صفحة الكاتب : منتهى محسن

بوح الزمان
منتهى محسن

 بما أني انا الزمان  واعرف كل ما دار من تفاصيل  الحكايات  ،سأروي لكم هذا اليوم حكاية حزينة للغاية بطلتها سيدة عالية الشأن كريمة الأصل في منتهى التقوى والهداية، حورية إنسية ، ونعمة فاح عطر الجنان من جنباتها فصار بلسما لسيد البرايا.

وبما أني انا الزمان واعرف تفاصيل الانساب لابد ان اعرفكم ان والدها خاتم الانبياء نال فيض محبة واصطفاء من رب العباد، فكان الحبيب والمصطفى  ومن بيده الشفاعة والنجاة يوم المعاد، محرر الكون من براثن الكفر ومزلزلا عروش الشرك والالحاد . 
واعرفكم ان امها سيدة قريش الأولى الطاهرة، ذاع صيتها بالبيع والتجارة فكانت المرأة الواعية التي سحقت  اعراف قومها  البالية، وتسلحت بسلاح الحكمة والفطنة البالغة، فتألقت في زمن كانت   الانثى اضعف المخلوقات نقصا وعبودية واستهانة.
واعلمكم ان حكايتي فصولها طويلة تحط في رحالها الاحزان وتسكن في محطاتها الالام ، لكني سأروي ما يمكنني نقله على السطور وما استطيع بوحه للأسماع والاذواق، فالمصاب كبير والندب عميق الاتساع.
فاعلموا ان  شهادة التاريخ مطعونة  لأنه التاريخ غاصب قد يغير الاحوال ويقلب الحقائق تبعا لمرام اهل الكراسي والسلطان، يحذف الوقائع ويغير مناصب اهل الفضائل ، لكن هيهات فأنا الشاهد والكفيل بإعادة النصاب وترتيب المقامات كما هي الحقيقة الواضحة للعيان .
ونعود للحكاية يا اصحاب...  وبعد تلك البداية آن لنا ان نلج لعالم الطهر المتمثل بسيدة النساء نلمس المزايا والصفات الحسان ونستنشق عبير الدين من نسائمها المورقة الاغصان،  وندور في فلك جودها وكرمها الى ما لا انتهاء .
وكما تعلمون ان سرد سيرة الاطهار والعظماء تحتاج لجرأة كبيرة ودقة في المعلومات وحيطة من الوقع بالزلل او التلابس او الاخطاء ومن هنا سألتقط لكم من بحرها الزاخر اللآلئ والمرجان، واتحفكم من سنىا سجايها ومناقبها ما يفيض عليكم بالعلوم النافعات ويضيف لأرصدتكم  البركات والحسنات.
مضت السنون وكبرت ام ابيها (  فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )، وشع قبسها في دنيا الوجود كنفحة الهية مصطفاة تنشر المسك والزعفران في كل الارجاء.
ومن مرحلة البنوة الغراء نقتبس حسن الاداء ونوجه عناية العشاق لضرورة اتخاذها اسوة  وتعزيز دورها الفعال ، ولتكن كل فتاة ام ابيها في الحنو والدفاع والنضج والادراك.
فان تكون الفتاة ام ابيها، اذن عليها تحمل اعباء الرسالة بصبر واجتهاد والدفاع عن القضية المحورية بكل عزم وثبات، والتفانى في التضحيات وصولا للغاية الالهية في هدف الإستخلاف.
نعم ..قد شهدت تغير المراحل في حياتها الشريفة وبعد تسع سنين من عمرها الميمون   شاطرت اباها شظف العيش وجشوبة الحياة مدافعة عنه من كفار قريش الاشرار، ثم انتقلت الى بيت الزوجية وحطت رحالها عند بطل الاسلام، بعلها الكفؤ عليا عليه السلام ، فاكتمل النوران، وانتقلت  من بيت النبوة الى بيت الامامة لتكون ام الائمة الابرار.
انا الزمان وثَقت الاحداث في ذلك البيت الطيني المتواضع الأركان، مررت بهم كل صبحا ومساء، اطالع سيرتهم واقف بكل اجلال واحترام فما وجدت عندهم غير السعي للطاعة والعبادة والتهجد بالأسحار،  والانضمام في صفوف الدعاء وتلاوة  الاذكار. 
انا الزمان ارسل رسالتي لكل النساء في اتخاذ السنن الفاطمية عبر وعظات واقتداء، و احذرهن من الابتعاد عن  خط الزهراء، كالمطالبة بالمهور الغالية ووضع الشروط التعجيزية للمتقدم للزواج، والعناد  والمجاهرة على وضع  الزينة  يوم الزفاف وعصيان  رب الارباب  .
نعم ..ومن الجوانب التي سحرتني وانا امر عليها في حياة مليكة الكون، جمال الامومة الاخاذ حيث وقفت في محرابها التقط حبة من عقدها التربوي الفتان وأطل عبر نافذتي على تفرده  وتميزه بكل اتقان،  وأُخراج دفعة نادرة وتحفة فاخرة من الابناء محال ان يلدهم الدهر مرة اخرى ، وقد اشرقوا كواكبا وهاجه ليعمروا وجه  الارض  بأنوار قدسهم المحمدي الخلاب.
هكذا جاءت الدروس تترى لمن اراد خوض غمار مشروع الزواج وضرورة التزود من النهج الفاطمي الراقراق ، فإطلالة سريعة على حال الاسر اليوم نحصد  من جراءه الكثير من الخيبات ونستشعر مقدار الخواء الفكري فرط الابتعاد عن مصدر الاشعاع .
ونظرة فاحصة تكشف الهوة الكبيرة التي يتبناها بعض الاباء في تربيتهم لابناءهم وانهيارها في مسالك الفساد والضياع ، حيث ينفلت الابناء وسط ضجيج العولمة وتنزاح الاستار عن اقدس معايير الشرف والحياء.
فلا الاولاد تربوا على سيرة الحسنين (ع)  ولا البنات واكبن سيرة سيدة الطهر والعفاف زينب (ع)، انما انخرط الجميع تحت مسميات الحرية المزعومة فاحترق الحرث والنسل، وغيبت القيم والمبادئ وضح النهار.
نعم ..انا الزمان احدثكم بعد مد كل تلك الاعوام، كنت حريصا على استشعار انفاسهم الشريفة وتوثيق حراكهم الفعال على صفحات صدري الولهان وانا بكامل حيطتي وخوفي من  ان تنالهم يد الافتراء والتدليس والاحتيال.
انا الزمان اروي مراحل الضياع وانهيار اغلب قيم الاسلام بعد موجات التطور التي اكتسحت الكثير من الالباب، وتحول الكثير الى إمعة تسيرهم سياسة الجمع ومسخ الاذهان ، فتهافتوا نحو الشهوات والمغريات تهافت الذباب على الحلويات .
وقدم الانحلال والتبرج نماذجا من المفاهيم الضالة التي لم ينزل الله بها من سلطان، فاختفى نور الزهراء وخفت وهجها في حياتهم التي راهنوا على  قضاءها كالبهائم والانعام .
انا الزمان ..شاهد على كل الوقائع والاحداث ومنها  فجيعة الزهراء وتطاول القوم عليها بعد وفاة ابيها (ص) وتظافر جهود القوم انذاك على اقصاء حقها في ارض فدك وحق بعلها في خلافة رسول الله وهو الاحق والاجدر بالتنصيب وقيادة الامة بعد رسول الله (ص).
انا الزمان...شاهد عيان على عظم الجريمة النكراء التي ارتكبت بحق اقرب الناس نسبا وعلما  وورعا لنبي الانام، شاهدا على ما حدث خلف الباب، وشاهدا على احراق النار لباب كانت سكن وامان رسول الله . 
انا الزمان.. عاينت كل الماسي التي مرت بها خيرة النسوان، وراقبت بصمت كيف توجهت بعنفوان تحيطها نساء قومها الى المسجد لتلقي خطبتها فتبطل دعوتهم الواهية وتعري احجيتهم الصماء،  فأنت أنة اجهش القوم على اثرها بالبكاء، وجاء الدرس مخضبا بحناء الفداء موجها لجميع النساء باتخاذها قدوة في الصلابة والشجاعة والاقدام  .
انا الزمان.. راقبت وتابعت وشاهدت كل ما جرى وكان في اشرف بيوتات الاسلام، فولولت باكيا واسفا مقروح الفؤاد، فلو ان النبي (ص) ،أوصى بأذى أبيته لما جار القوم عليهم بهذا الكم من الغل والعدوان .
بهذا الوجع اختم حكايتي واقف عند اعتاب هيبة  السيرة الفاطمية، لأصوب الأنظار عند نقطة حساسة القيها نصيحة أخيرة لكل النساء؛ إن اتخذن من السيرة الفاطمية درعا ووقاء؛ وتعلمن كيف تكونن فاطميات زهرائيات  أفعالا وأقوال. 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منتهى محسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/20



كتابة تعليق لموضوع : بوح الزمان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net