صفحة الكاتب : مرتضى علي الحلي

كيف يمكن معرفة أصول الدين؟
مرتضى علي الحلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وجه عدم جواز التقليد في أصول الدين عقلاً، لأنَّ التقليد هو قبول قول الآخر من غير دليل يَطّلع عليه المُقَلّد -المُتّبِع- والمطلوب في أصول الدّين هو تحصيل اليقين إيماناً وإذعاناً، والعِلم بالدليل عقلاً ونقلاً.

إنَّ أصول الدين هي مجموعة من القواعد العقائديّة المُستَنِدَة على الأدلّة العقليّة والنقلية الصحيحة، التي يتقوم بها مَنهج الدِّين الإسلامي في منظومته، اعتقاداً وطريقاً، ومن أهمها معرفة الله تعالى وتوحيده وصفاته وعدله ونبوة الأنبياء والإقرار بهم، ولاسيما خاتمهم النبي الأكرم مُحَمّد، (صلى الله عليه وآله)، وإمامة الأئمة الاثني عشر والمَعاد.

قال العلاّمة الحلّي: (أجمعَ العلماءُ كافةً على وجوب معرفة الله تعالى، وصفاته الثبوتية والسلبية، وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة والإمامة والمعاد)(1).

والمقصود بمعرفة هذه الأصول الاعتقاديّة هو (ركوزها في اعتقاد المُكلَّف، بحيث إذا سألته عن شيءٍ مّما ذُكِرَ أجاب بما هو الحقُّ فيه، وإن لم يعرف التعبير عنه بالعبارات المتعارَفَة على ألسنة الخواص ويكفي في معرفة الله تعالى (الربّ) التصديق بكونه موجوداً، واجبَ الوجود لذاته، والتصديق بصفاته الثبوتيّة الراجعة إلى صفتي العلم والقدرة، ونفي الصفات الراجعة إلى الحاجة والحدوث، وأنّه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً)(2).

وهكذا الحال في معرفة النبي الأكرم، من حيث معرفة شخصه بالنسب المعروف المُختصّ به، والتصديق بنبوّته وصِدقه، والإقرار بما جاء به، من بيان أحوال المبدأ والمَعاد، كالتكليف بالعبادات وسؤال القبر وعذابه، والمَعاد الجسماني والحساب والجزاء، وكذلك ضرورة معرفة الأئمة المعصومين، (عليهم السلام) نسباً ونصباً، والاعتقاد بأنّهم أئمةٌ يهدون بالحقِّ، ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم شرعاً.

وإنّما سُمِّيَتْ بأصول الدين لأنّ سائر الفروع العباديَّة من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وغيرها، تبتني وتتوقف عليها اعتقاداً، حيث تتوقّف الفروع توقفاً ضروريّاً على ثبوت المُرسِّل، اللهُ تبارك وتعالى، وصفاته وعدله وصِدْقِ رسوله.

والوجوب المطلوب هنا هو الوجوب العقلي العيني الثابت في ذمة كُلّ فردٍ من المُكلَّفين من الناس عامةً دون استثناءٍ، أي أنَّ هذا الوجوب العيني لا يسقط بقيام بعضهم به عن بعض آخر التاركين لمعرفة أصول الدِّين، وانطلاقاً من ذلك الوجوب العيني يترشح أمرٌ آخرٌ، وهو عدم وجوب التقليد لأهل الاختصاص والمعرفة في أصول الدِّين أو غيرهم، بل الواجب تحصيل اليقين من قبل نفس المُكلَّف بالتفكّر والدليل والعِلم والإذعان بها جزما.

وبعد ضرورة تحصيل الاعتقاد و اليقين بوجوب معرفة أصول الدِّين يجب أن تكون هذه المعرفة بالنظر والاستدلال العقلي، لأنّ المعرفة هنا ليست بديهيّة -أي ليست متيسِّرَة لكلّ أحدٍ، إذ لو كانت كذلك لكانت معرفة أصول الدِّين بديهيّة للكل، ولما اختلف الناس في المعرفة العقائدية بأصول الدِّين، لأنّ المعلوم بالبداهة لا يختلف فيه العقلاء، بل يحصل العِلم به بأدنى توجه والتفات من العقل والإحساس به، كالحكم بأنّ الواحد نصف الأثنين وأنّ النار حارة وغير ذلك.

ووجه عدم جواز التقليد في أصول الدين عقلاً، لأنَّ التقليد هو قبول قول الآخر من غير دليل يَطّلع عليه المُقَلّد -المُتّبِع- والمطلوب في أصول الدّين هو تحصيل اليقين إيماناً وإذعاناً، والعِلم بالدليل عقلاً ونقلاً، وقد وضّح ذلك العلاّمة المقداد بن عبد الله الأسدي السيوري الحلي، وهو أمرٌ مهمّ جِدّاً ينبغي التنبه له.

حيث قال: (ويجب العلم واليقين بأصول الدِّين الخمسة، لأنَّ الإنسان المُكلَّف إذا رأى الناس مُختلفين في الاعتقادات، فإما أن يأخذ بجميع اعتقاداتهم فيلزم منه جمع المتنافيات – لأنّ الناس مختلفون في أفكارهم وعقائدهم الدينية، فمنهم مؤمن ومنهم كافر – والجمع بين المتنافيات غير ممكن عقلاً – وإما أن يأخذ الإنسان المكلّف ببعض من الاعتقادات الموجودة عند الناس بلا مرجح عقلي فيلزم الترجيح بلا مرجح، وهو محال عقلاً، وإما أن يأخذ ببعض مع المُرجح، وليس هو إلاّ العلم، لأنّ الترجيح مع الظن حاله حال الشك هنا، وإما أن لا يعتقد شيئاً فهو غير جائز – لوجوب المعرفة بالله، وبذلك يبطل التقليد في الاعتقادات، لأنّ التقليد في أصول الدِّين كالشك، والشاك في أصول الدِّين كافر، بل الظن في أصول الدِّين كذلك، فإنَّ الظنّ لا يُغني من الحقِّ شيئا، وهذا هو المشهور والمُجمــــــعُ عليه عند الإمــــــاميّة)(3).

وأما من الجانب الشرعي النقلي فهو ما ورد عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، من التأكيد القطعي واليقيني على وجوب معرفة الله تعالى وأصول الدّين الحقِّ.

فقد نقل الشيخ الأعظم المفيد (قد) في كتابه الإرشاد، ما نصه: (إنّ مما حُفِظَ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في وجوب المعرفة بالله تعالى وبدينه قوله: وجدتُ عِلمَ الناسِ كلهم في أربع : أولها أن تعرف ربّك – والثاني أن تعرف ما صنع بك -والثالث أن تعرف ما أراد منك – والرابع أن تعرف ما يُخرِجَك من الدِّين – ثم قال الشيخ المفيد في شرحه لتلك الكلمات الجامعات المانعات: وهذه أقسام تُحيط بالمفروض من المعارف الإلهية، لأنّ أول ما يجب على العبد معرفة الله تعالى، فإذا علِمَ أنه له إلها وجبَ أن يعرف صنعه إليه فإذا عرف صنعه إليه عرف به نعمته، فإذا عرفَ به نعمته وجب عليه شكره، فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بعقله، وإذا وجبت عليه طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه عن دينه ليتجنبه فيخلص به طاعة ربه وشكر إنعامه)(4).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى علي الحلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/02



كتابة تعليق لموضوع : كيف يمكن معرفة أصول الدين؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net