صفحة الكاتب : حيدر عاشور

الى روحِ الشهيد السعيد (علي باسم محمد مؤمن الأنصاري) أبي زينب
حيدر عاشور

المصور الإعلامي الذي لا يهاب الموت .. ولم يعرف للخَوف معنى

 وصل حد اليقين في شكهِ أن الشهداء يعاتبونه لتأخره على عبور الجسر الضيق، ونزيف اصابته مستمر والرصاص حوله لا ينقطع.. وهو يعرف ان الطريق مهما طال لابد من نيالها. فقد عرف سرَّ المسافة ما بين الحياة والموت بعد ان اغترفَ من الشهداء كلَّ حكايات بطولاتهم، ركنِّا فركنِّا، وجرحاً فجرحاً، وقلبا فقلباً. ليست المرة الأولى التي تعصف بذهنه هذه الافكار في مواجهة العدو(داعش)، ولكن شيء في اعماقه يرفض الاستسلام، ويشعر أنه يفقد شيئاً ليتم الأمر غير ان تحقيق ذلك مستحيل دون بلوغ هدف عظيم ومميز بين اقرانه المجاهدين.. هدف سيسأل عنه يوما، وما عليه الآن وسط لهيب النار الا ان ينجح في الامتحان الذي رسمه له الله بهذا القدر المحتوم، ليكون في أعلى مدارج القبول.

بدأ يرتدي زهوَ انتصاراته، وهو يصور موته، ويرفع بالشهادةِ والولاء صوته!. ترك أنامله على كاميرته ليعيد ذكرياته، هي لحظات الوداع وحده يكابرُ موجة الغضب (الموت) الا أن قلبه يقرأ سيرة الجهاد، ومخيلته تعيد ارشيفها في الدفاع عن حرم جبل الصبر وهو يطمئن موالين في العالم ان عبر رسالته الاعلامية الصادقة ان الحرم الطاهر لم ينجس من قبل مجرمي (النصرة، والسلفية، والنواصب). كان ينقل في غربته بسوريا صورا حية عن خراب الذي احدثه الارهابيون ليوقظ ضمائر المجتمعات التي لا تعرف ماذا يفعل حكامها بأهليهم في المدن المسلمة وغيرها وهم يحيكون مؤامراتهم الشهوانية المريضة للتسلط على الحياة ورقاب البشر.. زادهم سرقة الاموال، وصناعتهم الارهاب، وهدفهم قتل وحرق كل ما هو شيعي موال لأسد الله الغالب، الغالب على كل غالب علي بن ابي طالب. ورغم كل من يتحدث عن موت الشيعة على يد اعدائها الباغين  يبصر الحقيقة في أسى التاريخ المترامي عليه الظلام.. يتراءى للمستبصرين ان قبور من يلمعون تاريخهم الملطخ بالدم والخيانة قبورا وضيعة عليها أكداس المزابل وتحتها أنهر من نفايات بقايا الانسان لتعم في ارجائها رواح كريهة لا تغيرها أغلى عطور العالم. أما قبور الاولياء تزهو بطيب مسك العطور رغم بساطتها.

لا سبيل له في لحظة الخروج من الدنيا سوى هذا الارشيف من الصور والكلمات المخزونة في عقله الظاهر والعميقة في عقله الباطن، لا سبيل له سوى يأخذها معه وهو يصلي صلاته الاخيرة عند حافة جسر نحيف في -منصورية الجبل شمال المقدادية- محافظة ديالى- وكاميرته لاتزال تصور موته، وتؤرخ نزع الروح من الجسد.. هنا ابتسم لنفسه وهو ينظر ما بين عدسة الكاميرا والسماء، ومن ثمة الى جهد المجاهدين، وآلاف من الاحداث والسماء من الاموات والاحياء، وتشابكت خيوط الاحداث وارتعش جسده وهو يتذكر أول أيام الفتوى المقدسة حين صدح صوت المرجعية الدينية العليا من الصحن الحسيني الشريف بالجهاد -الدفاع الكفائي- وكيف كان من أوائل المراسلين الحربيين لقناة الغدير ليكون شاهدا لعصر عودة ورثة قاطعي الرؤوس من النواصب باسم(داعش)، وموثقا لصراع الحق والباطل فلا يهم ان يكون في أي موقع ومكان المهم ان تتخلص البلاد من هذا البلاء فالوطن اولا وبعده تهون كل الاشياء، فالعقيدة والمذهب والمقدسات سيبقيان مع بقاء الوطن وهن محفوظات كالقران الكريم من كل شيطان رجيم ولا يمسهن ويدخلهن الا الطاهرين الموالين.

ومن جديد ترك وراء ظهره الحياة وما فيها، ترك زوجته وابنته وعائلته، ولم يفكر الا بقربه من الله بالاستشهاد، فالذي لم يحققه وانتصر في حفظ مقام زينب العقيلة عليه ان يحققه في طرد(داعش) الإرهابي مصورا ومقاتلا. فمن نوادر الشباب ان تجد شابا يزهد في الحياة ويتخلى عن حلمه وفلذة كبده وحبيبته من أ جل رضا الله والفوز بالجنة وهو حي. فالذين يكتبون عن الحبِ والحربِ، ويشعر الشعراء بشعرهم عن الارض والوطن هو غير الذي يمسك البندقية بيد ويوثق بعين وهو يقاتل في سواتر الصد المتقدمة، ويصول مع الموت صولة -الصائلين- للاستشهاد تحت قوس النار.

وبقي يعطي روحه للوطن والمذهب كفدية العمر الذي كان يعتبر ذليلا اذا ما بقيت عصابات (داعش) تأخذ كل عزيز من الارض، والموت يطوي من يشاء من رجال الحشد الشعبي والقوات الامنية والعسكرية.. كان لا يقف في قصف او هجوم او صولة او تحرير او تطهير ويبكي حين يحصي بكاميرته الشهداء، ويشعر ان جثثهم الطاهرة تحدثه وتدعوه وكأنهم يبشرونه برضا الله عنه، وقريبا سيكون معهم.. كلما يرى هذا المشهد تخر قواه لحظة ويعيدها بقوة وهو يقول: لم انجح بعد في الامتحان النهائي لعقيدتي ومذهبي؟!..

فلم يكن هنا ولم يكن هناك، وجرحه النازف لا يزال ينضح دماً، والقتال دائر بين الحق والباطل. كان يسمع نداء أخوته من -لواء الثالث حشد شعبي من مقاتلي بدر العسكري-.

-         يا علي الانصاري.. أصبر وتحمل ايها البطل نحن قادمون.

وحُمت ساعة القتال وأصبح أشد، والاصوات تقول: تقدموا قبل ان يستسلم (علي) للموت فنحن بحاجة لمثل هذا شجاع. واختلط الدخان بالرجال واختضت الارض من الانفجارات، واختنقت السماء من هول ما يصعد اليها. وهو كما لو أنه بدأ من جديد يصور مشاهد أصعب مما يراه الآن ولا يستطيع النهوض بسبب قوة اصابته وفقدانه للكثير من الدماء.. تذكر حرب تطهير(سلمان بيك، ومعركة بير أحمد، وفتح طريق بغداد كركوك، ومعركة الضلوعية، وتل حمرين الأولى، وتطهير منطقة السعدية ، وتحرير وفتح طريق امام ويس) وهو ما زال حيا والكاميرة لا تنزل من كتفه الا اذا اضطر للقتال، ولم تنتهي المعارك مع الإرهاب الداعشي، ولم يرَ سوى الابطال ورؤوس بنادقهم. كان يتقدم صوب محصنات الاعداء يترنح مع كاميرته تحت دويّ الرصاص.. يبث روح الشجاعة في المقاتلين فيكونوا خلفه أكثر غضبا فيرسم الانتصار..

تكرر الصوت نحوه: يا علي نحن قادمون، وما أن وصلوا وشاهدوا منظره وهو يبتسم ويكرر (اشهد ان علي ولي الله).. كانت لحظات لا توصف وهو يستسلم لنزيفه ويشير الى كاميرته التي كتب على شاشتها اليوم الجمعة في  منصورية الجبل شمال المقدادية الموافق ٢٣/ ١/ ٢٠١٥م  المصادف 3 ربيع الآخر, 1436 هـ .. هي أخر صورة للنفس الأخير للمقاتل المجاهد الحشدي البدري المصور الإعلامي ( علي باسم محمد مؤمن الانصاري) ابي زينب - البطل الذي لا يهاب الموت.. ولم يعرف للخوف معنى.

كان صورته الناطقة تقول: أنا علي الأنصاري( أبي زينب) القادم من الأهواز– الشوش وتجاوزت من صراعاتي حياتي وهموم المذهب والوطن سبعة وثلاثون سنة. أخيراً اشعر إنني نجحت في الامتحان ونلت الشهادة، بعد ان قاومت بكل هذه الخطوات الجهادية مبتعدا عن احبابي من أجل وطني ومذهبي والمقدسات.. كنت خلال كل هذا الموت اجمع ابتسامات الاخرين وهموم العمل, ويكون عليّ الان ان اعبر الجسر النحيف الذى اعبر منه لحظيا لأحظى بهدوئي المنتظر, كان الجسر نحيفا وكنت مليئا جدا بكامرتي, وصور الشهداء تثقل روحي, حتى ما وصلت لمنتصف العمر معهم.. كنت دائما اسمع أنهم يلومنني, ويعاتبنني: على الأنصاري متى تحث الخطى لكى تعبر معنا الجسر النحيف, كنت ابتسم واجمع عتابهم ليوم اخر, وهكذا حزمت امرى اليوم وتركت جرحى ينزف ينزف, وهو يرتقى شرايين الوقت المتبقي, هكذا انا اتممت مهمة صعبة, وخففت اللوم والعتاب من الشهداء.. انا الان معهم ساتركم تأخذون حق المظلومين وتحررون ارض الوطن، واودعكم عبر كاميرتي، واودع عائلتي التي تعودت غيابي مبتسما, سأكون قريبا جدا منكم, هكذا اوثق ابتساماتكم كي لا احزن.. الوداع ايها الاصدقاء المجاهدون.

استشهد جسدا ونهضت روحه، وهو يبشرهم بفوزه بعد صور عبر أثير كاميرته ذكريات لا تُنسى وتوثيق سيظل مدى الحياة، وسيكون هو وصور الشاهد على طغيان وكفر وظلم الدواعش، وما بقي مكتوبا في عقله وضميره هو ذاك الحب والعشق الذي صدق فيه ونال منه مبتغاه حتى صار على القمة تحس به كل العيون، وتلفظه الألسنة شهيدا.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر عاشور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/06



كتابة تعليق لموضوع : الى روحِ الشهيد السعيد (علي باسم محمد مؤمن الأنصاري) أبي زينب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net