صفحة الكاتب : ازهر السهر

السبيتي وحزب الدعوة قصة القطيعة بين حزب وقائدهِ
ازهر السهر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لعله لم يشهد تاريخ الاحزاب السياسية الحديثة تعرض قائد حزب لقطيعة من قبل حزبه كما حصل مع الاستاذ الشهيد محمد هادي السبيتي وحزب الدعوة الاسلامية.

فالرجل تعرض الى مظلومية نادرة من قبل حزبه على مستوى الشخص والدور والفكر، بدأت  في حياته وتفاقمت الى حد لا يصدق بعد اعتقاله ثم بعد استشهاده.

في حياته بدأ الصراع مبكراً بين العمامة والافندي منذ عام 1963م كما يذكر السيد طالب الرفاعي في كتاب آمالي السيد طالب الرفاعي(1).

ثم تلت هذه المحاولة محاولات اشد قادها احد رجال الدين تمثلت في تشويه سمعة السبيتي القائد امام بعض خطوط التنظيم كما حدث مع خط الكويت واتهام الرجل بانه يمثل التوجه (السُني) في الدعوة(2)، والعمل على تغييب فكره من خلال الاعتراض على نشره في أوساط الأمة(3)، ثم جرت اكبر محاولة لاقصائه عن قيادة الدعوة من خلال ما سُمي بمؤتمر القواعد الذي (لوى عنق الدعوة باتجاه مغاير تماماً لمسيرتها الاساسية)(4)، ثم جرت عملية كتابة ثقافة اخرى للدعوة الهدف منها اقصاء فكر السبيتي ونظراته التنظيمية والسياسية وابدالها بفكر هزيل لا يليق بتاريخ الدعوة وتضحياتها(5).

بعد اعتقال السبيتي في الاردن في 9/5/1981م، بدأت مرحلة تغييب اشد من  تغييب شخص السبيتي في سجون المخابرات بحجة ان الرجل ما زال حياً في سجون نظام البعث الصَدامي، فلا نسمع له ذكر من قبل الدعاة الا ما ندر.

في عقد التسعينيات بدأت مرحلة جديدة تمثلت في تزوير وتحوير تاريخ الدعوة من خلال كتابات تعمدت أو اغفلت دور السبيتي في عملية تأسيس الحزب وقيادته والتنظير له، ولولا بعض الدعاة المخلصين لطمس اسم السبيتي وكان نسياً منسياً.

فلا تجد في أغلب الكتابات التي أرخصت للدعوة اي تركيز على دور المؤسس والقائد والمنظر الابرز للحزب، بل نرى التركيز على اسماء دعاة لم يكن لهم دور في الدعوة سوى حضور جلسة او جلستين، ولم يكتبوا حرفاً واحدا لها، بالمقابل نرى اغفال واضح لدور القائد السبيتي فلا نسمع له اي ذكر في احاديث او ندوات او مؤتمرات او كتابات الدعاة الكبار منهم والصغار الا بعض الدعاة الذين اصروا على احقية قيادته في حياته وحافظوا على ذكره وفكره بعد اعتقاله واستشهاده.

وهذه الظاهرة ربما تكون نادرة جداً ان يتنكر حزب لقائده بهذه الطريقة الغريبة، يقول الاستاذ جواد علي كسار في مقدمة كتابه "محمد هادي السبيتي.. مدخل الى حياته وفكره": (في الطريق الى انجاز هذا الكتاب وتوفر مادته، قمت في البدء بتسجيل مجموعة لقاءات تلفازية مع مجموعة من السادة، قدمتها عبر برنامج خاص بعده حلقات عن السبيتي من خلال شاشة قناة آفاق الفضائية، وقد لقيت عند البعض صدى لا بأس به في حين لم أعرف انعكاس هذا البرنامج لدى النخبة الدعوية نفسها، ولم يحدثني أحد منهم بكلمة واحدةً ابداً، أو يتصل مشجعاً بكلمة أو معرضاً بنقد وملاحظة، وكأن أمر السبيتي لا يعنيهم من قريب أو بعيد، مع أن اغلب مادة "صوت الدعوة" حتى سنة 1981م كانت بقلمه..، ان توثيق حياة السبيتي والاهم من ذلك فكره، هو مدخل توثيقي للدعوة نفسها، وهو بداية مراجعة نقدية لواحدة من أهم حركات الاسلام الحركي والسياسي في منطقتنا خلال أكثر من نصف قرن)(6).

ومن المؤسف ان هذا التنكر للسبيتي القائد انعكس حتى على بعض المؤسسين الذين ارخوا للدعوة، اذ يذكر الاستاذ جواد علي كسار في كتابه انه عاتب السيد المرحوم حسن شبر لأنه لم يذكر السبيتي ودوره المحوري في صفحات كتابه حول حزب الدعوة الاسلامية ذو الثلاث مجلدات، ولكنه استدرك واضاف ملحق في المجلد الثالث من كتابه تحدث فيه عن السبيتي ودوره المحوري والتأسيسي في الدعوة.

وربما يستغرب القارئ عندما يعرف ان اغلب المنتظمين في حزب الدعوة لا يعرفون اسم ودور قائد الدعوة الابرز!!! كما انهم لا يعرفون اسماء قادة كان لهم دور اساسي في تأسيس الدعوة، ولا يفوتني هنا ان اذكر تعليق كتبه الاستاذ المرحوم مصطفى المهاجر ـ وهو داعية معروف ـ على مقال كتبته عن الدكتور المؤسس المرحوم جابر عطا عام م2011م اذ علق عليه بما نصه: (من المؤسف ان الكثير من ابناء هذه الحركة الاسلامية ومن مؤيديها لم يسمعوا بهذا الرجل الكبير والقائد في هذه الحركة (وانا منهم) والأغرب أنني قد انتهيت قبل ايام من قراءة كتاب السيد حسن شبر عن تاريخ حزب الدعوة الاسلامية بأجزائه الثلاثة الصادرة حتى الآن ولم أجد فيه ذكراً لهذا الرجل المجاهد، حتى مجرد ذكر..!!تُرى ما تفسير ذلك..؟؟!!!! شكراً لكل ما كتبت، وحفظ الله الدكتور العطا بصحة وسلامة، واتمنى عليه ان يبادر لكتابة مذكراته ومعايشته الميدانية لتاريخ العمل الاسلامي في العراق، قبل ان تضيع الحقائق في زحمة الادعاءات والافتراءات.. والسلام مصطفى المهاجر)(7)

ولم تتوقف مظلومية السبيتي على ذلك بل نرى السيد المرحوم حسن شبر ينسب بعض كتابات السبيتي الى غيره، كما فعل ذلك بعض من كتب عن تاريخ الدعوة بحيث نرى الخطأ التاريخي يصدر من واحد ويأخذه منه الباحثون اخذ المسلمات ويتراكم الخطأ دون التفات أو تصحيح مع شديد الاسف، وهنا اكتفي بذكر مثال صغير واترك البقية الى مناسبة اخرى، اذ يذكر السيد المرحوم حسن شبر في الجزء الثاني من كتابه صفحة (133) [ان نشرة "حول الاسم والشكل التنظيمي" صادرة عام 1960م]، وهذا عجيب منه رحمه الله فكيف به وهو واحد من المؤسسين ولا يعرف نسبة النشرات الى كُتابها!!! والمؤسف انهم ينسبون هذه النشرة للشهيد الصدر (قدس سره)، وقد سار على نفس هذا الخطأ الدكتور علي المؤمن في كتابه "سنوات الجمر" (صفحة43و73)، والاستاذ محمد الحسيني في كتابه "محمد باقر الصدر..حياة حافلة.. فكر خلاق" صفحة (75ـ76)، وكذلك الاستاذ صلاح مهدي علي الفضلي في كتابه "السيد الشهيد محمد باقر الصدر وأثره في تاريخ العراق المعاصر" صفحة (119)، وكذلك كتاب "محاضرات في علم الاصول، تقريراً لأبحاث سماحة آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر، تأليف سماحة آية الله العظمى السيد الشهيد محمد الصدر، (ج1،ص27)، مع ان كتابة هذه النشرة كان في عام 1977م بقلم الاستاذ السبيتي بمشاركة الشيخ علي الكوراني والسيد محمد حسين فضل الله(8).

ولعل الانكى والأمر من كل ذلك ان أغلب من كتبوا عن تاريخ الدعوة الاسلامية لم يعتمدوا الرواية الرسمية المثبتة في نشرات الدعوة الرسمية، اذ كتب الاستاذ السبيتي تاريخ الدعوة بشكل رسمي، وهذا النص يعتبر اقدم وادق وأصح نص رسمي يتحدث عن تاريخ الدعوة اذ اشار فيه بشكل واضح الى: (نشوء الدعوة "خلفية ابتداء الدعوة، تكوين الدعوة، بدء المسيرة"، بناء الحزب"، القيادة، "الداعية القيادي، صفات الداعية القيادي"، الثقافة "تكامل الدعوة، مواقف من ثقافة الحزب، اهداف ثقافية"، الانتشار البشري"عقبات وقفت امام الانتشار البشري"، الانتشار الجغرافي)(9)، كل هذا اغفله اغلب الكُتاب واخذوا يعتمدون على مصادر اخرى مما اوقعهم في اخطاء فادحة.

 هذه اطلاله سريعة على ظاهرة خطيرة ما زالت متفشية في حزب الدعوة الاسلامية ووصلت الى مستوى دعاة آخرين لا ذنب لهم سوى اخلاصهم لمؤسس وقائد حزبهم الابرز مع شديد الاسف والامثلة على ذلك كثيرة.

وبعد مؤامرة مخابراتية كبرى بين حزب البعث الصدامي ودول اخرى تم اعتقال الاستاذ السبيتي وتغييبه في السجون الاردنية والعراقية لمدة ما يقارب من 8 سنوات، تبين ذلك بعد سقوط النظام البعثي في 2003م ، فقد استُشهد الاستاذ السبيتي حسب الاوراق التي عثر عليها في 9/11/ 1988م، ودفن في مقبرة الكرخ الاسلامية القريبة من العاصمة بغداد، ولكن للأسف ان هذا الاعتقال المخابراتي والتغييب في السجون ثم الاعدام ثم العثور على قبره لم يحرك حزبه لإقامة مجلس فاتحة، او حفل استذكاري لقائده الاهم والابرز، فقط اقام له اخوة الاكبر الاستاذ المرحوم عبد الامير السبيتي مجلس تأبيني في لبنان، كما اقام له نجله حسن السبيتي مجلس تأبيني في بغداد منطقة الكريعات/ جامع الدهاليك، حضره نفر قليل من قيادات الدعوة القى فيها الدكتور المرحوم جابر عطا كلمة بالمناسبة، كما القى فيها الشهيد عزالدين سليم كلمة قيمة قال فيها: (ان تغييب خططه السياسية اشد سوءاً من مخطط تغييبه هو.. وأول ظالم له كان اخوانه في الطريق بسبب النظرة السوداء وفقدان البصيرة والأنانية ((انها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في))(10).

أخيراً أسرني احد الباحثين قبل سنوات قليلة انه عرض على حزب الدعوة طباعة بحث له كتبه عن الاستاذ السبيتي ولكن الحزب اعتذر عن طباعة البحث بسبب عدم توفر مبلغ الطباعة!!! ولله في خلقه شؤون.

ـــــــــــــــ

(1)            رشيد الخيون، أمالي السيد طالب الرفاعي ص  163 الى171.

(2)            ينظر، الدكتور جودت القزويني، تاريخ القزويني، المجلد 14، ص58 وما بعدها.

(3)            ثقافة الدعوة الاسلامية، نشر وتقديم حسين جلوب الساعدي، ج3، ص223.

(4)            عزالدين سليم،  صفحات مطوية من تاريخ الدعوة، خاص ومحدود التداول، ص11.

(5)            أزهر السهر، حزب الدعوة الاسلامية بين فكرين وثقافتين، مخطوط.

(6)            جواد علي كسار، محمد هادي السبيتي.. مدخل الى حياته وفكره، ص16و19.

(7)            ينظر، ازهر السهر، الدكتور علي المؤمن والاشكالات المنهجية والتاريخية في بحثه حول تاريخ وفكر حزب الدعوة الاسلامية، مقال منشور في موقع كتابات في الميزان على شبكة المعلومات العالمية (الانترنت).

(8)            ينظر، الدكتور جودت القزويني، تاريخ القزويني، المجلد 14، ص68.

(9)            ينظر، ثقافة الدعوة الاسلامية، نشر وتقديم حسين جلوب الساعدي، ج3، ص265الى298.

(10)      المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية، شهيد يتحدت عن شهيد ، كلمة الشهيد عزالدين في تأبين الاستاذ الشهيد محمد هادي السبيتي بمناسبة العثور على قبره في مقبرة الكرخ الاسلامية الذي اقيم في بغداد/ منطقة الكريعات/ جامع الدهاليك عام م2003، ص4و 6، 2005م.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ازهر السهر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/09



كتابة تعليق لموضوع : السبيتي وحزب الدعوة قصة القطيعة بين حزب وقائدهِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : سعيد كاظم العذاري ، في 2022/11/11 .

احسنت جزاك الله خيرا ورحم الله الشهيد السبيتي
بعد اخراجه من الحزب قال لمحبيه استمروا في العمل لان هذا القرار قرار دعاة وليس قرار الدعوة

• (2) - كتب : منير حجازي ، في 2022/11/09 .

احسنتم واجدتم ، والله إنه لأمر محزن يُدمي القلوب أن يتم تهميش وتجاهل وطمس ذكر الدعاة القدماء الذين وضعوا اللبنات الأساسية للدعوة وساهموا في ارساء قواعد الدعوة عبر تضحياتهم ومعاناتهم . وأخي احد هؤلاء الدعاة المظلومين الذي لم يحصل حتى على راتب تقاعدي مع مراجعاته الكثيرة . ففي الوقت الذي كانت المحافظة ترى أخي مع مجموعة من الدعاة في الستينات وهم يُعتقلون ويُساقون عبر سيارات الأمن ، كان اكثر المسؤولين اليوم (الدعاة) إما بعثيين او شيوعيين او اطفال أو لم يولدوا . لقد كان اخي شخصية لها ثقل سياسي وعلمي عمل في العراق وإيران وسوريا عانى الحرمان المادي وكثيرا ما كادت عزة نفسه أن تودي به للموت جوعا. إنه اليوم يعيش في اواخر عمره بعد ان بلغ الخامسة والسبعين عاما، يعيش من قلمه وترجمة الكتب وتحقيقها بإسم مستعار. بينما يتنعم من كان بعثيا او شيوعيا او لم يولد يتنعم في بحبوحة العيش من اموال السحت.
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
الكلام كثير يوجع القلب. والشكر الجزيل للكاتب ازهر السهر واسأل الله له التوفيق وان لا ينساه الله تعالى يوم يعرض تعالى عن المجرمين.
ساضطر لكتابة اسم مستعار ، لأن اخي لا يقبل ان اذكر محنته.




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net