صفحة الكاتب : عامر هادي العيساوي

متى يتخلى العراقيون عن روح البداوة ؟
عامر هادي العيساوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كان العرب في العصر الجاهلي يتخذون من سوق عكاظ ملتقى سنويا لقبائلهم وشعرائهم فكانت تلك السوق مناسبة لتسجيل المفاخر والأمجاد والبطولات التي تتركز وتنحصر غالبا بالشجاعة والقتال  والثبات في المعارك حتى الموت ونبذ الجبن وعار الهزيمة فهم دائما مقبلون غير مدبرين ودماؤهم تسيل من جراحهم على أقدامهم وليس على أعقابهم كما صرح بذلك الكثير منهم حتى لقد اعتبر اغلبهم الموت على الفراش شكل من أشكال العار والجبن والهزيمة على العكس من القتل ومواجهة حر السيوف في ساحات الوغى 0 

ويبدو أن الجينات الوراثية قد نقلت ألينا نحن العراقيين هذه الصفات كما هي ودون أن تسمح لعامل الزمن العبث بها قليلا او كثيرا  0

لقد اعتاد العراقيون أن يجتمعوا بأعداد كبيرة في المناسبات المفرحة والمحزنة على حد سواء ومن مختلف المشارب والأهواء ومن جميع الفئات ثم يتسمرون على الكراسي لساعات طويلة بانتظار وجبة الغداء او العشاء التي أعدها لهم صاحب المناسبة حتى إذا أكلوا وشبعوا تفرقوا وهم يتذمرون من رداءة الطعام او قلته او  سوء إعداده وطبخه, وفي أثناء ذلك الانتظار تتشعب الأحاديث في مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية والتاريخية او غيرها 0

إن اغلب الأحاديث في هذه المناسبات تتركز كما كان يفعل الأجداد في سوق عكاظ على ذكر بطولات آباء هذا المتحدث او ذاك في المعارك التي خاضها في حياته ولعل اغرب الأحاديث التي سمعتها في حياتي حكاية ذلك الرجل الذي كان مكلفا بحمل راية عشيرته في المعركة الشرسة التي دامت لأكثر من ست عشرة ساعة مع إحدى العشائر المجاورة وقد قتل فيها أكثر من ستمائة إنسان , وفي مرحلة من مراحل تلك المعركة قطعت رأس حامل الراية ذاك بضربة سيف بتار ولكن الرجل بقي يمشي بلا رأس لمسافة طويلة ثم سقط اخبرا ولكن يداه لم تفلتا سارية الراية وقد استمرت قائمة حتى نهاية الملحمة التي انتهت بهزيمة الطرف الاخر0 وحين سألت المتحدث عن موضوع تلك المعركة وأسبابها ونتائجها هز يده وضحك ثم قال (لقد كانت بسبب (رحل )نهبه احد أفراد احدى القبيلتين ), ثم أردف قائلا هل تعرف( الرحل) ؟ قلت (نعم انه غطاء ظهر الحمار ) 0

إن معركة (الرحل )إذن التي حدثت بسبب غطاء ظهر احد الاحمرة المصنوع من القش قد كلفت الأشاوس من القبيلتين أكثر من ستمائة قتيل كما ذكرنا وما زال يتامى تلك الواقعة يفتلون شواربهم فخرا ويأخذهم الزهو والكبرياء حين تذكر مناقب آبائهم في تلك الواقعة وهم يواجهون نيران العدو بصدورهم  0

لقد فر اثنان من معركة (الرحل) تلك وقد توفي الرجلان منذ زمن بعيد ولكن الناس ما زالوا يشيرون إلى أبنائهم بالقول (هذا ابن فلان الذي انهزم في معركة (الرحل )0

انك ربما تجوب الكثير من دول العالم دون أن ترى شخصين يتشاجران على الطريقة العراقية بينما لا تكاد تخلو مدينة عراقية من شجار او أكثر بين سائقي سيارتين او بين تاجرين في السوق دون سبب واضح 0

وليس مهما أن يكون الحق إلى جانبنا ونحن نقتل بعضنا بعضا ونظلم بعضنا بعضا وننهب بعضنا بعضا ونأكل بعضنا لحم بعض وإنما المهم أن تكون الغلبة إلى جانبنا والموت من نصيب عدونا حتى وان كان مظلوما  وهذا ما يفسر إقدام العشائر العراقية على جمع المال من قبل أفرادها إلى القاتل من اجل تقديمها كدية إلى قبيلة المقتول بينما تمتنع بشدة عن مساعدة المريض او المحتاج او الفقير إذا لم تشمت به 0

إننا نحترم القاتل حتى وان كان ظالما لأنه قوي ومفتول الساعد ونحتقر المريض لأنه ضعيف ومتهالك ومع ذلك فنحن جميعا نؤدي الصلاة في أوقاتها 0

لقد خبر الحكام العراقيون في مختلف المراحل ثقافة الشعب العراقي وميله لطاعة القوي المتجبر واحترامه وهذا ما يفسر ذلك التجاهل التام لمشاعر العراقيين من قبلهم وخاصة في المرحلة الحالية ولست ادري على أي منهما يقع اللوم والتثريب ؟

إني اتحدى كافة علماء النفس في العالم أن يجدوا تفسيرا معقولا لهذا النمط من السلوك فهل سيقبلون التحدي ؟ لا أظن ذلك 0


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر هادي العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/11



كتابة تعليق لموضوع : متى يتخلى العراقيون عن روح البداوة ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net