الصحف في القرآن الكريم (ح 5)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قوله تعالى "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" ﴿النساء 163﴾ إنا أوحينا اليك -أيها الرسول- بتبليغ الرسالة كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وهم الأنبياء الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة من ولد يعقوب وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان، وآتينا داود زبورًا، وهو كتاب وصحف مكتوبة. قال الله جل جلاله و "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿البقرة 136﴾ وعيسى: الواو حرف عطف، عيسى اسم علم، قولوا أيها المؤمنون لهؤلاء اليهود والنَّصارى: صدَّقنا بالله الواحد المعبود بحق، وبما أنزل إلينا من القرآن الذي أوحاه الله إلى نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما أنزل من الصحف إلى إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق، وإلى يعقوب والأسباط وهم الأنبياء مِن ولد يعقوب الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة وما أُعطي موسى من التوراة، وعيسى من الإنجيل، وما أُعطي الأنبياء جميعًا من وحي ربهم، لا نفرق بين أحد منهم في الإيمان، ونحن خاضعون لله بالطاعة والعبادة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ" (عبس 12). نعم، فلا إجبار و لا إكراه في تقبل الهدي الرّباني، فالآيات القرآنية مطروحة و أسمعت كلّ الآذان، و ما على الإنسان إلّا أن يستفيد منها أو لا يستفيد. ثمّ يضيف: أنّ هذه الكلمات الإلهية الشريفة مكتوبة في صحف (ألواح و أوراق): "فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ" (عبس 13). "الصحف": جمع صحيفة بمعنى اللوح أو الورقة، أو أيّ شيء يكتب عليه. فالآية تشير إلى أنّ القرآن قد كتب على ألواح من قبل أن ينزّل على النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و وصلت إليه بطريق ملائكة الوحي، و الألواح بطبيعتها جليلة القدر و عظيمة الشأن. و سياق الآية و ارتباطها مع ما سبقها من آيات و ما سيليها: لا ينسجم مع ما قيل من أنّ المقصود بالصحف هنا هو، كتب الأنبياء السابقين. و كذا الحال بالنسبة لما قيل من كون اللوح المحفوظ، لأنّ اللوح و المحفوظ لا يعبر عنه بصيغة الجمع، كما جاء في الآية: "صحف". و هذه الصحف المكرمة: "مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ" (عبس 14). فهي مرفوعة القدر عند اللّه، و أجلّ من أن تمتد إليها أيدي العابثين و ممارسات المحرّفين، و لكونها خالية من قذارة الباطل، فهي أطهر من أن تجد فيها أثرا لأيّ تناقض أو تضاد أو شك أو شبهة. و هؤلاء السفراء: "كِرامٍ بَرَرَةٍ" (عبس 16). "سفرة" (عبس 15): جمع سافر من سفر على وزن قمر، و لغة: بمعنى كشف الغطاء عن الشيء، و لذا يطلق على الرسول ما بين الأقوام السفير لأنّه يزيل و يكشف الوحشة فيما بينهم، و يطلق على الكاتب اسم السافر، و على الكتاب سفر لما يقوم به من كشف موضوع ما و عليه. فالسفرة هنا، بمعنى: الملائكة الموكلين بإيصال الوحي الإلهي إلى النّبي، أو الكاتبين لآياته. و قيل: هم حفّاظ و قرّاء و كتّاب القرآن و العلماء، الذين يحافظون على القرآن من أيدي العابثين و تلاعب الشياطين في كلّ عصر و مصر. و يبدو هذا القول بعيدا، لأنّ الحديث في الآيات كان يدور حول زمان نزول الوحي على صدر الحبيب المصطفى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ليس عن المستقبل. و ما ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام، في و قوله: (الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة). بجعل الحافظين للقرآن العاملين به في درجة السفرة الكرام البررة، فليسوا هم السفرة بل في مصافهم، لأنّ جلالة مقام حفظهم و عملهم، يماثل ما يؤديه حملة الوحي الإلهي. و نستنتج من كلّ ما تقدم: بأنّ من يسعى في حفظ القرآن و إحياء مفاهيمه و أحكامه ممارسة، فله من المقام ما للكرام البررة.
جاء في كتاب موسوعة الامام الخوئي للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد أورث عترته مسؤوليّة الحفاظ على القرآن: ( في كلّ خلف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدِّين تحريف الضّالِّين، وتأويل الجاهلين). ولم يعط هذه المسئولية لأي صحابي، أو تابعي لهم. لم يتناقض كل راوية من الصحابة مع نفسه، ليتّهموا بالتحلّل من الضّبط، وإنّما اختلف أحدهم مع الآخر. ومحاكمة الأحاديث ونقدها وتمحيصها، هو غير محاكمة الرّواة وتضعيفهم، والطّعن فيهم. على أنّه ليس ذلك ببدع في كتب الرِّجال، كما مرّ في حقل (أضواء على القرّاء) وتضعيفهم عن طرقهم .وليس أبدع، ولا أكثر طبيعيّة من هذا القول: نزل القرآن على حرف واحد من عند الواحد، وهو معنى قوله تعالى "وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً" (النساء 82). وإنّ عثمان لم يعد يتحمّل اختلاف النسخ للقرآن، فأحرقها إلاّ نسخة واحدة، خوفاً من الاختلاف، ولم يكن هذا الأمر طعناً في الصحابة ولا في القراءات السبعة، ولا تعريضاً بأهل القرآن ورواة الأحاديث، وهو أقوى دلالة ودراية من روايات الصادقين عليهما السلام تلك التي أوردها الإمام الخوئي. وقد نقل الدكتور نفسه آنفا: (وقريب من هذا ما رواه ابن أبي داود، عن ابن مسعود، حين أعلن رضاه عن جمع عثمان للمصحف). وقد تمسّك الإمام الخوئي بأقوال أهل البيت عليهمالسلام (الّذين لا يُقاس بهم أحد وهم موضع سرّه، ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه)، بينما تمسّك الدكتور بنقول الصحابة في مقابل ذلك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat