صفحة الكاتب : الشيخ عبد الحافظ البغدادي

رجال البصرة السيد نور الدين عباس شبر
الشيخ عبد الحافظ البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

          

 هذه مذكرات مهمة لمدينة البصرة  في حقبة ما بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 , وما تلقته البصرة من جحيم البعثيين وبطشهم وطغيانهم منها ألقاء حمم القنابل وجرف وتهديم بيوت الفقراء والمؤمنين  وغلق الحسينيات ، ولا زالت صورة  ترك الجثث البشرية ثلاثة أيام تملأ الشوارع الرئيسية والساحات في وسط البصرة القديمة والعشار والجمهورية والحيانية والطويسة وغيرها وأصبحت طعما للكلاب السائبة والقطط ، جاء دور الطاغية بعدها لتصفية المؤمنين وغلق دور العبادة والحسينيات تحديدا في البصرة القديمة  إلا عددا من المتأقلمين مع حالة حزب البعث وتنفيذ رغباتهم إلى حد ممانعة رجال الدين الشيعة  أي كلمة ينطقها الشباب يشم منها رائحة المعارضة للحزب خوفا من الحزب وما يرتبه على سماع الكلمة ، وخوفا على قائل الكلمة أن تصل كلمته إلى مديرية الأمن أو المنظمة الحزبية بواسطة الملائكة النقالة كما  نسميهم فيذوب في أحواض التيزاب أو يلتحق مع إخوانه في المقابر الجماعية   ، تلك الفترة تحولت المساجد والحسينيات إلى مصلى فقط يؤدي فيه المصلون صلاتهم ودعائهم  اغلبهم كبار السن لا يثيرون حفيظة الرفاق والأمن بالبصرة ، يترددون وقت  صلاة المغرب غالبا... وهذا لا يمنع أن يدس أزلام النظام عددا من مرتزقته وسط المصلين ، اذكر يوما تشاجر خضار مع مشتري بسبب ما في سوق البصرة، فقال المشتري للبائع { ولك خلينا ساكتين ، أنت أولادك كلهم يصلون بالجامع ..! كلهم ضد الحزب والثورة} وعلى هذا السياق بقية المتلونين رجالا ونساءً ، وصل الناس إلى مرحلة  النفاق والدجل والكذب على الناس وعلى أنفسهم  إلى أن لا يمكن أن يتكلم احد ببنت كلمة ضد صدام أو حزب البعث المقبور....   
       في تلك الفترة كانت  عودتي من النجف إلى البصرة ، تركت النجف لان الحياة فيها  لا تطاق من مطبلي صدام ودجاليه ومنافقيه  في المنظمات الحزبية والأمنية والمخاتير الرفاق وأبناءهم والصخرة والتطوع في جيش القدس والتبرع للملوية وبناء قبة الإمام موسى بن جعفر {ع} وغيرها بالعشرات ، في البصرة تعرفت على السيد نور الدين عباس شبر ، إمام جامع آل شبر بالبصرة - السيمر، رجل متواضع بكل معنى الكلمة وعصامي بشموخ نخيل البصرة وصلب كملحها وطيبتها.. وجدت ضالتي في مسجد آل شبر أتعبد فيه لان كوادره لا يهتمون كثيرا للحزب وقراراته  فيهم  شيء من العصامية ، كان قارئ القران الحاج سالم في كل عطلة صيفية يفتح دورة قراءة وتعليم القران للأطفال والكبار ، ولا ينهيها لان مديرية الأمن له بالمرصاد ، بفضل من ينقل احد الطيبين جدا المكلفين بالمراقبة على المسجد نشاط هذا الرجل وتنتهي الدورة قبل أوانها بالغلق ، ولكنها تولد موقفا لدى المنتظمين فيها ، موقف ممتلئ يقينا إن حزب البعث يعمل ضد الله ورسوله{ص} وال بيت الرسول الكرام عليهم السلام....          
   بعد سنين تحول هذا المسجد إلى قلعة من قلاع استقطاب الشيعة في البصرة ، استقطب جميع المثقفين والشباب وغيرهم ، لم يكن السيد نور الدين  طالبا حوزويا ، ولم يرتدي العمامة ولكنه فرض احترامه على الجميع ، له تواصل مع  البسطاء أكثر من التجار وأصحاب القرار الحكومي ، وسع المسجد كثيرا وأعاد بناءه بعد أن ضم دارا إلى المسجد، رغم ذلك لم يسع المصلين، كان عدد كبير منهم يصعدون السطح ليؤدون الصلاة في سطح الطابق الثاني , وقد رأيت أياما عديد بعض الشباب يصلون على سطح البيتونة { سطح غرفة الدرج للطابق الثاني }واشهد بالله إن التجمع كان نوعا من التعبير ضد الدولة التي كان يسير فيها سيد نور رحمه الله ، ومن مواقفه التي لا تغيب عن مخيلتي ،  أراد البعثيون استدراج الناس التابعين له في البصرة ، بعد أن فشلوا في إبعاد الناس عنه حينما قتلوا أخاه الشهيد السيد عصام الدين شبر رحمه الله في كربلاء ورميت جثته قرب خان النص على قارعة الطريق أمام المارة في طريق نجف كربلاء ، وقد وضعت عمامته الشريفة على صدره، بقي ممددا أكثر من نصف نهار ثم رفعته القوات الأمنية في كربلاء المقدسة ، وحين تسليمه لأهله أصر السيد نور الدين أن يعلموه سبب إعدامه ولماذا القوه في الشارع بهذا الشكل ، نحن نعلم إنهم كانوا يخافون من شخصية رجل الدين المثقف الملتزم ، رجل الدين الذي يترجم علمه إلى مواقف ضد الطغاة ويصب في خدمة الوطن والمواطن ولذا قتلوا سيد عصام رحمه الله ...    هذه الحوادث تركت أخدودا في قلوب محبي الشهيد سيد عصام   ،وتحول ذلك الحب إلى أخيه السيد نور الدين عباس شبر، وقد استثمر السيد ذلك التوجه تماما بفطرة البسطاء الهاشميين المؤمنين ...   
 ومن المواقف  التي لا أنساها ، كنت جالسا عنده ذلك اليوم  ،جاءه عددا من رفاق البصرة القديمة في منظمة المهلب وعندهم مشروع ضم السيد نور الدين إلى موقفهم من صدام المقبور بالتبرع بمناسبة ميلاد صدام  ، قالوا له: سيدنا نريد منك هدية نقدمها للسيد الرئيس صدام حسين ، فقال أنا ما املك شيء حتى أقدمه لكم ، قالوا صحيح ولكن عندك سيف يعود لوالدك السيد عباس شبر قدمه له عبد الإله ولي العهد في حكومة الملك فيصل الثاني ، فقال: { من قال لكم ذلك } ..؟ قالوا نعرف بهذا منذ زمن بعيد ... فسكت السيد برهة  وتغير وجهه واحمرت عيناه ثم قال : تريدون سيف سيد عباس شبر انطيكم إياه تقدموه لابن صبيحة {أل......} ونطق الكلمة.... ثم انفعل جدا وقال: والله لو تقتلوني أفضل من هذا الكلام... قوموا اخرجوا من المسجد وما اسمح لكم بهذا الكلام مستقبلا... فقاموا تتعثر أقدامهم ببعضهم ،  كنت اعتقد إنها النهاية التي ينتظرها سيد نور الدين... ولكنهم سكتوا لأنهم جبناء لو أوصلوا هذا الكلام للمسئولين سينالهم العقاب العام خاصة صدام ، كما إني اعتقد تماما إن لله تعالى يد في كثير من المواقف التي تشمل المؤمنين بالرحمة والشفقه وتنقذهم من يد البعثيين .... 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الحافظ البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/13



كتابة تعليق لموضوع : رجال البصرة السيد نور الدين عباس شبر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net