صفحة الكاتب : شعيب العاملي

أساطير الشيعة.. في عاشوراء!!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
تطولُ أيّامُ الحزن والعزاء، والتَّفَجُّع والبكاء، على سيِّد الشهداء الحسين عليه السلام.
 
ينظرُ المؤمنُ إلى كلمات المعصومين، فتُوقِفُهُ عبارتان:
 
الأولى:
لَا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله.. وهي عبارة الإمام المعصوم الحسن المجتبى عليه السلام (الأمالي للصدوق ص116).
 
والثانية:
فَمَنْ يَتَهَنَّأُ مَعَ هَذَا بِطَعَامٍ أَوْ بِشَرَابٍ أَوْ نَوْمٍ.. وهي عبارة الإمام الصادق عليه السلام (كامل الزيارات ص92).
 
مُصيبةٌ ليسَ لها مَثيل، يتألَّمُ لها الإمام المعصوم عليه السلام، ثمَّ يتألَّم لها المؤمن الشيعيّ، أليس ممَّن خلقه الله من طينة الأئمة، حتى ورد عنهم عليهم السلام: مَنْ عَادَى شِيعَتَنَا فَقَدْ عَادَانَا، وَمَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ وَالانَا، لِأَنَّهُمْ مِنَّا خُلِقُوا مِنْ طِينَتِنَا.. أُولَئِكَ أَهْلُ الإِيمَانِ وَالتُّقَى، وَأَهْلُ الوَرَعِ وَالتَّقْوَى (فضائل الأشهر الثلاثة ص105).
 
أهلُ الإيمان هؤلاء هم أهلُ القلوب المنكسرة في أيام الحسين، وهم الذين يبكونه رحمةً وشَفَقَةً وحُبَّاً له، وتنقَلِبُ أحوالُهم في ذكراه.
 
ينظُرُ لهم المخالفُ في أيام الحسين عليه السلام، فيتوهَّم أنّهم غارقون في الأساطير، وأنَّهم من أهل الغلوّ والإفراط، في العقيدة والعمل.
 
أما في العقيدة، فحينما يعتقدون بأن الكون قد بكى الحسين، ويظنُّها المخالفُ أساطير للشيعة كأساطير الأمم المندثرة!
وأمّا في العمل، فحينما تتعطل مظاهر الحياة في يوم شهادته، فيظنُّ المخالف أن الشيعة ما عادوا من أهل التعقُّل بذلك !
 
لكنَّ للشيعة ههنا بحوراً من المعارف، وقوافلَ من الأدلَّةِ تترى وتتلاحق.
 
فإنَّهم يرفعون وحشة السائل بوجوهٍ قرآنيةٍ، بعدما ارتضوا أن يكون القرآن الكريم حَكَماً بينهم وبين مخالفيهم، ويكشفون أصولاً قرآنية لعقيدتهم تجعلها في غاية المتانة، ومن هذه الوجوه:
 
الوجه الأول: الجبال تخشى الله !
 
قال تعالى:
﴿لَوْ انْزَلْنا هذَا القُرْانَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَايْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله﴾ (الحشر21).
 
هَل للجبل نوعُ إدراكٍ حتى يصير خاشعاً من خشية الله ؟! أم يُرادُ من الآية لسانُ الحال فلا يكون الجبلُ خاشعاً حقيقةً ؟!
 
إنّ ما تركنُ إليه النَّفس هو كون خشية المخلوقات لله خشيةً حقيقيةً جَليَّةً في مواردها، فلو أنزل الله القرآن على الجبل (لَرَأيْتَهُ خاشِعاً)، أي لظهر الخشوع عليه، وأصابه التصدُّعُ من الخشية، وبهذا ينسجمُ إدراك الجبل لعظمة الله تعالى وعظمة كلامه مع خشيته حقيقةً.
 
ولذا لا يستغربُ المؤمن عندما يدعو الله تعالى في أول أيام شهر رمضان:
 
الحَمْدُ لله الذِي مِنْ خَشْيَتِهِ:
1. تَرْعُدُ السَّمَاءُ وَسُكَّانُهَا
2. وَتَرْجُفُ الأَرْضُ وَعُمَّارُهَا
3. وَتَمُوجُ البِحَارُ وَمَنْ يَسْبَحُ فِي غَمَرَاتِهَا (تهذيب الأحكام ج3 ص110)
 
وليست خَشيةُ السماوات وسكانها والأرض وعمارها لله تعالى من الأساطير بحالٍ من الأحوال، فإنَّ لذرّات هذا الكون نوعُ إدراكٍ لخالقها وعظمته، تجعلها تخشع أمامه عزَّ وجلّ، في مشهدٍ لا يتمكن ضعيفُ الإيمان من إدراكه، وإن نطقَ به القرآن الكريم.
 
الوجه الثاني: كلّ شي يسبح الله !
 
قال تعالى:
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ الاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ (الإسراء44).
 
وقد أثبتت هذه الآية أنَّ كلّ شيء يسبِّحُ الله تعالى، بما في ذلك السماوات والأرض وسائر الجمادات، وإن لم (نَفقه) تسبيحهم.
 
الوجه الثالث: الجمادات تسجد لله !
 
قال تعالى:
﴿المْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَال وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ﴾ (الحج18).
 
لقد كشفت هذه الآيات وأمثالها عن نِظامٍ كونيٍّ رَهيب، يغفلُ الإنسان عنه غفلةً تامَّة، حيث تخضعُ كلُّ ذرَّةٍ من ذرات هذا الكون العظيم لبارئها، وتخشعُ من عظمته، وتخشاه وتسبِّحه وتسجد له !
 
فأينما أدرتَ طرفَكَ تجدُ مخلوقات الله تعالى، التي تأتمرُ بأمره وتنتهي عن نهيه، إلا من حقَّ عليه العذاب من العصاة، الذين لو شاء الله لَعَجَّزَهُم عن معصيته، ومنعهم من التصرُّف بذواتهم، بعدما أقدرهم على ذلك، وهل اقتدر الإنسان بغير إقدار الله تعالى له ؟!
 
هكذا يفهم المؤمن أيضاً لماذا تحبُّه الأرض التي يمشي عليها فتقول له بعد وفاته: وَالله لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّكَ وَأَنْتَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي (الكافي  ج‏3 ص130).
 
ترتبطُ العوالمُ وتتناسقُ إذاً في خَلقٍ بَديعٍ عظيمٍ حثَّنا تعالى على التدبُّرِ فيه مراراً، ثمَّ جعلَ عزّ وجلَّ لذلك أثراً عظيماً، حيث ورد في الحديث: مَنْ خَافَ الله أَخَافَ الله مِنْهُ كُلَّ شَيْ‏ءٍ (الكافي ج2 ص68).
وهو ما يفتحُ الباب واسعاً أمام الوجه الرابع.
 
الوجه الرابع: بكاء السماء والأرض في القرآن !
 
قال تعالى عن قوم فرعون: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ (الدخان29).
هؤلاء قومٌ عُصاة، لا تبكي عليهم السماء والأرض، ولا يخافون الله فلا يُخيف مِنهم كلّ شيء.
 
لكنَّ للصفوَةِ والكُمَّل حالٌ آخر، حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام لمّا مرَّ عليه الحسين عليه السلام:
لَكِنْ هَذَا لَيَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ (تفسير القمي ج2 ص291).
 
لا عَجَبَ إذاً أن تبكي السماء الحسين، فهو والعترة الطاهرة أقرب الناس لله تعالى، والسماء لا تبكي على قوم فرعون لأنَّهم عصاة لا يستحقون ذلك، لكنَّها تبكي الحسين الشهيد المظلوم العطشان، أحبّ الناس إلى الله تعالى مع جدِّه وأبيه، وأمّه وأخيه، والتسعة من ذريّته وبَنيه.
 
حقَّ أن تبكيهم السَّماء، وهذا القرآن يرشد إلى أنَّ بكاء السماء ليس أسطورةً يختصُّ بها الشيعة، إنَّه واقعٌ وحَقٌّ كتسبيحها الذي لا نفقهه.
 
ثم لا يتعجَّبُ المؤمن من ذلك، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله قوله لابن مسعود:
اعْلَمْ أَنَّ الله تَعَالى خَلَقَنِي وَخَلَقَ عَلِيّاً مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ بِألفَيْ عَامٍ..:
1. فَفَتَقَ نُورِي فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ..
2. وَفَتَقَ نُورَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ ع فَخَلَقَ مِنْهُ العَرْشَ وَالكُرْسِيَّ..
3. وَفَتَقَ نُورَ الحَسَنِ فَخَلَقَ مِنْهُ اللَّوْحَ وَالقَلَمَ..
4. وَفَتَقَ نُورَ الحُسَيْنِ فَخَلَقَ مِنْهُ الجِنَانَ وَالحُورَ العِينَ.. (الفضائل ص129).
 
الكونُ مَخلوقٌ من نورهم عليهم السلام، فلا عجبَ أن يبكي لما جرى عليهم.
 
يبيّن المؤمن ذلك، ثم لا يكترث كثيراً إذا ما كُذِّب، فلقد كُذِّبَ الرُّسُل من قبلُ من بعدما أتوا بالآيات، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الذينَ كَفَرُوا إِنْ هذا الاَّ أَساطيرُ الأَوَّلينَ﴾ (الأنعام25).
 
فليس هؤلاء ممن أراد الإيمان: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾.
وقد بيَّنَ القرآن ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن إذا ما واجه هؤلاء، حينما قال تعالى: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ في‏ ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ (النمل70).
 
وهو العالم بتعليم الله أن الله موهن كيد الكافرين: ﴿قَدْ مَكَرَ الذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيانَهُمْ مِنَ القَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ العَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ (النحل26).
 
هذا حال من يكذب بآيات الله، ويزعم أنّها أساطير الأوَّلين.
فما حال من يكذِّب بآل محمد وهم أعظم آيات الله وأكمَلُها ؟!
فليرتقب المكذِّبون.. أجارنا الله منهم ومن مكائدهم..
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/09



كتابة تعليق لموضوع : أساطير الشيعة.. في عاشوراء!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net