صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

لماذا لا ينجح ’المفكّرون’ على مواقع التواصل الاجتماعي؟!
صلاح عبد المهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تتوهَّجُ بعضُ الشخصياتِ في عالَم التواصل الاجتماعي ثمَّ تنطفي، كما يلمعُ السرابُ بين رمالِ الصحراءِ ثم يخبو.

ثقافتُنا - في الأعمِّ الأغلب - ثقافةٌ سمعيَّةٌ - صوريَّة، مُستمدَّةٌ مما نرى ونسمع، فنكون منفعلين وغير فاعلين ولو على مستوى نقد الفكرة، أو التأمّل فيها وذلك أضعف الإيمان.

فيكون الإعجابُ إعجابَ أذن، لا إعجاب عقل.

والإبهار إبهار صورة لا إبهار بصيرة.

فيكون الانبهار بالمنظِّر لا بالنَّظرية، حين الاندهاش، ويكون النَّقدُ للقائل لا للقول حين الامتعاض

ذلك أنَّ التوجّه يكون للباقة الكلام، وحركات المتكلِّم، وحدَّة صوته، وتوزيع نظراته فتُلبس الفكرة الميتة ثوب الحياة، وقد يكون العكس فيخلع على الفكرة الحيَّة ثوب الممات.

والعين تألف الشيءَ حيناً من الدهر ثم تستهجنه، وتريد غيره صورة.

والأذن تعتادَ الصوتَ حيناً من الدَّهر ثمَّ تستبشعه، وتريد سواه صوتا.

فمن عادة الحواس الألفة، ثم الشبع، ثم الاستيحاش والتبديل.

وها أنذا استحضر ستةً من العلماء والمفكرين والكُتَّاب، من العراق اثنين، ومن مصر اثنين، ومن إيران اثنين، وتخيَّل لو كانوا أحياءً يُرزقون، وقد عاصروا عالم التواصل هذا كما نعاصره اليوم.

تصوَّر أن السيد محمد باقر الصدر - قُدِّس سره - وعلي الوردي من العراق

وسيد قطب وسلامة موسى من مصر

والشيخ المطهَّري وشريعتي من إيران أرادوا جميعاً النزول إلى الشارع ليطرحوا أفكارهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

أظنُّ أنَّ السيد الصدر والشيخ المطهري لن ينجحا؛ لأنَّ علمهما ثقيل، وهما حتى لو أرادا تبسيط ما عندهما من علم فلا بُدَّ أن يكون المستمع لهما على قدرٍ معتدٍ به من الثقافة؛ لأنهما من أصحاب العيار الثقيل فكراً، والفكرُ ليس ثرثرة، بل هو علمٌ له لغته الخاصة، والتبسيط يقف عند حدودٍ معينةٍ لا يتعدَّاها، وإلَّا صارت لغته لغواً، فالقصور في القابل لا في الفاعل.

اما العليان الوردي وشريعتي - قياساً على ما كتبا - فهما سينجحانِ ولكن في مستوىً معيَّنٍ؛ لأنَّهما يمتازان بالفكر المُقنَّع وما هما بمفكرين، بل هما أصحاب خواطر، فيحسبان كلَّ قدحةٍ في الدماغ فكرة، وكلَّ خاطرٍ في الرأي نظرية، وما جاء عفو الخاطر لا يحتاج إلى تكدير الخواطر.

ويُخيَّل إلي أنَّ الشخصية المصرية مهذارةٌ بطبعها، ولا أقول متكلِّمة، وهي خيرُ من ينطبق عليها أسمع جعجعةً ولا أرى طحينا، غزارةٌ في الكلامِ وشِحَّةٌ في الأفكار لذا كانت على مداها الثقافي الطويل تنتجُ أدباءَ ولا تنتج مفكرين، وللسبب ذاته كان آخر مفكريها أمنحتب (اخناتون) إن صحَّ أنَّه قال بالتوحيد واهتدى إليه.

وعليه سينجح سيد قطب إلى درجةٍ كبيرةٍ مستغلاً الدين، وأكبرُ منه نجاحاً سلامة موسى، فهو ثرثارٌ ويدعو إلى تقليد الغرب، وهذه نقطة ضعف المثقف المصري، يحسب أنَّه فوق العرب وزناً، وما له من وزن؛ لأنَّه يكاد يرتمي في حضن مثاله الأعلى الأوربي وذاك لا يُريده، فمثله ومثل العربي والغربي كقول القائل:

جننا بليلى وهي جنت بغيرنا * وأخرى بنا مجنونة لا نريدها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/05/06



كتابة تعليق لموضوع : لماذا لا ينجح ’المفكّرون’ على مواقع التواصل الاجتماعي؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net