صفحة الكاتب : مرتضى حميد

الضد النوعي..ضرورةٌ
مرتضى حميد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لستُ متفائلاً الى حد السكينة الذهنية، ولستُ من الذين يلقون الأمور على عواهنها، لكني  مؤمنٌ بـ(اليقظة الموضوعية)، التي تلزمني برؤية المشهد كما هوَ.. فتساقط الأقنعة و إنكشاف  سَوْءَة الدَجَل الفكري، وتَكَسُر المرايا التي يقف خلفها سَدَنة الإغتراب الثقافي، تجعل من اليسير تشخيص مَنْ إدعى الوقوف على التلّْ!!! ذلك الذي يخطط ليلاً ونهاراً لِبلوغ مقاصِدِه، وصَدَقَ رائدُ الفكر والشريعة مولانا أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) حيث قال "شرُّ الأعداء أبعدهم غوراً وأخفاهم مكيدة" مُحَذراً من (خَفاءِ المكيدة) لدى الأعداء، وليس بالضرورة أن تكون المواجهة عسكرية او مُباشرة ، او على سبيل النِدّية ،وغيرها من الأساليب..
ولذا فقد كان لدى دعاة (الإغتراب الثقافي) خيارات متعددة لـ(ذرّ الرماد في العيون)، و الحَوَمان حول البئر، و إقتناص لحظة الغفلة لدى الجمهور، وصولاً الى الرؤية المقلوبة للمشهد !! فهم يمارسون مراوغة في ساحة المواجهة والحِوار ،تحت مسمى (العلمانية) تارة، وتحت مسمى (الحوار الأنساني المفتوح) تارة، و أخرى تحت مسمى (المدنية ونبذ العنف) وغيرها..
وليتَ شعري، هلاَّ أوضحوا لنا متى نشأ مصطلح (العلمانية) ولماذا؟  
وهل هي بـ(فتح العين) أم بـ(كسرِها) ؟ 
وما المقصود بالمَدَنِيَّةُ ؟ أهِيَ الحضارة واتّساع العمران ..أم ماذا؟ 
هل يؤمنون برفض التدَيِّن بالمطلق، وإقصاءه من مفاصل الحياة؟ وفق ما ورد في معجم (ويبستر) لـمصطلح (العلمانية) بأنّها "عدم الاكتراث، أو رفض، أو استبعاد الدين، والاعتبارات الدينية"؟
هل يعتقدون بمرتكزات (ديفيد هيوم) و(إيمانويل كانط) لتحقيق السعادة الإنسانية التي ينادون بها؟
ما أراه وفق قراءتي الشخصية ،إن الغاية تقتضي العمل على إضعاف مكانة المعتقد في المجتمع، كحدٍ أدنى ،لأن إلغاء المعتقد من الساحة أمر مستصعب، لذا فـ(الهدم الذاتي العَقَدي) هو الخيار المطروح، والقومُ  مُحرَجين من رفع أصواتهم بذلك..
وبمقتضى هذه الرؤية ، و وضوح المقاصد، لابد من تحرك بمستوى الطموح، من النخبة الفكرية والثقافية التي تؤمن بـ(مشروع الجماعة الصالحة) الذي أسسه سيد الوجود ومُعلم الإنسانية الأكبر ،حضرة النبي (محمد) صلى الله عليه وآله، ورسّخَهُ خلفاءه و أوصياءه الطاهرون (صلوات الله عليهم)، من خلال التأكيد على مسألة مهمة، تتمثل بـ(نَمْذَجة المُحاوِر):وأعني بها الآلية النَسَقية الرائقة، التي أرسى قواعدها أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولعلَّ مدرسة الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، كانت الأكثر تجسيداً لهذه النسَقية عالية المضامين..والرامية الى اتخاذ النموذج الناجح بكل ابعاده الاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية وغيرها.
إن المتتبع للمسيرة العلمية لجامعة الإمام الصادق (عليه السلام)،يلحظُ وبشكل جليٍّ،(نَمْذَجة)  شخصيات علمية و فكرية وكلامية، تتحمل مسؤولية الترويج للشريعة الغرّاء، و تفنيد شبهات المخالفين عقدياً و وجودياً، فكانوا جهابذة علمٍ وأفذاذ قلَّ نظيرهم، فحملوا العلم ممزوجاً بالتقوى. 
وقد ساقتْ لنا كُتبُ السِيَر هذه النصوص التاريخية، من سيرة أصحاب الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، التي تحكي إعداد نماذج كفوءة ومُحاوِرة من العِيار الثقيل، ومنها رواية (هشام بن سالم) التي تعكس ذلك النجاح الباهر لـ(جامعة الإمام الصادق) عليه السلام،تقول الرواية " كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه فورد رجل من أهل الشام فاستأذن بالجلوس فأذن له، فلما دخل سّلم فأمره أبو عبد الله (عليه السلام) بالجلوس ثم قال له: ما حاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه فصرت إليك لأناظرك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) في ماذا؟ قال: في القرآن، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) يا حمران بن أعين دونك الرجل، فقال الرجل: إنما أريدك أنت لا حمران..
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن غلبت حمران فقد غلبتني فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر وملّ وحمران يجيبه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) كيف رأيت يا شامي؟ قال: رأيته حاذقاً ما سألته عن شيء إلا أجابني، ثم قال الشامي: أريد أن أناظرك في العربية، فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: يا أبان بن تغلب ناظره، فناظره حتى غلبه، فقال الشامي: أريد أن أناظرك في الفقه فقال أبو عبد الله: يا زرارة ناظره، فناظر حتى غلبه، فقال الشامي: أريد أن أناظرك في الكلام فقال الإمام (عليه السلام): يا مؤمن الطاق ناظره، فناظره فغلبه..
ثم قال: أُريد أن أناظرك في الاستطاعة فقال الإمام (عليه السلام): يا هشام بن سالم كلمه فكلمه فغلبه، ثم قال: أريد أن أتكلم في الإمامة فقال الإمام (عليه السلام): لهشام بن الحكم كلمه، فغلبه أيضاً فحارَّ الرجل وسكت. واخذ الإمام يضحك فقال الشامي له: كأنك أُردت أن تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال؟ فقال الإمام (عليه السلام): هو ذلك".
إن (نَمْذَجة المُحاوِرْ) مرتكز حيوي، في إدامة الحوار البنّاء، من جهة، وقطع الطريق على أدعياء الثقافة العمياء والفكر الأعور ، من جهة أخرى..بل يُلجِم أفواه مدعي المدنية، من خلال رجالات فن وإبداع وفكر وثقافة وفلسفة وطروحات واقعية بـ(لغة العصر)، يتمتعون بـ(حصانة عقائدية) ، ويلتزمون التديُّن القرآني الوسطي الرشيد، لا يجدوا حَرَجاً من التصدي لِكشف زيف الشعارات الموهومة، وتِبيان عالمية الشريعة الغراء، وإنسانية المنهج القرآني، وأسبقية الرؤية الاسلامية الأصيلة في ترسيخ التعايش والسِلم الأهلي..
نعتبر مما مضى، ونستعد لما يأتي..فالمخاض عسير، والمواجهة طويلة والتحديات لن تنتهي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى حميد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/18



كتابة تعليق لموضوع : الضد النوعي..ضرورةٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net