين وحاليين قالوا إن الجانب السري من هذه السياسة كان يقوده تشيني. ورفض كل من مكتب تشيني والبيت الابيض التعليق على هذا الخبر. فيما لم ترد وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" على الاستفسارات المحددة واكتفى بالقول "إن الولايات المتحدة لا تعتزم خوض حرب مع ايران".
  وضعت سياسة التحول  كلا من السعودية وإسرائيل في قلب الإستراتيجية الجديدة، ويعود السبب الأكبر في ذلك إلى أن  الدولتين كلتيهما تعتبران إيران خطراً يهدد وجودها. وشارك الطرفان في محادثات مباشرة. وازدادت مشاركة السعوديين، الذين يعتقدون أن ترسيخ الاستقرار في إسرائيل وفلسطين سوف يقلل من نفوذ ايران في المنطقة، في المفاوضات العربية - الاسرائيلية.
  يصف مستشار للإدارة الأميركية، له علاقات قوية مع إسرائيل، الإستراتيجيه الجديدة بأنها "تحول كبير في السياسة الأميركية - إنها تغيير في البحر".  فالدول السنية "مرعوبة من عودة النفوذ الشيعي، وكان هناك استياء متزايد من شركائنا إزاء الشيعة المعتدلين في العراق". "لا يمكننا وقف التمدد الشيعي في العراق، ولكننا نستطيع احتواءه".
وقال لي فالي نصر Vali Nasr، وهو باحث كبير في مجلس العلاقات الخارجية وله كتابات كثيرة حول الشيعة وإيران والعراق: " يبدو أن هناك نقاشا داخل الحكومة حول ما هو الخطر الأكبر- إيران أم السنة المتطرفين".  وأضاف: "يقول السعوديون والبعض في الادارة الأميركية إن التهديد الأكبر هو إيران، أما المتطرفون السنة فهم أقل عدائية (تجاهنا) . وهذا يعتبر انتصارا للخط السعودي".
  أما مارتن إنديك، المستشار الكبير في وزارة الخارجية خلال فترة إدارة كلينتون والذي خدم أيضاً كسفير للولايات المتحدة لدى إسرائيل، فيقول: "يتجه الشرق الأوسط إلى حرب باردة سنية- شيعية". ويضيف إنديك، الذي يرأس مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينغز، إنه من وجهة نظره ليس واضحاً ما إذا كان البيت الأبيض يدرك تماماً الاستراتيجيه المترتبة على سياسته الجديدة. ويشير إلى أن "البيت الأبيض لا يقوم على مضاعفة الرهان في العراق، بل هو يضاعف الرهان في المنطقة كافة. وهذا قد يكون معقداً جداً. فكافة الأمور مقلوبة رأساً على عقب".
  ويبدو أن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة لإحتواء إيران ستعقد إستراتيجيتها للفوز بالحرب في العراق. ويحاجج باتريك كلاوسون، الخبير في الشؤون الإيرانية ونائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حول أن التقارب بين الولايات المتحدة والدول السنية المعتدلة، أو حتى المتطرفة، قد يشعر حكومة رئيس الوزراء المالكي بـ"الخوف " ويجعله يقلق من أن السنة قد يكسبوا الحرب الاهلية. ويقول كلاوسون إن هذا الشعور قد يكون حافزاً للمالكي للتعاون مع الولايات المتحدة لقمع الميليشيات الشيعيه المتطرفة، مثل جيش المهدي التابع لمقتدي الصدر.
حتى لو صح ذلك، مؤقتا، فإن الولايات المتحدة لا تزال تعتمد على تعاون القادة الشيعة العراقيين. فجيش المهدي يمكن أن يشكل تهديدا للمصالح الامريكية في المستقبل، إلا ان الميليشيات الشيعيه  الأخرى هي بمثابة حلفية الولايات المتحدة. ويدعم كل من مقتدي الصدر والبيت الابيض المالكي. واقترحت مذكرة خطية كتبها أواخر العام الماضي ستيفن هادلي، مستشار الامن القومي، ان تسعى الإدارة الأميركية لفصل المالكي عن حلفائه الشيعة من خلال بناء قاعدة له بين السنة المعتدلين والاكراد. إلا أنه لغاية الآن الميول كلها تتجه في المنحى المعاكس . فالجيش العراقي يواصل تعثره في مواجهاته مع المتمردين، في حين ان قوة المليشيات الشيعية المسلحة في تزايد مضطرد.
  فلاينت ليفيريت Flynt Leveret، وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي في إدارة بوش، اأخبرني أنه "ليس هناك مصادفة أو سخرية قدر" حول الإستراتيجية الجديدة تجاه العراق. وأضاف: "تسعى الإدارة إلى جعل القضية هي أن ايران تعتبر الأشد خطراً واستفزازاً من المتمردين السنة بالنسبة للمصالح الاميركية في العراق. واذا نظرتم الى العدد الفعلي للضحايا، لوجدتم أن  العقاب النازل على أمريكا من قبل السنة هو الأكبر حجماً. هذا كله يعتبر جزءاً من حملة الخطوات الإستفزازيه لزيادة الضغط على ايران. حيث تدور الفكرة على أن الأيرانيين سوف يردون في مرحلة ما، الأمر الذي يفتح الباب للإدارة الأميركية  لتوجيه ضربة لهم".
 وتحدث الرئيس جورج دبليو بوش فى خطاب له يوم العاشر من كانون الثاني / يناير جزئيا عن هذا النهج، حيث قال: "هذان النظامان- ايران وسوريا - يسمحان للارهابيين والمتمردين باستخدام اراضيهم للدخول والخروج من وإلى العراق". وأضاف بوش: "تقدم إيران الدعم المادي للهجمات على القوات الامريكية. سنوقف الهجمات ضد قواتنا، وسنعرقل تدفق الدعم من إيران وسوريا. وسنسعى إلى تدمير الشبكات التي تقدم الأسلحة والتدريب لأعدائنا في العراق".
  في الاسابيع التالية كانت هناك موجة من الإدعاءات التي ساقتها الإدارة حول تورط إيران في حرب العراق. ففي شباط / فبراير الماضي أظهرت تقارير صحفية  عبوات متفجرة متطورة  ومعتقلين في العراق ادعت الإدارة الأميركية بأنهم قدموا من إيران. وكان جوهر الرسالة التي أرادت الإدارة الأميركية أن توجهها، هو أن الوضع الكئيب فى العراق لم يكن نتيجة اخفاقاتها في التخطيط والتنفيذ بل بسبب التدخل الإيراني.
   قامت القوات الاميركية أيضاً بإحتجاز وإستجواب المئات من الإيرانيين في العراق. حيث يقول مسؤول إستخباراتي سابق: "تم إصدار أمر للجيش في أب / أغسطس الماضي يقضي بإختطاف عدد من الإيرانيين في العراق حيث أمكنهم ذلك". وأضاف: "اعتقلوا خمسمئة شخص في وقت واحد. ونقوم باستجواب هؤلاء الرجال للحصول على معلومات منهم. ويهدف البيت الابيض إلى بناء قضية تقول أن الإيرانيين يحرضون التمرد، ويقومون بذلك بالتزامن مع نشر (تقارير) تقول إن إيران تدعم في الواقع قتل الأميركيين". وأكد مستشار البنتاغون أن المئات من الايرانيين قد تم اعتقالهم من قبل القوات الامريكية في الاشهر الاخيرة. إلا أنه أخبرني أن من بين المعتقلين كان هناك إيرانيون موظفو إغاثة وأعمال إنسانية، حيث تم عزلهم  والإفراج عنهم في وقت قصير بعد أن تم إستجوابهم".
 وأعلن روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي الجديد، في الثاني من شباط / فبراير الحالي : "نحن لا نخطط لخوض حرب مع إيران"، فيما أجواء المواجهة تزداد اكفهرارا. ووفقاً لمسؤولين إستخباريين وعسكريين حاليين وسابقين، فإن العمليات السرية في لبنان قد اقترنت بالعمليات السرية التي تستهدف ايران. وقد إزداد نشاط الجيش الامريكى وفرق العمليات الخاصة  في إيران لجمع المعلومات الإستخباراتية.  ووفقاً لمستشار وزارة الدفاع الامريكية لشؤون الإرهاب ومسؤول إستخباري سابق رفيع المستوى، فإنه تم اجتياز الحدود الإيرانية لمطاردة نشطاء إيرانيين من العراق.
  وأثناء شهادة رايس أمام مجلس الشيوخ في كانون الثاني / يناير ( الماضي)، سألها السناتور الديمقراطي جوزف بيدن من ولاية دلاوير بوضوح  عما إذا كانت الولايات المحدة تخطط لعبور الحدود الإيرانية او السورية لغايات المطاردة. وأجابت رايس: " دون ريب ؛ فالرئيس  ليس بصدد وضع أي شىء من شأنه حمية جنودنا موضع نقاش، إلا أن الخطة هو القضاء على هذه الشبكات في العراق". وأضافت: "أعتقد أن الجميع سيدرك ذلك - وأجزم أن الشعب الأميركي والكونغرس يتوقعون من الرئيس القيام بما هو ضروري لحماية قواتنا".
 وأثار غموض إجابة رايس رد فعل من قبل السناتور الجمهوري تشوك هاغيل Chuck Hagel من ولاية نابراسكا، الذي كان محرجاً للإدارة الأميركية:
" البعض منا يتذكر، سيدتي الوزيرة، العام 1970. كان الأمر يتعلق بكمبوديا . وقتها كذبت حكومتنا على الشعب الأميركي قائلة: "لم نقم بعبور الحدود إلى داخل كمبوديا"، ونحن في الواقع قمنا بذلك.
وأنا أعلم شيئاً عن ذلك، كما هو حال بعض أعضاء هذه اللجنة. لذلك، سيدتي الوزيرة، عندما تستخدمين ذات السياسة التي يتحدث عنها الرئيس هنا، فهذا أمر خطير جداً جداً".
  ويقترن قلق الإدارة الأميركية حول الدور الإيراني في العراق مع قلقها المتزايد تجاه برنامج إيران النووي. وحذر تشيني في مقابلة مع تلفزيون فوكس نيوز في الرابع عشر من كانون الثاني / يناير من إمكانية " قيام إيران المسلحة نوويا ( خلال سنوات قليلة )  بالسيطرة على منافذ تزويد العالم بالنفط، والقدرة على التأثير العكسي على الإقتصاد العالمي والإستعداد لإستخدام المنظمات الإرهابية و/أو أسلحتهم النووية لتهديد جيرانها ودول أخرى في العالم". وأضاف: "إذا ما ذهبت وتحدثت مع دول الخليجية أو تحدثت مع السعوديين أو الإسرائيليين أو الأردنيين، لوجدت أن المنطقة بأكملها قلقة..... فالتهديد الذي تمثله إيران يتنامى".
وتجري الإدارة الأميركية الأن موجة من الفحص الاستخباري حول برامج تسلح إيران. وأخبرني مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون، أن المعلومات الإستخبارتية القادمة من عملاء إسرائيليين من داخل إيران، تتضمن إدعاء بأن إيران طورت جيلا ثالثا من الصواريخ قادرا على حمل رؤوس متعددة الإستعمالات، وإن ذات دقة محدودة، قادرة على الوصول إلى داخل اوروبا. وما تزال صحة الإدعاءات البشرية هذه موضع نقاش".
  وكان جرى تسويق الحجج نفسها حول تهديد وشيك تشكله أسلحه الدمار الشامل ( العراقية ) تمهيدا لغزو العراق . فالتساؤلات نفسها دارت حول معلومات استخباراتية استخدمت لخلق حالة مشابهة . واستقبل الكثير من أعضاء الكونغرس الإدعات حول إيران بحذر. وقالت هيلاري كلينتون أمام مجلس الشيوخ في شباط / فبراير: "لقد تعلمنا دروسا من النزاع فى العراق وعلينا ان نطبق هذه الدروس على اي إدعاءات تثار حول ايران. لأن ما نسمعه، سيدي الرئيس، له الرنين نفسه، ويجب علينا أن نكون حذرين من أن لا نقد أبداً على إتخاذ قرارات عتماداً على معلومات ستخباراتية يتضح إنها ملفقة".
وبالرغم من ذلك، تواصل وزارة الدفاع الامريكية التخطيط المكثف لإمكانية القيام بهجوم بالقنابل على إيران، وهي عملية بدأت العام الماضي بناءاً على توجيه من الرئيس الأميركي. وقال لي مسؤول استخباري سابق، انه تم في الاشهر الاخيرة تشكيل مجموعة تخطيط خاصة في مكاتب هيئة الاركان المشتركة، مكلفه بوضع خطة طوارئ لقصف ايران يمكن ان تنفذ بناء على أوامر من الرئيس، في غضون أربع وعشرين ساعة. كما أن مستشارا للقوات الجوية الأميركية لشؤون الإستهداف، وهو في الآن نفسه مستشار للبنتاغون في شؤون الإرهاب، أخبرني الشهر الماضي أن مجموعة التخطيط حول إيران تسلمت مهمة جديدة: تحديد الأهداف في إيران التي قد تكون متورطة في تمويل ومساعدة المسلحين في العراق. علما بأن التركيز كان يجري سابقا على تدمير المنشآت النووية في ايران وإمكانية تغيير النظام.
 وترسو حاملتي الطائرات - إيزنهاور وستينيس- الآن في بحر العرب. ويوجد خطة واحدة لهما سيتم الكشف عنها أوائل الربيع . إلا انه ووفقاً لمصادر متعددة، هناك تخوف داخل وحدات الجيش التي أمرت بالبقاء في المنطقة بعد وصول الناقلتين. (ما يثير القلق ايضاً  هو أن المناورات أظهرت أن الناقلتين قد تكونان عرضة للإستدراج والتورط في مواجهات مع عدد كبير من القوارب الصغيرة، وهو أسلوب تدرب عليه الإيرانيون في الماضي، حيث تتمتع الناقلتان بمرونة محدودة داخل مضيق هرمز، قبالة الساحلة الجنوبي لإيران). ويقول مسؤول إستخباري سابق رفيع المستوى إن الخطط الحالية تسمح بالقيام بهجوم  خلال الربيع الحالي. وأضاف " إن كبار ضباط في  هيئة الأركان المشتركة المحسوبين على البيت الأبيض " ليسوا حمقى كفاية للقيام بذلك مقابل العراق والمشاكل التي قد يلحقها بالجمهوريين خلال عام 2008".
لعبة الأمير بندر
  تعتمد جهود الإدارة الأميركية الرامية إلى تقليص النفوذ الايراني في الشرق الاوسط، بشكل كبير، على السعودية وعلى الأمير بندر، مستشار الأمن القومي. وكان بندر قد عمل سفيرا للمملكة السعودية لدى الولايات المتحدة لمدة إثنين وعشرين عاماً انتهت في العام 2005،  وتربطه صداقه مع الرئيس بوش ونائب الرئيس تشيني . وفي منصبه الجديد، سوف يواصل الإجتماع بهم على إنفراد.  كما قام كبار موظفي البيت الابيض بزيارات عديدة الى المملكه العربية السعودية مؤخرا، لم يتم الكشف عن بعضها.
  وقام تشيني خلال تشرين الثاني / نوفمبر الماضي بزيارة العربية السعودية لعقد لقاء مفاجئ مع الملك عبد الله وبندر. وأشارت The Times إلى أن الملك حذر تشيني من أن السعودية ستدعم أتباعها السنة في العراق في حال قررت الولايات المتحدة الإنسحاب من هناك. وأخبرني مسؤول إستخبارات أوروبي أن اللقاء ركز أيضاً على مخاوف السعوديين العامة حول "التمدد الشيعي" وفي رد على ذلك "بدأت السعودية بإستخدام نفوذها المالي".
 وفي ظل المنافسات التي تشهدها الاسرة الحاكمة، إستطاع بندر، على مر السنين، من بناء قاعدة لسلطته التي تعتمد اساسا على علاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة وهو امر حاسم بالنسبة للسعوديين.  وخلف بندر، كسفير لدى واشنطن، الامير تركي الفيصل، الذي استقال بعد ثمانيه عشر شهراً، وحل محله عادل آلجبير، البيروقراطي الذي عمل مع بندر. وأخبرني دبلوماسى سعودى سابق انه خلال فترة تولي تركي لمنصبه كسفير، علم بأمر الإجتماعات الخاصة التي  تضم بندر وكبار موظفي البيت الأبيض، بمن فيهم تشيني وأبرامز، وقال: " أنا متأكد من أن تركي لم يكن سعيداً بهذا الامر". ولكنه اضاف: "لا اعتقد ان بندر يقوم بهذا الأمر من تلقاء نفسه". فعلى الرغم من أن تركي لا يحبه، يقول الدبلوماسي السعودي السابق،  إلا أنه شاطره هدفه بالتصدي لانتشار القوة الشيعية في الشرق الاوسط ".
  ويعود الإنشقاق بين الشيعه والسنة الى القرن السابع، حيث إختلفوا على من يجب ان يخلف النبي محمد. وسيطر السنة على الخلافة خلال العصور الوسطى وزمن الامبراطوريه العثمانيه، بينما أصبح تقليدياً التعامل مع الشيعة على أساس إنهم غرباء. عالمياً، يشكل السنة ما نسبته 90% من المسلمين،إلا أن  الشيعة هم الاغلبيه في ايران والعراق والبحرين. وهم أكبر جماعة اسلامية في لبنان. وتمركزهم في المنطقة الغنية بالنفط والمتقلبة جعلت القلق يتزايد في الغرب وفي أوساط السنة حول ظهور "الهلال الشيعي" والذي يزيد على نحو خاص  من الوزن السياسي لإيران.
  وقال لي فريدريك هوف، الضابط  المتقاعد والخبير في شؤون الشرق الأوسط: "ما يزال السعوديون ينظرون إلى العالم من منظار أيام الإمبراطورية العثمانية، حيث كان المسلمون السنة يحكمون والشيعة كانوا من الطبقة الدنياً". وأضاف أنه أصبح ينظر إلى بندر على أنه ساهم في إحداث التغيير وجهة السياسة الأميركية، وهذا ما سيعزز من مكانته داخل الأسرة الحاكمة.
  ويتصرف السعوديون إنطلاقاً من مخاوفهم بأن إيران تستطيع قلب موازين القوى ليس في المنطقة فقط بل أيضاً في دولتهم. إذ يوجد في العربية السعودية أقلية شيعية كبيرة في منطقتها الشرقية، وهي المنطقة الغنية بحقول النفط،، حيث تتزايد التوترات الطائفية في الإقليم. ووفقاً لفالي نصر، فإن الأسرة الحاكمة تعتقد أن النشطاء الإيرانيين، ومن خلال عملهم مع الشيعة المحليين، يقفون خلف العديد من الهجمات الارهابيه داخل المملكه. وأضاف "اليوم، الجيش الوحيد الذي كان بإمكانه احتواء ايران - أي الجيش العراقي - دمرته الولايات المتحدة. أنت الآن تتعامل مع إيران بناء على إمكانية امتلاكها قدرة نوويه، وعلى أنه لديها جيش مكون من أربعمائة وخمسين ألف جندي". (السعودية لديها جيش مكون من خمسة وسبعين الف جندي).
  وأكمل نصر: "تمتلك السعودية القدرة المالية الكبيرة ولديها علاقات قوية مع حركتي الأخوان المسلمين والسلفيين- وهم سنة متطرفون يرون الشيعة على أنهم مرتدون عن الإسلام- وعندما كانت إيران تشكل تهديداً في أخر مرة، كانت لدى السعوديين القدرة على تحشيد أسوأ أنواع المتطرفين الإسلاميين الذين ما إن تخرجهم من العلبة حتى تصبح عاجزا عن  إعادتهم إليها".
وأصبحت الأسرة الحاكمة  داعماً وهدفاً للمتطرفين السنة الذين يعترضون على الفساد والانحطاط  بين عدد كبير من أمراء العائلة. ويقامر الأمراء بأنهم لن يهزموا طالماً أنهم يواصلون دعم المدارس الدينية والمنظمات الخيرية المرتبطة بالمتطرفين. وتعتمد الإستراتيجية الجديدة للإدارة الأميركية على هذه الصفقة.
  ويقارن نصر بين الوضع الحالي والفترة التي ظهرت فيها القاعدة للمرة الأولى. ففي عقد الثمانينات - التسعينات ومطلع التسعينات، عرضت الحكومة السعودية دعم حرب وكالة الإستخبارات الأميركية (سي أي إيه) ضد الإتحاد السوفياتي في أفغانستان. وتم إرسال مئات من الشباب السعودي إلى منطقة الحدود الباكستانية مع افغانستان، حيث أنشأواا مدارس دينية و مراكز تدريب ومنشأت توظيف. بعد ذلك، وكما هو الحال الأن، العديد من النشطاء الذين دعمتهم السعودية بأموالها  كانوا من السلفيين. و كان من بينهم، بالطبع، أسامة بن لادن ومساعدوه الذين أسسوا القاعدة العام 1988.
  هذه المرة ـ وفق ما أخبرني به مستشار للحكومة الأميركية ـ  بندر وسعوديون آخرون أكدوا للبيت الأبيض أنهم "سيراقبون عن كثب الأصولية الدينية" . ورسالتهم لنا كانت: "نحن من ابتدع هذه الحركة ونحن نستطيع السيطرة عليها". ليس الهدف أننا لا نريد من السلفين إلقاء القنابل، بل " من هي الجهة " التي يجب إلقاء القنابل عليها : حزب الله، مقتدى الصدر، إيران، إلى جانب السوريين، إذا واصلوا عملهم مع حزب الله وإيران".
  ويقول الدبلوماسي السعودي السابق، إنه ـ ومن وجهة نظر بلاده ـ تم الإقدام على مخاطرة سياسية بالإنضمام إلى التحدي الأميركي لإيران: فالعالم العربي ينظر إلى بندر على أنه مقرب جداً من إدارة بوش. "نعاني من كابوسين، من إيران لإمتلاكها القوة النووية، ومن الولايات المتحدة إن هي هاجمت إيران. وأفضل أن تهاجم إسرائيل إيران، حيث يمكننا لومهم على ذلك. ولكن إن قامت أميركيا بهذه الخطوة، فسيقع اللوم علينا".
  ووضع السعوديون والإسرائيليون وإدارة بوش، خلال العام الماضي، سلسلة من التفاهمات حول توجهاتهم الإستراتيجية الجديدة. وقال لي مستشار الحكومة الأميركية إنه تم تضمينها أربعة عناصر رئيسية على الأقل :
أولا ـ، تريد إسرائيل ضمان أن الأمن هو الأساس وأن واشنطن والسعودية العربية وباقي الدول السنية يشاركونها القلق حول إيران.
ثانياً، سيحث السعوديون حماس ـ الحركة الفلسطينية الإسلامية التي تتلقى دعماً من إيران ـ  على إنهاء عدائها لإسرائيل والبدء في محادثات جادة لمشاركة السلطة مع فتح، أكثر الجماعات الفلسطينية علمانية. ( رعى السعوديون في  شباط / فبراير ( الحالي)  إتفاقية وقعت بين الطرفين في مكة. إلا ان إسرائيل والولايات المتحدة أعربتا عن إستيائهما إزاء شروط الإتفاق).
ثالثا ـ  تعمل إدارة بوش مباشرة مغ الشعوب السنية لمحاصرة هيمنة الشيعة في المنطقة.
رابعا ـ  ستقوم الحكومة السعودية، بموافقة واشنطن، بتقديم  دعم مالي ولوجستي لإضعاف حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. ويعتقد الإسرائيليون أن ممارسة ضغط من هذا النوع على حكومة الأسد سوف يجعلها أكثر مرونة وإنفتاحاً تجاه المفاوضات. وتعتبر سوريا قناة رئيسية لأسلحة حزب الله.  كما أن هناك خلافا بين الحكومة السعودية والسوريين حول اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق، في بيروت عام 2005، حيث تعتقد السعودية ان حكومة الاسد مسؤولة عن الجريمة. ويرتبط الحريري، الملياردير السني، ارتباطا وثيقا مع النظام السعودي والأمير بندر. (تحقق الامم المتحدة بقوة بإحتمال تورط السوريين بالجريمة، إلا إنها لم تقدم أي دليل مباشر، وهناك خطط لإجراء تحقيق آخر من قبل المحكمة الجنائية الدولية).
   يصف باتريك كلاوسون، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تعاون السعوديين مع البيت الأبيض بـ " الفتح العظيم " .  وقال لي كلاوسون: "يدرك السعوديون أن عليهم إذا أرادوا الحصول من الإدارة الأميركية على عرض أكثر سخاء للفلسطيين، إقناع  الدول العربية بتقديم عرض أكثر سخاء تجاه الاسرائيليين". وأضاف إن النهج الجديد في الدبلوماسية "يظهر أن الجهد الحقيقي والتعقيد بالإضافة إلى عدم اللياقة لا يرتبط دائماً بهذه الإدارة. من يدير أكبر المخاطر؟ نحن أم السعوديين؟ ففي الوقت الذي يتدنى موقع أميركا في الشرق الاوسط، يرتبط السعوديون بنا. يجب علينا إحتساب النعم التي حلت علينا".
إلا أن مستشار البنتاغون لديه رؤية أخرى، حيث يقول إن الإدارة الأميركية توجهت إلى بندر "احتياطاً" لأنها أدركت أن خسارة الحرب في العراق قد يترك الشرق الأوسط  ساحة " لقمة سائغة".
الجهاديون في لبنان
يأتي لبنان ثانياً في التركيز في العلاقة الاميركية السعودية، بعد ايران. ولقد شاركت السعودية بقوة في الجهود التي تبذلها الادارة الأميركية لدعم الحكومة اللبنانية. ويكافح رئيس الوزراء فؤاد السنيورة من اجل البقاء في السلطة مع استمرار المعارضة بقيادة التنظيم الشيعي  ـ حزب الله، وزعيمه الشيخ حسن نصر الله. ويمتلك حزب الله بنية أساسية شاملة، ويقدر عدد مقاتليه ما بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل، إلى جانب آلأف الأعضاء المنتمين للحزب الموضوع  على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية منذ عام 1997. وقد تورطت هذه المنظمة في عملية تفجير قاعدة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983 والتي قُتل فيها مئتان وواحد وأربعون جندياً أميركياً.  وقد اتهم بالتواطؤ في عمليات إختطاف لأمريكيين، بمن فيهم رئيس وحدة السي أي إيه في لبنان، الذي مات في الاسر، وإختطاف وقتل العقيد البحري الذي كان يخدم ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام. (وقد نفى نصرالله تورط المجموعة في هذه الحوادث). ويقول نصرالله، الذي يعتبروه كثيرون  قوة إرهابية، إن اسرائيل هي دولة لا تمتلك الحق في الوجود. إلا أن الكثيرين في العالم العربي، لا سيما الشيعه، ترى فيه صورة زعيم المقاومة الذي صمد أمام اسرائيل خلال الصيف الماضي في حرب الثلاثة وثلاثين يوما، فيما يرون في السنيورة السياسي الضعيف الذي، ورغم إعتماده على الدعم الأميركي، لم يتمكن من اقناع الرئيس بوش بالدعوة لوقف القصف الاسرائيلي للبنان. (وتم إستخدام الصورالتي يقبّل فيها السنيورة رايس على خدها عندما زارت بيروت خلال الحرب، بكثرة، أثناء حملة الإحتجاجات التي إجتاحت شوارع بيروت).
  وقدمت إدارة بوش دعماً معلناً لجكومة السنيورة بقيمة مليار دولار أميركي منذ الصيف الماضي. وإستطاع مؤتمر المانحين، الذي نظمته الولايات المتحدة في باريس شهر كانون الثاني / يناير، جمع مساعدات معلنة وصلت إلى ما يزيد عن ثمانية مليارات دولار، بما فيها وعد من السعوديين بتقديم ما يزيد عن مليار دولار أميركي. أما المنحة الاميركية فشملت ما يزيد عن مئتي مليون دولار كمساعدات عسكرية وأربعين مليون دولار للأمن الداخلي.
  ووفقاً لمسؤول إستخباراتي كبير سابق ومستشار للحكومة الأميركية فإن الولايات المتحدة قدمت دعماً سرياً لحكومة السنيورة. "نحن في برنامج لتعزيز قدرات الطائفة السنية للحد من التأثير الشيعي، وننفق المال في كل مكان قدر ما نستطيع".  ويضيف المسؤول الإستخباراتي السابق أن المشكلة تكمن في أن هذه الاموال "تذهب إلى جيوب أكثر مما كنت تعتقد". "وفي هذا الصدد، فاننا نقوم بتمويل الكثير من الاشرار مع أمكانية وقوع عدد من الانتهاكات الخطيرة غير المخطط لها. فنحن لا نملك القدرة على تحديد او منح القسائم المالية للأشخاص الذين نحبهم وتجنب من لا يعجبنا. لذلك فإن الأمر يعتبر مغامرة عالية الخطورة".
وأخبرني مسؤولون أميركيون، وأوروبيون وعرب، تحدثت إليهم، أن حكومة السنيورة وحلفاءها سمحوا بوصول بعض المساعدات إلى مجموعات سنية متطرفة في شمال لبنان ووادي البقاع وحول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب، حيث تعتبر هذه المجموعات، على الرغم من صغر حجمها، كجدار أمام حزب الله، وفي نفس الوقت يرتبطون فكرياً مع القاعدة.
  وخلال حديث بيني وبينه، إتهم الدبلوماسي السعودي السابق نصرالله بأنه يسعى "لإختطاف الدولة"، إلا أنه عارض الرعاية اللبنانية السعودية للجهاديين في لبنان. "السلفيون مرضى وكريهون، وأنا أعارض جداً فكرة مغازلتهم". وأضاف: "هم يكرهون الشيعة، إلا أنهم يكرهون الأميركيين أكثر. وإذا حاولت التذاكي عليهم، سيتذاكون علينا. وسيكون الأمر بشعاً جداً".
وقال لي ألستير كروك  Alastair Crooke، الذي قضى ما يقارب الثلاثين عاماً في جهاز الإستخبارات البريطاني إم أي 6، ويعمل الأن لصالح منتدى النزاعات، المنتدى الفكري في بيروت: "تفسح الحكومة اللبنانية المجال أمام هؤلاء الأشخاص للدخول. وهذا قد يكون خطيراً جداً". وأضاف كروك إن إحدى الجماعات السنية المتطرفة، فتح الإسلام، إنشقت عن جماعتها الأم الحليفة لسوريا، فتح الإنتفاضة، في مخيم "نهر البارد" للاجئين في شمال لبنان. ولا يتعدى عدد أعضائها المئتي شخص. وقال كروك: "علمت  أنه تم تزويدهم بالسلاح والمال خلال أربع وعشرين ساعة من قبل أشخاص قدموا أنفسهم كممثلين لمصالح الحكومة اللبنانية ".
  وتأسست أكبر هذه الجماعات، عصبة الأنصار، في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. وتتلقى عصبة الأنصار الأسلحة والإمدادات من قوات الأمن الداخلي اللبناني ومليشيات تعمل مع حكومة السنيورة.
  في عام 2005، ووفقاً لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، ومقرها الولايات المتحدة، فإن سعد الحريري، زعيم الأكثرية السنية في مجلس النواب اللبناني ونجل رئيس الوزراء السابق المغدور، الذي ورث أكثر من أربعة مليارات دولار أميركي بعد أغتيال والده- دفع مبلغ ثمانية وأربعين الف دولار كفالة لأربعة من أعضاء المجموعة الإسلامية المسلحة من منطقة "المنية" . وكان قد تم إعتقال الرجال لمحاولتهم تأسيس جمهورية إسلامية مصغرة في شمال لبنان. وأشارت مجموعة الأزمات إلى أن معظم المسلحين "تم تدريبهم في مخيمات القاعدة في أفغانستان".
  ووفقاً لتقرير مجموعة الأزمات فإن سعد الحريري استخدم أكثريته البرلمانية لإطلاق سراح إثنين وعشرين من إسلامي المنية، وسبعة مسلحين يشتبه بتورطهم في التخطيط لتفجير سفارتي أيطاليا وأوكرانيا في بيروت العام الماضي. (كما رتب العفو عن سمير جعجع، قائد المليشيات المسيحيه المارونيه، والذي كان قد ادين بأربعة من الاغتيالات السياسية، بما في ذلك اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي عام 1987). وكان الحريري قد وصف للصحفيين تحركاته هذه بالإنسانية.
   وأكد مسؤول كبير في حكومة السنيورة، خلال مقابلة جرت في بيروت، أن هناك جهاديين سنة يعملون داخل لبنان. وقال: "لدينا سلوك ليبرالي يسمح للجماعات من نوع القاعدة بالظهور هنا". وربط هذا الأمر بالقلق من إيران أو سوريا التي قد تقرر تحويل لبنان إلى "مسرح للصراع".
  وقال المسؤول إن حكومته في وضع لا تحسد عليه. وبدون وجود حل سياسي مع حزب الله فإن لبنان قد "ينزلق إلى لجة الصراع"، إذ قد تقود مواجهة مفتوحة بين حزب الله والقوات السنية إلى عواقب مرعبة. ولكن لو وافق حزب الله على تسوية تسمح له بالإبقاء على سلاحه والتحالف مع إيران وسوريا فإن "لبنان قد يصبح مستهدفاً. ففي كلتا الحالتين، نحن مستهدفون".
  إلا أن إدارة بوش تصور دعمها لحكومة السنيورة على أنه مثال على إيمان الرئيس في الديمقراطية ورغبته في منع تدخل دول أخرى في لبنان. عندما قاد حزب الله المظاهرات في شوارع بيروت خلال كانون أول / ديسمبر، وصفهم جون بولتون، مندوب الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة، بـأنهم "جزء من الإنقلاب الإيراني السوري".
  وقالت ليزلي غيلب Leslie H. Gelb، الرئيسة السابقة لمجلس العلاقات الخارجية، إن سياسة الإدارة الأميركية كانت تميل بشكل أقل  إلى الديمقراطية من ميلها للأمن القومي. وفي الواقع سيكون خطيراً جداً لو حكم حزب الله لبنان. وأضافت: "سيتم رؤية فشل حكومة السنيورة كعلامة في الشرق الأوسط على انحطاط  الولايات المتحدة وصعود تهديد الإرهاب. ولذلك يجب على ا لولايات المتحدة معارضة أي تغير في توزيع السلطة السياسية في لبنان- ونحن مرتاحون لمساعدة أي أحزاب غير شيعية تعارض هذا التغيير. علينا ان نقول ذلك علنا، بدلا من الكلام عن الديمقراطيه".
   ويقول مارتن إنديك، من مركز سابان، على كل حال، فإن الولايات المتحدة "ليس لديها القدر الكافي من العزم لوقف المعتدلين في لبنان عن التعامل مع المتطرفين". وأضاف: "يرى الرئيس ( جورج بوش) المنطقة منقسمة بين معتدلين ومتطرفين، إلا ان اصدقاءنا الإقليميين يرونها مقسمة بين سنة وشيعة. والسنة الذين نراهم متطرفين ينظر اليهم حلفاؤنا السنة، ببساطة، كسنّة وحسب ".
  في كانون الثاني / يناير، وفي أعقاب موجة العنف التي شهدتها شوارع بيروت وشارك فيها أتباع من حكومة السنيورة وحزب الله، طار الأمير بندر إلى طهران لمناقشة المأزق السياسي في لبنان والتقى بعلي لاريجاني، كبير المفاوضيين للشؤون النووية. ووفقاً لسفير شرق أوسطي، فإن مهمة بندر- التي قال السفير إنها تمت بمباركة البيت الأبيض-  هدفت أيضاً إلى "خلق مشاكل بين الإيرانيين وسوريا". حيث كان هناك توتر بين الدولتين حول محادثات السوريين مع إسرائيل، وكان الهدف السعودي هو تشجيع الإختلاف. إلا ان السفير قال: "لم تنجح المحاولة. ولن تقوم إيران وسوريا بخيانة بعضهما بعضاً. ولم يحقق بندر طموحه".
  وهاجم وليد جنبلاط، زعيم الاقلية الدرزية في لبنان، والداعم القوي للسنيورة، نصرالله ونعته بالعميل السوري، وكان يخبر الصحفيين الأجانب بصورة متكررة أن حزب الله تحت السيطرة المباشرة للقيادة الروحية في إيران. وفي حوار معي شهر كانون أول / ديسمبر الماضي، وصف الرئيس السوري، بشار الأسد ب"القاتل المتسلسل". وأضاف إن نصرالله بسبب دعمه لسوريا هو  "مذنب معنوياً" في جريمة إغتيال رفيق الحريري ومقتل بيار الجميل، الوزير في حكومة السنيورة، والتي تمت شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي.
 وأخبرني جنبلاط، آنذاك أنه إلتقى مع نائب الرئيس تشيني في واشنطن الخريف الماضي لمناقشة، من بين مواضيع أخرى، إمكانية إضعاف الأسد. وقال إنه وزملاءه نصحوا تشيني بأنه أذا ما أرادت الولايات المتحدة التحرك ضد سوريا، فإن أعضاء الأخوان المسلمين السوريين سيكونون الطرف "الذي يجب التحدث معه".
  وحركة الأخوان المسلمون السورية، وهي فرع للحركة السنية المتطرفة التي أسست في مصر عام 1928، متورطة بأعمال عنف استمرت أكثر من عقد خلال معارضتها لنظام حافظ الأسد، والد بشار. وفي عام 1982، سيطر الأخوان على مدينة حماه، حيث قام الأسد بإمطار المدينة بالقنابل لمدة أسبوع، مما أدى إلى مقتل ما بين ستة الاف وعشرين ألف شخص. وتصل عقوبة  الإنتماء للأخوان المسلمين في سوريا إلى الإعدام . ويُعتبر الأخوان المسلمون عدواً للولايات المتحدة وإسرائيل. وقال جنبلاط: "قلنا لتشيني إن أساس العلاقات بين إيران ولبنان هو سوريا- ولإضعاف إيران تحتاج لفتح باب لتفعيل المعارضة السورية".
  وهناك أدلة على ان الأخوان المسلمين ( السوريين) قد إستفادوا من  إستراتيجية "إعادة التوجيه" للإدارة الأميركية. فتم تأسيس "جبهة الخلاص" السورية وهي عبارة عن تحالف من جماعات معارضة رئيسية يتزعمه  الأخوان وعبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري الذي فر عام 2005. وأخبرني ضابظ سابق رفيع المستوى في السي أي إيه "إن الامريكيين قدموا كل الدعم السياسي والمالي. أخذ السعوديون زمام المبادرة والدعم المالي، إلا أنه كان هناك مشاركة امريكيه". وقال إن خدام، الذي يعيش حاليا في باريس، كان يحصل على اموال سعودية، بعلم البيت الابيض. (وفقا لتقارير صحيفة، قام وفد من اعضاء الجبهة، في عام 2005، بالاجتماع مع مسؤولين من مجلس الامن القومي). وقال لي مسؤول سابق في البيت الابيض إن السعوديين زودوا اعضاء الجبهة بوثائق السفر.
وقال جنبلاط إنه يتفهم أن الموضوع كان حساساً بالنسبة للبيت الأبيض. وأضاف: "أخبرت تشيني أن بعض الأشخاص في العالم العربي ـ  وبصورة رئيسية المصريين و زعماء السنة المعتدلين  الذين كانوا يقاتلون حركة الأخوان المسلمين المصريين لعقود- لن يرحبوا بأي مساعدة أميركية للأخوان. إلا انه إذا لم ترغب بالتحرك ضد سوريا، سنكون وجها لوجه مع حزب الله في لبنان في فترة معركه طويلة، ونحن قد لا نفوز بها".
الشـيخ
   في ليلة دافئة وصافية مطلع كانون الأول / ديسمبر الماضي، وفي الضاحية  الواقعة على بعد بضعة أميال جنوب مركز مدينة بيروت، والتي أشبعت قصفا ( خلال الحرب الأخيرة ) توصلت إلى تصور مسبق حول الإستراتيجية الجديدة للإدارة الأميركية التي يمكن أن تقوم بها في لبنان.
     وافق الشيخ حسن نصر الله، زعيم حزب الله الذى كان مختبئا، على المقابلة. وجرت الترتيبات الأمنية للقاء بشكل سري وعلى مراحل . وضعت في المقعد الخلفي لسيارة سوداء قادتني إلى مرآب مدمر تحت الأرض في مكان ما من بيروت، وتم تفتيشي بواسطة أجهزة مسح ( إلكترونية ) يدوية ( من النوع الذي يستخدم في المطارات)، قبل نقلي إلى سيارة أخرى لتقودني إلى مرآب آخر مدمر تحت الأرض.  ثم نقلت مرة أخرى. في الصيف الماضي، تناقلت الأخبار أن إسرائيل تحاول اغتيال حسن نصرالله، إلا أن الإجراءات الوقائية الإستثنائية كانت تحول دون تحقيق هذا الخطر. وأخبرني مساعدو نصرالله أنهم يعتقدون أنه هدف أول لمواطنين عرب، ولا سيما  عناصر وكالة الإستخبارات الأردنية، إلى جانب الجهاديين السنة الذين يعتقد أنهم من أتباع القاعدة. (وقال مستشار الحكومة ( اللبنانية ؟) والجنرال المتقاعد ذو النجمات الأربعة، إن الإستخبارات الأردنية، بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، حاولت التسلل إلى المجموعات الشيعية والعمل ضد حزب الله. وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد حذر من أن الحكومة الشيعية في العراق والمقربة من إيران قد تقود إلى ظهور الهلال الشيعي).  وهنا يظهر شيئ من المفارقة: خلال حربه مع إسرائيل الصيف الماضي تحول نصرالله - الشيعي- إلى الشخصية الأكثر شعبية وتأثيراً بين السنة والشيعة في المنطقة. وخلال الأشهر الماضية، ترسخت صورته بين السنة ليس كرمز للوحدة العربية بل كمشارك في حرب طائفية. 
  كان نصرالله ينتظرني، لابساً كالعادة زيه الديني، في شقة بسيطة. أخبرني أحد مستشاريه، أنه لا يبقى في العادة هناك طوال الليل، وهو في تنقل متواصل منذ إتخاذه القرار، في تموز / يوليو، بتوجيه الأمر بإختطاف الجنديين الإسرائيليين خلال غارة على الحدود والذي قاد إلى حرب الثلاثة وثلاثين يوماً. وأعلن نصرالله حينها- كما كرر لي- أنه أساء تقدير رد الفعل الإسرائيلي. وقال: "كنا نريد إختطاف أسرى لتنفيذ عملية مبادلة فقط". "ولم نكن نريد أبداً إدخال المنطقة في حرب".
 واتهم نصرالله إدارة بوش بالعمل مع إسرائيل لإثارة الفتنة بين المسلمين. "في إعتقادي، أن هناك حملة كبيرة عبر الإعلام المنقول عبر العالم  أجمع لتجعل كل طرف في مواجهة الأخر". وأضاف: "أعتقد أن كل هذا الأمر يدار من قبل الإستخبارات الأميركية والأسرائيلية". (ولم يقدم أي دليل محدد حول ذلك). وقال إن حرب الولايات المتحدة في العراق زادت من التوتر الطائفي، إلا أنه شدد على أن حزب الله حاول منعهم من نقل هذا التوتر إلى لبنان. (ازدادات المواجهات السنية - الشيعية، بالتزامن مع أعمال العنف خلال الأسابيع الماضية بعد محادثتنا هذه).
وقال نصرالله إنه يعتقد أن هدف الرئيس بوش هو "رسم خارطة جديدة للمنطقة. يريدون تقسيم العراق. العراق ليس على حافة حرب أهلية- هو يعيش حرب أهلية. هناك عمليات تطهير عرقي ومذهبي. عمليات القتل اليومي والتشريد التي تحصل في العراق تهدف الى تقسيمه إلى  ثلاثة أجزاء وفقاً للطائفية والعرقية. وفي غضون سنة او سنتين على الاكثر، سيكون هناك مناطق سنية بالكامل، مناطق شيعية بالكامل ومناطق كردية بالكامل. وحتى في بغداد، هناك خشية من أن تقسم إلى منطقتين، واحدة للسنة وأخرى للشيعة".
وأكمل: "يمكنني القول إن الرئيس بوش يكذب عندما يقول إنه لا يريد تقسيم العراق. فكل الحقائق الحاصلة الآن على الأرض تجعلك تشعر أنه يقود العراق إلى التقسيم. وسيأتي يوم يقول فيه: "لا أستيطع فعل شيء، طالما أن العراقيين يريدون تقسيم دولتهم وأنا أحقق رغبات الشعب العراقي".
وقال نصرالله إنه يعتقد أن أميركا تريد تقسيم لبنان وسوريا. ففي سوريا، يقول نصرالله، ستدفع البلد " إلى الفوضى والحرب الداخلية كما في العراق". أما في لبنان "سيكون هناك دولة سنية ودولة علوية ودولة مسيحية ودولة درزية". ويضيف" لكن لا أدري ما إذا  ستكون هناك دولة شيعية". وأخبرني نصرالله أنه يشك بأن أحد أهداف الهجوم الإسرائيلي على لبنان الصيف الماضي كان تدمير المناطق الشيعية وتهجير الشيعة من لبنان. كانت الفكرة هو جعل الشيعة يتدفقون من لبنان وسوريا إلى جنوب العراق" المسيطر عليه من قبل الشيعة. قال لي: "لست متأكداً ولكنني أشتم رائحة ذلك".
  وأضاف إ ن التقسيم سيترك إسرائيل محاطة بـ"دويلات ضغيرة هادئة" وقال: "يمكنني التأكيد لك أنه سيتم تقسيم المملكة السعودية أيضاً، وأن الأمر سيصل لدول شمال أفريقيا كذلك. سيكون هناك دول دينية وعرقية صغيرة". وأكمل: "بكلمات أخرى، ستكون إسرائيل الدولة الأكثر أهمية والأقوى في المنطقة التي تم تقسيمها إلى دويلات عرقية ودينية ترتبط بإتفاقات مع بعضها البعض. هذا هو الشرق الأوسط الجديد".
    في الواقع إن إدارة بوش ترفض رفضاً قاطعاً الحديث عن تقسيم العراق، وفي تصريحاتها العلنية تقول أن البيت الأبيض يرى مستقبل لبنان في وحدته، مع حظر سلاح حزب الله وممارسته دوراً ثانوياً في الحياة السياسية اللبنانية. وليس هناك أدلة تدعم أقوال نصرالله أن إسرائيل كانت تسعى لتهجير الشيعة إلى جنوب العراق. ورغم ذلك، فإن رؤية نصرالله لنزاع طائفي واسع متورطة فيه الولايات المتحدة، تتفق مع مضمون الإستراتيجية الجديدة للبيت الأبيض.
وخلال المقابلة قدم  نصرالله مبادرات للتهدئة ووعوداً بأن يلتقي مع المشككين من معارضيه. "إذا ما قالت الولايات المتحدة إن المناقشات معنا قد تساعد وتؤثر في تحديد السياسة الأميركية في المنطقة، نحن ليس لدينا إعتراض لإجراء محادثات أو لقاءات". وأضاف: "إلا أنه في حال كانوا يهدفون عبر هذه اللقاءات فرض سياساتهم علينا، فإن ذلك سيكون مضيعة للوقت". وقال أن مسلحي حزب الله لن يعملوا إلا داخل الحدود اللبنانية، عدى حالة تعرضهم لهجوم. وقبل بنزع سلاح الحزب عندما يصبح الجيش اللبناني قادراً على الوقوف وحده. وقال نصرالله إنه ليس لديه اهتمام بدخول حرب أخرى مع إسرائيل. ولكنه أضاف أنه يتوقع هجوما إسرائيليا أخر فى وقت لاحق من هذا العام، وهو مستعد له .
وأصر نصرالله على أن المظاهرات في بيروت ستستمر حتى سقوط حكومة السنيورة أو تلبية طلبات حلفائه السياسيين. وأخبرني: "من الناحية العملية، هذه الحكومة لا يمكنها أن تحكم". وأضاف: "يمكنها إصدار أوامر، ولكن غالبية الشعب اللبناني لن تلتزم ولن تعترف بشرعية هذه الحكومة. بقاء السنيورة في مكتبه هو بسبب الدعم الدولي، ولكن هذا لا يعني أن السنيورة يستطيع أن يحكم لبنان".
ويقول نصرالله إن تكرار إعلان الرئيس بوش دعمه لحكومة السنيورة" يعتبر أفضل خدمة يمكن أن يقدمها للمعارضة اللبنانية، لأنها تضعف موقفهم تجاه الشعب اللبناني والشعوب العربية والإسلامية. يراهنون على أننا سنتعب. لم نتعب خلال الحرب، فكيف سنتعب بالمظاهرات؟"
وهناك إنقسام حاد داخل وخارج إدارة بوش حول أفضل السبل للتعامل مع نصرالله، وما إذا كان، في الواقع، يمكن أن يكون شريكاً في تسوية سياسية. قال مدير الإستخبارات القومية المستقيل جون نيغروبونتي، خلال عرض وداعي قدمه للجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ في كانون الثاني / يناير، إن حزب الله "يوجد في وسط إستراتيجية إيران الإرهابية.... وقد يقرر تنفيذ هجوم ضد المصالح الأميركية في حال شعر أنها ستساعده على البقاء أو أن إيران مهددة.... حزب الله اللبناني يرى نفسه شريكا لطهران".
في عام 2002، وصف ريتشارد أرميتاج، نائب  وزير الخارجية الأميركية آنذاك، حزب الله بأنه " الفريق A " في الإرهاب. وفي مقابلة أجريت مؤخراً قال أرميتاج إن الموضوع أصبح أكثر تعقيداً. وأخبرني أرميتاج، بأن  نصرالله "قوة سياسية ملحوظة، مع دور سياسي يمكن أن يلعبه داخل لبنان، إن هو إختار القيام بذلك". عام 2002، ثم ريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية، الى حزب الله "فريقا" من الارهابيين. وفي مقابلة اجريت مؤخرا ،أقر أرميتاج بان القضية اصبحت اكثر تعقيدا. وفيما يتعلق بالعلاقات العامة والألاعيب السياسية، قال أرميتاج إن نصر الله "هو اذكى رجل في الشرق الاوسط". ولكنه أضاف: على نصرالله "أن يوضح ما إذا كان يريد القيام بدور ملائم مثل المعارضة الموالية. بالنسبة لي ما يزال هناك ديون دموية يجب أن تدفع"، في اشارة إلى قتل العقيد في البحرية الأميركية وقصف القاعدة البحرية في بيروت. 
وكان روبرت باير Robert Baer، عميل السي أي يه السابق في لبنان، شديد النقد لحزب الله وحذر من ارتباطه بالإيرانيين- رعاة الإرهاب. لكنه أخبرني الآن : "جعلنا العرب السنة يتحضرون لصراع قاس وعنيف، والأن نحتاج إلى شخص لحماية المسيحيين في لبنان. وكان الفرنسيون والولايات المتحدة يقومون بذلك، والآن سنذهب إلى نصرالله والشيعة".
ويضيف باير: "أهم قصة في الشرق الأوسط هو نمو نصرالله من رجل شارع لى قائد- من إرهابي إلى رجل دولة". ويكمل: "الكلب الذي لم ينبح هذاالصيف" -خلال الحرب مع إسرائيل- "هو الإرهاب الشيعي". وكان يشير باير من المخاوف التي كانت تثار فيما لو قرر نصرالله، إلى جانب إطلاق الصواريخ على إسرائيل واختطاف جنودها، أن ينفذ موجة من الهجمات الإرهابية على إسرائيل وأهداف أميركية في مختلف أرجاء العالم. "كان بإمكانه سحب البساط. إلا إنه لم يفعل" قال باير.
وتدرك معظم وكالات الإستخبارات والجهات الدبلوماسية بإستمرارية علاقات حزب الله مع إيران. إلا أن هناك خلافا حول المدى الذي قد يضع فيه نصرالله مصالح حزب الله جانباً لمصلحة يران. ووصف ضابط سابق في السي أي إيه وخدم أيضاً في لبنان، نصرالله بـ"الظاهرة اللبنانية" وأضاف: "نعم، هو تلقى دعما من إيران وسوريا، إلا أن حزب الله ذهب إلى أبعد من ذلك". وأخبرني أنه كان هناك فترة في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات عندما كانت محطة السي أي إيه في بيروت تستطيع مراقبة محادثات نصرالله. وصف نصرالله بأنه "قائد فرقة لديه القدرة على صنع صفقات مع فرق أخرى. كانت لديه إتصالات مع الجميع".
إبلاغ الكونغرس
تعتمد إدارة بوش على العمليات السرية التي لم يتم ابلاغ الكونغرس بها وتعاملها مع وسطاء حول أجندة تثار حولها التساؤلات، يطلق عليها البعض في واشنطن، الفصل المبكر في التاريخ. قبل عقدين من الزمان، حاولت إدارة ريغان تمويل صفقة الكونترا في نيكاراغوا بطريقة غير مشروعة، بواسطة بيع أسلحة الى ايران سراً. وكانت الأموال السعودية متورطة في ما أصبح يعرف باسم فضيحه ايران - كونترا، وقلة من اللاعبين قاموا بأدوار في ذلك الوقت - وتحديداً الأمير بندر واليوت ابرامز- متورطون في صفقات اليوم.
وكانت فضيحة إيران - كونترا موضوعاً خلال نقاش "دورس وعبر" عقد قبل عامين بين مشاركين في الفضيحة. وقاد أبرامز النقاش. وتم التوصل إلى إستنتاج واحد وهو أنه حتى ولو كان البرنامج في النهاية قد عرض، إلا أنه كان يمكن تنفيذه دون إيلاغ الكونغرس. وقال مسؤول إستخباراتي سابق رفيع المستوى، إن المشاركين تعلموا من التجربة، ووجدوا أنه في حال القيام بعمليات سرية في المستقبل، يجب الأخذ بعين الاعتبار ما يلي :"أولاً: لا يمكننك أن تثق بأصدقائنا، ثانياً: يجب إخراج السي أي إيه تماماً من العملية. ثالثا ً: لا يمكننك الوثوق بالجيش الرسمي ورابعاً: يجب ان تدار من خارج مكتب نائب الرئيس" - بالإشارة إلى دور تشيني.
وفيما بعد، أخبرني اثنان من مستشاري الحكومة الأميركية ومسؤول إستخباراتي كبير سابق أن أصداء فضيحة إيران - كونترا كانت السبب وراء  قرار نيغروبونتي بالإستقالة من قيادة الإستخبارات القومية والقبول بمنصب ثانوي في الحكومة وهو نائب وزير الخارجية. (ورفض نيغروبونتي التعليق على الموضوع).
وقال المسؤول الإستخباراتي السابق أيضاً إن نيغروبونتي لم يكن يريد تكرار تجربته خلال إدارة ريغان، حيث كان يخدم كسفير لدى الهندوراس. وأضاف: "قال نيغروبونتي "مستحيل. لن أذهب للأسفل مرة أخرى ومجلس الأمن القومي يدير العمليات من خارج الكتب، ودون إذن" ". (في حال القيام بعمليات السي أي إيه، يجب على الرئيس أن يكتب إذناً خطياً ويبلغ الكونغرس). وأضاف إن نيغروبونتي في منصبه كنائب لوزير الخارجية لأنه "يعتقد أنه يمكنه التأثير في الحكومة بطريقة إيجابية".
وقال مستشار الحكومة الأميركية إن نيغروبونتي شارك البيت الأبيض في أهدافه السياسية إلا أنه "يريد أن ينفذها وفق الكتاب". وأخبرني مستشار البنتاغون أيضاً أنه "كان هناك شعور على المستوى الرفيع أنه لم يكن على دراية كاملة بمعظم المغامرات السرية". ويضيف أنه كان صحيحاً أيضاً، أن نيغروبونتي " لديه مشاكل مع سياسة روب جولدبيرغ التي ابتدعت لوضع سياسة جديدة للشرق الأوسط".
وأضاف مستشار البنتاغون إن احدى الصعوبات، من حيث الرقابة، كانت احتساب الأموال السرية. وقال: "هناك الكثير والكثير من المال الأسود متناثر في اماكن عديدة وقد اسستخدم في جميع انحاء العالم في مهمات مختلفة". ووفقاً للمسؤول الإستخباراتي الكبير السابق والجنرال المتقاعد فأن الفوضى التي تسود الميزانية فى العراق، حيث لا يعرف مصير المليارات من الدولارات، أصبحت أداة لتحويلات مماثلة".
وأخبرني مساعد سابق في مجلس الأمن القومي: "هذا يعود إلى فضيحة إيران- كونترا". وأضاف: "معظم ما يقوموا به هو في سبيل إبقاء الوكالة خارج الموضوع". وقال إنه لم يتم إطلاع الكونغرس على تفاصيل مضمون العمليات الأميركية - السعودية" . وأكمل: "السي أي إيه تسأل "ماذا يجري؟" وهم قلقون، لأنهم يعتقدون أنها ساعة ترفيه".
وأصبح الكونغرس يولي اهتماماً أكبر للمراقبة. ففي تشرين ثاني /نوفمبر الماضي، أصدرت وحدة الأبحاث التابعة للكونغرس تقريراً حول ما تصفه الادارة الخط الفاصل بين نشاطات السي أي إيه والنشاطات العسكرية المحضة التي لا تتمتع بنفس شروط الابلاغ. وحددت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، برئاسة السناتور جاي روكفلر، موعداً لجلسة إستماع في الثامن من أذار/ مارس حول النشاطات الإستخبارية لوزارة الدفاع.
وقال لي السناتور الديمقراطي رون وايدن، من أورغون، وعضو لجنة الإستخبارات: "فشلت إدارة بوش بالوفاء بإلتزاماتها القانونية لإبقاء لجنة الإستخبارات على إطلاع كامل ومستمر. ودائماً كان الجواب" ثقوا بنا". ويضيف وايدن: "يصعب علي الوثوق بهذه الإدارة

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/09



كتابة تعليق لموضوع : تحقيق سيمور هيرش: الصفقة بين المخابرات الأمريكية والأخوان المسلمون!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net