أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٨)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ}.
لو أَرادَ الله تعالى أَن يُعقِّدَ الأُمور على عبدهِ ويتركهُ تائهاً في متاهاتِ الحياةِ لا يهتدي الى طريقِ العزَّةِ لما سخَّر لهُ شيئاً من أَسباب السَّعادة والرفاهيَّة التي يجِد فيهاذاتهُ ويُحقِّق بها كرامتهُ، ولما جعلهُ خليفتَهُ.
يقولُ تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} وقولهُ {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُالْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}.
من ذلكَ يتَّضحُ لنا بأَنَّ الله تعالى يُريدُ اليُسرَ لعبادهِ دونَ العُسرِ والحرَجِ {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} إِلَّا أَنَّ الإِنسان هوَ الذي يختار لنفسهِ العُسر والحرَجوالتَّعقيد لأَسبابٍ مِنها؛
أ/ نقض الإِنسان ميثاقهُ مع الله تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰخَائِنَةٍ مِّنْهُمْ}.
إِنَّ الوفاءَ بالعهُودِ أَمرٌ مُتبادَل ومُعادلة متساوِية كما يقولُ تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} فكيفَ ينتظِرُ العبدَ أَن يفي الله تعالى لهُ من دُونِ أَن يفي هوَ بالتزاماتهِوعهودهِ معَ الله تعالى؟!.
ب/ الإِصرار على الذُّنوب وتراكُمها حتَّى اسودَّت قلوبُ عبادهِ، يقولُ تعالى {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَعَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}.
مُشكلةُ العبدِ أَنَّهُ ينسى بل يتناسى فيتجاوز فيُضيِّع كما في قولهِ تعالى {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْتُفْلِحُونَ}.
إِنَّهُ لم يقنع بكُلِّ ما وهبهُ الله تعالى فيُصِرُّ على أَن يمُدَّ يدهُ لِما حذَّرهُ منهُ تعالى {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَفَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.
وعندما يتمتَّع بنِعَمِ الله سُبحانهُ الحلال والمُباحة، يبطَر فيمُدَّ يدهُ للحرامِ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِفَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
ج/ وهو يتغافل عن دورهِ في الحياةِ الدُّنيا فيُضيِّع هدفهُ بفسادهِ كقولهِ تعالى {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًاوَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} وقولهُ {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖيُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
د/ ومعَ أَنَّهُ تعالى يهِبهُ كُلَّ شيءٍ ويُوسِّع عليهِ ليُريحهُ لكنَّهُ يقتِر على نفسهِ ويُبدِّل نِعم الله تعالى سيِّئات كقَولهِ تعالى {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّالْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} وقولهُ {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.
هـ/ وبدلاً مِن أَن يشكُرَ الله تعالى، يشكرُهُ بالعملِ الصَّالح والإِنجاز الحَسن، تراهُ يكفُر بأَنعُمِ الله تعالى فيظلِم العِباد بعضهُم بعضاً، يقولُ تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنشَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وصدقَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ}.
والله تعالى يبتلينا لنكتَشِفَ أَنفُسنا وننتبِهَ لها فنشكُرهُ كما في قولهِ تعالى {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَهَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}؟!.
فكيفَ نشكُرُ؟! يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إِلَيْهِ مَصَائِرُ الْخَلْقِ وَعَوَاقِبُ الْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَنَيِّرِ بُرْهَانِهِ وَنَوَامِي فَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِقَضَاءً وَلِشُكْرِهِ أَدَاءً وَإِلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً وَلِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً وَنَسْتَعِينُ بِهِ اسْتِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِهِ مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَالْقَوْلِ وَنُؤْمِنُ بِهِإِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً وَأَنَابَ إِلَيْهِ مُؤْمِناً وَخَنَعَ لَهُ مُذْعِناً وَأَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً وَعَظَّمَهُ مُمَجِّداً وَلَاذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً}.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat