تثريب و يثرب في القرآن الكريم
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال الله تعالى عن كلمة تثريب ومشتقاتها "قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" ﴿يوسف 92﴾ تثريب اسم، لا تثريب: لا تقريعَ ولا تعبير ولا لوم، لا تَثْريبَ: لا تأنيب عليكم فيما صنعتم، لا تثريب عليكم: لا تأنيب و لا لوم عليك، قال لا تثريب: عتب، قال لهم يوسف: لا تأنيب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته، و "وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا" ﴿الأحزاب 13﴾ يثرب اسم علم، يثرب: اسم المدينة المنوّرة، يا أهل يثرب: هي أرض المدينة، واذكر أيها النبي قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل المدينة: يا أهل يثرب وهو الاسم القديم للمدينة لا إقامة لكم في معركة خاسرة، فارجعوا إلى منازلكم داخل المدينة، ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى منازلهم بحجة أنها غير محصنة، فيخشون عليها، والحق أنها ليست كذلك، وما قصدوا بذلك إلا الفرار من القتال.
وردت كلمة تثريب ومشتقاتها في القرآن الكريم: تَثْرِيبَ، يَثْرِبَ. جاء في معاني القرآن الكريم: ثرب التثريب: التقريع والتقرير بالذنب. قال تعالى: "لا تثريب عليكم اليوم" (يوسف 92)، ولا يعرف من لفظه إلا قولهم: الثرب، وهو شحمه رقيقة، وقوله تعالى: "يا أهل يثرب" (الاحزاب 13)، أي: أهل المدينة، يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء تكون فيه زائدة.
جاء في المعاجم: تثريب: (اسم)، تثريب: مصدر ثَرَّبَ، تَثريب: (اسم) مصدر ثَرَّبَ، تَثْرِيبُ الرَّجُلِ: لَوْمُهُ، تَعْيِيرُهُ لاَ تَثْريبَ عَلَيْكَ، وَجَدَهُ فِي تَثْرِيبٍ: فِي تَخْلِيطٍ وَإِفْسَادٍ، أَثارِبُ: (اسم) أَثارِبُ: جمع ثَّرْبُ، ثَرَبَ: (فعل)، ثَرَبْتُ، أَثْرِبُ، اِثْرِبْ، مصدر ثَرْبٌ، ثَرَبَ صَاحِبَهُ وَثَرَبَ عَلَيْهِ : لاَمَهُ، عَيَّرَهُ، وَبَّخَهُ عَلَى ذَنْبٍ اِقْتَرَفَهُ، ثَرَبَ الْمَرِيضَ: نَزَعَ عَنْهُ ثَوْبَهُ، ثَرَّبَ: (فعل) ثرَّبَ / ثرَّبَ على يثرِّب، تثريبًا، فهو مثرِّب، والمفعول مثرَّب، ثَرَّبَ فلانًا، وعليه: لامه وعيّره بذنبه، ثَرَّبَ عَلَيْهِ صَنيعَهُ: قَبَّحَهُ، عَنَّفَهُ، ثَرْب: (اسم) ثَرْب: مصدر ثَرَبَ، ثَرب: (اسم)، الثَّرْبُ: غشاء شحمي يُغَشِّي الكَرش والأمعاءَ والجمع: ثُرُوبٌ، وأَثْرُب، يَثرِب: (اسم) اسم كان يُطلق على المدينة المنوَّرة قبل هجرة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم إليها عام 622 م "وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا" (الاحزاب 13)، وسميت يثرب بهذا الاسم نسبة إلى يثرب ابن قاينة أول من سكنها بعد التفرق وهو أحد العمالقة، ثَرَبَ صَاحِبَهُ وَثَرَبَ عَلَيْهِ: لاَمَهُ، عَيَّرَهُ، وَبَّخَهُ عَلَى ذَنْبٍ اِقْتَرَفَهُ، وفي الحديث: نَهى عن الصَّلاةِ إِذا صارَتِ الشمسُ كالأَثارِبِ أَي إِذا تَفَرَّقَت وخَصَّت مَوْضِعاً دون موضع عند الـمَغِيب. ثَرَّبَ: أفسد وخلَّط، و ثَرَّبَ فلانًا، وعليه: لامه وعيّره بذنبه، وفي التنزيل العزيز: يوسف آية 92 "لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ"، ويقال: ثرّب عليهم، وثرّب عليهم فِعلَهم: قبَّحه.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (يوسف 92) التثريب التوبيخ والمبالغة في اللوم وتعديد الذنوب ، وإنما قيد نفي التثريب باليوم ليدل على مكانة صفحة وإغماضه عن الانتقام منهم والظرف هذا الظرف هو عزيز مصر أوتي النبوة والحكم وعلم الأحاديث ومعه أخوه وهم أذلاء بين يديه معترفون بالخطيئة وإن الله آثره عليهم بالرغم من قولهم أول يوم "لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (يوسف 8). يذكر يوسف في خلإ المراودة الذي يملك من الإنسان كل عقل ويبطل عنده كل حزم لا يشغله ذلك عن التقوى ثم عن رعاية الأدب في ذكر ربه ومع غيره "قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ" (يوسف 92)، و "مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" (يوسف 23). في تفسير العياشي، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال: قال يوسف لإخوته "قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)" (يوسف 92-93) الذي بلته دموع عيني. وردهم إلى يعقوب في ذلك اليوم، وجهزهم بجميع ما يحتاجون إليه فلما فصلت عيرهم من مصر وجد يعقوب ريح يوسف فقال لمن بحضرته من ولده ـ إني لأجد ريح يوسف لو لا أن تفندون. فحمد الله يعقوب عند ذلك، وسجد لربه سجدة الشكر ورجع إليه بصره وتقوم له ظهره، وقال لولده: تحملوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم فساروا إلى يوسف ومعهم يعقوب وخالة يوسف (ياميل) فأحثوا السير فرحا وسرورا فساروا تسعة أيام إلى مصر. قوله تعالى "وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا" (الاحزاب 13) يثرب اسم المدينة قبل الإسلام ثم غلب عليه اسم مدينة الرسول بعد الهجرة ثم المدينة، والمقام بضم الميم الإقامة، وقولهم "لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا" (الاحزاب 13) أي لا وجه لإقامتكم هاهنا قبال جنود المشركين فالغلبة لهم لا محالة فارجعوا ثم أتبعه بحكاية ما قاله آخرون فقال عاطفا على قوله: قالت طائفة: "وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ" (الاحزاب 13) أي من المنافقين والذين في قلوبهم مرض "النَّبِيَ" (الاحزاب 13) في الرجوع "يَقُولُونَ" (الاحزاب 13) استئذانا "إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ" (الاحزاب 13) أي فيها خلل لا يأمن صاحبها دخول السارق وزحف العدو "وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ" (الاحزاب 13) أي ما يريدون بقولهم هذا "إِلَّا فِراراً" (الاحزاب 13).
قال بشر: فركبت فرسي و مضيت حتى دخلتها فلما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت اقول: يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار الجسم منه بكربلاء مضرج * و الرأس منه على القناة يدار. من أبيات متفرقة للشاعر أبو العلاء المعري: وهل لحِق التثريبُ سُكّانَ يثربٍ * من الناس لا بل في الرّجال غباء قد ثَرّبتْ يثرِبٌ عليهِمْ * وبكّةُ المُسلمينَ بكّه وخَيرٌ للفُؤادِ من التّغاضي * على التثريبِ نَصلٌ يَثربيّ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat