العلاقة بين الدين والمجتمع
زينة محمد الجانودي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زينة محمد الجانودي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
()
بقلم: زينة محمد الجانودي
الدين في اللغة هو من الفعل دَانَ، أي اعتنق واعتقد بفكر أو مذهب ما، وسار في ركابه وعلى هداه، وفي الاصطلاح هو جملة المبادئ التي تدين بها أمّة من الأمم اعتقادا أو عملا، أمّا في الاصطلاح الشّرعي، فهو عبادة الله قولا وفعلا واعتقادا، حسب ماجاء في الشّريعة في العقائد والأحكام والآداب والتّشريعات والأوامر والنّواهي وكلّ أمور الحياة.
أمّا الفكر الديني فهو يتكوّن من اجتهادات وتأويلات تحاول تفسير النّصوص الدينيّة، وهذه نشاطات فكريّة بشريّة يقوم بها مختصون بهدف توضيح بعض النّصوص، وتأويل بعضها الآخر.
إنّ أهميّة الدين هي في المنظومة الإيمانيّة التي هدفها،هداية النّاس وتنظيم حياتهم، وعلاقاتهم بالله وبغيرهم من البشر.
ويعتبر الدين من أبرز المقوّمات المكوّنة لكيان المجتمعات، ويؤثّر في مناحي الحياة الاجتماعيّة المختلفة، ولهذا شكّلت العلاقة بين الدين والمجتمع محورا مهما في حياتنا، ولأنّ الدين بجوهره خُلق وتربية، فالتّعاليم والمعتقدات والمعاملات فيه، تدور حول الأخلاق الفاضلة، وعدم الإساءة للغير، وترسيخ قواعد الحقّ والعدل والإنصاف والإحسان والتّسامح والرّحمة بين البشر، وصحيح أنّ الخُلق والضّمير الحيّ اليقظ، لا يكون إلّا بعد صحّة التّربية، وصدق المبدأ، وكثرة الخبرة، وسلامة العادة، ولكن يقتضي وجود قوّة مسيطرة أيضا توجّه لخير وجهة، وتكون من حيث الفعاليّة قوّة ذاتيّة، لذلك يجب أن نبحث عنها، وإذا بحثنا عنها جيدا سنجدها في الدين، المتمثّل بالقوّة الروحيّة، التي تفيض بالجمال الإلهي، فتمتلأ النّفس بالصّفاء الذي تنعكس فيه ظلال المعاني السّامية، وتفيض الرّوح بالحبّ الذي يسمو إلى أعلى الدّرجات، ولكن هذه القوّة الروحيّة تتحقّق إذا وصل الإنسان إلى المعنى الحقيقي للدين، والإنسان قادر بالعقل والوعي والحريّة، والإدراك والإرادة الذاتيّة، أن يصل إلى المعنى الحقيقي للدين.
ولكن الإنسان الذي يعيش في بيئة اجتماعيّة تفرض عليه قيودا سياسيّة، وفكريّة واجتماعيّة ،وتحدّ من مساحته في التّعبير عن رأيه، لن يجد الملجأ لتحقيق ذاته وإعلاء شأنها في نظره إلّا في الدين، فيتكوّن عنده تصوّر ظاهريّ وخاطئ عن الدين،فتراه دائما ماينسب أي شيء يمرّ عليه إلى الدين، ووجهة نظر الدين ورأيه فيه، وأقوال العلماء ورجال الدين، وغير ذلك مما يتعلّق بالأمر، لكن هذا الاهتمام المبالغ فيه بالدين لا يعدو عن كونه ظاهرا، أي بمظهر خارجي يوحي بالتديّن، وليس له علاقة بجوهر الدين، وقوله الحقيقي في هذه المسألة أو تلك، إنّ وجود تلك الحالة يعود إلى عدّة أسباب منها: - محاولة من هم في سدّة الحكم في هكذا بلدان ومجتمعات، طمس معالم بعض المرتكزات الأساسيّة في الدين وتغيير مقاصدها، كطاعة الحاكم مثلا، ومفهوم الطّاعة العمياء له.
- ظاهرة تصنيم رجال الدين الذين يلبسون عباءات العلماء، ويفتون بين النّاس بغير علم، ورفعهم تقريبا إلى مرتبة النبوّة، بإنزال أقوالهم منزلة الأحاديث النبويّة، والامتثال لفتاواهم وتعميماتهم واجتهاداتهم، حتى لو كانت غير صحيحة، هذا إذا لم تكن مخالفة للدين أصلا.
- العادات والتقاليد الاجتماعيّة القديمة المتوارثة عبر الأجيال والتي تكون كالعقيدة وأقوى من الدين،فلا يجرؤ المرء على مخالفتها.
ومن المهمّ ذكره أيضا، بأنّ الإنسان الذي ينشأ ببلد فيه قمع واستبداد، قد يتواءم مع ذلك، ولا يعد يحتاج بعد ذلك إلى الحريّة، وبالتّالي يصبح الدين عنده لا علاقة له بالحقّ والعدل، وإنّما هو مجرّد أداء للطّقوس، واستيفاء للشّكل، لا ينصرف غالبا للسّلوك، فالذين يمارسون بلا حرج الأذيّة والكذب والنّفاق والرّشوة، يشعرون بالذّنب فقط إذا فاتتهم إحدى الصّلوات، ولا يدافع الواحد منهم عن دينه، إلّا إذا تأكّد أنه لن يصيبه أذى، فيغضب لأمور ثانويّة بحجّة الدّفاع عن الدين ولكنّه بالمقابل، لا يفتح فمه بكلمة مهما ارتُكِبت الجرائم الغير إنسانيّة، ومهما بلغ الظّلم والفساد والتّعذيب في بلاده.
فكم بتنا نرى الخُلق قد اختلف مفهومه، والضّمير قد تبدّل تقديره، والتّعامل والسّلوك قد تباين، وبرزت الأنانيّة المفرطة التي تنطلق من العقيدة والقبيلة والحزب والطّائفة، ولا تركن لقيَم التعدّدية والتّعايش والاختلاف، ممّا نقل المجتمع إلى اللامتسامح، وأصبح مليئا بمن يعبدون الله ويسرقون عباد الله، ومن يسخّرون الدين في خدمة مصالحهم الشخصيّة، إن كان على نحو فردي أو جماعي، وغدا المجال العام ميدانا للفتك والهتك باسم الحقيقة والأحقيّة، وبات الآخر وجهة للنّقد والنّقص تارّة باسم الدين والشّرع، وتارّة باسم الشرعيّة، واختفت لغة الحوار والتّواصل، وبهكذا بدلا من أن يكون الدين يجلب الأمل ويحقّق السّلام والمصالحة، يصبح مصدرا للتوتّر والصّراعات. وكم اتّجه بسبب كلّ ذلك الكثير من الشّباب إلى الإلحاد والإساءة للأديان.
ولذلك يجب العمل على عمليّة الإصلاح الديني بكافّة جوانبه، كي يتمّ التمكّن من استيعاب التغيير الاجتماعي، والحفاظ على التّوازن داخل البنية الاجتماعيّة، ومسايرة التطوّر الزمني، والتّعايش معه بسلام، و العمل الدائم على بثّ الوعي، لتحرير عقول النّاس من الفكر والرّأي الجامد، والتّفريق بين ماهو ديني وماهو دنيوي، كي تصبح العلاقة بين الدين والمجتمع علاقة تكامل وترابط وليست علاقة تناقض وتفكّك، وبهذا يكون الدين الدّرع الواقي للفرد وللمجتمع وليس العكس.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat