الشعر باللهجة الموصلية بين الماضي والحاضر
كرم الاعرجي

الابداع هو الذي جعل الكلمة تتوسد سيرتها في النص لما تحمل من معان خاصة بها، حيث تجعلك تتحسس مفاتن الجملة بفن رفيع يدهش في التجربة الجديدة لشاعر اللهجة الموصلية ( حارث معد)، الذي جعل من القارئ يطمئن في الغوص داخل أناقة لهجته بطريقة ساحرة بصدقها، ونبل تحديثها عبر هذه اللغة الشفافة والأكثر التصاقا باللغة العربية، فاللهجة الموصلية لها باعها الطويل وتشترك أيضا مع لهجات ما بين النهرين، لكنها تترك أثرها في السكن أكثر مما حولها من لهجات، وقد ظهرت عند العديد من شعرائها الذين تناولوا حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أمثال (عبو المحمد علي)، نذكره وإن لم يكتب باللهجة إلا ازهيري يتيم، حسب الشاعر(سبهان نايف الحيو) ولكن المكان يحتم علينا ذكره للمواقف الاجتماعية آن ذاك،


حارث معد الجبوري
أما الشاعر (كوركيس ايليا)، فقد كتب حوارا تثقيفيا لولده بعنوان (ياابني ايليا اسمع كلامي اشويه)، أما الشاعر(عبد الغني الملاح ) أول من كتب قصيدة (صاح القطار قومي انزلي) حسب المؤرخ المتمرس (أ.د. ابراهيم خليل العلاف).. وكانت مغناة، والتحقيقات كثيرة بهذا الشأن، أما الكتب التي تؤرخ لهذه اللهجة (الف رباعية ونيف) كانت من تأليف (زكي يحيى الخيرو)، وتحقيق (زهير يحيى الخيرو) و(أ. د. نبيل نجيب فاضل).


الشاعر الراحل معد الجبوري
كما كتب الشاعر الكبير(عبدالوهاب اسماعيل) باللهجة ذاتها، وأيضا كانت قصيدة (بوسي وشمه) ،للشاعر الكبير رحمه الله (معد الجبوري) من القصائد التي أخذت مداها انذاك، وكتب الشاعر (د.ميسر الخشاب) أيضا في هذا المجال، وأغنية (دونك حياتي اشني) ومؤلفها (حارث معد) كانت من ألحان الشاب (محمد الحمو)، أما الشاعر(عبد الإله حسن) كان يكتب كثيرا للملحن (زكي ابراهيم)، أما الفنان والمخرج (راكان العلاف) الذي أبدع في تقديم ماهو جميل من (اوبريتات) تخص اللهجة الموصلية اللصيقة مع حياة الناس، وهكذا توالت القصائد للشاعر. الشاب الذي بصم لتاريخ جديد للأغنية الموصلية الأصيلة من الموروث (حارث معد) مثل، (ياناس ضاع العمغ). و(اسمغ عيونو شهل)، و(علضفي كانت قصتنا)، وهُنّ من الحان الموسيقار الكبير(أكرم حبيب)، أما قصيدة (غمضان) كانت من ألحان (نبيل حسون) ومن الذين صدحت أصواتهم بأغاني اللهجة الموصلية الفنان (عامر يونس) و(فخري فاضل)، و(محمد زكي ) و(حسين الشكرجي) و(رأفت مراد) و(وليد الشامي) و(احمد المصلاوي)، (تحسين حداد) و(عبدالله الاسمر) وكذلك الفرق الفنية الحديثة، التي تتحلى بتراث المدينة…


عبدالوهاب اسماعيل
ولا ننسى الشاعر (محمد السيد) أيضا كتب باللهجة الموصلية، وآخرين، ولا ننسى البرنامج التلفزيوني (هكذ اتغبينا) من اعداد وتقديم (محمد العطار)، لكن حارث هذَّب بعض المزايا في تكوين بصمته عبرها، وقد كتب شعرا جميلا يتحد مع المعاصرة في طريقة حسية تتفاعل مع الواقع المعيش الآن، غزلا كانت قصائده أم مواقف يجب الوقوف عندها، ففي قصيدته( رجعني ياريت)، في صياغة مفاهيمها وأحداث واقعيتها، صرخة ذاتية تتألم من وجع الغربة وما آلت إليه الأحداث من تهجير، وجوع، وحرمان من عذب ماء المدينة، وما أصابها من هجمة وحشية بجناحين من نار نشرت على ضفتي النهر الحر وتلويث نقائها، وهو يسرح بخياله متمنيا عودته، وبدعاء مرفوع نحو السماء، ذلك الخيال الواسع الذي جعل منه أن يتذكر كل مامر بحياته من فرح، حالما بالعودة من خلال ما يتخيله وهو طفل يلهو ويلعب بين أفراد عائلته وأصحابه في باحة بيت جده الذي ضاع فيه مفتاح مفاتنه، تلازمه الحرقة والألم، لكنه ينظر بعقله العارف، لابد من أمل رغم عدم راحة الجميع بهذا الزمن البهيم، وهكذا يستطرد بمخاطبته للناس وأهله، (ياناس ضاع العمغ بالغربة من ظليت

                        عشعش بقلبي القهغ من هلوضع مليت

                           ياربي بيك الرجا ومنك طلب ياريت

                         ارجع بلحظة طفل والعب بحوش البيت

                            ارجع بدار الأهل لمة ضحك وافراح

                           هل يوم أذْكر أمس واصفق الراح براح

                            والباب سدو القدر ضيعلي هالمفتاح

                            الصحاب غاحو بعد ومنين أجيب الغاح

                            جار الزمن يا دني محد البينا ارتاح )

 إنها مراقي الوعي المدرك لما يحصل للذات البشرية من حرمان وجوع في خضم هذه الحروب والحصارات وخراب المدينة، ،وهنا يتذكر حوارية قفزت من متخيله وبشكل ممسرح لما فيها من دراما تتنبأ بحصول ما يجري على لسان جده من حسرة وألم يجرانه نحو استحضار روح جده، وبأدب الحديث يتحاوران وعينيه ترسلان سيلا من الدموع وهو يعظ بما قاله جده، متنبأ بالذي حصل،              ( ياابني غيح تجي أيام كلا نَحس

                     الناس بيها صفت الخوش هم ينعلس

                     لو قالوا هج وبتعد هليوم يتبع امس

                     والزغع يمكم يبس بالبيت ماظل فلس

                     والغيم أسود عتم عين الشمس تنحبس

                       والفتق شقو كبغ والدني ما تنلبس

                  خلي اليقول اقول لا تستمع من بخس

                    كل الذي كن حصل مرسوم هم مندرس

                  الاغض ما تنهدر لو يهجروها الانس)

فعلا حكايا الزمن صادمة بكل ما يمتلك من اوجاع وخيبات صدقت رؤيته في تكوين هذه النبوءة فالشاعر أوجز لما يدور من خلال حضور جده خيالا ليقول:

                     (ياجدي صاغ القلت الوضع بينا انتكس

                      جانا المطغ طوفان خير البينا طَمَسْ

                       والزين غاح ابتعد والشين جاب النجس

                       جلاد صاغ السرق والدني وجهاعبس

                       جانا اليبيع البلد ويكنس البيها كنس)

انها حوارية التكثيف للأحداث التي جابت شرايين هذا البلد، هو الطوفان الذي كنس كل شئ جميل، وبين صاحب القيم والشائن فصول وصحارى، أطبقت الحياة بكفوف من جمر، إنهم اللصوص العاقين وسرايا من مفسدي هذا الزمن، صدق التنبؤ، وهذا ما يذكرني بمسرحية (شقائق النعمان) التي قاد تمثيلها المبدع (دريد لحام) حينما يستحضر روح الشهيد ويشيء بدولاب الأحداث ومزايا انفلاتها في فضح السياسات وخطر الاقتصاد، العذاب الذي يمر به الشاعر، مستحلبا من الواقع المعيش والمرير، والمصائب التي مر بها انسان نينوى، هو الذي جعله يجأر بدعائه نحو الله، هو احتجاج قلب السكران والعاشق، من كثرة ما شاهده من آلام، وكما يقول(الشريف الرضي)

(ولقد مررْتُ على ديارِهُمُ

وطلولُها بيدِ البَلى نهْبُ

وتلفتَتْ عيني فمُذ خَفيَتْ

عنّي الطلولٌ تلفّتَ القلبُ…).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كرم الاعرجي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/27



كتابة تعليق لموضوع : الشعر باللهجة الموصلية بين الماضي والحاضر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net