صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

تحدَّثوا.. فإنَّ الحديث جلاءٌ للقلوب!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إنَّ للقلب حالاتٍ وأطوار..
 
فتارةً تَرَاهُ لَيِّناً، وأخرى قاسياً شديداً..
تارةً يكون نظيفاً طاهراً نَيِّراً.. وأخرى مُتَّسِخاً مُتنجِّساً مُظلماً..
 
حتّى أنَّه من خباثته وأوساخه قد يَرينُ ويصدأ.. كما يصدأ السيف!
فيحتاجُ إلى ما يجلي هذا الرَّين.. ويعيدُ إليه نظافته..
 
ذاك هو (حديث آل محمد عليهم السلام)!
فعن النبيِّ صلى الله عليه وآله: تَذَاكَرُوا وَتَلَاقَوْا وَتَحَدَّثُوا، فَإِنَّ الحَدِيثَ جِلَاءٌ لِلْقُلُوبِ!
إِنَّ القُلُوبَ لَتَرِينُ كَمَا يَرِينُ السَّيْفُ، جِلَاؤُهَا الحَدِيثُ (الكافي ج1 ص41).
 
فإذا خرجَت الأوساخ من القلب، وعاد إليه لِينُه.. امتلأ عطفاً ومحبَّةً.. وقد قال الصادق عليه السلام:
وَأَحَادِيثُنَا تُعَطِّفُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِهَا رَشَدْتُمْ وَنَجَوْتُمْ، وَإِنْ تَرَكْتُمُوهَا ضَلَلْتُمْ وَهَلَكْتُمْ، فَخُذُوا بِهَا وَأَنَا بِنَجَاتِكُمْ زَعِيمٌ (الكافي ج‏2 ص186).
بأحاديثهم إذاً تلين القلوب.. ثم تُفتَحُ أبواب الرَّشاد والهداية.. فهم دون سواهم أبواب الله تعالى..
 
ههنا يستحضرُ المؤمن كلاماً جميلاً لإمامنا الحسن المجتبى عليه السلام، حينما حَمَلَ إليه رجلٌ هديَّة.. ألفَ دِرهَم..
 
قَبِلَ الإمام الهديَّة.. ثم أراد إكرام المُهدي.. فخيَّرَهُ بين أمرين:
أوَّلهما: أن يَرُدَّ إليه بدل الهدية عشرين ضعفاً! الاف الدراهم أضعاف ما أهدى..
ثانيهما: أن يعلِّمَه باباً من العلم!
 
سأله الإمام عن أحبِّهما إليه.. رَدُّ أضعاف الهدية.. أَوْ أَفْتَحَ لَكَ بَاباً مِنَ العِلْمِ، تَقْهَرُ فُلَاناً النَّاصِبِيَّ فِي قَرْيَتِكَ، تُنْقِذُ بِهِ ضُعَفَاءَ أَهْلِ قَرْيَتِكَ!
 
الخيارُ الأول يُظهرُ بعضَ كَرَمِ الإمام عليه السلام.. لكنَّ الخيارَ الثاني قد يكون مجهول الحال عند أكثر الخلق.. فما أهميَّة بابٍ من العلم لقهرِ ناصبيٍّ خبيثٍ يطرح الشبهات على ضعاف الشيعة؟
وما الثمرة المرجوَّة من إنقاذهم وقهر هذا الناصبيّ؟
 
لقد ألحق الإمام عليه السلام بهذين الأمرين كَرَماً آخر..
فقال للرَّجل: إِنْ أَحْسَنْتَ الِاخْتِيَارَ جَمَعْتُ لَكَ الأَمْرَيْنِ!
وَإِنْ أَسَأْتَ الِاخْتِيَارَ خَيَّرْتُكَ لِتَأْخُذَ أَيَّهُمَا شِئْتَ!
أي أن الرجل إذا اختار الأفضل.. يعطيه الإمام الأمرين معاً! عشرين ألف درهم.. وباباً من العلم!
وإن أساء الاختيار.. باختيار الأدوَن.. لا يعطيه الإمام الأدون.. بل يخيِّرُه مجدَّداً بين أحدهما.. ليأخذ الأفضل أو الأدون!
 
كَرَمٌ عظيمٌ من إمامٍ عظيم.. لرجُلٍ عاقل..
فإنَّ الرَّجُل لمّا كان في محضر الإمام عليه السلام، والإمام خازن علم الله، لم يستقلّ بالاختيار! بل استفهم من الإمام متعلِّماً.. لكي يحظى بالأفضل!
العاقل لا يخاطر ولا يغامر عندما يكون قادراً على التعلُّم.. وهذه هي صفة الشيعة حقاً إلى يومنا.. يطلبون العلم من العلماء حيث يمكنهم، ولا يستبدُّون برأيهم..
 
قال الرجل:
يَا ابْنَ رَسُولِ الله، فَثَوَابِي فِي قَهْرِي ذَلِكَ النَّاصِبَ وَاسْتِنْقَاذِي لِأُولَئِكَ الضُّعَفَاءِ مِنْ يَدِهِ قَدْرُهُ عِشْرُونَ الفَ دِرْهَمٍ؟
قَالَ: أَكْثَرُ مِنَ الدُّنْيَا عِشْرِينَ الفَ الفِ مَرَّةٍ!
 
ههنا تَحارُ العقول!
مسألةٌ يتعلَّمُها مؤمنٌ يقهرُ بها ناصبياً واحداً! فيردُّ كيدَه عن المؤمنين الضعفاء، تساوي أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرَّة؟!
 
فما السرُّ في ذلك؟
يُعلَمُ سِرُّ ذلك من كتاب الله.. أليس قَتلُ نفسٍ واحدة كقتل الناس جميعاً، وإحياؤها كإحيائهم؟! أليس من أحيا نفساً ﴿فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعاً﴾!
أليس: مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلَالَةٍ إِلَى هُدًى فَقَدْ أَحْيَاهَا؟!
 
فإذا كانت الدُّنيا بما فيها مُسخَّرةٌ للإنسان.. بليلها ونهارها.. وشمسها وقمرها.. ونجومها وأفلاكها.. فلا عجبَ أن يكون ثواب هداية مَن سُخِّرَت له الدُّنيا أعظم من الدُّنيا وما فيها!
 
عَقِلَ الرَّجُلُ ذلك.. فاختار الأفضل: كلمةً يقهر بها عدوَّ الله.. ويذوده عن أوليائه..
فعلَّمه الإمام ذلك.. وأعطاه الدَّراهم.. فذهب.. وأفحم الرَّجل..
ولما حضر عند الإمام.. قال له عليه السلام:
يَا عَبْدَ الله، مَا رَبِحَ أَحَدٌ مِثْلَ رِبْحِكَ! وَلَا اكْتَسَبَ أَحَدٌ مِنَ الأَوِدَّاءِ مِثْلَ مَا اكْتَسَبْتَ:
 
1. مَوَدَّةَ الله أَوَّلًا.
2. وَمَوَدَّةَ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ ثَانِياً.
3. وَمَوَدَّةَ الطَّيِّبِينَ مِنْ آلِهِمَا ثَالِثاً.
4. وَمَوَدَّةَ مَلَائِكَةِ الله تَعَالَى المُقَرَّبِينَ رَابِعاً.
5. وَمَوَدَّةَ إِخْوَانِكَ المُؤْمِنِينَ خَامِساً.
وَاكْتَسَبْتَ بِعَدَدِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا الفَ مَرَّةٍ!
فَهَنِيئاً لَكَ هَنِيئاً! (الاحتجاج ج1 ص19).
 
ما هذه المنزلة العجيبة؟! التي تُنال بها مودَّةُ الله تعالى..

خالق الخلائق أجمعين.. إله الأولين والآخرين.. صاحب القدرة والجبروت..
فأيُّ خشيةٍ يخشاها من وَدَّهُ الله تعالى وأحبَّهُ؟!
 
ثمَّ أورثه ذلك مودَّة أفضل خلق الله وأصفيائه.. محمدٍ وعليٍّ والطيبين من آلهما..
فمَن يسأل عن مودَّة سلطانٍ أو زعيمٍ أو حاكمٍ أو وجيهٍ أو غنيٍّ إن نال مودَّة هؤلاء!
 
ثمَّ فوقهم مودَّة ملائكة الله المقرَّبين.. جبرائيل وميكائيل وإسرافيل.. وعزرائيل.. وكَرُّوبيل.. وسائر الملأ المقدَّس!
ومعهم فوق ذلك مودَّة المؤمنين! وفضلٌ يفوق الدُّنيا بما لا يمكن تصوُّره!
 
حينها يعيشُ هذا المؤمن مطمئناً في الدُّنيا.. مهما تكالَبَ عليه أعداؤه.. فإنَّه في رعاية الله تعالى وأوليائه..
يعيشُ مطمئناً إلى ساعة وفاته.. ذاك حيثُ يُلَقِّنُهُ الله تعالى حجَّته (يَوْمَ يُدْلَى فِي قَبْرِهِ).. فيشهد بما وجبت الشهادة به.. للنبيِّ والأطهار.. ويُبشَّر بأعالي درجات الجنة..
 
جعلنا الله وجميع المؤمنين من أهل هذه المنزلة.. الذين يتعلَّمون علوم آل محمد عليهم السلام.. ويدفعون بها النواصب عن ضعفاء الشيعة.. فيودُّهم الله وأولياؤه..
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/24



كتابة تعليق لموضوع : تحدَّثوا.. فإنَّ الحديث جلاءٌ للقلوب!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net