صفحة الكاتب : منتهى محسن

الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ
منتهى محسن

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6).»
قوله تعالى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)  آيه من آيات إعجازه و لفتة ربانية يريد منها الخالق ان يهدي عبده ليتدبر و يتفكر  في أمر آخرته ويحسن خاتمته بالطاعة والرضوان .
ومن أجل اعطاء الآية الكريمة حقها سوف نعرض ما جاء في بطون  التفاسير لأربعة من المفسرين والمفكرين  الأجلاء من المذهبين وهم:  
-  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي 
-  الشيخ الطّبرسي 
-  الدكتور محمد راتب النابلسي 
-  والشيخ الطبري 
ونبدأ في تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي  حيث جاء مفسراً : 
" للمسجور ": في اللغة معنيان: الأول الملتهب، والثاني المملوء. ويقول الراغب في مفرداته: سجر على وزن فجر معناه اشعال النار، ويعتقد أن الآية تعطي هذا المعنى.. ولم يتحدث عن المعنى الثاني. إلا أن العلامة الطبرسي يذكر أن المعنى الأول هو ما تقدم، وكذلك تشير بعض كتب اللغة إلى ذلك.
والآيات الأخر في القرآن تؤيد المعنى الأول أيضا كما هي الحال في الآيتين (71) و 72)  من سورة غافر، إذ قال سبحانه: "يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ"
و نقرأ في نهج البلاغة عن " أمير المؤمنين " في شأن " الحديدة المحماة " إذ يقول لأخيه " عقيل ": " أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه.. " (1).
ولكن أين هو هذا " البحر المسجور "؟ قال بعضهم هو البحر المحيط بالأرض " أو البحار المحيطة بها " وسيلتهب قبل يوم القيامة، ثم ينفجر كما نقرأ ذلك في الآية (6) من سورة التكوير ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) ونقرأ في الآية (3) من سورة الانفطار (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ).
إلا أن بعضهم فسر ذلك بالبحر الذي في باطن الأرض وهو مؤلف من مواد منصهرة مذابة. وما ورد في حديث عن الإمام الباقر الذي نقله " العياشي " شاهد على هذا المعنى، وقد ورد في هذا الحديث أن قارون يعذب في البحر المسجور (2) مع أن القرآن يقول في شأنه:" فخسفنا به و بداره الأرض"(3) وهذان التفسيران لا يتنافيان .ويمكن أن تكون الآية قسماً بهما معاً، إذ كلاهما من آيات الله ومن عجائب هذا العالم الكبرى. (4)
و ننتقل  لتفسير  الآية الشريفة عبر مجمع البيان للشيخ الطبرسي حيث جاء فيه: 
  "والبحر المسجور " أي المملوء، عن قتادة.
وقيل: هو الموقد المحمى بمنزلة التنور، عن مجاهد و الضحاك و الأخفش وابن زيد.
كما قيل: إنه تحمى البحار يوم القيامة، فتجعل نيراناً، ثم تفجر بعضها في بعض، ثم تفجر إلى النار ورد به الحديث (إن عذاب ربك لواقع) هذا جواب القسم. 
أقسم الله بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم القدرة، على أن تعذيب المشركون حق واقع لا محالة. "ما له من دافع" يدفع عنهم ذلك العذاب. (5) 
ونصل في تفسير الآية الكريمة إلى موسوعة  الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، آيات الله والآفاق ، للأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي حيث أورد فيها :
"من أكثر الآيات الباهرة في البحار والمحيطات ما جاء به القرآن الكريم في مطلع سورة الطور في وصف البحر بأنه مسجور ، قال تعالى :"وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ"    [الطور : 6] .
يقسم الله تبارك وتعالى بهذا البحر المسجور ، وهو تعالى غني عن القسم لعباده ، ولكنه يلفت نظرهم إلى عظمة المقسم به ، فإنه تعالى لا يقسم إلا بعظيم . و المسجور في اللغة(6) هو الذي أوقد عليه حتى أصبح حاراً ، والماء يتناقض مع النار ، لأن وجود أحدهما ينقض وجود الآخر ، حيث إننا نطفىء النار بالماء ، فكيف يكون البحر مسجوراً ؟ بعضهم قال : ألا تتألف ذرة الماء من الأوكسجين والهيدروجين ؟ والأوكسجين غاز مشتعل ، والهيدروجين غاز يعين على الاشتعال ، فلو أن الله فك هذه العلاقة الباردة بينهما لأصبح البحر كتلة من اللهب ، هذا معنى ، بيد أن عالماً معاصراً قال : « ثبت أن في المحيطات براكين تقذف باللهب من الصدوع » ، وهذه آية من آيات الله في خلقه حيث إنه لولا هذه النار لما استطاعت الكائنات الحية  تعيش في هذه الظلمة الحالكة ، والعلماء في أواخر الستينيات من القرن العشرين ؛ أي بعد أكثر من ألف و أربعمائة عام من نزول هذا القرآن  يقررون أن جميع المحيطات ، وعديداً من البحار قيعانها مسجورة بالنيران ، وهي الحقيقة التي ذكرها القرآن قبل ألف وأربعمائة عام ، وسماها : والْبَحْرِ الْمَسْجُورِ "  .(7)
ثم نختم تفسير الآية المباركة بما جاء به المفسر  الشيخ  الطبري في قوله :
وقوله: ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) اختلف أهل التأويل في معنى البحر المسجور, فقال بعضهم: الموقد. وتأويل ذلك: والبحر الموقد المحميّ.
* ذكر من قال ذلك:

علي الخباز, [25/03/2023 05:11 ص]
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن داود, عن سعيد بن المسيب, قال: قال عليّ رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر, فقال: ما أراه إلا صادقاً," وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ "  "و َإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ" مخففة.
وقيل : " وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ " قال: بمنـزلة التنُّور المسجور.
وقيل  " وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ " قال: الموقد.
وقيل : بل معنى ذلك: وإذا البحار مُلئت, وقال: المسجور: المملوء.
وقال آخرون: بل المسجور: الذي قد ذهب ماؤه.
وقال آخرون: المسجور: المحبوس.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض؛ وذلك أن الأغلب من معاني السجر: الإيقاد, كما يقال: سجرت التنور, بمعنى: أوقدت، أو الامتلاء على ما وصفت.
فإذا كان ذلك الأغلب من معاني السَّجْر, وكان البحر غير مُوقَد اليوم, وكان الله تعالى ذكره وقد وصفه بأنه مسجور, فبطل عنه إحدى الصفتين, وهو الإيقاد صحّت الصفة الأخرى التي هي له اليوم, وهو الامتلاء, لأنه كلّ وقت ممتلئ.
وقيل: إن هذا البحر المسجور الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى بحر في السماء تحت العرش" (8) 
وسواء أن كان معنى البحر المسجور الملتهب او المملوء او المحمى او الموقد أو المحبوس أو غيرها مما جاء من معاني إلا أنها جميعاً تبين أن القسم عظيم والمقسم اعظم واجل،  وهو عز وجل  بهذا القسم يظهر إعجازه وهو الغني كل الغنى عن عباده وهم الممكنات المفتقرة  دائما  اليه، تبارك وتعالى عما يصفون .
................................................
1 - نهج البلاغة، الخطبة 224.
2 - نور الثقلين، ج 5، ص 138.
3 - سورة القصص، الآية 81.
4-  تفسير الامثل - ج ١٧ - الصفحة ١٥٦
5-  مجمع البيان للطبرسي ج ٩ - الصفحة ٢٧٣
6- لسان العرب ( مادة سجر )
7-  موسوعة  الاعجاز العلمي في القرآن والسنة للدكتور محمد راتب النابلسي ، ص ١٩٥- ١٩٦
8-  تفسير الشيخ الطبري  .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منتهى محسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/25



كتابة تعليق لموضوع : الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net