صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

(تأملات في كتاب المصابيح / لسماحة السيد أحمد الصافي) ج (13)  
علي حسين الخباز

للوصول إلى حالة التوجه السليم إلى الله سبحانه، يتطلب حضور مجموعة من العوامل، مثل التوبة وطلب الرحمة، ويرى سماحة السيد أحمد الصافي لا بد من التفاعل مع الدعاء، وقضية التفاعل من القضايا المهمة والتي تكمن أهميتها من عدة جوانب. 
 إن خطاب الإمام السجاد "عليه السلام" يعتبر من التناصّات المتفاعلة مع خطابات سماوية ونبوية، جاءت برؤية عاطفية روحية، تمد الدعاء جسراً للتواصل مع الله سبحانه تعالى؛ لشعورها بالنقص العام أمام مكانة الله سبحانه تعالى وقدرته، والأئمة "عليهم السلام" علماء بالنفس الإنسانية والحاجة إلى المغفرة وطلب المغفرة، لأنهم أطباء الأرواح ويعرفون مواطن القوة والضعف في استلهام القوة من الله تعالى 
 بعض الناس يصف الدعاء بأنه تخديري وهذا ظلم يلحق بمفهوم الدعاء، لأن الدعاء لا يعني ترك العمل واللجوء إلى الدعاء، بل المقصود أن نبذل غاية الجهد ونلجأ للدعاء، وهذا لجوء إلى الله يحي في أنفسنا روح الأمل والحركة؛ بمعنى أن الدعاء في مفهوم الأئمة "عليهم السلام" يضيف إلى الإنسان الطمأنينة ويؤدي إلى النشاط والشعور بالسعادة، والثقة بالنفس واستعداد للهداية. 
 وسماحة السيد الصافي يشخصها بالقدرة النفسية، تحرير هذه الأمور لا نجدها عند غير الائمة "عليهم السلام" لندرك ما يعنيه الإمام الصادق عليه السلام، (إنّ عند الله عزّوجلّ منزلةً لا تُنال إلاّ بمسألته)، هنا نقف عند مفهوم القدرة النفسية التي شخصها سماحة السيد أحمد الصافي؛ لتحرير الأمور. المذنب لا يستطيع التعبير عن مكنون نفسه أمام الله سبحانه، قد يخونه التعبير عن بيان القصد، لهذا نجد إن أدعية السجاد "عليه السلام" هي أنفس الأشياء للاتصال بالله تبارك وتعالى. 
 قد تستغرب عندما نجد ترابط جملتين بمعنى متقارب أو الانتقاء الجوهري الذي يجعله من متعلقات المفهوم، مثلاً قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يهلك مع الدعاء أحد) نتأمل في هذا المعنى ونحن نقرأ للإمام السجاد عليه السلام (فكم من عائبة سترتها عني فلم تفضحني) هذا الفهم يرتبط بمعنى ولا يهلك، نجد ترابط بين مفهوم الهلاك والفضيحة، يرى سماحة السيد الصافي، العيب قد يكون في الخلقة وقد يكون في الأخلاق والتركيز على العيوب التي تستوجب نفرة الناس منها. 
 الترابط القوي موجود بين الهلاك الذي شخصه النبي" صلى الله عليه وآله وسلم"، وسماحة السيد الصافي ينظر مفهوم الستر هناك ستر على عيب، وهناك ستر على ذنب، وستر على معصية. الإمام "عليه السلام" قرر الستر في كل موارد العيوب، وهذا الخطاب يتوغل في عمق الرؤية الإيمانية والتحلي بآداب الله سبحانه تعالى؛ ليصل سماحة السيد الصافي إلى ما يشبه الصرخة (إننا لا نتأدب بآداب الله سبحانه وتعالى، وعندما نتأدب فإننا نتأدب بآدابه في مرحلة انفعالية وعاطفية). 
 الجوهر الباطني للخطاب يضعنا أمام الناس في التعامل مع بعضنا بعض وتعامل الله سبحانه تعالى معنا، الله سبحانه يستر العيوب ونحن نجعل ألا عيب عيباً لنشهر بصاحبه. 
النظر إلى البنية الأسلوبية والمعرفية في نهج الدعاء له مقومات فكرية ودلالات تنسجم مع روحية الدعاء. 
 وتحليل سماحة السيد الصافي أعتمد على أربعة محاور مهمة 
المحور الأول... الفراغ  
 من أكثر الأشياء المدمرة للذات هو الفراغ، فرصة الشيطان باقتناص العقل، سماحة السيد الصافي ركز على قضية سلامة هذا الفراغ وبين أن الإمام السجاد "عليه السلام" يدعو الله أن يكون الفراغ فراغ سلامة في دين الإنسان  

المحور الثاني ... التمادي  
يقول الإمام الباقر "عليه السلام" في تفسيره لقوله تعالى {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} إنها سبب التمادي على الذنب والإصرار. 
 وهناك قول للإمام علي "عليه السلام": (أعظم الذنوب عند الله ذنب أصر عليه عامله)، شخصها النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، في سؤال عن خسران الإنسان لنفسه (عند الانفراد عن الناس) دون أن ينتبه إلى أن رقابة الله سبحانه لا يمكن أن تغيب عنا. 
 القضية التي شخصها سماحة السيد الصافي في هذا المضمون، تحدي الرقابة الإلهية جعلت الله أهون الناظرين اليه 
*  
المحور الثالث ... التأدب بآداب الله  
 التأدب مع الله سبحانه تعالى هو جوهر العبودية وهو خلق الأنبياء يقول الامام السجاد عليه السلام: (وَكَمْ مِنْ شَائِبَة أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا) سماحة السيد أحمد الصافي نظر إلى هذه الجملة على أنها منار علم، ولا بد أن نقتدي ونتعلم من الله مظاهر آداب الله فالله سبحانه تعالى يستر العيوب، فلماذا لا نستر عيوب الآخرين ويقولها بمرارة (إننا لم نتأدب بآداب الله)  
*  
 المحور الرابع ...  التوفيق للتوبة 
التوبة تحتاج إلى توفيق، ومن غير المتصور أن الإنسان عندما يذنب يوفق إلى التوبة، دائماً الشيطان يمسكه عند الذنب. القضية هي في احتواء فضاءات
الروح، وما احتوت من فكر ورؤى لذلك يقدم لنا سماحة السيد بعض الأسئلة المحورية. 
 ماذا يريد الإمام منا؟  
وكيف نتصرف مع الله سبحانه تعالى؟ 
 ما دمنا في الدنيا هناك فسحة للتوبة وفسحة لبراءة الذمم، وفسحة لأن يلجأ الإنسان إلى الله تعالى وللعقل، ونخشى أن يفاجئنا الموت، والموت غالباً ما يفاجئ الناس وبيننا وبين الله تعالى أشواط بعيدة، نحتاج إلى إصلاح 
 لخص سماحة السيد هذه المحاور، الأئمة يوصوننا بالتمسك بالدين وأن نكون أقوياء في ديننا، وأن نبتعد كل البعد عن البحث عن الذنوب، ولا نفضح الناس بل ندعو الله تعالى أن يحفظنا جميعاً ويستر علينا وأن نتواصل فيما بيننا وأن نتكاتف ضمن وسائل الفرج واستجابة الدعاء. 
 وأن يكون لنا هذا الحس المشترك الجماعي. 
 أن يسند أحدنا الآخر وكل شيء مقرب لله تعالى.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/25



كتابة تعليق لموضوع : (تأملات في كتاب المصابيح / لسماحة السيد أحمد الصافي) ج (13)  
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net