صفحة الكاتب : علي بدوان

فلسطيني سوري
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كان يوم الخامس عشر من يوليو 2012 يومًا مشهودًا في مخيم اليرموك الفلسطيني جنوب العاصمة دمشق. ففيه ارتقت وارتفعت وسمت من جديد قيم العطاء العليا، وارتقت معها قيم الوطنية الصافية التي ربطت بين الشعبين الشقيقين السوري والفلسطيني.

مخيم اليرموك هب بشيبه وشبانه وفتح صدره وقلبه لإخوته السوريين الذين وجدوا في مخيم اليرموك وبالفلسطينيين الملجأ الآمن في لحظات صعبة وعسيرة كانت فيها قوات الجيش العربي السوري تقوم بحملة عسكرية واسعة النطاق أثناء ملاحقة ما بات يعرف بمجموعات "الجيش السوري الحر" في مناطق وأحياء الميدان والقاعة، والتضامن والزهور (دف الشوك) والحجر الأسود والعسالي والقدم، وهي أحياء شعبية سورية تحيط بمخيم اليرموك من جميع الجوانب.
وخلال اللحظات الأولى من العملية العسكرية التي قام بها الجيش العربي السوري، أطلقت كميات هائلة من الطلقات النارية في الهواء، والقنابل الصوتية المرعبة، وهو أمر معروف لدى قيام أي جيش بمداهمات معينة.
إطلاق النار الكثيف كان معظمه في الهواء، إلا أن ما أحدثه من إرباك وهلع كان هائلًا، دفع بسكان حي التضامن بشكل خاص، وهو الحي الملاصق في الجوار الشرقي لمخيم اليرموك وعلى امتداد ما يعرف بشارع فلسطين أو اصطلاحًا (مخيم فلسطين)، دفع بمعظم سكان ذلك الحي للنزوح باتجاه مخيم اليرموك، فوجد أبناء حي التضامن قلبًا حنونًا وصدرًا واسعًا دافئًا كان هو صدر وقلب إخوانهم وأشقائهم من أبناء مخيم اليرموك الفلسطيني.
حي التضامن، حي شعبي، مكتظ السكان، ينتمي أهله لمناطق مختلفة من سوريا، ومن طوائف مختلفة، ففيه موزاييك المجتمع السوري من أبناء جبل العرب والسويداء ومن أبناء الساحل، ومن أبناء الجولان وحوران ودير الزور وإدلب، والبعض القليل جدًّا من المواطنين الفلسطينيين من المقيمين في سوريا منذ عام النكبة.
أهالي مخيم اليرموك اقتسموا طعامهم وماءهم وحاجياتهم مع إخوتهم السوريين النازحين للمخيم، إليهم جميعًا، دون التفات إلى منطق الطوائف المقيت.
أصحاب السيارات يجوبون شوارع المخيم وينادون لنقتسم أغراضنا مع إخوتنا.
الفتية الصغار يسرعون إلى المدارس والجوامع ويقدمون الماء البارد للنازحين.
الشباب يحملون الطعام والدواء وحفاضات الأطفال ليساعدوا إخوتهم.
لجان شعبية تشكلت للتو من بين المئات والمئات من شباب المخيم الذين هرعوا من أجل إخوتهم السوريين، عاملة في كل حارة من حارات المخيم لتساعد إخوتهم القادمين للمخيم.
لجان شعبية عفوية تنظم السير، ولجان شعبية تنظم الحياة والإقامة المؤقتة لأبناء الأحياء النازحة للمخيم في مدارس الأونروا، وتنظم مناوباتها لخدمة إخواننا السوريين، أشقائنا في الدرب والمصير، وفي الطريق إلى فلسطين.
مخيم اليرموك، مستشفياته ومستوصفاته، ومدارس وكالة الأونروا نقاط الإخلاء، والإسعاف والدواء للجميع، للعسكر والعسكر، ولغيرهم ولغيرهم، ولجميع المواطنين...
عند هامةِ البطولة والنَّخوة والشَّهامة يتربَّع فلسطينيو سوريا، سوريو فلسطين، أبناء مخيَّم اليرموك... والسوريون بجميع ألوانهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية في "اللامعارضة والمعارضة" يقولون وبصوتهم العالي "يسعد رب الفلسطينية" ..
وعند هامة وقامة مخيم اليرموك سقط شهيد جديد في اليوم إياه، الشهيد حموده أبو راشد من طيرة حيفا، وهو يساعد في إنقاذ مواطن سوري قادم من حي التضامن، أصيب برصاصات طائشة...
شوارع مخيم اليرموك العريضة، وزواريبه الصغيرة تحتضن القادمين من الأحياء المحيطة به من أشقائنا وأحبابنا السوريين، بدفءِ قلوب العاشقين وحنانِ عيون الأمهات، كما احتضنتنا سوريا وشعبها عام نكبتنا..
مخيم اليرموك يهب لنجدة إخوانه السوريين كل السوريين كما سبقهم مخيم العائدين في حمص الذي تحول إلى ملاذ لكل السوريين في ظل الأزمة الوطنية الكبيرة التي تعانيها سوريا..
في مخيم اليرموك، يُدون ويُسطر الآن موقف إيجابي سامٍ وطني وقومي وأخلاقي، يكتبه ويرسمه "فلسطينيو سوريا ـ سوريو فلسطين" وعنوانه "أن سلامة سوريا وسلامة أرضها ووحدتها وسلامة شعبها من سلامتنا وسلامة فلسطين".
في هذا السياق، الفلسطيني بعيد جدا عن الاستهداف في سوريا بعد الأرض عن السماء، فالمصير واحد، والشعب بالأساس واحد، لا يفرقه الثنائي اللعين "سايكس ـ بيكو" حتى وإن ادلهمت الظروف والوقائع...
إن الموقف الوطني الفلسطيني، موقف الإجماع الوطني العام، كرره اليوم الفلسطينيون في سوريا، البلد الذي عاشوا على أرضه منذ نكبة فلسطين، وقالوه وبالفم الملآن "إنه موقف الحياد الإيجابي"، موقف أصيل ينطلق من فقه المصالح الوطنية والقومية لشعبينا، الشعب الواحد...
الفلسطينيون في سوريا، كانوا وما زالوا اليد الإيجابية في سوريا ولكل شعبها وأهلها، ولموقفها الوطني والقومي، ولاحتضانها هذا الجزء الهام من الشعب الفلسطيني، حيث يوجد في سوريا الآن أكثر من ستمئة وخمسين ألف فلسطيني، منهم أكثر من نصف مليون مسجل منذ العام 1948 ويحملون هوية "فلسطيني سوري"...
مخيم اليرموك، وشعبه الفلسطيني المنكوب منذ العام 1948، يعي ما جرى، متعلمًا ومتسلحًا من تجربته الذاتية ومرارة حياته ...
على جدران مخيم اليرموك يرسم أبناء اليرموك مآسيهم منذ دراما النكبة واللجوء، ويؤرِّخون على الجدران خربشاتُ اللُّجوء وملصقات الشهداء، حبّ الأرض التي نستحقُّ من أجلها الحياة ...
جدران المخيم، تدمع العين عند التحليق عليها، من أربعة وستين عامًا على فلسطين، الوطن الأزلي لنا مهما طال الزمن وتعقدت الظروف وازدادت المصاعب والالتواءات..
على جدران المخيم، مخيم اليرموك، وكل مخيم وتجمع فلسطيني على أرض سوريا، يكتبون، مسيرة الكفاح، منذ رصاصات الثورة الأولى ...
مخيم اليرموك، فيه من المثقفين ما يملأ سوريا وفلسطين، وفيه من نشاط ثقافي ومعرفي ما يفوق النشاط الثقافي في عموم سوريا... أشقيائه، أو زعرانه، فيهم من النخوة والشهامة ما يجعل هذا المصطلح لديهم غير ما لدى الآخرين..
أنا "فلسطيني سوري" من أبناء مخيم اليرموك، الذين كانوا وما زالوا وقودًا فجَّر ثورة الفتح وشهيدها الأول أحمد موسى الدلكي ومعسكرها الأول في هامة الشام، وفجَّر انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وشهيدها الأول ابن مخيم اليرموك خالد أبو عيشة، وشهيد الجبهة الشعبية/القيادة العامة الأول خالد الأمين، وشهيد جبهة التحرير العربية الأول نصر الغوري، وشهيد الصاعقة الأول، وشهيد منظمة فلسطين العربية الأول، وشهيد الهيئة العاملة الأول، ومنظمة فلسطين العربية ... الخ.
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/02



كتابة تعليق لموضوع : فلسطيني سوري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net