صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفافِ الانتظار(9)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عينُ الله (تعالى)

إحدى الصفاتِ التي وصِفَ بها الإمامُ المهدي (عليه السلام)، ولكي نعرفَ معناها نقول:
هناك بحثٌ مهمٌ في علمِ الكلام حولَ الصفاتِ التي يُسمّيها علماءُ الكلام بالصفاتِ الخبرية، أي التي أخبرَ القرآنُ الكريمُ بثبوتِها للهِ (تعالى)، والتي ظاهرها التجسيم، كالعينِ، واليدِ، والوجهِ، والعرشِ، والكرسي، واتفقتْ كلمةُ الإماميةِ على أنَّ المقصودَ منها ليس ما يتبادرُ منها من المعنى المُلازمِ للجسمية، وإنّما هي تعني أو تؤولُ بما لا يلزمُ منه الجسميةُ وبالتالي النقص والإمكان.
وفي خصوصِ العين، فقد فسّرَها العلماءُ -كما هو الحق- بأنَّ المقصودَ منها هي العناية، فيكون معنى أنَّ للهِ (تعالى) (عينًا) هو أنّه (تعالى) يُراعي عبادَه ويُسدِّدهم ويدلّهم على ما يُنجيهم من مكايد الدنيا وفتنها.
هذا من جهة.
من جهةٍ أخرى، فإنَّ النصوصَ تؤكدُ على أنَّ العبادَ يُمكِنُهم أنْ يتصاعدوا في مراحلِ الكمالِ اللامتناهي، وكُلّما قطعوا شوطًا منها، حازوا على كمالاتٍ تنفتحُ لهم معها أسرارُ العالم، وتُضافُ لهم بذلك قُدراتٌ غيبيةٌ بإذنِ اللهِ (تعالى)، ولذلك كانَ النبيُّ عيسى (عليه السلام) يُحيي الموتى ويُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ بإذنِ اللهِ (تعالى)، وهكذا كانَ للنبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) مئاتُ المعجزاتِ التي يقفُ العقلُ مذهولًا أمامَها، وهكذا أئمتنا (عليهم السلام).
رويَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): قَالَ الله (عز وجل): مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي، ومَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه، وإِنَّه لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذَا أَحْبَبْتُه كُنْتُ سَمْعَه الَّذِي يَسْمَعُ بِه، وبَصَرَه الَّذِي يُبْصِرُ بِه، ولِسَانَه الَّذِي يَنْطِقُ بِه، ويَدَه الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُه، وإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُه...»( ).
وإنْ دلَّ ذلك على شيءٍ، فإنّما يدلُّ على إمكانِ العبدِ أنْ يصلَ إلى مرحلةٍ يتمثّلُ بها الصفات الإلهية على الأرض، بحيث يكونُ هو عينَ اللهِ (تعالى).
وعلى هذا: يكونُ معنى كونه (عجل الله (تعالى) فرجه) عينًا لله (تعالى) أحد أمرين:
الأمر الأول:
أنّه الشاهدُ على عبادِه (تعالى)، فإنَّ العينَ تؤخذُ بهذا المعنى، وهذا المعنى صادقٌ على كُلِّ أهلِ البيت (عليهم السلام) للرواياتِ الدالةِ على أنّهم الشهودُ للهِ (تعالى) على عباده، من قبيل ما رويَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَولِ الله (عز وجل): ﴿فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً﴾، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) خَاصَّةً، فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ مِنَّا شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ، ومُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) شَاهِدٌ عَلَيْنَا»( ).
وعَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله (عز وجل): ﴿وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾؟ قَالَ (عليه السلام): «نَحْنُ الأُمَّةُ الْوُسْطَى، ونَحْنُ شُهَدَاءُ الله عَلَى خَلْقِه، وحُجَجُه فِي أَرْضِه». قُلْتُ: قَوْلُ الله عز وجل: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ﴾؟ قَالَ (عليه السلام): «إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً»، ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾، «فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ وفِي هَذَا الْقُرْآنِ»، ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾، «فَرَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) الشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ الله (عز وجل)، ونَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَمَنْ صَدَّقَ صَدَّقْنَاه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ومَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاه يَوْمَ الْقِيَامَةِ»( ).
المعنى الثاني:
أنّه السببُ في عنايةِ اللهِ (تعالى) بعباده، فإنّه (تعالى) يوضحُ في القرآنِ الكريم أنّه يعتني بعباده لأسبابٍ متعددة، منها الدعاء قال (تعالى): ﴿قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً﴾.
ومن هذا القبيل، فإنّه (تعالى) إنّما يعتني بالعبادِ بسببِ وجودِ أهلِ البيت (عليهم السلام)، فإنّهم الأمانُ لأهلِ الأرض كما صرّحتْ به الرواياتُ الشريفة، من قبيلِ ما رويَ عن الإمامِ علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «نحنُ أئمةُ المُسلمين، وحُججُ اللهِ على العالمين، وسادةُ المؤمنين، وقادةُ الغُرّ المُحجّلين، وموالي المؤمنين، ونحنُ أمانُ أهلِ الأرضِ كما أنَّ النجومَ أمانٌ لأهلِ السماء، ونحنُ الذين بنا يمسكُ اللهُ السماءَ أنْ تقعَ على الأرضِ إلا بإذنه، وبنا يمسكُ الأرضَ أنْ تميدَ بأهلها، وبنا ينزلُ الغيث، وبنا ينشرُ الرحمة، ويخرجُ بركاتِ الأرض، ولولا ما في الأرضِ منا لساختْ بأهلها».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «ولم تخلُ الأرضُ منذُ خلقَ اللهُ آدمَ من حُجّةٍ لله فيها، ظاهرٍ مشهور، أو غائبٍ مستور، ولا تخلو إلى أنْ تقومَ الساعةُ من حُجةٍ لله فيها، ولولا ذلك لم يُعبَدِ الله».
قال سليمان: فقلتُ للصادق (عليه السلام)، فكيفَ ينتفعُ الناسُ بالحُجّةِ الغائبِ المستور؟ قالَ: «كما ينتفعون بالشمسِ إذا سترها السحاب»( ).
إذا اتضحَ هذا المعنى نقول:
لقد وردَ وصفُ (عين الله) لأهلِ البيتِ (عليهم السلام) عمومًا، كما في ما رويَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: «نَحْنُ المَثَانِي الَّذِي أَعْطَاه اللهُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا (صلى الله عليه وآله)، ونَحْنُ وَجْهُ الله نَتَقَلَّبُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، ونَحْنُ عَيْنُ الله فِي خَلْقِه، ويَدُه المَبْسُوطَةُ بِالرَّحْمَةِ عَلَى عِبَادِه، عَرَفَنَا مَنْ عَرَفَنَا وجَهِلَنَا مَنْ جَهِلَنَا وإِمَامَةَ المُتَّقِينَ»( ).
وعَنْ أَسْوَدَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَأَنْشَأَ يَقُولُ ابْتِدَاءً مِنْه مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْأَلَه: «نَحْنُ حُجَّةُ الله، ونَحْنُ بَابُ الله، ونَحْنُ لِسَانُ الله، ونَحْنُ وَجْهُ الله، ونَحْنُ عَيْنُ اللهِ فِي خَلْقِه، ونَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ الله فِي عِبَادِه»( ).
ووردَ أيضًا في خصوصِ بعضِ الأئمة (عليهم السلام)، فقد جاءَ في زيارةِ أميرِ المؤمنين (عليه السلام)، التي زارَ بها الصادقُ (عليه السلام) في سابع عشر ربيع الأول عند طلوع الشمس: «... السلامُ عليك يا عينَ الله الناظرةَ في العالمين، ويدَه الباسطة، ولسانَه المُعبِّرَ عنه في بريته أجمعين»( ).
وهكذا وردَ في خصوصِ الإمام المهدي (عليه السلام) فيما رواه السيدُ ابن طاووس في زيارته (عليه السلام) يومَ الجمعة: «السلامُ عليكَ يا حُجّةَ اللهِ في أرضه، السلامُ عليك يا عينَ اللهِ في خلقه»( ).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/02



كتابة تعليق لموضوع : على ضفافِ الانتظار(9)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net