شاكر البدري.. ملح الحضور
عودة ضاحي التميمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كنا نلجأ اليه كما تلجأ الطيور الى اعشاشها، نتحلق حوله كما يتحلق المريدون حول حلقات الذكر.
نأنس به ويأنس بنا، تآلفنا معه حتى أصبحنا جزءاً منه، وأصبح جزءاً منا، لقد أسقط كل الحواجز فيما بيننا، وجعلنا ننسى انه المدرس ونحن الطلاب، ننسى انه الكبير ونحن الصغار، ولكن لم ننسَ احترامه وتبجيله وحبنا وتقديرنا العالي له.
نقرأ له ما نكتب، فيصحح ما فاتنا من أخطاء لغوية أو نحوية أو اخلال في الوزن أو الصورة الشعرية أو غيرها من متطلبات الشعر والابداع.
ونستمع اليه لنتعلم من تجربته الكبيرة، كان يؤمن بمواهبنا ويدافع عنا ويدفعنا للمزيد من المتابعة والقراءة الجادة المثمرة ومواكبة التطورات التي امتازت بها القصيدة الحديثة.
وكبرنا وكل منا اصبح له اسم وكتابات ودواوين مطبوعة ولكن لم نكبر عليه في يوم من الأيام، ولم ننسَ اننا تخرجنا من مدرسته ورعتنا أنفاسه، وقوّمنا قلمه الذي كان صادقاً كل الصدق معنا.
شاكر البدري تميز بخفة دمه وروحه المرحة وطرائفه ونكاته اللاذعة، حينما يغيب كانت تحضر طرائفه ونكاته وتعليقاته التي كنا نحفظها ونتداولها في كل جلساتنا، وحين يحضر يحل الفرح بكل اناقته يحلق في أجواء الجلسة، فيهرب الحزن والملل؛ لأن الحزن والملل والضجر والبدري لا يلتقون ابداً.
نكاته اللاذعة كانت تغرقنا في الضحك، حتى وإن يلذعنا بعض شرارها؛ لأننا نعرفه يحمل قلب طفل، لم يعرف الغل والحقد طريقا اليه.
كان يقول: لقد توصلت من خلال البحث والاستقصاء بأن (الكص قضية حضارية)، وأطلقناه شعاراً بيننا، نتداوله ونتفكه به فيما بيننا.
لم يسلم من لذعاته احد منا لا القريب ولا البعيد، ولكن الكل كان يتلقاها برحابة صدر، ولا يزعل أبداً؛ لأن الكل يعرف نواياه البريئة وروحه الطيبة.
لقد كان ملح الجلسات وقمر السهرات وفارس النكتة الهادفة والبارع في اقتناص الفرصة المناسبة التي يطلق فيها سهام نكاته اللاذعة لتبقى محفوره في ذاكرتنا.
كان يتنافس مع جميع اقرانه ابداعاً، ولم يتضايق من أحد أو يحسد أحداً.
كان شاعراً بارعاً، اكتسبت القصيدة العمودية الكثير من الحداثة على يديه، وقصائده كلها تتسم بالحداثة والمواكبة والابداع، كتب القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة، والقصيدة الشعبية، واصدر دواوين عدة، وشارك في معظم المهرجانات والأماسي الأدبية والثقافية في كربلاء وخارج كربلاء.
وكان يردد مازحاً: (لولا اللكنة في لساني، لكنت المتنبي الثاني) كما كان مؤرخاً وكاتباً مسرحياً وناقداً بارعاً، لا تفوته شاردة ولا واردة، ولا يجامل أحداً على الابداع حتى لا يبقى الشاعر غافلاً عما يكتب.
أقيمت له العديد من الاماسي في اتحاد الادباء وجمعية الشعراء الشعبيين والملتقيات الأدبية المتعددة، تحدث من خلالها عن الأدب والشعر والنقد والتاريخ والتراث الشعبي وغيرها، وكنا نصغي اليه بمحبة ونستمتع بآرائه الجريئة القيمة التي تخدم مسيرتنا الإبداعية.
له علاقات كثيرة ومتشابكة مع شعراء وادباء وكتاب العراق وسوريا ومصر وبينهم مراسلات اخوانية ومساجلات أدبية.
مدرس قضى جل حياته في التربية والتعليم، خرّج اجيالاً من الشعراء والكتاب والمفكرين وكأديب رعى اكثر من جيل ادبي، وتخرج من خلال رعايته الكثير الكثير الذين يحتفظون الى الان بمحبته ويدينون له بالفضل.
بلغ سن التقاعد فتقاعد وبدل من ان يخلد الى الراحة رجع الى مقاعد الدراسة من جديد، فدرس الحقوق في مصر، وعاد محامياً بارعاً أصبح له اسم يميزه من بين عشرات المحاميين.
أيام الحصار العضوض كنا موظفين يلفنا البؤس وشظف العيش، وكان هو من خلال عمله في بحبوحة تتيح لنا ان نستعين به في الكثير من الأمور، منها الذهاب الى بغداد أيام المربد او المهرجانات الأدبية الأخرى بسيارته الخاصة والتي كان سائقها من الاخوة المصريين الذين يعرفون بخفة دمهم.
كذلك كنا نكلفه ببعض قضايانا التي نحتاج فيها الى محام، وكان يتكفلها مجانا، هذا هو الانسان والمفكر والشاعر والناقد والمسرحي والأستاذ شاكر البدري الانسان الطيب والاديب المبدع والناقد البارع هذا الانسان الذي رحل وترك بصماته محفورة في ذاكرتنا ومحبته في قلوبنا كما حفر اسمه على الكثير من المنتديات الثقافية والصحف والأماكن والمقاهي والمهرجانات والكتب التي صدرت له او عنه والتي ستصدر مستقبلاً.
في مقالة أخرى -إن شاء الله- سأستعرض مؤلفاته الأدبية والثقافية الأخرى، وسأحاول تلخيصها للقارئ الكريم ليطلع على تراث هذا الكائن الادبي الراقي، وانا متأكد ان الذين سيطلعون على ابداعه من جيل الشباب سيعشقونه كما كنا نحن نعشقه.
شاكر البدري ناقد كبير وكاتب واع وشاعر مبدع ولكن مع كل الأسف ظلمه الاعلام؛ لأنه كان بعيداً عن التزلف.
هذه محاولة مني بسيطة للكتابة عن بعض الاستذكارات الجميلة التي عشتها معه كأحد الشعراء الذين رعتهم محبته، وقوّمهم قلمه، وثقّفهم نقده.
الرحمة والرضوان إلى روحه الطيبة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عودة ضاحي التميمي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/03



كتابة تعليق لموضوع : شاكر البدري.. ملح الحضور
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net