ضرر الفساد في أمثلة (وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها) (ح 22)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لجنة مراقبة من نقابة الأطباء تستلم رشاوي من أطباء لغض النظر في شراء وصفة طبية لمريض من صيدليات محددة فيها أدوية اسمائها لم تتوفر بصيدليات اخرى وتؤدي نفس الغرض، مما يضطر المريض في شرائها بأسعار ثلاثة أضعاف أدوية مشابهة تؤدي نفس الغرض. وجد أن معدل مبلغ كل وصفة طبية 50 دولار في الصيدليات العادية فيها أدوية مشابهة. بعد التدقيق وجد أن عدد الوصفات الطبية نحو 20 ألف وصفة صدرت من الأطباء الفاسدين. كم المبلغ المطلوب لو تم شراء الادوية بالاسعار العادية. وكم مجمل المبلغ الذي خسره المرضى نتيجة شرائهم الادوية من الصيدليات الفاسدة التي اتفقت مع الأطباء الفاسدين؟ وكم حصلت لجنة مراقبة الأطباء الفاسدة مع العلم أن مبلغ الرشوة المتفق عليها عشر مبلغ الاختلاس؟
قال الله جل جلاله "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة 205) جاء في مجلة المصطفى عن صفات من لا يحبهم الله للخطيب مصطفى ال مرهون: ذلك أن كل هذه الاُمور من صفات المنافقين الذين إذا حكموا في الأرض، أهلكوا الحرث والنسل، وأشاعوا الظلم، وعرضوا الناس للخطر بالاعتداء عليهم وعلى أموآلهم.
المبلغ المطلوب بدون توصية شراء أدوية من صيدليات محددة = 20000 وصفة × 50 دولار لكل وصفة = 1 مليون دولار. مبلغ شراء الادوية من صيدليات محددة من قبل الأطباء = 3 × 1 مليون = 3 مليون دولار. مبلغ الاختلاس = 3 -1 = 2 مليون دولار. لجنة المراقبة في نقابة الاطباء حصلت عشر المبلغ المختلس = 2 مليون دولار × 1/10 = 200 ألف دولار.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة 205) (الخ) التولي هو تملك الولاية والسلطان، ويؤيده قوله تعالى في الآية التالية: أخذته العزة بالاثم، الدال على ان له عزة مكتسبة بالإثم الذي يأثم به قلبه غير الموافق للسانه، والسعي هو العمل والاسراع في المشي، فالمعنى وإذا تمكن هذا المنافق الشديد الخصومة من العمل وأوتي سلطانا وتولى أمر الناس سعى في الارض ليفسد فيها، ويمكن ان يكون التولي بمعنى الإعراض عن المخاطبة والمواجهة، أي إذا خرج من عندك كانت غيبته مخالفة لحضوره، وتبدل ما كان يظهره من طلب الصلاح والخير إلى السعي في الارض لاجل الفساد والإفساد. قوله تعالى "ويهلك الحرث والنسل" (البقرة 205)، ظاهرة انه بيان لقوله تعالى "ليفسد فيها" (البقرة 205) أي يفسد فيها بإهلاك الحرث والنسل، ولما كان قوام النوع الانساني من حيث الحياة والبقاء بالتغذي والتوليد فهما الركنان القويمان اللذان لا غناء عنهما للنوع في حال: أما التوليد فظاهر، واما التغذي فانما يركن الإنسان فيه إلى الحيوان والنبات، والحيوان يركن إلى النبات، فالنبات هو الأصل و يستحفظ بالحرث وهو تربية النبات، فلذلك علق الفساد على الحرث والنسل فالمعنى أنه يفسد في الأرض بإفناء الإنسان وابادة هذا النوع بإهلاك الحرث والنسل. قوله تعالى "والله لا يحب الفساد" (البقرة 205)، المراد بالفساد ليس ما هو فساد في الكون والوجود (الفساد التكويني) فإن النشأة نشأة الكون والفساد، وعالم التنازع في البقاء ولا كون إلا بفساد، ولا حياة إلا بموت، وهما متعانقان في هذا الوجود الطبيعي في النشأة الطبيعية، وحاشا أن يبغض الله سبحانه ما هو مقدرة وقاضيه. وانما هو الفساد المتعلق بالتشريع فإن الله إنما شرع ما شرعه من الدين ليصلح به أعمال عباده فيصلح أخلاقهم وملكات نفوسهم فيعتدل بذلك حال الإنسانية والجامعة البشرية، وعند ذلك تسعد حياتهم في الدنيا وحياتهم في الآخرة على ما سيجئ بيانه في قوله تعالى "كان الناس أمة واحدة ". فهذا الذي يخالف ظاهر قوله باطن قلبه إذا سعى في الارض بالفساد فإنما يفسد بما ظاهره الاصلاح بتحريف الكلمة عن موضعها، وتغيير حكم الله عما هو عليه، والتصرف في التعاليم الدينية، بما يؤدي إلى فساد الاخلاق واختلاف الكلمة، وفي ذلك موت الدين، وفناء الانسانية، وفساد الدنيا، وقد صدق هذه الآيات ما جرى عليه التاريخ من ولاية رجال وركوبهم أكتاف هذه الامة الاسلامية، وتصرفهم في امر الدين والدنيا بما لم يستعقب للدين إلا وبالا، وللمسلمين الا انحطاطاً، وللامة إلا اختلافا، فلم يلبث الدين حتى صار لعبة لكل لاعب، ولا الانسانية إلا خطفة لكل خاطف، فنتيجة هذا السعي فساد الارض، وذلك بهلاك الدين اولا، وهلاك الانسانية ثانيا، ولهذا فسر قوله ويهلك الحرث والنسل في بعض الروايات بهلاك الدين والانسانية كما سيأتي انشاء الله.
اء في موقع الالوكة الشرعية عن يوم الارض للكاتب محمد ويلالي: فالإسلام يمنع التراميَ على حقِّ الغير مهما كان قليلاً، فقد قال النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم: (مَن اقتَطَع حقَّ امرئٍ مسلم بيَمِينه (أقسم على ذلك)، فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة)، فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: (إن كان قضيبًا من أراك)، مسلم. وقال صلَّى الله عليْه وسلَّم: (لعن الله مَن ذبح لغير الله، ولعن الله مَن سرق مَنار الأرض (علاماتها وحدودها)، ولعن الله مَن لعن والده، ولعن الله مَن آوَى مُحدِثًا)، مسلم. فكيف بالذين يَحتالُون، ويُزَوِّرون، ويَحلِفون كذِبًا، ويُعطون الرشاوى من أجل النصب على الناس، والاعتِداء على حقوقهم؟ هؤلاء هم المُفسِدون في الأرض الذين حذَّر منهم القرآن في غير موضع، يقول تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة 204-205)، قال الزمخشري: "قيل: يُظهِر الظلم حتى يمنع اللهُ بشؤم ظلمه القطرَ، فَيَهلِك الحرثُ والنسلُ". إن الله تعالى سَوَّى لنا الأرض، ويسَّر لنا السيْر عليها لنَعتَبِر بظلم مَن سبَقَنا، قال تعالى: "قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران 137-138)، وقال تعالى:" أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (الروم: 9)، فلا مَجال للتفاخُر بالبِنايات، فإنها إلى زوال، ولا بالقوة، فإنها إلى ضعف، ولا بالغنى، فإنه إلى فقر، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر 15). ولَمَّا أَذِنَ الله عزَّ وجلَّ في هذه الأيام لبركان صغير أن ينشط في أيسلندا، انبَعَثت منه سحابة واحدة غطَّتْ سماء أوربا، وعطَّلت المِلاحَة الجويَّة أسبوعًا، كانت الخسارة فيه قرابة المليارين من الدولارات، "قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا" (المائدة 17).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat