صفحة الكاتب : رشيد السراي

معركة وهمية بين الأدباء والمرجعية
رشيد السراي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد صدور قرار مجلس محافظة بغداد بتفعيل قانون سابق يقضي بغلق محال الخمور والنوادي الليلية غير المرخصة وقد شمل القرار النادي الاجتماعي لاتحاد الأدباء قامت مجموعة من هؤلاء الأدباء تقودهم مؤسسة المدى لصاحبها فخري كريم بتظاهرة في شارع المتنبي وتعدت المطالبة بفتح النادي إلى المطالبة بالحقوق وإطلاق الحريات والاعتراض على الحجاب والتباكي على محاولات تحويل بغداد إلى قندهار، أقول بعد صدور هذا القرار-القانوني- وحدوث تلك التظاهرة صدر بيان من المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي يؤيد فيه قرار مجلس محافظة بغداد ويصفه بالموقف الشجاع وينتقد هؤلاء الأدباء الذين شاركوا في التظاهرة ويصفهم بأنهم (لا أدب لهم) ويذكر بعض ما وصل لسمعه من تصرفات بعضهم السيئة في هذا النادي والتي ضاق بها أهل المنطقة ذرعاً ووصلت إلى حد قيامهم بسبب تأثير السكر بالبول على بعضهم البعض.
هذه خلاصة الموضوع ولن أخوض في تفاصيل كون قرار مجلس محافظة بغداد قانوني أم لا لأنه يكفي في قانونيته إن القاعدة هو إن كل القوانين الصادرة في زمن النظام السابق تبقى سارية المفعول لحين صدور قانون جديد وانه تم التصويت على تنفيذ الإجراء بأغلبية 54 صوت ضد 3 أصوات، ولن أخوض كذلك في مدى مصداقية ما نُقل عن أخبار التصرفات المسيئة في النادي الاجتماعي لاتحاد الأدباء التي ذكر الشيخ اليعقوبي بعضاً منها في بيانه لأنها أوضح من أن تنفى، ولن أتحدث عن المقالات التي أيدت موقف الشيخ اليعقوبي ومجلس محافظة بغداد ولا عن المظاهرات التي خرجت تأييداً لهذا الموقف ولا عن المواقف اللاحقة المؤيدة لكل من السيد مقتدى الصدر والشيخ قاسم الطائي والسيد صدر الدين القبانجي وغيرهم ،ولا عن ردود الفعل التي طالب متبنوها بإعادة تشكيل اتحاد الأدباء أو بتشكيل اتحاد أدباء إسلامي خاصة وان الاتحاد الحالي غير معترف به من الاتحاد العربي ،ولكن حديثي سيكون حول ردة الفعل الغريبة تجاه البيان فبعد صدور البيان طالعنا بعض الكتاب بمقالات لتأييد موقف المتظاهرين وشجب البيان وما جاء فيه وقد لاحظنا على هذه المقالات ما يلي:
1-إن اغلب الكتاب إن لم يكن كلهم من الشيوعيين (كمثال صادق اطيمش ووليد الراوي وعزيز الحاج وآخرون) بل إن مؤسسة المدى صاحبة الدعوة للتظاهرة وحملة الحريات أولاً يقودها فخري كريم وهو شيوعي معروف،فلماذا الشيوعيين فقط  دون غيرهم هم.
2-بعض الكتاب (كصادق اطيمش مثلاً) حاول الطعن في اجتهاد الشيخ اليعقوبي من خلال الترويج لجواب قديم للسيد كاظم الحائري حول اجتهاد الشيخ اليعقوبي من عدمه ولم يكن اطيمش موفقاً في مقاله هذا لأنه لا يعرف المفاهيم المتعلقة بالموضوع من شهادة أهل الخبرة وتعارض الشهادات وغيرها فكان كحاطب ليل.
3-بعض الكتاب استخدم كلمات نابية وأساليب في الكتابة يندى لها الجبين كما في كتابات (طارق حربي وفالح حسون الدراجي) والأخير خاصة كان مقاله مليء بالكلمات القذرة التي لا تصلح للغة الإعلام.
وعلى العموم فان اغلب المقالات تضمنت تجاوزات وشتائم والتعليقات عليها كانت اشد قسوة في السب والشتم ومن خلال ذلك يمكن معرفة مصداقية كلمة الشيخ اليعقوبي عندما قال (إنهم لا أدب لهم) فهو كان يقصد هؤلاء وأمثالهم الذين لم يتمالكوا أنفسهم بعد صدور البيان فظهروا على حقيقتهم.
4-حاول البعض منهم تسييس القضية من خلال ربط المسئلة بحرب مفتعلة ضد الحزب الشيوعي، أو من خلال الحديث عن حزب الفضيلة وسرقاته النفطية المفتعلة التي عجز ألد أعداء الحزب عن إيجاد دليل عليها، أو من خلال ربط المسئلة بالإسلام السياسي كما يسمونه والسعي لبناء دولة دينية.
5-حاول بعضهم إيجاد ربط وهمي بين الأدب والسكر والخمر من خلال الحديث عن خمريات الشعراء ، والحال إن صاحب ابسط ثقافة في الأدب يعلم إن اغلب الشعراء ذكروا الخمر في أشعارهم ولكن اغلبهم ذكروها لأسباب أدبية بحتة فليس كل من ذكر الخمر نجزم بشربه لها والحقيقة إن هذا الموضوع أوضح من أن يوضح ولكن المستوى الضحل لمن طرح هذه الحجة اضطرني لذكر التوضيح.
6-حاول بعضهم إيهام القارئ بان هناك معركة بين الإسلام السياسي بقيادة المرجعية وبين الأدباء ، والحال انه لا توجد أي معركة من هذا القبيل فما حدث لا يتعدى كونه انتقاد لواقع سلبي لمجموعة من الأدباء لم يحترموا الدين والعادات والتقاليد ولا الدستور الذي يضمن الحريات ولكنه-كما في كل دساتير العالم-يحددها بأطر.
وهؤلاء الأدباء النشاز لا يمثلون إلا أنفسهم.
فضلاً عن الادعاء بتمثيلهم للمثقف العراقي.

7-حاول بعضهم كما في مقال (فالح حسون الدراجي) الغريب العجيب المعنون (العراقيين عركجية وان لم يشربوا) وعذراً على نقل هذا العنوان السخيف، أقول حاولوا إيهام القارئ بان العراقيين كلهم سكارى وراغبين فيما يرغب به من تحلل في حين إن نظرة بسيطة للمجتمع العراقي تثبت خلاف ذلك تماماً، هذا فضلاً عن الإهانة الكبيرة التي قام بها هذا الكاتب بحق الشعب العراقي بوصفه بالسكير.

8-حاول بعضهم تبرير المسئلة تاريخياً من خلال ذكر شواهد على موقف الحكومات الإسلامية من شرب الخمر وإنها لم تقم بغلق الحانات وهذا الموضوع أهون من أن يرد عليه وإنما ذكرناه لنبين مدى سخافة الطرح المقابل وضعفه.

9-حاول بعضهم إيهام القارئ بان بيان المرجعية تدخل في شأن سياسي وهو مخالف للدستور بل وصل الأمر ببعضهم (مثنى حميد مجيد) إلى المطالبة بمحاكمة المرجعية لأنها خالفت الدستور، وحجة مخالفة الدستور صارت التهمة الجاهزة لكل احد وكثيراً ممن ينطقون بها ومنهم هذا الكاتب أكاد اجزم بأنه لم يقرأ الدستور يوماً وانه ربما صوت ضده. بل إن تصرف هؤلاء المسمون بالأدباء هو المخالف للدستور وسأذكر شواهد لا كما فعل هؤلاء الكتاب الذين يرسلون التهم بمخالفة الدستور دون ذكر النصوص الدستورية التي تمت مخالفتها واليكم النصوص الدستورية التي خالفها هؤلاء الأدباء بمطالباتهم:
المادة(17):
أولاً: لكل فردٍ الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين، والآداب العامة.
المادة(29):
أولاً :ـ أـ الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية.
المادة (36):
ثانياً:ولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
أولاً:ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً:ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
ومخالفتهم سببها مطالبتهم بحرية بلا حدود ودون مراعاة للآداب العامة والقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع.

10-حاول بعضهم تبرير أسباب التظاهرة على أنها مطالبة بحقوق الأقليات وان بيان الشيخ اليعقوبي يسلب حق الأقليات ،وبتباكيهم على حقوق الأقليات أرادوا تغيير الموقف لصالحهم وإلا فإن اصل الموضوع غلق النادي الاجتماعي في اتحاد الأدباء فهل هذا النادي مخصص للأقليات أم ماذا؟ وهل لا توجد أماكن مرخصة للأقليات؟ بالتأكيد إن جواب السؤالين هو النفي فالنادي الاجتماعي ليس مخصصاً للأقليات ويوجد في بغداد وحدها ما يقرب من (95) محلاً ومكاناً مرخصاً لشرب الخمر يكفي للأقليات بكل تأكيد، فهل التباكي فعلاً على حقوق الأقليات؟؟

11-حاول بعضهم القول بان بيان الشيخ اليعقوبي فيه سباب وشتائم ولا يليق بالإنسان العادي فضلاً عن المرجع وان فيه تحريض.واليكم الفقرات التي قيل أنها تحوي سباب وشتائم(ويمكن مراجعة نص البيان لمن أراد فهو منشور في الموقع الرسمي لمكتب الشيخ اليعقوبي):
\"ولا أدري أي أدب يحمله هؤلاء وهم يتنكرون لهوية الأمة ومقوّمات وجودها، وأي حريّة يطالب بها هؤلاء لمجموعة من الأشرار تسكر وتعربد وتعيث فساداً في المجتمع\"
\"لقد أثبت ما يسمى باتحاد الأدباء انه لا أدب له ولا حياء والعار له ولكل من ساند حركته هذه ولقد كان ينقل لنا عما يجري في ناديهم من سكر وعربدة ومخازي(حتى إن بعضهم يبول على بعض حينما يملأون بطونهم بالإثم والحرام) فلم نكن نصدق حتى كشفوا عن وجوههم القبيحة بهذا التحرك الوقح\".
فأين هو السب والشتم؟؟؟؟
واليكم الفقرة التي قيل إن فيها تحريض وتقتضي تقديم الشيخ اليعقوبي للمحاكمة:
\"ونهيب بأبناء بغداد الحبيبة خصوصاً من تأذّوا بالتصرفات الشاذة لأولئك الأشرار أن يظهروا تأييدهم لهذا القرار المبارك بأي وسيلة، كنشر اللافتات المؤيدة له والمستنكرة لفعل المعترضين والرافضة لسلوك الفسقة ، وأن يقوم أئمة المساجد والخطباء والكتاب والمفكّرون والمنظمات الإنسانية والمدافعة عن حقوق الإنسان بتحمل مسؤولياتهم في الحفاظ على كرامة الأمة ومقدساتها وصيانتها من الفساد والانحراف الذي هو من أقوى أسباب توليد الجريمة والإرهاب ونخر كيان المجتمع\".
أليست هي مجرد مطالبة بالتأييد بوسائل يبيحها الدستور، أم إن من حق السكارى أن يتظاهروا وينشروا اللافتات ولا يحق لنا نحن!!!
وهل في مطالبة أئمة المساجد والخطباء والكتاب والمفكرون والمنظمات المسؤولية بتحمل مسؤولياتهم تحريض !!!

12-قال بعضهم إن البيان يمثلاً تحولاً جذرياً في رؤى المرجعية تجاه العملية السياسية والبيان يكشف عن النية في بناء حكم إسلامي على نمط ولاية الفقيه أو على نمط الحكومة الإسلامية في إيران أو شبيه بذلك وللأسف لو كان هؤلاء اطلعوا أدنى إطلاع على رؤى المرجعية المعلنة والواضحة تمام الوضوح لعرفوا وجهة نظر المرجعية في هذا الموضوع،وموقف المرجعية واضح من العملية السياسية وكيفية التعاطي معها وكذلك موقفها من إمكانية تطبيق ولاية الفقيه من عدمه.

13-حاول بعضهم القول بان الشيخ اليعقوبي كان ولازال ساكتاً تجاه الكثير من القضايا التي تمس حياة المجتمع العراقي فلماذا أثاره هذا الموضوع دون غيره وأين كانت غيرته مما يحدث من سلبيات وضياع للحقوق وسرقة لأموال الدولة، ولهؤلاء أقول وحده الغافل عن الشأن العراقي والبعيد عن المجتمع يقول ذلك بحق الشيخ اليعقوبي الذي ما ترك ظاهرة سلبية إلا ونقدها وطرح الحلول ولا ترك ظاهرة ايجابية إلا وأيدها وخطاباته التي جاوزت الثلاثمائة والمحاضرات والخطب والتوجيهات الفيديوية التي تعدت المئات شاهد على ذلك فمن لا يعلم فمشكلته جهله.

خلاصة الموضوع بيان المرجعية هو بيان لتأييد موقف ايجابي دستوري تجاه حالة سلبية لا تتناغم مع العرف العام لدى المجتمع العراقي ،والتقريع الموجود في البيان موجه للفئة التي تؤيد تلك الممارسات بل وتقوم بها. وهذا البيان هو من صميم واجبات المرجعية ولا يتقاطع مع الدستور ولا يمثل توجهاً جديداً أو تحولاً في رؤى المرجعية تجاه العملية السياسية ولا يمثل بداية لفرض حكم إسلامي على العراق مشابه للتجربة الإيرانية أو الطالبانية.

 


رشيد السراي
13/12/2010
Asarai76@yahoo.com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رشيد السراي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/12/15



كتابة تعليق لموضوع : معركة وهمية بين الأدباء والمرجعية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net