صفحة الكاتب : محمد جواد سنبه

دِيمُقْرَاطِيَّةُ الصَّحَافَةِ و دِكْتَاتُورِيَّةِ الصَّحَفِيّينْ.(الحلقة الأولى)
محمد جواد سنبه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تفاصيل مهمّة، عن التجارب الدّيمقراطيّة في العالم. وتَذّكر هذه المصادر، أنّ البناء الدّيمقراطي عادة ما يكون بناءً تراكمياً. وكلّما كانت التّجربة الدّيمقراطيّة أقدم في تأسيسها، فانّها تكون أنّضج على مستوى التّطبيق والممارسة، والعكس صحيح. والتّجربة الدّيمقراطيّة في العراق، لمّ ينتجها الشّعب العراقي، وإنّما قُدّمت إليه بصورة مفاجئة. فوجد العراقيّون أنفسهم أمام فضاء واسع من الحريّة، والانفتاح والتواصل مع العالم، وكان للصّحافة حصّة الأسد من هذا التغيير.

ومن المعروف أنّ النّظام البائد، كان يولي للإعلام والدّعاية أهميّة كبيرة، وكان النشاط الإعلاميّ والدعائيّ، يدار بمركزيّة شديدة. لأنّ فلسفة النّظام الشّموليّ البائد، تعتقد أنّ الإعلام يقوم ببسط سيّطرة النّظام، واضعاف الخصم من خلال كسب الجماهير، باستخدام فنون الدّعاية والإعلام. فسمعة النّظام ومنجزاته، مرتبطان ارتباطاً مباشراً بالنّشاط الدّعائي والإعلامي. يضاف إلى ذلك، تكون حاجة أيّ نظام سياسي، للإعلام والدّعاية في ظروف الحرب، أكثر من حاجته لهما، في أوقات السلم. والجميع يعلم أنّ النّظام البائد، خاض غمار عدّة حروب، على مدار الفترة التي حكم بها العراق. وإجمالاً إنّ صورة الحرب الإعلاميّة والدعائيّة والنّفسيّة، كانت هي المسيطرة على مشهد الحياة العراقيّة بالكامل.

هذه المعطيات، زرعت داخل كلّ إعلاميّ، كان يعمل مع أجهزة الدّولة الدكتاتوريّة، ثقافة المبادرة بالهجوم على الخصم، بمجرد الشعور بوجوده، و إنْ كان هذا الشعور مجرّد وهم أو خيال، من أجل إرضاء السّلطة. ومَن لم يتكيّف تلقائيّاً مع هذا الوضع، فبالتّأكيد لا مكان له في الوظيفة العامّة إطلاقاً.

هذه الحقائق أضعها كمقدّمة للوصول إلى نتيجة ملخّصها، أنّ النّظام البائد، أربك عقليّة الإنسان العراقي، وكان هذا الإرباك أشدّ وطأة على الإعلاميّين من غيرهم، لتماسّهم بصورة مباشر مع تأثيرات السّلطة. و مثلما ترك النّظام البائد آثاراً سلبيّة، كذلك ظهرت تبعات سلبيّة، أفرزها النّظام الديمقراطي بعد عام 2003. فأصبح الإعلام في هذه المرحلة، (إعلام هويّة)، فالمشتغل بالإعلام داخل العراق، لابدّ أنْ ينتمي لهويّة الطّائفة، أو القوميّة أو التوجّه السياسيّ، للجهة التي يعمل معها، (مسايرة سّياسة الوسيلة الإعلاميّة). وتكرّرت الصّورة ذات اللون الواحد، التي كانت سائدة في النّظام الشّمولي البائد، مرّة أخرى في الوقت الحاضر. والقاسم المشترك بيّن المرحلتين السّابقة و اللاحقة، هو إلغاء الآخر والهجوم عليه، و الانتقاص منه و تحقيره بصورة تتنافى مع الذّوق السليم، و الثّقافة الرفيعة، و قيم و معايير مهنة الصحافة، بمجرّد أنّ الآخر يقوم بممارسة دوره، في عمليّة النّقد و إبداء الرأي.

ولعلّ العيّد الوطني للصّحافة العراقيّة الذي احتفلت به نقابة الصحفيين العراقيين للفترة من  28- 29 حزيران 2012، أفرز الكثير من التجاذبات، التي ضمّنها بعضّ المشتغلين بالصّحافة  ألفاظاً غير لائقة، وجهها إلى الذين أبدوا وجهة نظر، تختلف عن وجهة نظر هذا البعضّ. فالأقلام المعارضة، إرتأت أنْ لا مبرر لصرف مبلغ خمسة ملايين دولار على مهرجان، دعيت إليه راقصات و مطربات و مطربين و فنانين و فنانات، وكأنّ هذا الاحتفال هو تقليد لإحتفالات النّظام البائد، الذي أكّلم قلوب العراقيّين، بتحديه لقيم الإسلام و الأعراف و التقاليد الإجتماعيّة والثقافيّة والعشائريّة، التي تأبى الانحلال و الانحطاط الأخلاقي.

مع الأسف الشّديد، كلفنا الرأي الذي خالفنا به توجهات نقابة الصحفيّين العراقيّين ومؤيديها، جرحاً آلمنا كثيراً. عندما أخذ البعضّ، يذكر في مقالاته كلمات تحطّ من قدّر الآخرين، وتصفهم بأوصاف جارحة، من غير اللائق أنْ تنطق بها أقلام، تحسب على العمل الصحفي. وتمادى هذا البعضّ بنعت الآخرين المخالفين له، بنعوت مثل:(خفافيش الظلام)، فسمح هذا البعضّ لنفسه، أنْ يجرد الآخر المخالف له، حتى مِنْ آدميّته ويلغيه من مملكة الإنسان، و ينسبه إلى مملكة الحيوان. كما وصف هذا البعضّ الآخرين بـ(الأقزام، والأوغاد، وشخصيات تقف خلفها أجندات سياسية مشبوهة). ولا أريد أنْ أقف كثيراً على صياغات الجمل الركّيكة، وكثرة الأغلاط الإملائيّة و النحويّة، الموجودة في كتابات هذا البعضّ، وأترك التّقييم للقارئ الكريم. و ياليت يعلم هذا البعضّ، أنّ جوّ الرّقص و الطّرب و الخلاعة، يتنافى مع تعاليم الإسلام، الدّين الرّسمي للدّولة العراقيّة حسب المادة (2) أولاً من الدّستور العراقي.

وإذا راجعنا الدّستور العراقي، نجد أنّ الفقرة ثانياً من المادة (2) تنصّ على ما يلي:(يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي....). كما نصت المادة (17) الفقرة أولاً من الدستور:(لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين، والآداب العامة.). ونصت المادة (38):(تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل). إذن الدّستور العراقي يقرّ الآتي:

1.    الإسلام دين الدّولة الرسمي.

2.    الحفاظ على الهوية الإسلاميّة.

3.    عدم التّعارض مع حقوق الآخرين و الآداب العامّة.

فياترى ألا يتعارض احتفال نقابة الصحفيين العراقيين، بعيّد الصحافة العراقية، الثالث والأربعين بعد المئة، مع توجهات الدّستور العراقي؟. وإذا كان موقف نقابة الصحفيّين العراقيّين، وبعضّ المشتغلين في الصحافة، بهذا الشكل فهل باستطاعتنا أنْ نوجّه العتب لتصرفات الجهلة و الأميين؟.

ومثلما كرّر بعضّ المشتغلين في الصحافة، حالة ذمّ المخالفين لهم،  كرّر هذا البعضّ أيضاً، حالة المدح والتّعظيم لمن يساير أهواءهم، وكأنما استعادت الذاكرة الإعلاميّة أيام القائد الضّرورة. ولعل أغرب ما قرأت من كتابات لهذا البعضّ، أنّ أحدهم أكثر من مدح شخص نقيب الصحفيّين العراقيّين، بيّد أنّه أساء إليّه في هذا المدح المفرط فقال: (واقسم بان اللامي حرم اخوه الاكبر(رياض) من الحصول على قطعة ارض رغم انه صحفي قديم ويحق له ذلك، ولكنه ابى ذلك لنفسه ولاخيه كي لا يقول البعض ان مؤيد استفاد قبل ان يستفد اصغر صحفي في العراق).

أقول: من الممكن أنْ يتنازل السيّد النقيب عن حقّه، تأسّياً بأبسط الصحفيّين، لكن أنّى يكون له منع صاحب حقّ من حقّه (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى).؟. كما أنّ ثمار العمل في مؤسسات الدول الديمقراطيّة، تكون نتيّجة لعمل كلّ الفريق في المؤسسة، وليس عمل شخص بمفردة، لذا ينبغي مدح كل الفريق وعدم اختزاله بشخص واحد.

في الحلقة الثانية من هذا المقال، سأطرح بعضّ الأفكار، البديلة عن احتفالات الرّقص و الطّرب، أهديها لنقابة الصحفيّين العراقيّين، عسى أنْ تجد النّقابة فيها الفائدة كلاً أو بعضّاً، من أجل النهوض بالواقع الصّحفي خدمة للصّحافة العراقيّة. وأبيّن أنّ جريدة (الزوراء) التي أصبح يوم تأسيّسها عيداً وطنياً للصحافة العراقيّة، أنّها جريدة تركيّة قلباً وقالباً، وبراءة الصّحافة العراقيّة منها كبراء الذّئب مِن دَمِ يوسف.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد سنبه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/22



كتابة تعليق لموضوع : دِيمُقْرَاطِيَّةُ الصَّحَافَةِ و دِكْتَاتُورِيَّةِ الصَّحَفِيّينْ.(الحلقة الأولى)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : محمد جواد سنبه ، في 2012/07/24 .

الاخ الكريم السيد جلال احمد المحترم.
لقد جندت شخصيات معينة امكانياتها الهشة والهزيلة في الاتجاه الذي تفضلتم به، والبارحة تلقيت من صحيفة البينة الجديدة رسالة تعتذر فيها الجريد عن نشر مقالي (ديمقراطية الصحافة ودكتاتورية الصحفيين)، بحجة ان المقال يسيئ للنقابة، علماً اني لم اوجه اية اساءة لأحد كما فعلوا هم معنا، وانما وجهت خطابي ناقداً احتفال النقابة الذي اقيم بطريقة تتنافى مع قيم المجتمع. والمقال بحلقتيه الاولى والثانية (الحلقة الثانية سانشرها قريباً انشاء الله) يحمل افكاراً بناءة الهدف منها تطوير العمل الصحفي. علماً اني انشر مقالاتي دون ان اتلقَ من احد اي مقابل على الاطلاق. وبعد استلامي اعتذار جريدة البينة الجديدة، أيقنت تماماً اننا في عصر ديمقراطية الصحافة ودكتاتورية الصحفيين. تحياتي واحترامي.

• (2) - كتب : جلال احمد ، في 2012/07/23 .

البعض من لقالق الصحافة سيدي الكريم يعطون تبريرات لانفسهم المريضة وليس تبريرات لمؤيد اللامي الذي عرف كيف يروضهم ببعض الفتات من الموائد التي تركتها الراقصات ... فباعوا دينهم بدراهم معدودوات




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net