الفرق بين أكملت و أتممت ومشتقاتهما في القرآن الكريم (ح 1)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال الله تعالى عن كلمة أكملت ومشتقاتها "دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي" ﴿المائدة 3﴾ أَكْمَلْتُ: أَكْمَلْ فعل، تُ ضمير، اليوم أكملتُ لكم دينكم: أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام، وردت كلمتا أكملت وأتممت معا في هذه الآية المباكرة، اليوم أكملت لكم دينكم دين الإسلام بتحقيق النصر وإتمام الشريعة، وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ورضيت لكم الإسلام دينًا فالزموه، ولا تفارقوه، و "وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ" ﴿البقرة 185﴾ وَلِتُكْمِلُوا: وَ حرف عطف، لِ لام التعليل، تُكْمِلُ
فعل، وا ضمير، ولتكملوا عدة الصيام شهرًا، ولتختموا الصيام بتكبير الله في عيد الفطر، ولتعظموه على هدايته لكم، ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق والتيسير، و "وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ" ﴿البقرة 196﴾ كاملة صفة، فإذا كنتم في أمن وصحَّة: فمن استمتع بالعمرة إلى الحج وذلك باستباحة ما حُرِّم عليه بسبب الإحرام بعد انتهاء عمرته، فعليه ذبح ما تيسر من الهدي، فمن لم يجد هَدْيًا يذبحه فعليه صيام ثلاثة أيام في أشهر الحج، وسبعة إذا فرغتم من أعمال الحج ورجعتم إلى أهليكم، تلك عشرة كاملة لا بد من صيامها، ذلك الهَدْيُ وما ترتب عليه من الصيام لمن لم يكن أهله من ساكني أرض الحرم، و "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ " ﴿البقرة 233﴾ كاملين صفة، كاملين: صفة مؤكدة، وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام الرضاعة، ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن، على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا، و "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ" ﴿النحل 25﴾ كاملة اسم، كاملة: لم يُكفَّر منها شيء، تكون عاقبتهم أن يحملوا آثامهم كاملة يوم القيامة لا يُغْفَر لهم منها شيء ويَحْملوا من آثام الذين كذبوا عليهم، ليبعدوهم عن الإسلام من غير نقص من آثامهم.
جاء في معاني القرآن الكريم: الفرق بين كلمتي "أكملت" و "أتممت" في قوله تعالى: "اليوم أكملتُ لكُم دينكُم وأتْممتُ عليكُم نعمتي" (المائدة 3). بمعنى أخر: لماذا لم يقل الله سبحانهُ وتعالى: (اليوم أكملتُ لكُم دينكُم وأكملتُ عليكُم نعمتي). أكمل الأمْرَ: أي أنهاهُ على مراحل مُتقطّعة بينها فواصل زمنيّة. فالذي عندهُ أيّام إفطار في رمضان وعليه صيامها فيما بعد لديه فرصة 11 شهراً لقضائها ولو على فترات متقطّعة. لذلك قال تعالى: "ولتُكْملوا العِدّة" (البقرة 185). أما أتمّ الأمر: يجب أنْ لا ينقطع العمل حتّى ينتهي، فلا يجوز مثلاً الإفطار عند النهار في يوم الصيام ولو لفترة قصيرة جدّاً. لذلك يقول الله تعالى: "ثُمّ أتِمّوا الصيام إلى الليل" (البقرة 187) ولم يقل (أكملوا). وكذلك لا يجوز للإنسان أن يتحلّل مِنَ الإحرام في الحجّ حتى ينتهي من شعائره لذلك يقول الله تعالى: "وأتمّوا الحجّ والعُمرة للّه" (البقرة 196) وليس أكملوا الحجّ. فلماذا الدين (اُكْمل) بينما النعمة (أُتِمّت)؟ لأنَّ الدين نزل على فتراتٍ متقطّعة على مدى 23 عام. ولكن المُلفت والجميل أن نعمة الله لم تنقطع أبداً فقال "وأتممتُ عليكُم نعمتي" (المائدة 3) فنِعْمةُ اللّه لمْ تَنقطع ولا حتى ثانية واحدة على هذه الأمّة.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً" (المائدة 3) الإكمال والإتمام متقاربا المعنى، قال الراغب: كمال الشيء حصول ما هو الغرض منه. وقال: تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه. والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه. ولك أن تحصل على تشخيص معنى اللفظين من طريق آخر، وهو أن آثار الأشياء التي لها آثار على ضربين. فضرب منها ما يترتب على الشيء عند وجود جميع أجزائه إن كان له أجزاء بحيث لو فقد شيئا من أجزائه أو شرائطه لم يترتب عليه ذلك الأمر كالصوم فإنه يفسد إذا أخل بالإمساك في بعض النهار، ويسمى كون الشيء على هذا الوصف بالتمام، قال تعالى ":ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ" (البقرة 187) وقال "وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً" (الانعام 115). وضرب آخر: الأثر الذي يترتب على الشيء من غير توقف على حصول جميع أجزائه، بل أثر المجموع كمجموع آثار الأجزاء ، فكلما وجد جزء ترتب عليه من الأثر ما هو بحسبه، ولو وجد الجميع ترتب عليه كل الأثر المطلوب منه، قال تعالى "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ" (البقرة 196) وقال "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ" (البقرة 185) فإن هذا العدد يترتب الأثر على بعضه كما يترتب على كله، ويقال : تم لفلان أمره وكمل عقله: ولا يقال تم عقله وكمل أمره. وأما الفرق بين الإكمال والتكميل ، وكذا بين الإتمام والتتميم فإنما هو الفرق بين بابي الإفعال والتفعيل، وهو أن الإفعال بحسب الأصل يدل على الدفعة والتفعيل على التدريج، وإن كان التوسع الكلامي أو التطور اللغوي ربما يتصرف في البابين بتحويلهما إلى ما يبعد من مجرى المجرد أو من أصلهما كالإحسان والتحسين ، والإصداق والتصديق، والإمداد والتمديد والإفراط والتفريط، وغير ذلك، فإنما هي معان طرأت بحسب خصوصيات الموارد ثم تمكنت في اللفظ بالاستعمال. وينتج ما تقدم أن قوله "أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِ" (المائدة 3) يفيد أن المراد بالدين هو مجموع المعارف والأحكام المشرعة وقد أضيف إلى عددها اليوم شيء وإن النعمة أيا ما كانت أمر معنوي واحد كأنه كان ناقصا غير ذي أثر فتمم وترتب عليه الأثر المتوقع منه. والنعمة بناء نوع وهي ما يلائم طبع الشيء من غير امتناعه منه، والأشياء وإن كانت بحسب وقوعها في نظام التدبير متصلة مرتبطة متلائما بعضها مع بعض ، وأكثرها أو جميعها نعم إذا أضيفت إلى بعض آخر مفروض كما قال تعالى "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها" (ابراهيم 34) وقال "وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً" (لقمان 20).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124)، "وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ" (البقرة 124) هذه الفقرة من الآية تشير إلى الاختبارات المتتالية التي اجتازها إبراهيم عليه السّلام بنجاح، و تبين من خلالها مكانة إبراهيم و عظمته و شخصيته. و بعد أن اجتاز هذه الاختبارات بنجاح استحق أن يمنحه اللّه الوسام الكبير "قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً" (البقرة 124). الإمامة آخر مراحل مسيرة إبراهيم التكاملية: بما تقدم في بيان حقيقة الإمامة يتضح أنه من الممكن أن تكون لشخص منزلة النّبوة و تبليغ الرسالة، بينما لا تكون له منزلة الإمامة. و هذه المنزلة تحتاج إلى مؤهلات كثيرة في جميع المجالات. و هي المنزلة التي نالها إبراهيم عليه السّلام بعد كل هذه الامتحانات و المواقف العظيمة، و كانت آخر مرحلة من مراحل مسيرته التكاملية. من ذهب إلى أن الإمامة هي (أن يكون الفرد لائقا و نموذجيا) فقط، ما فهم أن هذه الصفة كانت موجودة في إبراهيم عليه السّلام منذ بداية النّبوة. و من قال إنّ المقصود من الإمامة (أن يكون الفرد قدوة)، فاته أن هذه صفة جميع الأنبياء منذ ابتدائهم بدعوة النّبوة، و لذلك وجب أن يكون النّبي معصوما لأن أعماله قدوة للآخرين. من هنا، فمنزلة الإمامة أسمى ممّا ذكر، بل أسمى من النّبوة و الرسالة، و هي المنزلة التي نالها إبراهيم من قبل اللّه بعد أن اجتاز الامتحان تلو الامتحان. قوله تعالى "ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ" (الانعام 154) فقد أتممنا نعمتنا على المحسنين و الذين سلّموا لأمره و اتبعوه. و ممّا قيل يتّضح معنى كلمة "ثمّ" تستعمل في اللغة العربية عادة في (العطف مع التراخي) و يكون معنى الآية هو: أنّنا آتينا هذه التعاليم و الوصايا العامّة للأنبياء السابقين أوّلا، ثمّ آتينا موسى كتابا سماويا و بيّنا فيه هذه التعاليم و البرامج و غيرها من التعاليم و البرامج اللازمة. و بهذا لا حاجة إلى ما ذهب إليه بعض المفسّرين من التوجيهات المختلفة، و الضعيفة أحيانا في هذا المجال. كما تتّضح هذه النقطة أيضا، و هي أنّ عبارة: الَّذِي أَحْسَنَ إشارة إلى جميع المحسنين، و الذين يستجيبون للحق، و يقبلون بالأوامر الإلهية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat