صفحة الكاتب : حاتم عباس بصيلة

الجنس في قصص / الرؤى تكمن في إسطبلات الخيل
حاتم عباس بصيلة

يتخذ عالم القصة أشكالاً متعددة يقوم بتجسيدها الكاتب بحسب الخبرة والرؤية الفلسفية والجمالية!! وفي يدنا قصص بعنوان ( الرؤى تكمن في إسطبلات الخيل ) للكاتب الدكتور علي شناوه وادي!
.. اللافت للنظر في هذه القصص إنها جاءت بشيء غير مألوف حيث كان اغلب كتاب القصة منشغلين بالطبيعة الأدبية الصرفة ذات النفس الواقعي المحض. أو ان كتاباتهم كانت صدى لما كانت عليه القصص الأوربية والأجنبية بصورة عامة.
فالقصص لتي في ايدينا كانت وليدة لفلسفة جمالية مقترنة بالفن وبعلم الجمال وبسيرة الفنانين الممتزجة بالرؤيا الجمالية المحللة والرامزة في تأويل طبيعة الأعمال الفنية التشكيلية بطريقة قصصية نستطيع ان نطلق عليها طريقة القصص التشكيلية مما يعزز الفنون المجاورة لبعضها البعض . حيث يلعب الخيال دوراً مهماً في ذلك فالخيال ينضح بالصورة الجمالية كما يقول كروتشه . هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان محتوى القصص كان يدور حول موضوعة مهمة وخطرة في آن واحد وهي موضوعة ( الجنس) المقترن بعالم الموت فالجنس رد فعل على الموت او الإحساس به وقد عرّف الدكتور عبدالحسين بيرم الحياة الجنسية بانها (( إعطاء الحياة معناها الإنساني في ولادة طفل جميل او ولادة طفلة جميلة ص5) .ويرى الدكتور علي الأمير لاصطلاح الجنس معنيان: الأول : يشير الى الهوية الذكرية والأنثوية.. والثاني : يشير الى النشاط الجسمي النفسي الذي يؤدي الى الاتصال الجنسي المباشر وهذا المعنى هو الخطوة الأولى على حد قوله المؤدية الى التكاثر ... ومن المهم ان نعرج على مفهوم الجسد لان ذلك يتلاءم وموضوع هذه القصص الجمالية . فالجسد خو ( كل روح تمثل بتصرف الخيال المنفصل وطهر في جسم ناري كالجن أو نوري كالأرواح الملكية والإنسانية حيث تعطي قوتهم الذاتية الخلع واللبس )(( تعريفات الجرجاني حرف الجيم ، الجسد)).ان فناء الإنسان وانعدام الحياة العاطفية يؤدي إلى رثاء الذات الفانية كما في قوله(( ما من شيء في باحة الدار القديمة الا آثار قديمة هي الأخرى ص3) ... ويجد تعويضاً لذلك من خلال حب لا ينتهي ( أم آثرت ان تكون سعادتها في محض النظر اليهم وان تحب بصمت بعيون تتسع لكل هذه الدنيا الزائلة ص3) .. انها تراعي جنسها بحب يكسر الجفاف الذي هو شكل من أشكال الموت!! في ( عوالم سمكية)) نجد الإيحاء الجنسي المرتبط بالمثيولوجيا بقول الكاتب: (( تتجمع اسماك القرش في قاع البحر الباردة عند حافات كهف بركاني لتمارس الجماع)) .. ويلاحظ قاع البحر الباردة وما يشير إليه من تناقض عند حافات كهف بركاني.. فعنده يحدث الاتصال الحميمي وارتباط ذلك بالكهف البركاني الذي يتلاءم وطبيعة الانفعال الجنسي ليرتبط الكائن بطبيعته!!.. ويؤكد ذلك (القمر)برمزيته وبعده المعرفي الأسطوري فهو خصوبة دائمة تؤدي الى الهيام والصراع فيقول الكاتب( في طور من الأطوار التي يمر بها القمر تقتل اسماك القرش بعضها الأخر ليفعل أشياء ملعونة تتحرك لديها في منطقة الرأس تحرضها على قتل بعضها الآخر)(قالت السمكة العجوز: بعد البركان (( فلتبارك الاسماك حظها رغم كل شيء ورغماً عنها ولتمارس الجماع ليل نهار من اجل اسماك اخرى تعيد الدورة نفسها ))
ومن المعروف عن الأسماك التكاثر وهي رمز الخير والحركة والسرعة والخصوبة والجنس. وقد تجلى ذلك في مرجعيات الفن القديمة عند العراقيين كما في تمثال ( ربة الينبوع) التي كانت بشكل سمكة وطيات ثيابها عبارة عن ماء متموج في داخله اسماك .
ويجلى الجنس بشاعرية جمالية حين ينقل لنا الكاتب صورة حكائية تختزل الكثير ( مد يده بخجل الى اشياء طرية معافاة فأنطلقت يده طيوراً واشتعلت الأشياء طيوراً فلم يأسف لذلك )لقد جسد نشوة الاتصال الجسدي بطريقة فيها من السمو ما يجعل الأشياء تشتعل برمز طالما كان مجسداً للسلام والمحبة في وقت آخر يصور نضج الانوثة المشتاقة الى الذكورة والتي تكسر حواجز الأشياء واصفاً ايها بالشجرة الهجينة حيث جعل من ذلك إيحاء بأنوثة جامحة ذات شراسة … فهي تجيد كل الكلمات الدارجة و( الخلاعات ) وهنا في هذه المفردة بالذات ينطلق الكاتب بجرأة في استعمال شفرات بلاغية على درجة عالية من الإبلاغ لينتشي المتلقي ايما نشوة في تذوق المفردة الجمالية .
يعكس الكاتب الفنان تأثره بفناني عصره ليكون القصص امتداداً للفن التشكيلي حيث تتجسد القصة التشكيلية برؤيا جمالية ادبية فهو يتحدث عن ماهود احمد ليصف لوحته بعد ان انطقها بالقول .. ( امرأة هي امتداد من القلق الأخضر- لاحظ جملة القلقل الأخضر - وزورق يحمل يحمل أفخاذا ممتلئة مهملة يقابل ذلك اسماك قرش ترقص حيث تلبس اسماك القرش قناعاً لموج عارم من الجنس والصخب(ص9) . انه يشير إلى واقعية سريالية لفنان كبير .. ان إحساس الكاتب المرهف وعنايته بالحياة الذي يمثلها الجنس بفتوته يجعله يتوق الى الحرية برمزية الطيور كنوع من رد الفعل على الموت والرغبات الحبيسة ! ( طيور مثلاً ) ويلاحظ قوله ( صدر بض جميل بنهدين صغيرين كاعبين … ها انت الآن تمسك … تحقق رغبة قد آن اوانها كمن يمسك أعشاش طيور .. ها أنت تلتحم بالصدر .. صدران يلهثان معاً بنوع من الاتصال يفوق كل انواع الاتصالات الأخرى بما يشبه العراك اللذيذ ) ذلك مايثر الحياة القائمة على الصراع .. انه الجنس الجميل الهادئ بصخبه وعنفوانه(10ص) … يترجم الكاتب رايه في العمل الفني وطريقة تجسيده على القماش قائلا: (( الروح تدون نفسها وتنشط ديدان الا شعور وسرطانات الجنس.. الحاجات .. ما لم نقله ابداً (ص14) ويكمن الجنس في الموت ذاته حين يشير (( الموت الذي يأتيهم رغما عنهم على عجل ويدفن بعضهم بعضاً يعرف اخيراً ان البرنامج كان متقناً في مدخلاته ومخرجاته ( في زمن سيال) فالسيولة إيحاء بالجنس وهي رد فعل على الموت واليباس.. انه يحتاج الى الآخرين في حميمية اجتماعية( شعر بالحاجة الى الآخرين) .. طفل .. امرأة .. صديق.. (ص18) لكن الجنس ذاته يتحول الى غربة روحية ( في اللوحة الأولى ) و( انساق ) اذ ياخذ سلوك الكائنات أنساقه تبعاً لشكل ..الأرحام... الملاذات .. الأوعية )).
ان آفة الجنس هو الهرم والزوال ويبرع الكاتب في تصوير لوحة تشكيلية من خلال قصته في هذا الوصف البديع لهرم الفحولة ( بينما تضطجع غافية بعمق قطة ذات فروه مزهوة وأطراف غليظة وقد بدت عليها كل ملامح الصبابة والمعاناة … تحرك خلال قوائمه الأربعة يجرجر حثالة عبء جسم متهرئ .. استدار حولها نصف دورةٍ أصبح اكثر قرباً وراح يتشمم جسمها بشهوة قد فات أوانها … تثاءبت بعد ان أحست بقربه منها نظرت إليه نظرة مقتة وعداء ولكنه بقي كما هو لصيق جسدها دون ان يبتعد مما استشاط ثورتها فركلته بأطرافها الخلفية (ص24).
ان التناقض بين الجنس والموت يتجسد كثيراً في هذه القصص لينسى الكاتب حرفية الكتابة فتصبح عفوية الفلسفة الجمالية والفنية في ما يكتب وذلك شيء مثير حين يشرع في قصة اكتشاف بالقول : (( شعر ان قماشة اللوحة تشبه الكفن في كل شيء .. في الخامة والملمس واللون ودرجة الإضاءة فيهما كانت اللوحة تشبه شكل وشم محمل بالسميائيات والنبؤات العاهرة حد حسية مسك الأشياء (29ص) هنا يتجلى الإبداع في الجمع بين التنبؤات وصفة العهر .. اذا كيف تكون النبؤات عاهرة لو لم تكن مغمسة بالجنس الثائر على الموت؟ .. ان اللوحة التشكيلية تتولد من العلاقة الجنسية في مخاض الكتابة القصصية ( في وقائع يتلاقح فيها الأحمر بالأخضر .. نقيضان في وحده حالمة هكذا أبطاله يولدون في شبق الفحولة .. أنهم فطريون حد اللعنة يمارسون حياتهم .. لعناتهم .. عهرهم ولواطهم ووحشيتهم هكذا الإنسان في بقاع مثل هذه من العالم ينغمس بقاذورات السلطة وسيادة اليومي وشهوة الجنس (ص33) التي تسييقذ اثناء الحر- نجد ارتباط الجنس بالحرارة - واضحاً في الكلمات الأخيرة .. انه هجاء العصر بوصفه جنسياً في هذه المقاطع المثيرة ذات الروح الوحشية المرتبطة بغوغان وماتيس ويظهر الواقع السحري مشيراً الى رؤاية - ليس لدى الكولو نيل من يكاتبه - لماركيز المدهش في الكتابة )) .
يعتقد الكاتب بأن العاطفة تتغير بالإزاحات الكبيرة مثل الاشياء وهو يصف عجوز خرباً بعد ان هجره الجميع انه رثاء للفحولة في سباب ماضي (ص36)( واشياء تحدث عادة) لكنه من ناحية أخرى يتلمس العفة والموقف النبيل من امرأة عاهرة في كوخ هزاز يهتز الى الصباح من المواقعة الجنسية لجيش من الرجال حيث تثب هذه العاهر لأنقاذ طفل يحترق في البيت وكأنه يقول بعد موتها ان البشرية تحتاج الى الجنس بصورته النبيلة مشيراً الى المواقف الإنسانية الفاجعة (ص44) يأخذ الجنس شكله الآمن والداعي الى الاستقرار في الأسئلة ( قبل ساعات كان دافئاً حيوياً يملأ البيت بهجة .ز صخب .. وتملئين أنت أحضانه يطوقكِ بذراعيه مثل سياج بيت آمن ) لكنه يخونها رغماً عنه تطرح التساؤل المدوي للإله.. لماذا شرختني ياألهي (ص48) … هذه الحدة تشي بمرارة الإحساس بخيبة الأنوثة من فحولة غادرة....
ويبقى التساؤل الكبير .. لماذا تكمن الرؤى في إسطبلات الخيل ؟ أهو الجنس؟ الكامن تحت ظلال الغريزة والموت المتربص به ويكمن في تلك الإسطبلات ام هي الروح الطفولية الخائفة من ضياع رغبتها العاطفية في استمرار الحياة !!؟
- قصص الرؤى تكمن في إسطبلات الخيل - علي شناوه وادي دار الأرقم للطباعة / الحلة/ 2007


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حاتم عباس بصيلة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/28



كتابة تعليق لموضوع : الجنس في قصص / الرؤى تكمن في إسطبلات الخيل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net