صفحة الكاتب : كفاح محمود كريم

الاقليات في العراق وصراع الوجود؟
كفاح محمود كريم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 منذ سنوات طويلة يتعرض المسيحيون والايزيديون والصابئة المندان الى حملات منظمة من التطهير والتقتيل على الهوية الدينية من اقصى العراق في البصرة الى اقصاه في الموصل مرورا بالعاصمة، حيث جاءت مجزرة كنيسة النجاة التي ادمت العيون والقلوب لما مثلته من بربرية وهمجية نالت فيها الاطفال والنساء والمدنيين من الاهالي في واحدة من اقسى ما شهدته البلاد بعد عمليات التدمير الكلي لمجمعي تل عزير وسيبا شيخ خدر السكنيين في قضاء سنجار الذي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى من الايزيديين، وكما يحصل في معظم هذه العمليات الارهابية في العراق والتي قل نظيرها في عصر يفترض ان تضمحل فيه كل هذه البدائيات التي اكل عليها الزمن وشرب؟
 
     هذه الحملة التي تنفذها مجاميع فاشية من عصابات المافيا الدينية او العرقية الشوفينية القادمة من خارج البلاد والمحضونة من قبل اجهزة وتنظيمات النظام السابق، تعاونهم في ذلك منظمات او شركات من تجار التهجير الى اوربا وامريكا التي تزدهر اسواقها وتجاراتها في مثل هكذا ظروف، جنبا الى جنب مع القوى المتطرفة دينيا او قوميا في المجتمع او الادارة او الاجهزة الامنية والعسكرية والتي تنشر الكراهية والتفرقة وتلغي الآخر شخصا كان أم رأيا لإفشال العملية السياسية وعرقلة تطبيق الدستور وتطويره وإيقاف التحول الى النظام الديمقراطي المتحضر. 
    
    واذا كانت هذه الاقليات قد عاشت بسلام مزعوم قبل نيسان 2003م الا ان الحقيقة تقول غير ذلك فقد تعرضت للتهميش والإلغاء والتغييب من خلال عملية تفريغها من مكنونها الانساني في سياسة الصهر والتعريب والتغيير الديموغرافي الذي شهدته مناطق تجمع هذه الاقليات العرقية أو الدينية وبالذات مناطق الايزيديين التي تم تدمير معظم قراها وتجميع سكانها في مجمعات سكنية اقرب ما تكون الى معسكرات اعتقال* مما ادى الى   نزوح جماعي كبير الى الدول الاوربية وخاصة الى المانيا، حيث وصلت  ذروتها بعد التدمير شبه الكلي لمجمعي سيبا شيخ خدر وكر عزير جنوبي مدينة سنجار في اغسطس 2007م، وبعد عمليات التقتيل على الهوية التي طالت الايزيديين والمسيحيين والصابئة المندائيين في الموصل وبغداد والبصرة والكوت وديالى وكركوك.
 
      واذا ما استثنينا فواصل مضيئة في العهد الملكي لا تخضع للقياس العام مقارنة بما حصل لهذه الاقليات زمنيا من اضطهاد معلن وغير معلن، فان تاريخا اسودا وعقودا كالحة عاشت فيها مع انظمة سياسية واجتماعية متخلفة ومستبدة دفعتها في احسن الاحوال الى الهجرة المنظمة خارج البلاد وادت في ما بعد الى هذه الدوامة من العنف والتطهير الديني والعرقي، وكما ذكرت فاذا ما استثنينا تلك الفترات القصيرة جدا التي انتبهت فيها النخب الحاكمة الى شخصيات من غير المسلمين، فان معظم السنوات التي قاربت التسعين عاما كانت هذه الاقليات هدفا للاسلمة والتعريب والتغييب والتهميش بشتى الطرق والاساليب.
 
    ربما هناك العشرات او المئات من العمليات الارهابية التي استهدفت المساجد والحسينيات طيلة السنوات التي اعقبت سقوط النظام السابق، ولكن   ما حدث في كاتدرائية سيدة النجاة بالعاصمة بغداد يأتي امتدادا لكثير من الهجمات المنظمة على الأديرة والكنائس وتجمعات الايزيديين والمندائيين والشبك والكاكائية في الموصل وكركوك وديالى في عملية منظمة لترهيب هذه المكونات ومعتنقي هذه الأديان واضطرارهم الى الرحيل وترك ديارهم واملاكهم والهجرة الى خارج البلاد، وهذا ما يحدث الان وما حصل خلال السنوات السبع الماضية من محاولات افراغ مدينة الموصل من الكرد ( الشبك والايزيديين ) والمسيحيين من كافة اعراقهم واصولهم.
 
  ان هذا النهج المبرمج لأخلاء البلاد من مكوناتها الدينية وحتى القومية في كثير من المدن والبلدات التي تعرضت الى حملة شعواء لأرهاب السكان من غير العرب تارة ومن غير المسلمين تارة اخرى، وثالثة من مذهب معين في نفس الدين، يؤكد استمرار ذات العقلية والتوجه الذي استخدم لما يقرب من نصف قرن في ما اطلق عليه بسياسة الصهر والتعريب والتطهير العرقي والديني والمذهبي والذي شمل محافظات كركوك والموصل وديالى وتكريت وكثير من المدن والبلدات العراقية التي تعرضت لتغيير حاد في ديموغرافيتها ادت الى تدمير تلك المناطق وتهجير مئات الآلاف من السكان الأصليين واستقدام اضعافهم من مناطق اخرى من البلاد. 
  
     ان هذا النهج والاصرار على ادامته بأي شكل من الاشكال يشخص ويؤكد بشكل لا لبس فيه من الذين يقفون بالضد من اجراء التعداد العام للسكان او الغاء حقل القومية، او تطبيق مواد الدستور التي تتعلق بحل مشاكل الأهالي الذين تعرضوا لتلك السياسة طيلة ما يناهز النصف قرن في ما اطلق عليه بالمناطق المتنازع عليها في ذات المحافظات انفة الذكر، والتي يعاني فيها عشرات الآلاف من اصحاب الملكيات العقارية الذين صودرت اراضيهم وبيوتهم او تم شرائها بثمن بخس تحت الترهيب والتهديد، منذ اكثر من سبع سنوات دون حل او تعويض او اعادة لحقوقهم في هذا المناطق، بينما انجزت الهيئة المسؤولة عن اشكاليات الملكية العقارية في بغداد وجنوب ووسط البلاد الكثير من تلك التعويضات او الاعادة للاملاك العقارية ارضا او بناءً لأصحابها الاصليين.  
 
 
      واذا كانت عملية كنيسة النجاة كشبيهاتها التي وقعت في الحسينيات او المساجد او الاسواق والمدارس والمناطق المكتظة حيث لا يفرق الارهاب بينها جميعا وهي بالتالي اسهل الأهداف واكثرها انتاجا للضحايا الا انها هنا استهدفت بشكل جلي اقلية دينية الغاية منها دفع الاخرين الى ترك البلاد والهجرة الى خارجها، وقد كانت اكثر قساوة وايلاما من تلك العمليات التي استهدفت المساجد والجوامع كونها قد اقترفت حسب ادعاء منفذيها بيد مسلمين مذهبيين متطرفين في ذات الدين وليس كما حصل وما يزال يحصل مع المسيحيين والايزيديين والصابئة في اشارة لكونهم غير مقبولين وناقصي الاهلية المواطنية وبالتالي فالخيار امامهم إما الموت او الهجرة خارج البلاد في واحدة من ابشع عمليات الإبادة والإرهاب الجماعي للسكان بعد جرائم الأنفال ورواندا ويوغسلافيا السابقة.   
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
* بين عامي 1976 و1978 تم تدمير اكثر من مائة قرية في شمال وجنوب مدينة سنجار، وتجميع سكانها خارج مناطقهم الاصلية في مجمعات سكنية اشبه ما تكون بمعسكرات اعتقال، بلغت 12 مجمعا ضمت في وقتها ما يقرب من مئة الف نسمة. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كفاح محمود كريم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/12/11



كتابة تعليق لموضوع : الاقليات في العراق وصراع الوجود؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net