العراق والتحديات
جريده الشرق الاوسط

ورشة العمل التي نظمها مركز «راسام» للأبحاث والدراسات في إسطنبول قبل أيام لمناقشة آخر التطورات على الساحة العراقية، والتحديات والمخاطر المهددة التي شارك فيها مجموعة من المثقفين والأكاديميين ورجال السياسة العراقيين من الداخل والخارج، وغابت عنها المرأة وأكراد العراق، كانت غنية بحواراتها، جريئة في أطروحاتها، عملية وواقعية في استنتاجاتها.
صورة الوضع القائم في العراق ومسار العملية السياسية والمخاطر المحدقة والسيناريوهات السوداوية التي ترسم هنا وهناك، كما فهمتها أنا وأوجزها بعد متابعة 5 محاور نقاش، منها السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي، غير مشجعة وتطال آخر ما تبقى من فرص حماية الوحدة والتعايش.
المشروع الطائفي المذهبي يتقدم بنجاح منذ عام 2003 وحتى اليوم، فكثيرون، وفي طليعتهم أميركا طبعا، يحاولون زرع وترسيخ مسألة مستوردة غريبة على العراق والعراقيين، وتحويل هذه الثروة الكبيرة من التعايش الديني والاجتماعي والعرقي إلى بؤرة توتر وانفجار يصب في خدمة مشروع التقسيم والتفتيت، الذي وضع دستور عام 2005 أسسه ومعالمه.
الدستور العراقي الذي تم تبنيه قبل 7 سنوات هو دستور كونفدرالي المزاج والميول؛ في التطبيق والممارسة، رغم أنه فيدرالي على الورق، ولم يحمل للعراق والعراقيين سوى المزيد من المخاطر والأضرار، وهو يراد له أن يكون الشاهد الحي على فشل تجارب التعايش في بلادنا، وتسويقه كخطوة تسبق الانفصال بغطاء قانوني وإرادة شعبية.
مفاجأة «الربيع العربي» القائمة اليوم ستكون اختبارا مهما في تبني ورفض هذه المعادلة الخطيرة المطروحة.
أميركا التي أعلنت انسحابها من العراق لم تنسحب كليا، وهي أجبرت على ذلك أمام الرفض والمقاومة وضغوط الرأي العام العالمي والأميركي؛ فهي تحملت الخسائر والمخاطر، لكن إيران هي التي غيرت كل ذلك إلى انتصارات سياسية واستراتيجية دون أن تدفع أي ثمن. هل هو اتفاق وتفاهم أميركي – إيراني غير معلن بعد على تقاسم العراق وثرواته أم أنه مقدمة تسهل لها واشنطن مباشرة عبر منح إيران الفرصة التي تريدها، وهي توسيع رقعة التمدد الشيعي ليكون الرد الأنسب على «الربيع العربي السني» الذي تدعمه كثير من الدول العربية والإسلامية والغربية؟ ما هذا الدعم القوي الذي تقدمه حكومة المالكي للنظام في سوريا على مرأى ومسمع واشنطن، أم أن حقيقة المشروع الأميركي هي تركنا أمام حالة المواجهة الدائمة الشاملة والمفتوحة، التي لا تريد لها أن تحسم وتنتهي، لأنها فرصتها الوحيدة في التمركز والبقاء؟
ما هي حقيقة المشروع التركي في العراق؟ أنقرة التي كانت تتبنى رفض النماذج التي تقدم للعراق وتتمسك بوحدته، أرضا وشعبا، هل تخلت عن سياستها ومواقفها هذه؟ ما هذا التقارب والانفتاح الأخير على قيادات شمال العراق؟ هل هي المصالح التجارية والاقتصادية والنفطية أم القلق من مسار المشروع السياسي في العراق بشقه الشمالي تحديدا، الذي سينعكس على الداخل التركي في جميع الأحوال؟ أنقرة التي كسبت احترام وتقدير العراقيين بسبب موقفها التاريخي من الحرب الأميركية هي اليوم بين مطلب بتوضيح ما يجري لقطع الطريق على اتهامات المالكي الأخيرة بأن تركيا تلعب في المنطقة سياسة تحمل الكوارث والحروب الداخلية ستكون هي المتضرر الأول فيها، وتوضيح رأيها في ما يقال حول أنها تسير بالطريق نفسه الذي تتقدم فيه إيران بالعراق.
أبرز ما استمعنا إليه في المؤتمر هو أنه حتى الأمس القريب كانت بغداد هي أكبر مدينة كردية. أي نوع من الدساتير الفيدرالية هذا، صلاحيات الإقليم فيه فوق صلاحيات الدولة الفيدرالية؟! قيادات شمال العراق تريد أن تأكل من الصحنين الأميركي والإيراني في الوقت نفسه. وكل ما بني على ضوء نتائج الاحتلال الأميركي للعراق باطل ومرفوض.
الهوية العراقية هي اليوم مركز الثقل في كل ما يجري، البعض يريد تدميرها وسحقها. عدد الخنادق التي تنبش يوميا في العراق يتزايد، ومن يسهم في حفرها جنبا إلى جنب مع رجال السياسة هم كثير من رجال الدين والعلماء. نفط العراق فرصة كبيرة في حماية وحدته وهويته، لكن البعض يصر على تسليم هذه الثروة للخارج؛ متجاهلا أن ما يقوم به يعني تعريض الهوية والانتماء للخطر.
يبدو أن الرد الوحيد على كل هذه المشاريع والمؤامرات التي تحاك ضد العراق هو ربيع عراقي عاجل، لا علاقة له بمشروع «الفجر الجديد» بتوقيع من لا يهمه كثيرا العرق واللون وتأجيج النعرات الطائفية والمذهبية، ربيع لا يقل قوة وحماسا عما جرى في مصر وتونس، يقف في وجه من يريد إطلاق الرصاصة الأخيرة على ما تبقى من أمل ورغبة في التعايش المشترك بين أبناء هذا البلد. الغضب الشعبي لا بد أن يتحول إلى ثورة وطنية شاملة، قبل أن يجره البعض إلى ورقة وفرصة للتقسيم والشرذمة.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جريده الشرق الاوسط

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/14



كتابة تعليق لموضوع : العراق والتحديات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net