صفحة الكاتب : نادية مداني

وضيعتني بين شاطئين
نادية مداني

 في جامعة الهندسة الزراعية  يخفق قلبان على وتر القدر يجمع بينهما    التخصص ومقاعد الدراسة كشاهدين من حديد وخشب وقعت معادنهما براءة الخفقان والذوبان بحرارة الشمس التي لامست أشعتها تراب كل ذرة فيه تسبح بنقاء الكلمات  عن أطهر ما عرفت البشرية من صدق في قوة النبضات

كان لا يحلو له حديثا أو مسامرة برفقة الأصحاب إن كان طيف خيالها غير موجود، كانت تبادله الأشواق ليس بالدرجة نفسها كان يسبقها بآلاف الدرجات كان بالنسبة لها فقاعة تطفو على السطح وكانت بالنسبة له  زهرة برية ترسو في عمق البحر

تمر سنوات الجامعة محلقة كالفراشات على زهرة عمره تمتص منها رحيق أحلامه لتكون بيده دواء يشفيه وينسيه كل معانات

بعد التخرج عمل بأي مهنة  وداس على شهادته بقلب من خشب ليوفر خاتم من حديد سعى بقوة قائد في الجيش كي لا يخسر معركته لأنها كانت هي الوطن ؟

تمت خطبته بها ودامت عامين لتزيد في عمر أحلامه ليكون لها وقعا مدوي وانكسارا أكثر تجزءا وبعثرة لن تلم شظاياها سنين من الدهر

نقل أحلامه وأمانيه لأعز أصدقائه يعزف له كل ليلة موسيقى حبه  يغرس بذلك في قلبه زهرته البرية ويحرك فيه غريزة التملك لأنه يملك فيمتلك حبه يسرق أحلامه يقتل كل محاربيه ويستعمر وطنه ليجعله شريد ضائع

يهرب من واقعه يشرب سموم تباع لأمثاله لتزيد من حجم آلامه وتذيقه  طعم الغدر بأشكاله يمشي بخطى متثاقلة تتبادل أرجله خطواته بعشوائية تحمل يداه قارورة أوقح مافيها لونها الأخضر لتكون فيما بعد سحرا ينسيه معنى اللون الأخضر

يرمي بجثة جسده على الشاطئ يهذي بكلمات ويذهب بنقائها ليبتلعها البحر وترحل مع  الأمواج إلى أعماقه لعلها تقتلع جذور زهرته البرية

يدس يده في جيبه يسحب ورقة بيضاء يخط فيها ماضيه الأسود يختمها بأرقام هاتفه يطلب النجدة من قلب قد يرحم ويشكو له ذل قلب لم يرحم

يهرب من مرسى إلى مرسى لكي ينسى يلف الورقة على شكل سيجارة ليترك للقدر فرصة تدخينها يحجزها في تلك القارورة ويغلقها بإحكام ما يفسراللاشعور عنده كي لا تضيع أسراره في أعماق البحر فتشي بها إلى زهرته البرية فيزيد ها هذا التصاقا وشموخ وهذا لا يرضي كبريائه ورجولته يرمي بالقارورة بكل قوته المتبقات في عرض البحر فتسبح القارورة بمهارة تستفزك لتلعب بها الأمواج فتبدوا كحمامة مطوقة مكلفة بإرسال مكتوب مهم يبحث له عن قارئ مجهول يفقه طلاسمه ويفك رموزه لتكون أرقامه الفائزة بلعبة يا نصيب ويشاء القدر أن يكون نصيبه في الشاطئ الآخر وكان فتاة إسبانية جلست تبكي أباها لا تعلم ماذا تفعل بثروة بحجم ميزانية ثلاث دول لأنها الوريث الوحيد مع وحدة قتلت شبابها ودفنت أحلامها لعدم ثقتها بأي أحد ،ترتمي تلك القارورة الخضراء تحت أرجلها تستعطفها وتستميل ثقتها بفتحها تقرأ ما كتب عليها فتكتب بصوتها حكايته مرة أخرى ،لتكون الإنترنت فيما بعد حمامة تنقل  المشاعر والصور بذبذبات كهر بائية ونبضات اصطناعية يدمن  الدردشة معها ويقتات سمومها لقد اختاره القدر ضائع من نوع آخر

يقرر الذهاب إلى حلمه تختفي الشمس خلف البحر ويرسل الليل بظلمته ستارا يداري كل هارب من وهم إلى وهم آخر ،يسافر بطريقة غير شرعية وينتحر بطريقة شرعية يركب الخطر يصارع الأمواج ويسبح بمهارة على سطح القارب كما سبحت قارورته الخضراء لا يعنيه شيء سوى جمالها الباهر وشاطئها الآخر تستقبله وتشتري أحلامه بشيك على بياض يحملها طموحها على شراء انتمائه لأنها لا تعلم أن الوطن ليس قارورة خضراء بل قلب خصب أخضر تنمو  به زهور حمراء وبيضاء لن تقتلع جذورها رياح من  نوع آخر تساومه ثروتها مقابل وطنه جمالها مقابل دينه شاطئها مقابل أحلامه !؟

ترجع به ذاكرته إلى مقاعد الدراسة وحواسه إلى رائحة الخشب والحديد يتذكر كلمات أستاذ مادة التربة الزراعية بالحرف الواحد " منها جئنا وإليها نعود هذه التربة تحمل  من المكونات ما نحمله نحن  في دمنا  هي جزء منا  إن أقرضتها  قرضا أعطتك حقك بزيادة كل ذرة فيها دواء لمعظم أوجاعنا إن مللت يوما منها واختار القدر أن يفضحك فلن تجد حضن لسترك كحضنها ،إن أردت أن تطهر يداك قذارة فترابها مناديلا  معطرة انتم طلاب كلية الزراعة الأكثر علما أن زهور تربتكم جذورها ممتدة في عمق التاريخ ونار وفائها أحسن  من جنة غدر غيرها لأن الوفاء هو الوطن ومن لا يحترف لعبة الصبر" سيضيع بين شاطئين"


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نادية مداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/09



كتابة تعليق لموضوع : وضيعتني بين شاطئين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net