صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

الكلمات المتشابهة في القرآن الكريم (اللعب واللهو) (ح 3)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ذكرت كلمة لعب ومشتقاتها عشرين مرة بصيغة الفعل تسع مرات، وبصيغة الاسم ثمان مرات، وبصيغة الفاعل ثلاث مرات. وذكرت لها في القرآن الكريم ستة عشر مرة بصيغة الفعل خمس مرات، وبصيغة الاسم احد عشرة مرة. ورد اللعب واللهو عن الحياة الدنيا في أربعة مواضع في قوله تعالى: "وَمَا اَلْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" (الانعام 32)، و "وَمَا هَذِهِ اِلْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ اَلاَخِرَةَ لَهِيَ اَلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت 64)، و "إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُومِنُوا وَتَتَّقُوا يُوتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ" (محمد 36)، و "اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي اِلاَمْوَالِ والاَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ اَعْجَبَ اَلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي اِلاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا اَلْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" (الحديد 20).
وقد ذَكَرَ العُلَمَاءُ: بأنَّ اللَّعِبَ هوَ حَرَكَةٌ مَقصُودَةٌ أو غَيرُ مَقصُودَةٍ، يُحَقِّقُ مَصلَحَةً أو لا يُحَقِّقُ، أمَّا اللَّهوُ فهوَ لَعِبٌ يَشْغَلُ اللَّاعِبَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيهِ، وهوَ من قَولِهِم: أَلهَانِي الشَّيءُ، أي: شَغَلَنِي. فَحَرَكَةُ الطِّفلِ تُسَمَّى لَعِبَاً لا لَهْوَاً، لأنَّهُ غَيرُ مُكَلَّفٍ، أمَّا إذا دَخَلَ في مَرحَلَةِ التَّكلِيفِ ولَعِبَ، وشَغَلَهُ اللَّعِبُ عَمَّا هوَ وَاجِبٌ عَلَيهِ سُمِّيَ اللَّعِبُ لَهْوَاً قال الله تعالى "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ اللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" (الجمعة 11). عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنهاكم عن الزفن و المزمار و عن الكوبات و الكبرات. عن أبي عبد الله عليه السلام يقول إن شيطانا يقال له القفندر إذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط، و دخل عليه الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه على مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة فلا يغار بعدها حتى تؤتى نساؤه فلا يغار. وعنه عليه السلام: ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب- كما ينبت الماء الخضرة.
عن الشيخ الاعظم قدس سره في كتاب المكاسب: لكن الإشكال في معنى اللّهو، فإنّه إن أُريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح و القاموس، فالظاهر أنّ القول بحرمته شاذّ مخالف للمشهور و السيرة؛ فإنّ اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائي، و لا خلاف ظاهراً في عدم حرمته على الإطلاق، نعم، لو خُصَّ اللّهو بما يكون عن بَطَرٍ و فسّر بشدّة الفرح كان الأقوى تحريمه، و يدخل في ذلك الرقص و التصفيق، و الضرب بالطشت بدل الدفّ، و كلّ ما يفيد فائدة آلات اللهو، و لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوى الشهوية، ففي حرمته تردد، و اعلم أنّ هنا عنوانين آخرين: اللعب و اللّغو، أمّا اللعب، فقد عرفت أنّ ظاهر بعضٍ ترادفهما، و لكن مقتضى تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما. و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين إذا اجتمعا افترقا، و إذا افترقا اجتمعا. و لعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال الغير المنبعثة عن القوى الشهوية. و اللّهو ما تلتذّ به النفس، و ينبعث عن القوى الشهوية، و كيف كان، فلم أجد من أفتى بحرمة اللعب عدا الحلّي، و لعلّه يريد اللّهو، و إلّا فالأقوى الكراهة، وأمّا اللغو، فإن جعل مرادف اللّهو كما يظهر من بعض الأخبار كان في حكمه. وذكر الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء في انوار الفقاهة: اللهو الذي من شأنه أن يُنسي ذكر الله تعالى و عبادته و يلهي عن اكتساب الخير و الرزق حرام‌ سواء كان بآلة أو بدونها كالرقص و بعض أنواع الصفق و اقتناء بعض الطيور للّعب بها و صيد اللهو و هذا هو المفهوم من ذم اللّهو و اللعب في الكتاب و السنة.
وذكر السيد الخوئي قدس سره في مصباح الفقاهة في ذيل حديث عن علي عليه السلام كل ما الهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر. أن كثيرا من الأمور يلهي عن ذكر اللّه و ليس بميسر، و لا بحرام، و إلا لزم الالتزام بحرمة كثير من الأمور الدنيوية، لقوله تعالى "إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ"بل قد أطلق اللهو على بعض الأمور المستحبة في جملة من الروايات كسباق الخيل، و مفاكهة الاخوان، و ملاعبة الرجل أهله، و متعة النساء، فإنها من الأشياء المندوبة في الشريعة، و مع ذلك أطلق عليها اللهو، و توهم أن الملاهي غير المحرمة خارجة عن الحديث توهم فاسد، فإنه مستلزم لتخصيص الأكثر، و هو مستهجن. وذكر ايضا: لا دليل على حرمة مطلق اللهو، فان كثيرا من الأمور لهو و هو ليس بحرام كاللعب بالأحجار و الأشجار و السبحة و اللحية و أزرار الثوب و نحوها. على أنه لا ملازمة بين ما نحن فيه و بين اللهو، فإن النسبة بينهما هي العموم من وجه، إذ كثيرا ما تكون المسابقة للأغراض العقلائية من تربية البدن و معالجته و التنزه و التفريح كما هو واضح. وذكر أن الضرورة دلت على جواز اللهو في الجملة، و كونه من الأمور المباحة، كاللعب بالسبحة أو اللحية أو الحبل أو الأحجار و نحوها، فلا يمكن العمل بإطلاق هذه‌ الروايات على تقدير صحتها، و قد أشرنا إليه في مبحث حرمة القمار و عليه فلا بد من حملها على قسم خاص من اللهو أعني الغناء و نحوه، كما هو الظاهر، أو حملها على وصول الاشتغال بالأمور اللاغية إلى مرتبة يصد فاعله عن ذكر اللّه، فإنه حينئذ يكون من المحرمات الإلهية، و الحاصل: أنه لا دليل على حرمة اللهو على وجه الإطلاق، و مما ذكرناه ظهر أيضا أنا لا نعرف وجها صحيحا لما ذكره المصنف من تقوية حرمة الفرح الشديد.
جاء في كتاب مصباح المنهاج / التجارة للسيد محمد سعيد الحكم قدس سره: في خبري إبراهيم والطاطري من أن الاستماع للجواري المغنيات نفاق. وفي خبر الحسن بن هارون: (سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وهو مما قال الله عز وجل: "وَمِن النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ" (لقمان 6)). ومن الظاهر أن المجلس إنما يكون بالمستمعين. مضافاً إلى قرب استفادته من إطلاق الأمر باجتناب الغناء، لأن الغناء لما كان مطلوباً للتلهي من المغني والسامع، فالأمر باجتنابه ينصرف للنهي عنه في حقهما معاً. ولاسيما ما تضمن منه تفسير قوله تعالى: "وَمِن النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ" (لقمان 6) بالغناء، لوضوح أن صدق المشتري على السامع أظهر من صدقه على المغني. ومنه يظهر قرب كونه من الكبائر، كما تقدم في محله. نعم لا يبعد اختصاص حرمة الاستماع بما إذا ابتنى على التلذذ اللهوي ومحاولة الانفعال به والتجاوب معه، دون ما إذا لم يكن كذلك، كالاستماع من أجل التعرف على مادته والتبصر بها، أو الوقوف على بعض الأمور المقارنة له من دون انفعال به، لانصراف عن النهي ذلك بسبب ابتناء الغناء المحرم على ما إذا وقع على نحو اللهو والباطل. وقد تقدم هناك ما ينفع في المقام. وأظهر من ذلك السماع العابر من دون استماع. لقصور الأدلة المتقدمة عنه رأساً. ومنه يظهر أنه مع الاضطرار للسماع لا يجوز الاستماع بوجه لهوي، بل لابد من الاقتصار على السماع أو الاستماع بوجه غير لهوي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/05



كتابة تعليق لموضوع : الكلمات المتشابهة في القرآن الكريم (اللعب واللهو) (ح 3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net