صفحة الكاتب : السيد منير الخباز

ظاهرة القطيعة بين المؤمنين ونتائجها
السيد منير الخباز

 بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

الملاحظ – بين بعض المؤمنين المتدينين – وجود ظاهرة القطيعة بين المؤمنين والتدابر والمقاطعة، فبمجرد أن يختلف اثنان كانت النتيجة هي المقاطعة، مع أنهم قد يختلفون في تقويم شخصٍ، أو فكرةٍ عمليةٍ معينةٍ، أو في فكرةٍ ليست من العقائد المتسالم عليها، أو المشهورة بين الطائفة، ومع ذلك؛ فبمجرد الاختلاف تحولوا إلى أعداء!!

وهذه الظاهرة المخيفة البعد والقطيعة بين المؤمنين ، إذا التفت إليها غير المتدينين ينفرون من الدين وأهله، لأنهم يقولون إذا كان المتدينون هم القدوة المُمَثِّلين للدِّين، ولا يتحمل أحدهم الآخر، وبمجرد الاختلاف أصبح عدواً له، إذاً الخلل في الدين نفسه، فلو كان هذا الدين مؤثِّراً لأثَّر في أتباعه، فإذا كان أتباعه هم أهل التقاطع والتدابر بمجرد الاختلاف، فهذا أمرٌ مُنَفِّرٌ جداً.

لذلك إذا لاحظنا روايات أهل البيت ؛ نجد أن صفات المؤمن – الذي يكون قدوةً ومُمَثِّلاً للدِّين – عدة صفات:

الصفة الاولى: إدخال السرور على المؤمنين
أن المؤمن من يدخل السرور على غيره، فقد ورد عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ سَرَّ مُؤْمِناً فَقَدْ سَرَّنِي وَ مَنْ سَرَّنِي فَقَدْ سَرَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ» [1] .

وأيُّ سرورٍ أعظم من أنه إذا لقيت المؤمن مع اختلافك معه تبادره بالسلام والتحية، أو تسأل عنه وتتفقد حاله، لذلك تجد الإشارة إلى ذلك في بعض الروايات الشريفة، منها هذه الرواية: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ أَكْرَمَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ بِكَلِمَةٍ يُلْطِفُهُ بِهَا وَ فَرَّجَ عَنْهُ كُرْبَتَهُ لَمْ يَزَلْ فِي ظِلِّ اللَّهِ الْمَمْدُودِ عَلَيْهِ «مِنَ الرَّحْمَةِ» مَا كَانَ فِي ذَلِكَ» [2] .أي ما دام ملاطفا فهو في ظل الله الممدود.

الصفة الثانية: الستر على المؤمن
أحياناً؛ نتيجة معاشرتك لأخيك المؤمن قد تبدو لك أخطاء منه، أخطاء في الفكر، أو السلوك، بل قد تبدو منه بعض المعاصي، لغلبة نفس أو تعمُّدٍ، على أي حال، ما هي وظيفتك تجاه أخيك الذي أنت على علقة الإيمان به؟

يبين ذلك هذه الرواية: عنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: «يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ كَبِيرَةً» [3] .

إذاً ليس مجرد الخطأ، أو الذنب الذي لا ندري: ما هي حدوده؟؛ كافٍ في قطيعته أو غيبته، وإنما يستر عليه ”سبعين كبيرة“، وهذا مقتضى الأخوة في الإيمان التي يريدها أهل البيت .

الصفة الثالثة: هو نصيحة المؤمن
لا قطيعته، إذ ما دامت بينك وبينه عُلقة الإيمان؛ فمقتضى الإيمان أن تقوم بنصيحته وإرشاده، فلعلَّ بذلك يزول عنه هذا الخطأ، أو هذه الفكرة الخاطئة، أو هذا الذنب، أو هذا الزلل، فنلاحظ هذه الصحيحة: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُنَاصِحَهُ» [4] .

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ النَّصِيحَةُ لَهُ فِي الْمَشْهَدِ وَ الْمَغِيبِ» [5] .

وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِيَنْصَحِ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ كَنَصِيحَتِهِ لِنَفْسِهِ» [6] .

هذا ومع الأسف في بعض مجتمعات المؤمنين، خصوصاً إذا كان المؤمن موظَّفاً، إذا جاءه غير المؤمن قضى حاجته، بخلاف ما إذا جاءه المؤمن فنجده يُضيّق عليه الطرق!!

وحول ظاهرة البعد بين المؤمنين هذا ما أشارت إليه هذه الرواية: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ شِيعَتِنَا أَتَى رَجُلًا مِنْ إِخْوَانِهِ فَاسْتَعَانَ بِهِ فِي حَاجَتِهِ فَلَمْ يُعِنْهُ وَ هُوَ يَقْدِرُ إِلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِأَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ غَيْرِهِ مِنْ أَعْدَائِنَا يُعَذِّبُهُ اللَّهُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [7] .

ومفاد هذه الرواية أن من لم يقض حاجة المؤمن سلط الله عليه نفراً من أعداء أهل البيت ، فيقضي حوائجهم بالنحو المحرَّم المُوجِب للعقوبة في الآخرة والعياذ بالله.

فعندما نلاحظ هذه النصوص التي ترى أنَّ مقتضى الإيمان إدخال السرور على المؤمن، وإكرامه، والستر عليه، وعدم قطيعته، كما عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللّٰهِ : لَاهِجْرَةَ فَوْقَ ثَلَاثٍ» [8] .

وورد عن النبي «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقيل يا رسول الله كيف أنصره ظالما قال ترده عن ظلمه فذلك نصرك إياه» [9] . أي بالنصيحة والإرشاد.

فنرى أنَّ ما هو موجودٌ مع الأسف في بعض المتدينين يتنافى مع هذه الأجواء الواردة في النصوص الشريفة.

وفقنا الله وإياكم أن نعمل بهذه الروايات الشريفة..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد منير الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/31



كتابة تعليق لموضوع : ظاهرة القطيعة بين المؤمنين ونتائجها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net