صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

"وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" ما المقصود بالازواج الثلاثة في سورة الواقعة (ح 7)؟
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً" (الواقعة 7) الزوج بمعنى الصنف والخطاب لعامة البشر. قوله تعالى "فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8) متفرع على ما قبلها تفرع البيان على المبين ، فهذه الآية والآيتان بعدها بيان للأزواج الثلاثة. والميمنة من اليمن مقابل الشؤم، فأصحاب الميمنة أصحاب السعادة واليمن مقابل أصحاب المشأمة أصحاب الشقاء والشؤم، وما قيل : إن المراد بالميمنة اليمين، أي ناحية اليمين لأنهم يؤتون كتابهم بيمينهم وغيرهم يؤتونه بشمالهم يرده مقابلة أصحاب الميمنة بأصحاب المشأمة ، ولو كان كما قيل لقيل أصحاب الشمال وهو ظاهر. وما في قوله "ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" استفهامية ومبتدأ خبره "فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَة" (الواقعة 8)، والمجموع خبر لقوله "فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8) وفي الاستفهام إعظام لأمرهم وتفخيم لشأنهم. قوله تعالى "وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ" (الواقعة 9) المشأمة مصدر كالشؤم مقابل اليمين، والميمنة والمشأمة السعادة والشقاء. قوله تعالى "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون" (الواقعة 10) الذي يصلح أن يفسر به السابقون الأول قوله تعالى "فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ" (فاطر 32)، وقوله "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ" (البقرة 148)، وقوله "أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ" (المؤمنون 61). فالمراد بالسابقين الأول في الآية السابقون بالخيرات من الأعمال، وإذا سبقوا بالخيرات سبقوا إلى المغفرة والرحمة التي بإزائها كما قال تعالى "سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ" (الحديد 21) فالسابقون بالخيرات هم السابقون بالرحمة وهو قوله "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ" (الواقعة 10) وقيل: المراد بالسابقون الثاني هو الأول على حد قوله: أنا أبو النجم وشعري شعري. وقوله "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ" (الواقعة 10) مبتدأ وخبر، وقيل: الأول مبتدأ والثاني تأكيد، والخبر قوله "أُولئِكَ الْمُقَرَّبُون" (الواقعة 11). ولهم في تفسير السابقين أقوال أخر فقيل: هم المسارعون إلى كل ما دعا الله إليه، وقيل: هم الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة من غير توان ، وقيل : هم الأنبياء عليهم‌السلام لأنهم مقدمو أهل الأديان، وقيل: هم مؤمن آل فرعون وحبيب النجار المذكور في سورة يس وعلي عليه‌السلام السابق إلى الإيمان بالنبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله وهو أفضلهم وقيل: هم السابقون إلى الهجرة، وقيل: هم السابقون إلى الصلوات الخمس، وقيل: هم الذين صلوا إلى القبلتين، وقيل: هم السابقون إلى الجهاد، وقيل غير ذلك. والقولان الأولان راجعان إلى ما تقدم من المعنى، والثالث والرابع ينبغي أن يحملا على التمثيل، والباقي كما ترى إلا أن يحمل على نحو من التمثيل.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: في الآية نقرأ: "وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ‌" (الحديد 26). و خلاصة القول: إنّ الإشارة في أمثال هذه التعبيرات ليست للامّة بأجمعها فردا فردا، بل إلى مجموع الامّة، و إن احتوت على طبقات، و مجموعات مختلفة. و قد ورد في روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة عليهم السّلام في تفسير "سابق بالخيرات" (فاطر 32) بالمعصوم عليه السّلام، و "ظالم لنفسه" (فاطر 32) بمن لا يعرف الإمام، و "المقتصد" (فاطر 32) العارف بالإمام‌. هذه التّفسيرات شاهد واضح على ما اخترناه لتفسير الآية، و هو أنّه لا مانع من كون هذه المجاميع الثلاثة ضمن ورثة الكتاب الإلهي. و لا نحتاج إلى التذكير بأنّ تفسير الروايات أعلاه هو من قبيل بيان المصاديق الأوضح للآية، و هم الأئمّة المعصومون، إذ هم الصفّ الأوّل، بينما العلماء و المفكّرون و حماة الدين الآخرون في صفوف اخرى. كذلك فإنّ التّفسير الوارد في تلك الروايات للظالم و المقتصد، هو أيضا من قبيل بيان المصاديق، و إذا لاحظنا أنّ بعض الرّوايات تنفي شمول الآية للعلماء في مقصودها فإنّ ذلك في الحقيقة لإلفات النظر إلى وجود الإمام في مقدّمة تلك الصفوف. و من الجدير بالذكر أنّ جمعا من المفسّرين القدماء و المعاصرين احتملوا الكثير من الاحتمالات في تفسير هذه المجاميع، و التي هي في الحقيقة جميعا من قبيل بيان المصاديق. ذهب بعض بأنّ السابق بالخيرات هم أعوان الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المقتصد طبقة التابعين، و الظالم لنفسه أفرادا آخرون. و البعض الآخر فسّروا "سابق بالخيرات" (فاطر 32) بالذين يفضّل باطنهم على ظاهرهم و "المقتصد" (فاطر 32) بالذين يتساوى ظاهرهم و باطنهم، و "ظالم لنفسه" (فاطر 32) بالذين يفضّل ظاهرهم على باطنهم. و البعض الآخر قالوا إنّ "السابقين" هم الصحابة، و "المقتصدين" هم تابعيهم، و "الظالمين" هم المنافقون. و قال آخرون بأنّ الآية تشير إلى المجموعات الثلاثة الواردة في سورة الواقعة- الآيات 7 إلى 11 "وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)" (الواقعة 7-11). و في حديث أنّ السابق بالخيرات هم الأئمّة علي و الحسن و الحسين و شهداء آل محمّد عليهم الصلاة و السلام، و المقتصد المتديّنون المجاهدون، و الظالم لنفسه الذي خلط عملا صالحا و آخر غير صالح.
أنّ عليّا عليه السّلام حينما وصل إلى جبانة الكوفة عند عودته من حرب صفين، توجّه إلى القبور و نادى الأموات قائلا: (يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة و القبور المظلمة يا أهل التربة يا أهل القربة يا أهل الوحدة يا أهل الوحشة أنتم لنا فرط سابق و نحن لكم تبع لا حق أمّا الدور فقد سكنت، و أمّا الأزواج فقد نكحت، و أمّا الأموال فقد قسّمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم).
قال الله تبارك وتعالى "مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ" ﴿الأحزاب 4﴾ ادعياءكم: من تتبنونهم من أبناء غيركم، و "عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ" ﴿الأحزاب 37﴾ ادعيائهم: الأبناء بالتبني قبل نسخ التبني. وردت أزواج النباتات في القرآن الكريم، "الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وانزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى" (طه 53) مختلف ألوانه واشكاله.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/27



كتابة تعليق لموضوع : "وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" ما المقصود بالازواج الثلاثة في سورة الواقعة (ح 7)؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net