صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

ناصر أبو حميد الأسير حياً ومريضاً وشهيداً
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ناصر أبو حميد، الاسم العلم، المناضل البطل، المقاوم العنيد، الفلسطيني الأصيل، الأسير الثائر في قيوده، والمنتفض في أغلاله، الشامخ في الزنازين، والحر خلف القضبان، صاحب الصوت الهادر من وراء الجدران، والإرادة الصلبة رغم أنف السجان، القابض على الجرح، الواثق رغم المرض، الصامت رغم الألم، شقيق الأسرى وأخو الشهداء، ابن الأم الصابرة والعائلة الصامدة، يترجل عن جواده ويرحل، ويستجيب لنداء ربه ويعجل، غير آبهٍ على عمر في السجون مضى، وغير آسفٍ على شبابٍ خلف القضبان ذوى، فالشهادة كانت أمنيته، ورضا الله كانت غايته، كما كانت المقاومة دربه، والنصر حلمه، والتحرير والعودة أمله.

ناصر أبو حميد أحد مؤسسي كتائب سعداء الأقصى التابعة لحركة فتح ليس كأي أسير فلسطيني آخر، فهو محكوم بسبعة مؤبدات وخمسين سنة، قضى منها متفرقة أكثر من خمس وعشرين سنة، وهو ابن عائلة قدمت خمسة من أبنائها أسرى، حكم عليهم العدو بالسجن مؤبدات كثيرة، وقد ترك في السجون الإسرائيلية خلفه أربعة منهم، يتنافسون على المقاومة، ويصرون على النصر، وكان خامس قد سبقهم شهيداً، وأمهم التي بقيت كالجبل الأشم بعد وفاة أبيهم صامدة صمود الرجال، صلبة القلب كصخرة، شامخة الرأس عالية الصوت موفورة الكرامة، تعاني وتتألم لفراق أحببتها، لكنها لا ترُي العدو ضعفها ولا تشعره أبداً أنه كسرها، بل تعده بالحرية والتحرير، وتهدده بالفناء وتتوعده بالرحيل، وهو يخشاها ويتجنب مواجهتها ويبتعد عنها ولا يصطدم معها، ليقينه أنها أقوى منه، وأشد ثباتاً ورسوخاً من جيشه وكل مستوطنيه.

أيا أيها الأسير الشهيد ناصر، ليس مثل أمك تضحية وصبراً وعطاء وجلداً أمُ، فقد فاقت الخنساء صبراً وأم نضال بذلاً، وأنتم فلذات أكبادها الخمسة، تذوي أعماركم في السجون أمامها، ويضيق عليكم السجان جدرانها، وهي لا تستطيع استنقاذكم، ولا تتمكن من التخفيف عنكم، ولكن قامتها لا تنحني، وإرادتها لا تنكسر، وكبرياؤها لا يخضع، ولا تُسر العدوَ بشكوى أو أنين، ولا تفرحه بندمٍ أو حنين، وهي على يقين أنها ستلقاه وستجتمع به، وإن كان إلى الجنة فرطها فهي معه وإلى جواره أبداً.

سلامُ الله عليك ناصر وقد ارتقت روحك وسمت، وأصبحت في حواصل طيرٍ خضرٍ في قناديل تحت عرش الرحمن، فارتاحت روحك وزكت نفسك، والتأم جرحك وشفيت من مرضك، ولبست ثوب الطهر وستر الرحمن، وازدانت السماء لاستقبالك، وخفت ملائكة الرحمن للقائك، وفتحت أبواب الجنان لك وأمثالك، فسلام الله عليك ناصر في الخالدين، سلام الله عليك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وشهداء أمتنا الأخيار وأبطالنا الأبرار، نستودعك الله عز وجل وهو الذي لا تضيع عنده الودائع، ونسأله سبحانه وتعالى أن يريك ما تقر به عينك، ويطمئن إليه قلبك، وتسعد به نفسك، وترتاح إليه روحك.

 

نحن نعلم يا ناصر أنك كنت على موعدٍ مع الحرية، وأنك كنت تتهيأ قريباً لملاقاة أهلك ومصافحة أحبتك وتقبيل يد أمك، وأن هذا الأمل ما مات في قلبك وما خبا، وما تسلل الشك إلى قلبك وما عرف غير اليقين بالفرج، فقد أقسمت المقاومة على أن ترغم العدو على أن يطلق سراحكم، ويفك أسركم، وأن تعودوا إلى بيوتكم أحراراً، وإلى بلداتكم وقراكم أعزةً أبطالاً، وهي على ذلك بإذن الله عز وجل قادرة، وستفي بوعدها وتحقق هدفها، وسينعم إخوانك ومن تركت خلفك في السجون والمعتقلات بالحرية، وسيرفلون بثياب العزة والكرامة، وستكون –وأنت في كنف الرحمن- بحريتهم سعيداً، وبلقاء أهلهم والعودة إلى بيوتهم فرحاً مسروراً.

إنَّا على فراقك يا ناصر لمحزونون، وإن قلوبنا عليك موجوعة ونفوسنا مفجوعة، وعيوننا تبكيك دمعاً وألماً، فقد عانيت وتألمت، وضحيت وأعطيت، وبذلت ثلثي عمرك في السجون والمعتقلات، ونَحَتَ المرضُ جسدك وأوهى السرطان قوتك، وأوجعك ثقله وآلمك، وأضناك البعد وأسهدك الحرمان، وجَوَى قلبَك الشوقُ ورقه الحنينُ، وقد كنا عاجزين عن نصرتك، وغير قادرين على نجدتك، ولا نستطيع تخفيف آلامك أو وقف معاناتك، وكنا نتحسر ونحن نرى السجان يضيق على معصميك القيود، ويضع في رجليك الأغلال، ويقيدك وأنت المريض إلى أسرة المستشفيات، تعاني ألماً فوق المرض، وتشكو وجعاً أَمَضَّ من السرطان.

نم قرير العين ناصر، واهنأ نفساً وطب روحاً، واعلُ صرحاً واسمُ نجماً، واعلم أن ثرى فلسطين سيشرف بك، وستوارى فيه رغم أنف العدو وصلفه، وأنه وإن احتجز جثمانك ومنع تشييعك، فإنه سيذل وسيخضع، وستعود إلينا فوق أعناق الرجال بطلاً نرثيك، ومقاوماً باقياً، ومقاتلاً أبداً، وستسير فلسطين وشعبها في الوطن والشتات في جنازاتك المهيبة، ومسيراتك اللجبة، حتى يلعن الاحتلال نفسه حسرةً، ويعض أصابعه ندماً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/22



كتابة تعليق لموضوع : ناصر أبو حميد الأسير حياً ومريضاً وشهيداً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net