صفحة الكاتب : علي الجبوري

عرض لكتاب (الشباب بين العقل والعاطفة).. تأليف: الشيخ محمد تقي فلسفي
علي الجبوري
 إن حياة الإنسان وما يتخللها من تقلبات ومنعطفات، تتلخص في ثلاث مراحل وهي: الطفولة والشباب والشيخوخة.
وتعتبر مرحلة الشباب بمثابة مركز القوة والنشاط في حياة الإنسان، وهذا المركز يحيط به ضعف أيام الطفولة من جهة وعجز أيام الشيخوخة من جهة أخرى، وإن أيام الشباب تعني بلوغ أعلى القمم وشروع أجمل مراحل العمر، والشاب في هذه المرحلة يرى الأشياء جميلة والأفق واسعاً مليئاً بكل يستهويه ويرتضيه ويصبح غارقاً بالآمال والأمنيات وقلبه طافحاً بالحب والأمل، وقبل مرحلة الشباب يبدأ الطفل بشق طريقه باتجاه القوة والنشاط، وكلما مضى عليه عام ازداد قوة حتى يبلغ قمة الشباب ويصبح في أوج قوته ونشاطه.
ويحاول الخطيب البارع المؤلف الشيخ محمد تقي فلسفي من خلال كتابه (الشباب بين العقل والعاطفة) والمقسّم لثلاثين محاضرة، أن يكشف للقارئ الكثير من التفاصيل المرتبطة بمرحلة الشباب وهم يسلكون مشوار الحياة بين عقولهم وعواطفهم؛ مبحر معنا إلى هذا العالم المليء بالقوة والحيوية فضلاً عن المفاجئات.
ويعرف في محاضرته الأولى، القوة الشابة بأنّ لكل بلد من البلدان العالمية قوى بشرية تعتبر جزءاً مهماً من الثروة القومية لذلك البلد، ويشكل جيل الشباب أساس القوى البشرية لكل بلد، وهي بمقدورها أن تتجاوز مشاكل الحياة وصعابها وأن تجتاز أصعب الطرق والمسالك بسهولة، وأن آثار القوى الشابة ومثابرتها تتجلى بوضوح في جميع مرافق الحياة، وهذه القوى وما تمتاز به من نشاط وحيوية تشكل أملاً حقيقياً لشعوب العالم بمستقبل زاهر.
ويقول فلسفي: بأنّ "أيام الشباب تشكل مشعلاً وضاءً وسراجاً منيراً في عمر الإنسان، إنها عهد السرور والفرح، عهد القوة والعنفوان، عهد النشاط والأمل، عهد الجد والعمل وعهد الحركة الدؤوبة والحماس".
ومع "بداية عهد الشباب تطوى صفحة الطفولة والتطفل، ويدخل الإنسان مرحلة يتحسس فيها شيئاً من المسؤولية وتحمل أعباء بعضها، وهي شرارة الحياة الاجتماعية لدى الإنسان وتثير اهتمام خاص من لدن الأسر على اختلاف قومياتهم وجنسياتهم".
وبالنسبة للدين الإسلامي الحنيف، فقد "اهتم على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان بجيل الشباب وراعى جميع جوانبهم المادية والمعنوية، النفسية والتربوية، الأخلاقية والاجتماعية والدنيوية والأخروية".
وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "كان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بني واعلم إنك ستسأل غداً إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته وعمرك فيما أفنيته ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته".
وقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يهتم بهذه الشريحة الاجتماعية وكان يعتمد في أكثر الأعمال حساسية في دولته الفتية على عنصر الشباب، ويعلن صراحة عن تأييده لهم قولاً وعملاً، ومثل هذه الخطوة لم يكن م السهل تحقيقها بسبب تفشي الجهل والتعصب في نفوس الناس آنذاك، إذ لم يكن الطاعنون في السن مستعدين لإطاعة أوامر الشباب وتسليم أمورهم لمن هم أصغر سناً، ولهذا كان الرسول الأكرم يختار شاباً ويوكل إليه منصباً ما كان الشيوخ والكهول يتألمون وينزعجون منه.
ويتطرق المؤلف أيضاً إلى اهتمام الشباب بالجمال المادي (التزين) والمعنوي (الروحي) التي ركز عليها كثيراً، وأوضح بأن الميول إلى جمال الروح والسجايا الأخلاقية تلقائياً في باطن الشباب منذ بدء عهد الشباب، وهم بطبيعة حالهم يميلون إلى الفتوة والسخاء والكرم ويبدون علاقة شديدة بالفضائل الأخلاقية والصفات الإنسانية الحسنة، وكذلك ينفرون من الصفات السيئة، ويبقى على المربين أن يعملوا على تنمية الميول الفطرية للسجايا الأخلاقية في ضمير الشاب مستفيدين من هذه الثروة الطبيعية.
وفي محاضرة أخرى ننتقل مع المؤلف إلى موضوع الفرص في حياة الشباب، حيث إن عهدهم هذا يعد فرصة ثمينة تأتي الإنسان مرة واحدة طيلة حياته، والشباب الذين يطمحون إلى السعادة والموفقية والنجاح أن يغتنموا هذه الفرصة الثمينة من جميع جوانبها وأن يستفيدوا من الظروف المؤاتية أقصى استفادة.
وقد أهتم الإسلام بهذه المسألة بالنسبة لمرحلة الشباب وأكد على أهمية الاستفادة من الفرصة الثمينة التي تدق باب الإنسان في حرملة شبابه، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل الخمس، شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقدك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك".
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "بادر شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك".
وقال (عليه السلام) أيضاً: "الفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير".
وموضوع مهم آخر يتطرق له مؤلفنا الكبير فلسفي هو الشباب ومسؤوليته الشخصية، ويقول بأنّ "الإنسان عندما يبلغ مرحلة الشباب يجد إن هناك مسؤوليات يجب عليه الالتزام بها وقد يؤاخذ عليها أحياناً، فالشباب هو سن الرشد العقلي والصحوة والعمل والنشاط، وكل من لم يفكر في شبابه بسعادته المادية والمعنوية يستحق التوبيخ والعقاب".
كما وإن هنالك للأسف "الكثير من الشباب الذين ينحرفون عن جادة الصواب ضاربين المبادئ الأخلاقية والإنسانية بعرض الحائط بسبب عدم تلقيهم تربية صحيحة من قبل آبائهم وأمهاتهم ومعلميهم، حتى تصبح لديهم نظرة متشائمة للحياة ولا يفكرون إلا بالتمرد والعصيان وقد خسر الكثير منهم فرصاً ثمينة لا تعوّض.
ويتطرق المؤلف أيضاً إلى بعض حالات شذوذ الشباب وجنونهم وانحرافاتهم وأسبابها ونتائجها السلبية، وكذلك بنية وتصورات عقول هؤلاء الشباب.
وننتقل بعد ذلك إلى عنوان محاضرة جديدة (النمو المكتسب لعقل الشباب)، وأول ما يبتدئ به المؤلف هو الحديث عن النمو الفطري والمكتسب، ويبين بأنّ "نمو العقل لدى عامة الناس يمر بمرحلتين (طبيعي، اكتسابي)، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "العقل عقلان مطبوع ومسموع ولا ينفع المسموع ما لم يكن مطبوع، كما لا ينفع نور الشمس ونور العين ممنوع".
وهناك حقيقة ينبغي الإشارة إليها وهي ان عقل الإنسان لا يمكن أن يصل إلى درجات الكمال عن طريق النمو الطبيعي، فهو أي الإنسان يبقى عاجزاً مع هذا النمو ولابد من تحقيق النمو المكتسب الذي يتأتى عن طريق التجربة والاحتكاك بالحياة والدربة (التمرين).
وبعد التعرّف على عقل الشباب، في المؤلف الجديد (الشباب بين العقل والعاطفة)، ندخل الآن إلى موضوع مشاعر الشاب، حيث مع دخول الإنسان مرحلة البلوغ وهي مرحلة انقلابية تبدأ مشاعره وأحاسيسه في ذاته في نفس الوقت الذي تبدأ فيه عظامه وعضلاته وسائر أعضاء جسمه بالنمو السريع وتتغير أخلاقه وطباعه كلياً.
إن العواطف هي عبارة عن ثروة حقيقية لروح الشباب كما يقول (فلسفي)، فهي "ضعيفة ومحدود عن الأطفال، بينما نرى قو التجسم والتخيل لدى الشاب أكبر بكثير، ولهذا فإن أي اهتزاز في عواطفه قد تنجم عنه عواطف مرهفة"، وخلال "هذه المرحلة يشهد الإنسان تجديداً في مشاعره وعواطفه وميوله.
وإن الفرق بين العقل والعاطفة التي يعيشهما الشاب، فإنّ (العقل والعاطفة) عاملان مؤثران في إدارة شؤون الإنسان الحياتية، وقدرتان مهمتان في تأمين سعادة الإنسان ورغده، وجود كل منهما في موقعه ضروري ولازم وهناك تباين بين العقل والعاطفة من حيث خصوصيات كل منهما ومجال عملهما.
فالعقل هو مصدر المعرفة البشرية ومركز التفكير، ويعتمد أساساً المنطق والاستدلال ويحكم في مختلف القضايا وفق معايير وحسابات صحيحة، أما العاطفة فلا شأن لها بالمنطق والاستدلال، ولا تولي أدنى اهتمام للمعايير والحسابات، بل إن هدف الدوافع العاطفية والأحاسيس هو الإثارة والتحريك وبلوغ النتيجة المرجوة سواء أتت مطابقة للمنطق والمصلحة أو منافية.
والعقل هو بمثابة، السراج المنير الذي ينير ظلمة الحياة ويميز درب الهداية عن درب الضلالة والصلاح عن الفساد، إلا إن العاطفة هي التي تدفع بالإنسان إلى سلوك طريق الخير أو الشر، فالميول العاطفية والرغبات النفسية هي التي تحرك الإنسان، وتارة تراها تنصاع لنداء العقل وتنقاد إلى طريق الخير والصلاح وأخرى تتمرد عليه فتؤدي بصاحبها إلى طريق الشر والوقوع في الأخطار.
وكل ما ذكرناه هو عرض مبسط لمحتويات كتاب (الشباب بين العقل والعاطفة) الذي يصل عدد صفحاته إلى (500) صفحة، كلّها ممتعة وبعناوين مميزة ومفصلة بعمد وإبداع من مؤلفه لتبيان هذه المرحلة الهامة من حياة الإنسان، كل ما أن نستطيع فيه ختام الحديث هو (أن لا تفوّتوا قراءة هذا الكتاب القيّم) مثلما أكد المؤلف (فلسفي) على الشباب من أن يحرصوا على شبابهم ويغتنموا العمر والفرص للبناء والتقدّم.
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي الجبوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/02



كتابة تعليق لموضوع : عرض لكتاب (الشباب بين العقل والعاطفة).. تأليف: الشيخ محمد تقي فلسفي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net