صفحة الكاتب : علي حسين الدهلكي

سوريا بين الإرهاب و الفيتو الروسي .
علي حسين الدهلكي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 منذ بداية سقوط صنم العوجة وظهور بوادر تدخل عدة دول  في الشأن العراقي وما رافق ذلك من تنفيذ لأجندات تلك الدول والتي انصب اغلبها على القيام بأعمال إرهابية راح ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء .
كما تمثل هذا التدخل بدعم المجاميع الإرهابية التي دخلت العراق من مناطق معروفة مع وجود حواضن لتلك المجاميع وفرها لهم بعض أزلام البعث وبعض السياسيين المشاركين بالعملية السياسية المرتبطين بالقاعدة .
وكانت أكثر الدول وضوحا في تدخلاتها بالشأن العراقي السعودية ثم قطر ثم سوريا ودخلت فيما بعد على الخط تركيا .
ولعلنا هنا لا نريد الحديث إلا على سوريا ، حيث لعب نظام بشار الأسد دوراً محوريا هاما ًعندما قام باستقطاب أزلام البعث الموغلين بإراقة الدم العراقي وامتناعه عن تسليمهم للسلطات العراقية لإحالتهم إلى القضاء ليقرر مصيرهم 
كما قدم النظام السوري الدعم المادي واللوجستي للقواعد الإرهابية وزمر البعث التي ارتكبت أبشع الجرائم ولعل جريمة الخارجية واحدة منها.
ووقتها قلنا إن ما يقوم به النظام السوري سينقلب عليه وستكون المجاميع الإرهابية التي يدعمها ويمولها ويدربها النظام هي نفسها من ستطيح بالأسد ، ووقتها لاقى كلامنا هذا استخفافا من الإعلام السوري والسلطة السورية.
و كان النظام السوري يراهن على نفس ما راهن عليه المقبور صدام يوم ظن إن الأجهزة الأمنية بكافة تشعباتها ستحميه من السقوط دون أن يفكر بالاعتماد على الشعب لحمايته .
لقد شكل النظام السوري خطراً على ثلاث جهات :
 أولها : حكام الخليج الذين وجدوا فيه  امتدادا للخطر الإيراني بحكم كونه حليفا إستراتيجيا لإيران الإسلامية التي كان يرى فيها الخليج والأردن رأس الهلال الشيعي المرعب ، بالإضافة إلى إن النظام السوري كان عامل فشل للسياسة الخليجية في لبنان 
والجهة الثانية : التي يقلقها النظام السوري هي إسرائيل التي ترى في تعاضده مع إيران من جهة وحزب الله  ألد أعداء إسرائيل من جهة أخرى مصدر خطر جسيم يهدد الوجود الإسرائيلي.
والجهة الثالثة : هي أمريكا التي ترى أيضا وبقلق بالغ تحالف الأسد مع إيران تحالفاً يصب ضد مصالحها الاستيراتيجية في الشرق الأوسط  وتكوين عالم شرق أوسطي يخضع تماما للإرادة الأمريكية وبالتالي يخضع بصورة أو بأخرى إلى إسرائيل ،هذا من جهة ومن جهة أخرى مازالت سورية هي النافذة الوحيدة التي تطل منها روسيا على الشرق الأوسط .
وهذا القول لا يعطي صفة الوطنية للأسد ونظامه لكونه نظاما ديكتاتوريا شموليا استبدادياً .
وبالعودة إلى سوريا نجدها لحد اللحظة تعتمد في تسليحها على الروس بل هي اكبر مستورد للسلاح الروسي في الشرق الأوسط  ، وتعتمد سوريا علي ثلاث دول في حصولها علي الاسلحه، حيث تعتبر روسيا هي المورد الرئيسي بنسبه وصلت إلي 78% من واردات الاسلحه السورية بين عامي 2001 و2007، تليها روسيا البيضاء 7% ، ثم إيران التي تستورد منها دمشق 5% من أسلحتها وفق ما أعلنه معهد ستوكهولم لبحوث السلام.
ولذلك فان موقف الروس من الأحداث السورية يعد موقفا اقتصاديا قبل أن يكون موقفا سياسياً ، ولعل هذا الأمر يعطي الحق لروسيا بالدفاع عن مصالحها الاقتصادية لان أي تدهور في الوضع السوري وبالذات شخص الرئيس بشار الأسد يعني إن روسيا خسرت ما يقارب الـ 17،3% من وارداتها الاقتصادية وهذا الرقم هو رقماً مرعبا قياساً بالخسائر الاقتصادية .
ولكن ما يخشى منه بالنسبة للسياسة الروسية إنها تنظر لمصالحها أولاً حالها حال السياسة الأمريكية ، وهذا يضعنا أمام احتمال أن تجري صفقة كبيرة بين أمريكا والدول الأوربية من جهة ، وبين روسيا من جهة أخرى ، يتم بموجبها سحب يد روسيا من الأسد مقابل الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة كما حدث مع صدام والقذافي ، ولعل الوقت لم يحن إلى ألان لعقد تلك الصفقة ولكنها تبقى امرا وارداً ومتوقعاً .
ولكن هذه المرة سيكون الروس هم الرابح الأكبر في أي صفقة يعقدونها مع أمريكا والاتحاد الأوربي لان ما ستخسره في سوريا سيكون اكبر بكثير مما خسرته في العراق وليبيا ، خاصة إذا ما وضعنا في حساباتنا الموافقة المبدئية لحكام الخليج على طلبات الروس مقابل خلاصهم من الأسد وتوجيه ضربة موجعة لإيران وحزب الله.
 
 وهذا ما يجعل الحسابات الروسية أن تأخذ بنظر الاعتبار حجم الضرر الذي سيلحق بإيران في حال عقدت أي صفقة لان الروس لا يمكن أن يخسروا  إيران تحت أي ظرف كان ، ولربما تتفق الأطراف بعد أن تأخذ الأحداث منحى أخر في سوريا خاصة مع استمرار المعارك لفترة طويلة والتي قد تدفع بسوريا إلى وضع لا يمكن لها أن تنهض منه مجدداً إلا بعد قرن ، عندها قد يصار إلى نفس الخيار الذي تم فيه تنحى الرئيس اليمني مع وجود ضمانات للأسد وعائلته ولربما يقبل الأسد بهذا الخيار مرغما .
وستبقى روسيا ضد أن يكون الحكم في سوريا بيد الإسلاميين الذين استطاعوا الوصول إلى الحكم في ليبيا ومصر وتونس لان سوريا وموقعها يختلف عن تلك الدول ، فوصول الإسلاميين إلى سوريا يعني احتمالية قيام نزاعات وتوترات بينها وبين إيران أو العراق على الرغم من إن حظوظ العراق قد تكون متساوية مع إيران في عداء الإسلاميين لحكومتيهما الشيعية خاصة وان هاتين الدولتين تحيط بهما أطراف معادية لهما تتمثل بالخليج وتركيا .
أما الاحتمال الأخر فهو أن تصاب القوات المعارضة للأسد بانتكاسات نتيجة تخبط قياداتها وعزوف بعض الدول عن تمويلها الأمر الذي يدفع بأطراف المعارضة للجوء إلى أسلوب المعارضة السياسية والحصول على بعض المكاسب  الفئوية والطائفية والحزبية  وهذا الاحتمال بوادره ضعيفة أو متلاشية حالياً .
ومما يجب الإشارة إليه إن سقوط النظام السوري وانهياره سيتم نتيجة الخيانة المستمرة لقادته ، ولو حدث الانهيار وسقط النظام تحت نيران ما يسمى بالجيش الحر الذي تغلغلت في أوصاله مجاميع إرهابية  فان هذه النيران سيمتد لهيبها إلى عدة دول قد يكون العراق إحداها ولبنان وإيران.
 بالإضافة إلى إن هذه المجاميع ستتسلق على ظهر الجيش الحر وتستولي على كل مقاليد الأمور في الحكم كما فعلته في ليبيا ومصر وتونس  .
وبعد سقوط الأسد سوف تكون عدة دول تحت المرمى الإرهابي بما فيها الدول التي أسست لقواعد ذلك الإرهاب وأولها السعودية التي ينتظرها مصير غامض نتيجة أحداث القطيف وصراع العائلة المالكة على السلطة .
 ولو حدث هذا الأمر فان البحرين ستسقط لا محالة بيد شيعة البحرين في محاولة من إيران لإعادة التوازن الإقليمي ولربما ستصطف روسيا مع إيران في فعلها آنذاك يساندها بعض الدول التي تربطها بإيران علاقات مصيرية
ولربما سيعمد حزب الله إلى تمديد نشاطه خارج حدوده الوطنية ليشارك في زعزعة الأوضاع في الخليج إذا ما تعرضت إيران لأي مساس بأمنها الوطني والقومي ووقتها يصبح الخليج الذي كان يطمح بزعامات سنية متشددة في الدول العربية تحت رحمة الحكومات الشيعية التي لا تقل باساً وقتالاً وخبرة في مواجهة الخط السلفي المتشدد .
ويخطأ حكام الخليج عندما يراهنوا على أمريكا وإسرائيل التي لم تدخل اللعبة مباشرة بل عن طريق أذنابها في قطر والخليج بمحاربة إيران ومحاولة إضعافها لان إيران تمتلك من الإمكانات المالية والاقتصادية والبشرية والعسكرية ما تستطيع به أن تغرق دول  الخليج جميعاً بإشارة في إصبعها الصغير .
 وأساس الخطأ في تصور حكام الخليج تجاه إيران مبنى على أساس إن أمريكا لو كانت تقدر على حلحلة الأوضاع في إيران لما ترددت ثانية واحدة بذلك ، ولكنها تدرك إنها تلعب في الوقت الضائع من الشوط الأخير لمباراتها في الشرق الأوسط .
ثم على حكام الخليج أن لا تأخذهم العزة بالغرور ويتصوروا إنهم امتلكوا مفاتيح التغيير بالوطن العربي وعليهم أن يتوقفوا أمام إيران كثيرا وهذه نصيحة لمن لا يقبل النصح .
أما سوريا  اليوم فإنها أصبحت وفي ظل هذه الأوضاع بين مطرقة الإرهاب الذي بشرت به وسندان الفيتو الروسي الذي لا نعرف إلى متى سيستمر استعماله لان الوقائع تشير بان السياسة ليس فيها صديق دائم وإنما هنالك مصالح دائمة .
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الدهلكي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/23



كتابة تعليق لموضوع : سوريا بين الإرهاب و الفيتو الروسي .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net