مفاهيم أدبية: الكوميديا السوداء
علي حسين عبيد

للكوميديا أنواع عديدة ولها أيضا أهداف مختلفة، فهنالك الكوميديا الجادة، ومنها أيضا الكوميديا المضحِكة، أو الهزل من أجل الترويح والتسلية، لكن منها أيضا الفكاهة السوداء أو الكوميديا السوداء، وهي تجمع بين السخرية اللاذعة وبين الألم الإنساني العميق، وتتصدى للقضايا التي تسيء لكرامة الإنسان وحقوقهم.

يعرّف السيد منصور الشاعر الكوميديا السوداء بأنها نوع من الكوميديا التي تعتمد على الهجاء في المقام الأول، لكن خلال العصر الحديث تفرعت من هذه التقسيمات العديد من الفروع الأخرى التي اشتملت على موضوعات من قبيل الموت والإرهاب والانتحار والحروب والجريمة والعنصرية، وغيرها من الموضوعات التي تتناول أفكارا شتى.

وتعتمد الكوميديا السوداء على الأمر الذي يؤلمك لكنه يدفعك مع ذلك إلى الضحك، أو كما يقول المثل: “شر البلية ما يُضحك”.

ويرى مهتمون آخرون بالكوميديا السوداء، بأنها تمتاز بالتصدي لمواضيع تعتبر عمومًا تابوهات أو أمور "محرم الخوض فيها"، بحيث يتم التعاطي مع تلك المواضيع بشكل فكاهي أو ساخر مع الاحتفاظ بجانب الجدية في الموضوع.

مواضيع الكوميديا السوداء تتضمن قضايا الموت والانتحار والحرب والإرهاب والعنف والجريمة والمخدرات والخيانة الزوجية والجنون والعنصرية والشوفينية والجريمة، إضافة إلى الجنس وما شابه. تدور الكوميديا السوداء حول مواضيع سوداوية سواء إرهاب أو مخدرات أو عنف، ويعتمد كتّاب السيناريو على أن يجعلوا هناك كوميديا في الموضوع ولكن سوداء.

بمعنى أنها تعتمد على شيء يؤلمك ويدفعك للضحك في نفس الوقت، لذا فهي كوميديا ليست بالسهلة ولابد أن يكون المختص بتناولها شخص متمكن.

الفكاهة السوداء تجمع الهزل بالترويع
برزت الكوميديا السوداء كأسلوب أدبي في الولايات المتحدة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. في عام 1964، قدم المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك فيلم دكتور سترانج لاف: Dr Strangelove)‏) الذي يعد واحدًا من الأمثلة الرئيسية للكوميديا السوداء، وكان موضوع الفيلم حول الحرب النووية وفناء الحياة على كوكب الأرض.

وبالنسبة للأفلام، فإن الكوميديا السوداء تستخدم عادة في الأفلام الدرامية والهزلية مع الإبقاء على نمط جاد، ويستخدمها بعض الفنانين الكوميديين كأداة لإلقاء الضوء لدى جمهورهم على موضوعات مهمة وكذلك لتسليتهم.

قام كتاب ومؤلفون أمثال (وليم فوكنر وتوماس بنكن وكورت فونيجت وجوزيف هيللر ومارك توين ولويس فرديناند سيلين وجورج برنارد شو) بكتابة قصص وروايات وأشعار ومسرحيات تعمقت وصورت أحداثًا مروعة بطريقة هزلية. فيما قام فنانون كوميديون أمثال ليني بروس وجورج كارلين وبيل هيكس وبيتر كوك وساشا بارون كوهين وفرقة مونتي بايثون البريطانية بإبراز هذا النوع من الفنون.

هناك ما تتميز به الكوميديا السوداء كي تنحو بنفسها جانبا وتتميز عن الأجناس الأخرى من الآداب والفنون، فمن ميزات الكوميديا السوداء أنها عادة ما تتميز بالجرأة والفكاهة ولكن بعيدًا عن الابتذال والشتائم، فهي ليست مجرد إطلاقٍ للنكات، وتركز بعض الأعمال فيها على كوميديا الموقف، ومن أشهر الأمثلة على ذلك فيلم Dr. Strangelove، وهو معالجةٌ كوميديةٌ مرعبةٌ للظروف المحيطة بإسقاط قنبلةٍ ذريةٍ .

لا تعتبر الروايات والأجناس الأدبية الأخرى، أو الأفلام التي تتناوب الأحداث فيها بين الكوميديا والتراجيديا، مثل Full Metal Jacket، كوميديا سوداء؛ إذ إن الكوميديا السوداء، وبحكم تعريفها، تستمد روح السخرية من الأجزاء المأساوية، فتتعامل مع الجوانب السلبية للحياة بروح الفكاهة الصادمة وغير المتوقعة

من الممكن أن تستمد الكوميديا السوداء حس الفكاهة من خلال المبالغة الكرتونية (دون الدخول في مجال الواقعية غير المريحة)؛ ففي فيلم A Fish Called Wanda، يقوم القاتل المحب للحيوانات بالصدفة بدهس كلب السيدة العجوز، ليتم تصوير مشهد الكلب الميت بتأثيراتٍ دمويةٍ واقعيةٍ، مما أثار استياء الجمهور ولم يكن مضحكًا، ولذلك أُعيد المشهد ليصبح الكلب بكل بساطةٍ ليغدو مسطّحًا كما في كرتون Wile E. Coyote الشهير، بعيدًا عن الواقعية المزعجة، فبات المشهد مرحًا رغم مأساويته.

لا ترتبط هذه الكوميديا بالكوميديين الذين يحملون لقب Black، أو الأسود (جاك بلاك ولويس بلاك)، أو ذوي الأصول الإفريقية من أمثال ديك غريغوري (Dick Gregory)، إيدي مورفي (Eddie Murphy)، أو كريس روك (Chris Rock)، رغم مشاركة عددٍ منهم في تقديم أعمال الكوميديا السوداء.

وعدم حصرها بأصحاب البشرة الغامقة يعود لكونها فن إنساني شامل، يحق للجميع أن يعتمدوه، لكي يعبّروا عن آرائهم المختلفة دونما مضايقات.

ماهي أهداف الكوميديا السوداء؟
للكوميديا السوداء أهدافها التي قد تكون معروفة ومتوقّعة، لكنها في معظم المضامين والأفكار التي تطرحا، تسعى لتويض النظم السياسية المستبدة، وتحاول بقدر المستطاع أن تفضح الأساليب القسرية التي تمارسها السلطات بمختلف أنواعها، فالهدف الأول لها هو تعرية أنظمة الكب والمنع والحرمان، وذلك باستخدام الأسلوب الهزلي الممزوج بالآلام الكبيرة التي تعاني منها البشرية بسبب السلطات القامعة الكاتمة المستبدة.

قد يكون من أهدافها الواضحة، التسلية وإدخال البهجة في النفوس، لاسيما في الأمم والشعوب المقهورة، لكن غالبا ما يتعرض أصحابها، سواء كانوا من الكتّاب أو الممثلين أو غيرهم، غالبا ما يتعرضون لملاحقات وعقوبات صارمة خاصة في الدول المستبدة، على الرغم من تغليف أفكارهم بالغموض والتلميح والإشارة.

لهذا تبقى الكوميديا السوداء، أحد أهم الفنون والأساليب الكتابية التي يخشاها الحكام، أو أصحاب السلطات بمختلف أنواعها، من هنا جاءت القيمة المتميزة لهذا الفن الكتابي والمسرحي، وأصبح من الأدوات المهمة التي يلجأ إليها المبدعون لمناهضة القمع والاستبداد.

الموضوع السابق مفهوم أدب النقد ولزوم إحاطته بالآليات الموضوعية

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat