صفحة الكاتب : محمد كاظم الموسوي

الحملات الوطنية ـ واحدة من طرق الرقي
محمد كاظم الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تقوم الدول المتقدمة والنامية حضارياً بين الحين والآخر وبحسب برامج مدروسة وخطط مقننة بمجموعة من الإجراءات التي تساهم وبشكل فعال في تثقيف المواطن بمختلف المجالات, وفي تنمية وترسيخ الوعي الحضاري عنده, ورفد البعد الثقافي لديه, وبالتالي زيادة درجة الوعي عند المواطن باعتباره المكون الأساس للأسرة والمجتمع, ومعنى هذا رقي المجتمع ونهوضه ثقافياً علمياً وعملياً وبمختلف المجالات.

والغاية الأهم والأسمى لهذه الإجراءات هي الوصول بالمواطن إلى درجة الإحساس بالمسؤولية تجاه نفسه والآخرين والمحيط والبيئة, بحيث يشعر المواطن أنه عنصر مشارك في عملية بناء مجتمع متكامل, وأن لوجوده أثر في وجود هذا البناء وديمومته ورقيه, لا أنه صفر في معادلة البناء والتطور والرقي.

ومن هنا تتكامل سلسلة المسؤوليات, وذلك بإحساس الكل بدورهم وشعورهم بأهمية التعلم والمشاركة والأخذ والعطاء والمثابرة والإيثار وفهم القوانين والحقوق واحترامها والحفاظ عليها والتقيد بها وتفهيمها للآخرين, حتى يصبح كل مواطن هو المواطن المتعلم, وهو المسؤول والحامي والراعي والمحافظ على كل ما من شأنه أن يساهم في رقي المجتمع, وهو المنكر والمانع لكل ما يفسد عملية التطور الاجتماعي والثقافي.

وهذا هو ما تبتغيه الدول من إطلاق هذه الإجراءات في بلدانها وإدامتها وتكرارها وجعلها من مسؤوليات الحكومات بل من أولويات برامجها وبرامج الوزارات والمؤسسات المعنية بذلك.

ومن هذه الإجراءات الكفيلة برقي المجتمعات وتطورها هو إطلاق الحملات الوطنية الشاملة, تحت عناوين متعددة ولأهداف وغايات محددة , وإشراك شرائح عديدة من المجتمع بالمساهمة فيها ـ تطوعاً أو إلزاماً ـ لكي تترسخ لديهم هذه الأهداف والغايات ويكونوا هم المؤسسة الإعلامية التي تساهم بنشر هذه الحملات وترسيخها, وبذلك تأتي ثمارها, وتصل إلى أبعد أهدافها, فليس من مؤسسة إعلامية أوسع من المجتمع بأفراده.

ومن هذه العناوين التي أطلقتها الحكومات الراعية لمصالح بلدانها وشعوبها, الحملة الوطنية لتحسين الواقع التعليمي, والحملة الوطنية للحد من العنف المدرسي, والحملة الوطنية للتوعية الصحية, والحملة الوطنية لرعاية الطفولة, والحملة الوطنية لرعاية الأمومة, والحملة الوطنية للتعريف بالأمراض السارية, والحملة الوطنية لتنمية الروح الوطنية, والحملة الوطنية للحفاظ على التراث, والحملة الوطنية لتصحيح الأفكار المغلوطة, والحملة الوطنية لترشيد الإستهلاك, والحملة الوطنية لمحاربة الفساد, والحملة الوطنية لمكافحة التصحر, والحملة الوطنية لتشجير المدن, والحملة الوطنية لتنظيف المدن, والحملة الوطنية لرفع الأنقاض, والحملة الوطنية للتعريف بمخاطر الإشعاع, والحملة الوطنية للتوعية الأمنية, وغيرها من العناوين التي تعود بالصالح العام على الجميع.

إن إطلاق هذا النوع من الحملات وتكراره والتأكيد عليه وتشجيع الناس على المشاركة فيه كفيل بأن يعود على المجتمع بالخير الكثير, خصوصاً إذا كان وفق خطة عمل مدروسة, وكان لغايات وأهداف سامية من أجل دفع عجلة الرقي في المجتمع والوصول به إلى أهداف هذه الحملات, لا لأجل الاستهلاك الإعلامي أو استهلاك المال العام ومصادرته وتبديده بمشاريع وهمية.

فإن المرتبة التي وصلت إليها بعض المجتمعات من احترام القوانين والحقوق, ومن الرقي في مجالات التعليم وفي الثقافة الصحية والنفسية والبيئية, ومن الثقة بالنفس, ومن البراعة في مسائل النظم والترتيب, ومن احترام الحقوق العامة والخاصة ومعرفة كل شخص ما له وما عليه من الحقوق تجاه الدولة والآخرين, وما وصلت إليه هذه المجتمعات من رقي في مجالات الرعاية العامة وخصوصاً الصحية والبيئية وغيرها من الموارد, إنما ترسخت هذه الأمور عند هذه المجتمعات بسبب توالي وتكرار هذه الحملات الوطنية, وإشراك أكبر عدد من المواطنين فيها, وصدق النية في إطلاقها, والمثابرة والمبالغة من القائمين عليها في تحقيق أهدافها والوصول بها إلى غاياتها, وسن القوانين لها.

ولذا أصبح قطع الأشجار عند هؤلاء جريمة يحاسبه عليها ضميره ليلاً قبل أن يحاسبه عليها القانون. وأصبح عدم ذهاب الأم إلى دور الرعاية الصحية للأمومة والطفولة جناية تخاف منها الأم ذاتياً قبل خوفها قانونياً. وصار رمي النفايات في الطرقات صفة لكل همجي متخلف, وصار جمع النفايات بشكل جماعي طوعي صفة لكل عاقل. وصار التقصير في العمل او اختزال دقائق من ساعات الدوام الرسمي مرض يؤرق هؤلاء لإحساسهم بارتكاب جناية ما. وصار الإسراف والتبذير أمراً مخجلاً عند هؤلاء ولو كانوا بمفردهم.وصار غرس شجرة واحدة في الأماكن العامة من الحسنات المكفرات في ثقافة هؤلاء.

لقد أصبحت هذه المجتمعات حماة للطبيعة وللبيئة وللقوانين والحقوق, وكل ما تنامى عندهم فهو بفضل هذه الحملات حيث آتت ثمارها, فاكتساب الخبرة والثقة بالنفس وتنامي روح العمل الجماعي عند الكثيرين والإيثار والإحساس بالمسؤولية وغيرها ما هو إلا ثمرة من ثمرات هذه الحملات الوطنية الشاملة.

ولا ندعي أن هذه المجتمعات قد تكاملت, فحديثنا عن الأعم الأغلب, وما من قوم إلا وفيهم من يحمل صفات النقص والخبث والنوازع الشيطانية.

ولكن ماذا فعلنا نحن؟؟؟ والمفروض أننا نسبقهم حيث ندعي أننا أصحاب الحضارات, وأصحاب أول مسلة لتنظيم القانون, وأصحاب أول رسالة حقوق حملها كلكامش, وأننا أصحاب حضارة وادي الرافدين التي كانت مهد الحضارات, وأصحاب الرسالة المحمدية, وأول من فتق العلوم ونشرها في وقت كانت اوربا وغيرها تعيش الفترة المظلمة من حياتها.

فمتى نستفيق من غفوتنا؟ ومتى تستفيق الوزارات والمؤسسات المعنية ببناء البلد وتنظيمه وتطويره والنهوض به إلى مصاف هذه الدول وتمارس دورها الشرعي والقانوني والإنساني ؟؟ ومتى تستفيق مؤسسات المجتمع المدني؟ ومتى تستفيق الأجهزة الرقابية في البلد كدائرة النزاهة ودوائر المفتش العام ؟

لقد أصبحت عاصمتنا ومدننا وشوارعنا التراثية التي نفخر بها مكباً للنفايات, ولوحة من لوحات الفوضى في العمارة, وخارطة إهمال, ورسالة تراجع.

لقد صار التجاوز على الحقوق وعلى المال العام هويتنا الوطنية, وصار الإهمال والتخلف والتراجع والفوضى سمة من سمات أكثر مرافق الحياة في العراق, وأصبح الإهمال والتراخي وعدم الإحساس بالمسؤولية هو الوظيفة الأساس لهذه الوزارات والمؤسسات المعنية بهذه الأمور.

فمتى نتعلم؟ ومتى ننطلق؟ ومتى ننظم حياتنا وسلوكنا وبيئتنا؟ ومتى نجد أنفسنا؟ ومتى نريد أن نكون؟؟

محمد كاظم الموسوي ـ بغداد  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد كاظم الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/11



كتابة تعليق لموضوع : الحملات الوطنية ـ واحدة من طرق الرقي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net